شبكة ذي قار
عـاجـل










طرابلس، المدينة على صفيحٍ ساخن

نبيل الزعبي

 

هي من الأيام الأليمة التي تمر على طرابلس وتعيد أهلها إلى ما مرّ عليهم من أيامٍ مماثلة مطلع سبعينيات القرن الماضي عندما ادّى الانفلات الامني المتدرّج آنذاك الى تشكيل مجموعةً من المطلوبين الذين تنامى نفوذهم بالتعديات واعمال الخوّة واحتلال المدينة القديمة بإعلانها دولة المطلوبين. 

كل الانفلات الامني الحاصل، وإذا لم يتم وضع حلول جذرية له، سيؤدي الى خلق بؤرٍ امنية لا سلطة للدولة عليها ولا هيبة ولا من يحاسبون.

هل هو وضعُ تشاؤمي تمر به المدينة!

نعم، وفي منتهى الخطورة، طالما كل الظروف الممهدة للخروج على الدولة موجودة واولها واساسها حالة الفقر المدقع التي لم تعرف المدينة لها مثيلاً منذ عقود طويلة من السنين،

والفقر احد اسبابه البطالة، والبطالة باعتراف علوم الاجتماع والسياسة والاقتصاد والمال، هي أم الرذائل واكبر الموبقات، والتي تفتك بالمجتمعات عن بكرة ابيها، وتحيلها الى بؤرٍ تتنامى فيها كل ما يتوفر امام المرء من وسائل للبقاء على قيد الحياة، بما فيها السرقات وقطع الطرقات والخطف والاحتيال والنصب والدعارة وترويج العملات الزائفة،  يستفيد من ذلك، كل عدو خارجي وداخلي، له مصلحة في اختراق شبكة الامن والامان الوطني والاجتماعي وتجار المخدّرات والمواد المُخَلّقة الرخيصة التي تجعل من المدمن شخصاً آخر منفصلاً عن مجتمعه، لا يدري ما ترتكبه يداه والى اين يقوده "تسطيله" من مهاوٍ، لا ينحدر اليها  سوى بفعله اللاإرادي.

يقابل ذلك، ثمة من يسلك طرق الاجرام المتنوعة عن سابق تصوُّر وتصميم ليسد جوعاً استحكم به وعياله وحسبه ان يموت "حرامياً" شبعاناً بدل من تسوُّل اللقمة في مكبات القمامة واذلال النفس، طالما ان الموت واحد.

هل تعلم الدولة كميات الحبوب المخدّرة التي تُرَوّج في الاحياء الشعبية، وكم من الحوادث التي تتتالى على مخافرها الامنية، واغلب شخوصها يتعاطون " الحبة " وتسميهم الاجهزة بعبارة: " المحبحبين ".

 ان ذلك ليس اختراعاً او خيالاً وكلاماً افتراضياً، وانما واقعاً مؤلماً تعرفه الأجهزة الامنية تماماً وتتعامل معه الساعة بالساعة واليوم باليوم.

اما الظروف، فإن لم تخلقها السلطة بغبائها، فغيابها عن ممارسة دورها كفيلُّ بذلك.

هي السلطة التي وعدت بالأمن الملازم للإنماء في المدينة، يوم شهرت قبضتها الحديدية منذ سنوات فنكثت وعودها، فلا الانماء تحقق، ولا الامن حقق استقراراً، وانما يعود اليوم في القهقرة الى الوراء وينذر بأسوأ مما كان عليه،

كيف يكون الامن أمناً واماناً، والمدينة تشهد يومياً ما لا يُعَدّ من اعمال السرقة والنشل والرصاص الطائش الذي يودي بحياة الناس بين القتيل والجريح مع كل مناسبة، ويكفي انها شيّعت في يومٍ واحدٍ منذ اشهر  اربعة من ابنائها في حادث سطوٍ مسلّح، سبقه بأقلّ من اسبوع، امرأة حامل تُقتَل بدمٍ بارد على مرأى من طفليها وزوجها ووالديه، وقبل ذلك وبعده، لا تخلو ليلةً من ليالي العتمة الطويلة، من كمينٍ مسلّح واعتداء على الناس وسلبهم واستعمال السكاكين والآلات الحادة مع الحديث عن وجود سلاح رخيص السعر بمتناول المرتكبين اسمه المسدس التركي،

ولا تخلو من ذلك حوادث السرقة اليومية للسيارات والدراجات النارية والهوائية ودخول البيوت، وبالتأكيد، ان كل ذلك موثق في النشرات اليومية الصادرة عن الاجهزة الامنية والتي لا يخفى عليها "دبيب " النملة في البلاد برمتها، وليس طرابلس وحسب، ان ارادت.

من اجل ذلك، لا يتوهمن احدُ ان ما جرى في المدينة هو محض صدفةٍ وايام الصُدَف ولّت بوجود أمنٍ متفلّت وقضاء مغيّب وعدالة استنسابية واقزام سياسة لم يقرؤوا التاريخ ليتعلمو من الكبار.

 رُبّ متسائلٍ عن اثرياء المدينة وماذا قدموا لمدينتهم، حيث يحق تجاهلهم من منطلق: لا حياة لمن تنادي، ورُبّ مراقبٍ يصف ما يجري في طرابلس بالملهاة الرامية الى تحجيم المدينة وإقصاء دورها الوطني على مساحة الوطن،

وتلك لعمري حقيقة ساطعة عمل عليها من ساءهم ان تكون طرابلس عروس الثورة في لبنان بعد ان نبذت كل ما اُلصِق بها من شُبُهات التطرُّف، وتدثرت بعباءة الوطن ليلتقي ابناء الشمال والجنوب والجبل والبقاع والعاصمة معاً بعد انتفاضة تشرين،

يرسمون لبنان الجديد الواحد الموحد لجميع ابنائه، ولا يندرج تردّي الاوضاع الامنية التي تتجاوز ساحتها اليوم أكثر من مدينة ومنطقة في لبنان، سوى في اجهاض كل ما تقدم والعودة بالبلد الى زمن اللا دولة والإرهاصات التي مهدّت الى "دولة المطلوبين "في طرابلس عام ١٩٧٣، قبل ان تدخل البلاد برمتها في آتون الحرب الاهلية عامي ١٩٧٥/١٩٧٦.

مع ذلك يحدثنا ابن طرابلس وزير داخلية لبنان عن الامن الممسوك في البلد وكأنه ليس ابن مدينته ولا يطالع التقارير التي ترده يومياً عن الانفلات الامني غير المسبوق فيها وكم تتزايد التجاوزات على القانون وارواح الناس في اليوم الواحد، بالتزامن مع كل حديث عن خططه الامنية التي لم تتجاوز الورق حتى اليوم، ليس الا!

فيما ابن طرابلس الآخر رئيس حكومة كل لبنان الذي أعلن يوماً انه لن يترك طرابلس تجوع، وكأنه لا يعلم اليوم ان المدينة جاعت وجاعت وعرفت من الجوع ما لم تشهده طوال العقود الطوال الماضية من السنين وفي ايام تربعه على سدة الحكم بشكل خاص.






الثلاثاء ١٨ جمادي الثانية ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / كانون الثاني / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة