شبكة ذي قار
عـاجـل










صدام حسين، مشهدية البطولة والوصيّة الأخيرة للمناضلين

نبيل الزعبي

 

في مثل هذه الأيام الكانونية من كل عام، تشرئبُّ أفئدة الأحرار في العالم إلى واقعة اغتيال القائد الشهيد صدام حسين، ومشهدية وقوفه أمام حبل المشنقة الغليظ، وهو يواجه من أمسكوا الحبل وهم يغطّون وجوههم بأقنعة الخوف والذعر الذي اعتراهم، فيما أياديهم ترتجف أثناء ارتكابهم جريمة إنهاء حياة هذا القائد البطل الذي أبى إلاّ أن يستقبل الموت بوجهه السافر وابتسامته الساخرة، هازئاً بالحبل ومن يُمسكون به، وكأنه لا يرى فيه سوى أرجوحة الأبطال.

 هذا هو صدام حسين، الأسد الهصور الذي حُشِّدَت عليه أعتى قوة وترسانة عسكرية على القارّة الأرضية، تدعمها ثلاث وثلاثون دولة بهدف إخافة العالم أجمع والدول السائرة على دروب التحرير بشكل خاص، من نهاية هذا الفارس المكبّل اليدين والرجلين وقد خابت كل أمانيهم في تلك اللحظة التاريخية التي نادراً ما تتكرر، وهم يُفاجؤون برباطة جأش ٍ وصلابة موقف لقائدٍ، يعكس مشهدية الموت بالتحدي وهو يواجه قاتليه بعبارته الزاجرة:

"هاي هي المرجلة"

ويقلب في ذات اللحظة، مشهدية الاغتيال إلى توجيه الضربة المعنوية للقتلة في آن ٍ واحد، وهم يُظهِرون جبنهم وارتعادهم مما لم تستطع كاميرات التصوير اخفاءه وهي تُسَجّل تلك اللحظات بكل دقة وتفصيل.

لقد غاب عن تفكير هؤلاء أن مشهدية البطولة هذه، سوف تتمدد وتنتشر على أثير الفضاء بسرعة البرق، وتتحول إلى شهادة حياة يتناقلها، ولم تزل، الملايين من الأحرار في أنحاء العالم، لتبقى وثيقة بطولة وفداء يعود إليها العراقيون والعرب وقوى التحرر العالمي، كلما ادلهمّت عليهم ظروف المطاولة والتحدي، وتعود بهم الذكرى إلى مثل ذلك اليوم من كل عام حين صنع القائد باستشهاده سِفراً جديداً للأمة لا تُكتَب سطوره سوى على أيدي من صَدَقَ الانتماء لها بأحرف الدم القاني والفداء اللامحدود.

-ماذا تعني هذه المشهدية من البطولة النادرة!

-وماذا لو جرى عكسها وظهر علينا الرئيس بغير صورته التي ترسخّت فينا وإخلاصه لمبادئه وقيم الرجولة التي يمثلها! 

وهو المدرك تماماً إلى اللامشروعية القانونية والأخلاقية للاحتلال الأميركي للعراق، واللامشروعية الشعبية والدستورية لكل العملية السياسية وأطرافها الذين دخلوا العراق خلف غبار دبابات المحتل الغازي وأعادوه إلى القرون الوسطى من التخلُف بتبعيتهم لنظام الملالي في طهران وسلخه عن عروبته وتغييبه عن كل نشاط حضاري فاعل له بين الأمم.

لقد ظهر صدام حسين للجميع وهو يترقب الموت في لحظات العمر الأخيرة حيث لم يكن إلاّ هو:

صدام البطل، الفارس العربي والمناضل البعثي الذي لم ولن تهتز فيه صورة القائد التاريخي يوماً ، فتراه يُصّر وهو أمام اللحظة التاريخية من الزمن، ليس على بث الأمل في نفوس رفاقه وشعبه وحسب، وإنما يوجّه الجميع كيف يهزؤون بالموت وهم يتسلحون بصلابة المؤمنين وشهامة الأبطال الذين يرون في الشهادة تأكيداً للانتماء للأمة ولعقيدتها الثورية، واستحضار كل عوامل النهوض بها إلى مصاف الأمم التي تأبى الخنوع سوى للخالق عزّ وجل ّ ورسالاته الروحية وإسلامه الموحِّد للعرب حين جعل منهم خير أمةٍ أُخرِجَت للناس، وكان " البعث " بمبادئه وأهدافه خير من يحمل رسالة العروبة في سبيل وحدتها وحريتها وتحقيق العدالة الاجتماعية لأبنائها.

إنه، ومن منطلق هذه اللحظات التي تختصر كل معاني البطولة العربية وفروسيتها، أطلق الرئيس القائد الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي وصيته الأخيرة لشعبه ورفاقه:

-إن العراق هو للعراقيين ولن يكون مقراً أو ممراً لمحتل وغازٍ، ولن يكون إلا الموحَّد والموحِّد لأبنائه جنوباً ووسطاً وشمالاً لتبقى رايته مرفوعةً كما أرادها نبوخذ نصر وصلاح الدين وصدام حسين، حين بقيت الأعين وعلى مدى الزمن، شاخصةً نحو فلسطين التي لا يمكن أن تكون إلا حرّةً محررةً من النهر إلى البحر، وها هم اليوم أشبال فلسطين يفاجئوننا أن ما زرعه القائد من بذور عطاء لن تذرها رياح التسويات الدولية أو يكسرها الجبروت الصهيوني العالمي.

-أما النطق بالشهادتين فهذا شأن المُبَشَّرين بالجنة والشهداء الذين هم، أحياء عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، ولعمري إن في ذلك المقطع الأخير من وصية القائد التي ابتدأها بالعراق وفلسطين، ولم يشأ أن يختمها إلا في العودة إلى البدايات التي أطلّت فيها أمة العرب على العالم حين نشرت رسالة التوحيد الناطقة بالشهادتين بواسطة الرسول العربي خير البشرية وأصحابه .

وكأننا اليوم أمام روح الشهيد تخاطبنا أن حافظوا على الحزب وشرعيته ووحدة تنظيماته بأشفار عيونكم، ولا تتركوا العراق بين مخالب الطامعين به وأعيدوه "جمجمة" العرب كما كان، دون أن تنسوا أن العراق إذا ذُلّ، فقد ذُلَّت العرب، ولتكن فلسطين بين أعينكم، إلى أي جهة من الجهات الأربع استدرتم، ولتبقى راية الله أكبر التي خُطّت بدماء الشهيد على علم العراق بنجومه الثلاث مرتفعةً إلى أبد الدهر، والله أكبر.. الله أكبر.




الجمعة ٧ جمادي الثانية ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣٠ / كانون الاول / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة