شبكة ذي قار
عـاجـل










من 29 آب 1897 إلى 11 شباط 1979

نزار السامرائي

 

لم يكن وعد المملكة المتحدة آرثر جيمس بلفور الذي أعطاه للورد ليوديل دي روتشيلد ضمن رسالة منه في الثاني من تشرين الثاني 1917، تعبيرا عن إيمان حقيقي بحق اليهود بإقامة دولة لهم في فلسطين، فتاريخ بريطانيا التي كانت تتقاسم السيطرة الاستعمارية على معظم أقاليم الأرض، حتى كان يُطلق عليها أنها الإمبراطورية التي لا تغيب الشمس عن ممتلكاتها، وبالتالي فإن سلوكها لا بد أن يستقيم مع النهج الاستعماري الذي تعتمده خططها التوسعية للسيطرة على أراضٍ جديدة، وليس منح أتباع دين من الأديان وَعداً كي يتواجدوا في بقعة واحدة، ثم لتمنحهم حق الاستيلاء عليها وإقامة دولتهم الموعودة فوقها، فبريطانيا التي كانت تحتل الوطن العربي وشبه القارة الهندية وأمريكا الشمالية، كانت ترى في نفسها القوة الأكثر تحضرا من شعوب تلك الأقاليم، فهي الجديرة والمؤهلة لحكمها والتصرف بثرواتها، بل وحتى شعوبها، فهل نستطيع أن نقول إنها تفجرت إنسانية على حين غرة، لتمنح مجموعة سكانية من مختلف قارات العالم حق إقامة وطن قومي لهم وهم الذين ينتمون إلى قوميات مختلفة، ولا جامع بينهم غير الدين لتنسلخ عن ممتلكات الإمبراطورية.

نستطيع أن نستخلص نتيجة واحدة، أن بريطانيا إنما كانت تسعى لتعزيز قبضتها على العالم عبر الكيان الغريب عن المنطقة بكل التفاصيل، من أجل تكريس سيطرتها الميدانية على المنطقة ببارجة ميدانية ثابتة لا تكلف الخزينة البريطانية المزيد من الأموال، بعدما فرضت نفسها دولة يمكن أن نطلق عليها مصطلح "سيدة البحار، ومما عزز موقفها بعد الحرب العالمية الأولى هي وفرنسا، وجعلهما أساسا للنظام الدولي الجديد الذي نشأ بعد الحرب المذكورة، وعلى ذلك يمكن الافتراض بأن وعد بلفور لم يكن استجابة للمؤتمر الصهيوني الذي عقد برئاسة هرتزل في بازل عام 1897، بقدر ما كان مسعى بريطانيا لتمزيق أوصال الوطن العربي وإيجاد الفاصل الجغرافي بين الجزء الآسيوي والجزء الأفريقي منه، وإثارة المشاكل في المنطقة العربية بشأن طريقة التعامل مع الحدث والكيان الجديد الذي ينتمي إلى أوربا أكثر من انتمائه للمنطقة.

وبالفعل نفذت بريطانيا وعدّها ومنحت ما لا تملك، وطنا بكاملة لمن لا يستحق، ونشأت "الدولة العبرية" فوق جزء من فلسطين بعد إعلان بريطانيا انسحابها منها وصدور قرار تقسيم فلسطين بين العرب واليهود عام 1947، والذي رفضته الدول العربية، بعضها على استحياء أو خوف، وبعضها عن قناعة قومية أو دينية، ولكن المواقف العربية لم تغير شيئا مما حصل على الأرض، على الرغم من نشوب حرب بين سبعة جيوش عربية نظامية، وعصابات صهيونية تم تجهيزها بمختلف الأسلحة التي تفوقت على ما في حوزة الجيوش العربية من سلاح، وذلك نتيجة انعدام وحدة القيادة والسيطرة على تلك الجيوش.

وتم الإعلان عن قيام "دولة إسرائيل، في الخامس عشر من أيار عام 1948، ولكنها بدلا من أن تحقق حلم بريطانيا خصوصا وأعداء العرب جميعا، في إثارة الخلافات بين العرب، فقد حققت تلاحما وبدرجات مختلفة بين دول النظام الرسمي العربي نتيجة الرفض الشعبي العارم للاحتلال الجديد، على الرغم مما قيل عن تقاعس هذا الجيش أو ذاك أو عن نوعية الأسلحة التي استخدمت فيها وأدت إلى وقوع النكبة.

وهكذا استقبل العالم "النظام الجديد" الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية وأزاح بريطانيا وفرنسا من الخط الأول، وجعل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، القطبين المتحكمين بالمعادلات الدولية وأصبحا يتقاسمان النفوذ في العالم، وصار كل منهما يحاول توسيع نطاق سيطرته على المناطق الرمادية، دون المساس بالخطوط الحمراء للطرف الآخر، وتحققت مكاسب ملموسة لكل منهما في آسيا وأمريكا اللاتينية، وكان الوطن العربي في مركز البركان، وشهدت هذه البؤرة تغييرات دراماتيكية بدأت بثورة مصر بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في 23 تموز/يوليو 1952، ثم صفقة السلاح 

 المصرية مع تشيكوسلوفاكيا عام 1955، فكانت أول اختراق سوفيتي لمنظومة العلاقات الغربية مع الدول العربية، ثم حصلت ثورة الرابع عشر من تموز 1958 في العراق مما عزز مسيرة التحول من منظومة العلاقات مع الغرب إلى علاقات مع الاتحاد السوفيتي.

هل أخفقت إسرائيل بتلبية متطلبات المشروع الدولي بإثارة الانقسام في الصف العربي؟

لا وجود لوثيقة من أي طرف تشير إلى ما يؤكد هذا أو ينفيه، ولكن هناك مؤشرات على هذا الاستنتاج، تساعد المراقب أن يفكر  بمثل هذه الفرضية، ولكن هل يتوفر له الدليل؟ ربما هناك أدلة تدعم ذلك، ولكن السؤال التالي سيكون، هل تم التخلي عن إسرائيل لصالح البديل، أم أن الطرفين سيكون مطلوباً منهما تأدية هذا الغرض، حتى بفرض وجود تصادم في التفاصيل الجزئية بينهما؟ أو الاستعاضة عنه بخلاف حاد على مستوى الخطاب الإعلامي توحي بقرب وقوع صدام مسلح مع وضع الضوابط الصارمة لمنع وقوعه.

كما قلت في بداية موضوعي، إن هدف بريطانيا الاستعمارية لم يكن تعاطفا مع اليهود لإقامة كيان لهم في فلسطين بقدر ما هو استجابة لمتطلبات النوايا البريطانية الاستعمارية الهادفة إلى تمهيد الطريق لبريطانيا أن تواصل الهيمنة على أكبر رقعة جغرافية في العالم على مستوى الكرة الأرضية كلها والسيطرة على ثرواتها، فاليهود في الوطن العربي كانوا يتمتعون بحقوق المواطنة الكاملة مع أرجحية على المواطن في كل قطر عربي، بأن اليهود كانوا يمتلكون العقول والثروة ويسيطرون على سوق العمل لا سيما في قطاع المال والذهب.

ونظرا لأن بريطانيا سبق وأن مدت جسورا مع إيران، وخاصة بعد اكتشاف نفط مسجد سليمان، فكان قرار بريطانيا بضم إقليم الأحواز العربي إلى بلاد فارس عام 1925، أضف إلى ذلك أن بلاد فارس كانت تناصب العرب عداءً قديما تمتد جذوره إلى معركة ذي قار ثم معركة القادسية في خلافة الفاروق رضي الله عنه وأرضاه، والتي قوضت أركان الدولة الساسانية وأزالتها من الخارطة، وكاد ت حالة العداء أن تتحول إلى ظاهرة راسخة تطبع العلاقات بين فارس وسائر العرب منذ أن هاجم قورش الأخميني مدينة بابل في عام 539 ق.م وأحرقها (وحرر) بني إسرائيل من السبي البابلي، الذي جاء به القائد العراقي نبوخذ نصر عام 586 ق.م.






الثلاثاء ٢٥ جمادي الثانية ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٧ / كانون الثاني / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة