شبكة ذي قار
عـاجـل










 

هل تصفية علي أكبري له علاقة بالتجسس لجهة أجنبية أم بالصراع على السلطة في إيران؟

أ.د. مؤيد المحمودي

 

 

 تم تنفيذ حكم الإعدام مؤخرا بحق علي رضا أكبري الذي شغل مناصب رفيعة وتغلغل في مراكز استراتيجية مهمة في الدولة الإيرانية. بعد أن اتهم بتسريب معلومات حساسة إلى الاستخبارات البريطانية. حسب البيان الصادر من وزارة الأمن الايرانية. الذي أشار الى أن علي أكبري الذي يحمل جواز سفر بريطاني، قد وقع في شراك الاستخبارات البريطانية خلال زياراته التي قام بها إلى بريطانيا ودول أوروبية مختلفة. كما اتهم أيضا بلعب دورا مهما في اغتيال محسن فخري زادة في عام 2020، وهو أكبر عالم نووي بالبلاد. وكان علي أكبري قد قضى في السجن ثلاث سنوات قبل تنفيذ قرار الحكم فيه. وقد أشار تسجيل صوتي مسرب من علي أكبري مؤخرا وقامت ببثه هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي فارسي) الى إنه اضطر للاعتراف بجرائم لم يرتكبها نتيجة لتعرضه الى التعذيب الشديد خلال فترة حبسه.

  البعض يشككون في الرواية الايرانية حول سبب اعدام علي أكبري، لكونه محسوب على النظام وقضى فترة طويلة في خدمته تمتد الى حوالي عشرون عاما. منها سبع سنوات قضاها كمحارب في الحرب العراقية الايرانية وعمل كمندوب للأجهزة العسكرية في تنفيذ قرار 598 الأممي لوقف إطلاق النار بين إيران والعراق وشغل منصب مستشار لقائد القوات البحرية ورئاسة قسم الدفاع والأمن في مركز بحوث وزارة الدفاع. بالإضافة الى عمله كنائب لوزير الدفاع ومستشارا في الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي. وكان ضمن فريق المفاوضات النووية في مرحلة لاريجاني. فهل يعقل أن شخصا مثل علي أكبري الذي شغل كل هذه المواقع الحكومية الحساسة ولفترة طويلة قد عجزت الجهات الأمنية الايرانية عن الكشف على نشاطه التجسسي الا في المدة الأخيرة. كما أن إيران قد دأبت في مرات عديدة على اتهام بعض الأشخاص من ذوي الجنسيات المزدوجة بالتجسس من أجل الضغط سياسيا على حكومات دول أخرى. وهذا ما حصل مع الايراني تمساني الموقوف منذ عام 2015 بتهمة التجسس لأمريكا.  لذا فان المشككين بالادعاءات الايرانية لا يعتقدون أن سبب اعدام علي أكبري فقط متعلق بقضايا تجسسية، بل يذهبون الى أبعد من ذلك ويعزون السبب الحقيقي لهذه التصفية الى صراعات بين رجال النظام على السلطة..

 وهذه الصراعات بدأت تتكشف على السطح نتيجة لفشل النظام الايراني على احتواء الانتفاضة الشعبية التي امتدت لأربعة أشهر. فصارت هذه الحالة تؤرقه وتدفعه إلى استخدام أسلوب ترهيب جميع النخب في السلطة من مخاطر سقوط النظام، سواء كانت هذه النخب من التيار الاصولي المتشدد أو أولئك المحسوبين على ما يسمى التيار الاصلاحي. وهذا الترهيب تحول إلى تهديد بالمحاسبة على لسان عدد من شخصيات النظام وعلى رأسهم قادة الحرس الذين وجهوا انتقادهم الى مسؤولين كباراً في الدولة زاعمين أن الأزمة الحالية " قد كشفت مَن وقف معنا ومَن وقف ضدنا، وأنهم سيحاسبون على مواقفهم". وكانت رسائل التهديد موجهة بشكل خاص لكل شخص أظهر تعاطفه مع المحتجين وأعلن تأييده لمطالبهم أو من طالب المرشد الأعلى بالاستماع إلى تلك المطالب. كذلك شمل هذا النقد الأشخاص الذين دعوا الى وقف الاستخدام المفرط للعنف الذي تمارسه أجهزة النظام اتجاه المتظاهرين. وكانت أصابع الاتهام تشير بشكل خاص الى أسماء كبيرة وصلت إلى أعلى مناصب الدولة، مثل الرئيسين السابقين خاتمي وروحاني، إضافةً إلى عائلة رفسنجاني وزعيم المعارضة مير حسين موسوي وعلي شامخاني الامين العام للمجلس القومي الايراني ونخب ثقافية وإعلامية ورياضية وسياسيين سابقين باتوا يتعاطفون مع حركة الاحتجاجات الشعبية سرا أو علنا.

وفي خضم تزايد التصدعات والانشقاقات تحت وطأة ضغط الاحتجاجات وتصاعد الانتقادات من داخل المؤسسات، لجأ النظام إلى إجراءات أكثر حزماً اتجاه أزلام السلطة لوقف هذه التصدعات والانشقاقات في كيانه المتهالك.  وعليه لجأ الى وضع مشروع قانون حظر بموجبه سفر المسؤولين السابقين إلى الخارج تحت ذريعة حماية ممتلكات ووثائق الشعب والدولة. كما اعتبر أية محاولة للانشقاق على النظام أو الخروج على سياسته الاستبدادية أو انتقاد منهجه القمعي مع المحتجين هي خطوط حمراء قد توصل من يتجاوزها الى حبل المشنقة.

وفي هذا السياق شن الاعلام التابع للنظام الايراني والحرس الثوري والتيار المتشدد هجوما على الامين العام للمجلس القومي الايراني علي شامخاني بسبب موقفه المتحفظ من قمع الاحتجاجات. وعلى أثرها تعرض لانتقادات كثيرة بسبب ملف صوتي مسرب لاجتماع مديري الاعلام مع نائب قوات الباسيج من الحرس الثوري. حيث أبدى شامخاني في ذلك الاجتماع موقفه الصريح حول ما يجري من أحداث في إيران مبيناً " لقد فشلنا تماماً في الحرب المعرفية والادراكية والإعلامية أيضاً".  وهذا التصريح الجريء أثار حفيظة الحرس الثوري وجهاز الأمن الايراني مما دفع البعض منهم الى المطالبة بإزاحة شامخاني من السلطة. وهذه المحاولة لعزل شامخاني تجد اليوم تأييدا أيضا من قبل رئيسي ووزير الاستخبارات ووزير الداخلية. فضلا عن أن مقربون من المرشد خامنئي يلقون باللوم على شامخاني في حصول بعض الأحداث الداخلية من أجل تبرئة المرشد ورئيسي منها وتصفية الحسابات معه.

وكان شامخاني المعروف بأنه الاصلاحي الوحيد الموجود في السلطة الحالية التي يسيطر عليها تيار المتشددين، قد اجتمع مع شخصيات سياسية بارزة في التيار الاصلاحي خلال موجة الاحتجاجات. لذا فان قرار إعدام أكبري، القريب من شامخاني قد فسر على أنه محاولة لتوجيه ضربة قاسية للشخصيات التي عمل إلى جانبها أكبري.  وتحمل في طياتها بشكل خاص رسالة بالغة الشدة الى شامخاني ولاريجاني ولرئيس البرلمان الحالي قاليباف. وذلك بسبب دورهم في محاولة الاستعانة بزعماء الإصلاحيين والمعتدلين وبعائلتي الخميني ورفسنجاني والتواصل مع بعض القوى المجتمعية من أجل معالجة الأزمة الأخيرة في إيران. عن طريق تقريب وجهات النظر ما بين النخب السياسية العليا من جهة ومن جهة ثانية العمل على ردم الهوة ما بين الشعب والنظام. وعليه فإن قرار إعدام أكبري يكشف عن وجود معركة تصفية حسابات ضارية يقودها معسكر المتشددين من أجل حسم الصراع مع القوى المناهضة لهذا التيار. والسؤال المطروح الأن من سيكون عليه الدور في التصفية بعد على أكبري؟

 

 

 






الاربعاء ٢٦ جمادي الثانية ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / كانون الثاني / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. مؤيد المحمودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة