شبكة ذي قار
عـاجـل










 الأمراض الاجتماعية التي أفرزها النظام الفاسد في العراق بعد سنة 2003 وكيفية التعامل معها مستقبلاً

أ.د. مؤيد المحمودي

 

لكوننا مقبلون على عام جديد ربما يحمل معه متغيرات عديدة على الصعيدين الوطني والدولي. خاصة وأن حكومة السوداني التي استنفذت جميع وعودها الخيالية خلال فترة قصيرة من الحكم ، لم تعد تملك أية مصداقية لدى الشعب العراقي. بعد أن علا الدولار وطار ورفع معه جميع الأسعار ولم يعد ينفع زيادة الرواتب أو استعمال الحقن التخديرية الأخرى لأن ازدياد التضخم سوف يستنزف كل هذه المحاولات الحكومية البائسة. وبالتالي صارت هذه الحكومة أشبه بالقربة المثقوبة التي لابد أن تنفجر عاجلا أم أجلا ، مهما حاولت أن تنفخ بها جماعة الاطار التنسيقي أو النظام الايراني أو السفيرة الأمريكية في بغداد.

وأي عملية تغيير حتمية سوف تحصل في النظام السياسي مستقبلا ،  ستصطدم ببعض الأمراض الطارئة  في المجتمع العراقي سببتها الأوضاع الشاذة التي مر بها هذا البلد بعد العام 2003. واذا لم يتم تشخيص هذه الأمراض وايجاد الوسائل الملائمة للتعامل معها فإنها سوف تكون عائقا كبيرا أمام تهيئة المجتمع العراقي لأي عملية بناء  تنموي في المستقبل. وبالتالي فان اعادة تأهيل هذا المجتمع للتخلص من هذه الأمراض هو خطوة ضرورية  لوضعه في المسار الصحيح كي يكون مؤهلا لتقبل التغيير المنشود.

ومن أبرز الأمراض المعشعشة في المجتمع العراقي حاليا هو انتشار الفكر الشوفيني المتطرف المرتبط بالتعصب الديني والطائفي والقومي والعشائري ، الذي زرعته عن قصد قوى الاحتلال والكتل الولائية للنظام الايراني. فأدى هذا التعصب الى ظهور انشطارات متعددة في المجتمع العراقي أفقدته حالة التعايش السلمي والتفاهم العفوي التي كانت سائدة قبل الغزو الأمريكي. ومعالجة هذا المرض الخطير يتطلب اعادة النظر في جميع قوانين البلد بما فيها الدستور والمناهج الدراسية وتخليص العادات والتقاليد الدينية والعشائرية من بعض الخرافات والتشويهات المبالغ فيها . مع الأخذ بنظر الاعتبار الحقائق التالية: ان بلاد الرافدين حباها الله بأديان وقوميات متعددة  ، وعلى سكانها جميعا تقبل حقيقة مهمة ان "الدين لله والوطن للجميع" . ولا توجد قومية أو طائفة أفضل من الأخرى ولا مجال لبروز أفكار تشجع على الانفصالية أو تطالب بأراضي متنازع عليها في البلد الواحد. وان خيرات هذه الأرض تستوعب الجميع اذا عرفوا كيف يستغلوها بشكل صحيح . لذا فمن الأفضل على المجتمع اعتماد نظام ديمقراطي تعددي في الحكم مستعد  لتقبل النقد الذاتي واحترام الرأي والرأي الأخر. 

والمرض المجتمعي الثاني الخطير يتعلق بحملة الشهادات العليا المزيفة أو الذين حصلوا على شهاداتهم الأولية بالواسطة من جامعات لا تخضع للرقابة والتقييم الصحيح تحت وطأة النظام السياسي الفاشل الذي حكم العراق في العشرين سنة الماضية. ان هؤلاء الخريجين غير مؤهلين علميا لإشغال  مناصب وظيفية  حساسة في المجتمع . بل انهم أشبه بالقنابل الموقوتة التي بمقدورها أن تخرب أية عملية اصلاح حقيقية في المجتمع مستقبلا. فالطبيب والمهندس والمدرس والقاضي لا يحملون نفس الكفاءات التي كان يحملها أقرانهم قبل عشرين سنة. وهم أشباه متعلمون وسوف يكونون الأغلبية الساحقة للفئات الوظيفية في المجتمع خلال العشرة سنوات القادمة بعد أن يكون الجيل الحالي من الكفاءات قد وصل مرحلة التقدم في العمر. والحل يكمن في اعادة تأهيل الجيل الحالي من الخريجين من خلال تنظيم دورات خاصة تعد لهم ، يخضعون بعدها لاجتياز امتحانات تأهيلية  قبل اناطة مسؤوليات وظيفية مهمة لهم.

 والتعامل مع مرضي الفساد والرشوة يمكن أن يتم عن طريق خلق حالة تنافسية  في كل دائرة أو مؤسسة انتاجية يحصل من خلالها العاملون على نسبة من الارباح حسب الجهود التي يبذلونها لزيادة الانتاج في تلك الدوائر الحكومية. أما مرضي الرشوة والمحسوبية فيمكن معالجتهما من خلال توظيف لجان رقابية تتحرى وجود مثل هذه الأنشطة في دوائر الدولة بشكل خاص. بالمقابل لكي تكون المعالجة للأمراض الأربعة الأخيرة جذرية في المجتمع ،على الحكومة الجديدة أن تعيد النظر بالقوانين القضائية  وجعلها أكثر تشددا مع الحالات  التي يرتكب فيها هذا النوع من الجرائم.

 






الاربعاء ١٢ جمادي الثانية ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / كانون الثاني / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. مؤيد المحمودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة