شبكة ذي قار
عـاجـل










نحوَ استراتيجيّة لتَعزيز الوَعي

القومِي الوحدَوي لدى الأجيالِ الصاعِدة

 

تواجه الأمة العربية في كافة مناحي حياة شعبها، استهدافاً متوحشاً، عبّر عن نفسِه بفرض تحديات غير مسبوقة، تهدف كلها إلى ضرب ومحو الأمة من الوجود، وطمس هويتها وحضارتها.

لذا تواجه حركة النضال القومي العربي عقبات ومصاعب متزايدة منذ أكثر من ربع قرن، خاصة بعد أن ضربت القوى المعادية للأمة العربية ولحركة تحررها ووحدتها ونهضتها، قلعة النضال القومي التحرُّري في العراق، بغزوه سنة 2003 م، فقد تكالبت قوى الاحتلال الغربي والكيان الصهيوني وإيران على الأمة وأمعَنَت في التنكيل بحركةِ النضال القومي ومراكزها وقواها الوطنية، في العراق وفلسطين ولبنان واليمن والسودان وليبيا وغيرها، وكان تشويه ومحاصرة الفكر القومي العربي وبالذات الوحدوي، من أبرز مظاهر العدوان والتعدي، وفي نفس الوقت كان من أبرز أدواتها.

وشاركت في تلك المؤامرة قوى محلّية مرتبطة بالأطراف المعادية للأمة العربية.  فأوغل الجميع، وبجهود آخذة في التوسع والازدياد، بتسفيه الفِكر القومي وشعارات الوحدة والتضامن العربي والنضال القومي والتحرري. كما أمعنوا في هدم إرادة الأجيال العربية الصاعدة، وتكريس التوجهات المفتِّتة للأمة العربية ولأقطارها. فلم يكتفوا بالتيارات القُطرية بل راحوا يبثّون توجهات تهدف لتُمزِّيق وحدة وتماسك المجتمع في القطر الواحد على أسس عنصرية ودينية وطائفية ومناطقية ضيقة.

كل هذه التحديات تُلقي مسؤوليات جِسام على عاتق العروبيين المناضلين من أجل تحرر ووحدة الأمة، وتحقيق نهضتها، على اختلاف انتماءاتهم العقائدية والفكرية.

إن شراسة النضال والمقاومة في داخل كل قطر عربيّ قد ادت الى تركيز الجهد النضالي (بشقيه العملي والثقافي) في ذلك القطر على القضايا المحلية، على حساب الفكر والثقافة القومية، لذا فإن كل هذه العوامل تستوجب العمل المكثف لاعتماد استراتيجية لتعزيز الوعي القومي الوحدوي، وإبقاء راية العقيدة القومية الموحِّدة مرفوعة لدى الأجيال الجديدة الصاعدة.

ويتطلب ذلك قيام المفكرين والكتاب والصحفيين والمثقفين والمبدعين في كل قطر عربي، المؤمنين بانتمائهم لأمتهم العربية، بتكثيف الإنتاج الفكري والثقافي سواء بالكتابةِ أو بالأنشطة الإبداعية الاخرى، وتوجيهه لإبراز حقيقة وحدة أبناء الأمة، والتي تعبِّر عن نفسهِا كل يوم في شتّى مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والفنية والرياضية.

ويتصدر كل ذلك ضرورة إبراز الصفحات المضيئة في نضال الساحات العربية  من أجل تحررها ونهضتها، مثل مظاهر الصمود والتحدي للاحتلال الصهيوني في فلسطين، وانتفاضة شعبنا في السودان ونضاله من أجل ترسيخ الديمقراطية، واستمرار ثورة تشرين الوطنية في العراق، والبطولات التي يقوم بها شعبنا في اليمن ضد مليشيات الحوثي والتمدد الإيراني هناك، وكل صيغ صمود ورفض شعبنا في لبنان، لهيمنة العصابات الموالية لإيران، ونضاله من أجل إدامة عجلة الحياة ضد كل محاولات إيقافها، ومواقف الجماهير في تونس لتعزيز استقلالها، وغيرها من بلدان الوطن العربي، وربط كل منها بنضال الأمة جمعاء ونزوعها نحو الحرية والتقدم ومواجهة حملات الاستهداف الشرسة، لوجودها ولإرادة الحياة فيها، وربط كل ذلك بتعزيز فكرة وحدة الأمة ووحدة النضال القومي.

كما أنه من الضرورة بمكان قيام الكتاب والصحفيين والمثقفين والمبدعين في الأقطار العربية بفضح الفساد المحمي من السلطات، فهو لم يأت اعتباطاً وإنما تم نشره وإرساء بُناه التحتيّة لتحقيق هدف نهب الموارد العربية، لذا فإن فضحه وكشف الارتباط بينه وبين خطط استهداف الأمة من قبل الأعداء الخارجيين هو من أمضى الأسلحة لإفشال واحدة من أكبر آليات اضعاف الأمة وسلبها ثرواتها وإرادتها.

وبالنظر للدور الهام والحيوي للثقافة والفنون في الحفاظ على تراث المجتمع وهويته الثقافية وتعزيز القيم والمفاهيم، فمن الضروري دعوة الأدباء والفنانين العرب لتجسيد ما يجري يومياً في الأقطار العربية من مواقف رائعة، تجسد إرادة الصمود والتحدي والثورة المشار إليها أعلاه، وذلك في مواد أدبية وأعمال فنية يتم التعبير عنها ضمن إطار قومي وحدوي.

ولعل من أولى مهام المثقفين والخبراء والمتخصصين هي التأكيد على أهمية الوحدة العربية لحياة وأمن الاقطار العربية وتحقيق تقدمها في هذا العالم الذي تتسارع فيه خطى الدول الكبرى للهيمنة على الدول الصغرى وابتلاعها. وتوظيف شواهد واقعية كثيرة تؤكد صحة ذلك ومنها: ميل الأمم والدول المتقاربة جغرافياً في عالم اليوم، للتوحد والتضامن في شتى الصيغ الاتحادية.  ومن أكبر الأمثلة على ذلك هو الاتحاد الأوربي، حيث اجتمعت فيه 27 دولة من أمم وقوميات وأديان مختلفة، سبق وأن جرت بينها بحار من الدماء عبر التاريخ، كان آخرها في الحرب العالمية الثانية من القرن الماضي.

فقد أضحى العالم يعيش في عصر لا مكان ولا مستقبل فيه للتجمعات الصغيرة، فبعض هذه التكتلات يقوم اليوم بين أمم وجماعات مختلفة، شهدت فيما بينها صراعات عنيفة، لكن رغبتها بالبقاء والتقدم فرضت عليها شكلاً من أشكال الوحدة الاقتصادية أو الأمنية او السياسية، نتيجة لوجود الرغبة والحاجة المُلِحّة في البقاء، التي تدفعها إلى ذلك في عالم يعلن زعماؤه جهاراً بأنه يقوم على المصالح، لا على المبادئ.

كما أن تعاون الدول العربية في الميادين الاقتصادية وفتح الحدود أمام التجارة البينية وحركة الجماهير ورؤوس الأموال والتعاون في التعليم وسواه من المجالات يعود بالنفع على كل الدول العربية ويعزز حركة التنمية في كل منها.

إن إشاعة الوعي القومي العربي لدى الأجيال الصاعدة وتأكيد ضرورة وأهمية الوحدة لمستقبل العرب وتقدمهم، يعززان التوجهات الوحدوية في الأقطار العربية، والتي تصب في مصلحة كل أبناء الأمة العربية. فالقومية العربية وعاء جامع شامل لكل مواطني الأقطار العربية، عرباً وغير عرب، لأنها لا تقوم على أساس عنصري، وإنما تحتضن كل مواطني الوطن العربي من غير العرب الذين ينتمون إلى الأمة وجدانياً وثقافياً وحضارياً.

ففي ظل هذا الاستهداف الظالم للوطن العربي، والامعان في تفتيته وتقسيمه، ينبغي ألا تُترَك فكرة الوحدة والهوية القومية، تذوي وتموت بسبب شراسة مخططات الأعداء أو بسبب التحديات والمشاغل القطرية.

فلتكن كافة الفعاليات والأنشطة والمنصات والمواقع منابر تتناول القضايا العربية برؤية وحدوية، وأن تتناول وعلى نحو متواصل ومنهجيّ فكرة الوحدة العربية، وسبل تحقيقها، والتحديات التي تواجهها، كي تبقى راية الوحدة ومبادئها مرفوعة يتناقلها أبناء العروبة من المحيط إلى الخليج عبر الأجيال.

 

مكتب الثقافة والإعلام القومي

25/12/2022






الاحد ٢ جمادي الثانية ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٥ / كانون الاول / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مكتب الثقافة والإعلام القومي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة