شبكة ذي قار
عـاجـل










 السوداني غير قادر على كبار الفاسدين لكنه يتشاطر فقط على الضعفاء منهم

أ.د. مؤيد المحمودي

13/12/2022

 

 

  يوجد مثل مصري يقول (مقدرش على الحمار جاي يتشطر على البردعة). والبردعة هي السرج الذي يوضع على ظهر الحمار و هذا المثل يعبر عن أحداث قديمة حصلت في قرية كان يوجد فيها حمار شرس جدا يقوم برفس وإيذاء كل شخص يقترب منه بشكل عنيف. وبسبب عجز الناس عن السيطرة على الحمار المؤذي والحد من شراسته  كانوا يلجئون الى صب نار غضبهم على البردعة الموجودة في ظهر الحمار كلما حصلت أذية منه. ويضرب هذا المثل كعبرة للشخص الذي يعجز عن مواجهة القوي فيقوم بالانتقام من الضعيف عوضا عن ذلك . 

وهذه الحالة تنطبق على وضع السوداني اليوم في الحكم الذي رفع شعار محاربة الفساد بصورة انتقائية ضد صغار الفاسدين بعد أن ترك حيتان الفساد تواصل عملية السرقة بكامل حريتها رغم معرفته الكاملة بأن هؤلاء الفاسدين الصغار هم  مجرد واجهات أو أيقونات للحيتان الكبيرة من الفاسدين . من الواضح فان الهدف من تسليط الضوء على صغار الفاسدين فقط هو لإبعاد الشبهات عن حيتان الفساد لكي يبقوا في الظل من غير رقابة أو مساءلة عليهم. كما حصل في سرقة القرن المتمثلة باختلاس ملايين الدولارات من دائرة الضرائب والتي اعتبر نور زهير المتهم الأول فيها . الا أن التقارير التي أعدتها  الصحف البريطانية مثل الكاردين والأوبزيرفر تشير الى تورط جهات أخرى متنفذة في الحكم بعملية السرقة مثل منظمة بدر والمصرف الذي سهل عملية سحب الأموال والبنك المركزي ومصلحة الضرائب ومكتب رئيس الوزراء الكاظمي. وفي هذا الصدد يقول عضو سابق في البرلمان: “إنها شبكة كبيرة، ويقف خلفها سياسيون كبار من النخب القوية التي تقود البلد. ولا يستطيع رؤساء الدوائر سرقة هذا المبلغ الكبير “ .وفي مسرحية هزيلة كي يضحك بها على العراقيين ، ظهر السوداني علنا والأموال مكدسة خلفه  ليعلن خبر إطلاق سراح السارق نور زهير من السجن بعد أن سلم فقط 5 % من قيمة سرقة القرن .على أمل أن بقوم نور ببيع بعض أملاكه التي حصل عليها عن طريق الفساد ليسدد المتبقي عليه من السرقة. والكفالة التي وضعت على هذا السارق تتضمن حصته من المصفى الموجود في شمال العراق (عصفور كفل زرزور والاثنين طياري). والغرض واضح من هذه الخطوة التي تثير الكثير من التساؤلات ، هو لإبعاد الشبهات عن كبار الحيتان الذين يقفون وراء هذا السارق الصغير فيما لو اضطر للإدلاء بجميع المعلومات التي بجعبته عن عملية سرقة القرن.

لو أن السوداني جدي في ادعائه للقيام بحملة حقيقية في محاربة الفساد لكان الأجدر به محاسبة كبار الفاسدين لأنهم أساس البلاء في تدمير الاقتصاد العراقي وايصاله الى الحالة المزرية الحالية. ترى  من هم كبار حيتان الفساد الذين يخشاهم السوداني ويتجنب الصدام معهم أو تقديمهم للقضاء ؟. انهم مجموعة المرتزقة الذين جاؤوا على ظهر الدبابات الأمريكية بعد العام 2003 ومن ثم تلقفتهم حكومة الملالي في طهران وجندتهم لتجعل منهم حكاما على رقاب العراق ، وهم باختصار:

1.    رؤساء الوزارات ابتداء ا من الجعفري وحتى الكاظمي ، وأقل واحد فيهم  خرج بملكية لا تقل عن 70 مليون دولار والبعض منهم اختلس بالمليارات من الدولارات.

2.    رؤساء الكتل الحزبية العربية والكردية

3.    رؤساء التنظيمات لقواطع الحشد الشعبي

4.    معظم الوزراء وخاصة الين شغلوا وزارات النفط والمالية والكهرباء والتجارة والصحة والدفاع والمواصلات

5.    رؤساء البنوك الأهلية

 

ولكي يعوض السوداني عجزه المطلق في التقرب من هؤلاء الحيتان الكبار فانه  يلجأ الى منطف الجبناء والانتهازيين بإفراد عضلاته على الحلقات الضعيفة من فئات المجتمع. وهكذا في ظل حكمه القرقوشي تعرض ناشط تشريني الى شتى أنواع التعذيب وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات لمجرد أنه تجرأ وذكر حقيقة  معروفة تتعلق بتبعية الحشد الشعبي الى ايران. أي أن السرقة عند السوداني ليست بجريمة اذا ما قورنت بالتعبير عن الرأي خاصة اذا كان هذا الأمر يخص أحد الأجهزة الفاسدة في الدولة.

وهذه الظاهرة التي تتعلق بانتقاء الحلقات الضعيفة وتحميلها المسؤولية عما يجري من فساد في البلاد قد تكررت أيضا في زيارة السوداني الى مستشفى الكاظمية ببغداد. والتي على أثرها قام  رئيس الوزراء بنقل بعض الأطباء ومعاقبتهم بعد أن حملهم كافة المسؤولية عن فقدان الدواء والغذاء للمرضى وانعدام الرعاية الصحية. متجاهلا مسؤولية وزارة الصحة  المعروفة بفسادها عن الخلل الحاصل في تلك الخدمات الصحية التي تعم العراق بأكمله. ربما يكون بعض الأطباء مقصرين في عملهم شأنهم شأن موظفين الدولة الأخرين. ولكن حقيقة  فقدان العديد من الأطباء لحياتهم في مرحلة وباء الكورونا وتعرض قسم منهم للضرب والاهانات والتهديد في أوضاع غير أمنة تدل على محاولات جدية للكثير منهم في تقديم خدمات طبية حقيقية تحت ظروف استثنائية وبيئة فاسدة غير مشجعة.

ولحسن الحظ رغم الفترة القصيرة التي قضاها السوداني في الحكم والتي لم تتجاوز أكثر من ستة أسابيع ، الا ان الماء بدأ يتسرب الى السفينة التي يقودها مما يجعلها مهددة بالغرق. خاصة وأن الأمريكان الذين دعموا السوداني في الوصول الى الحكم قد رفعوا عنه هذه الوصاية مؤخرا. وعلى أثرها سارع بعض الانتهازيين من المناصرين له في الحكم مثل الحلبوسي والمالكي الى التهديد بالقفز من هذه السفينة للنجاة بأنفسهم .وكنا سابقا قد توقعنا بأن حكومة السوداني لن تدوم سوى عدة أشهر ولكن بعد المتغيرات الجديدة علينا أن نعيد حساباتنا ونبدأ بالعد لها على مدار الأسابيع وليس الأشهر. فضلا عن ان العصفورة نقلت لنا خبرا مفاده،  قد تكون حكومة السوداني هي المحطة الأخيرة في مرحلة الحقبة السوداء التي اجتاحت العراق في العشرين سنة الأخيرة، والله أعلم .

 






الاربعاء ٢٠ جمادي الاولى ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / كانون الاول / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. مؤيد المحمودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة