شبكة ذي قار
عـاجـل










التطبيع مع العدو الصهيوني بهوى النظام العربي ووعاظ السلاطين

الحلقة الثانية

 

زامل عبد

 

الموجة الأولى ذهاب السادات إلى  القدس ليلقي في الكنيست الصهيوني خطاب الهزيمة بالاعتراف بالكيان الصهيوني  والاقرار بشرعيته  ومازال بريق دماء شهداء الشعب والجيش المصري يلألئ في سيناء  ومدن مصر والقناة وبهذا يمكننا القول قصَّ السادات شريط التطبيع مع العدو الصهيوني خريف 1977 ، وإن سبق هذه الخطوة سلسلة من التراجعات التي أقدم عليها السادات في تعامله مع عدو الأمة فقد اختار السادات منذ تولّيه رئاسة الجمهورية في مصرفي 17 / 10/ 1970 طريق (( التسوية السلمية )) مع الكيان الصهيوني معولا على أمريكا في أن تسانده بتحقيق تسوية مقبولة ، فبدأ بتمديد وقف إطلاق النار مع العدو الصهيوني لاهثاً وراء أي تسوية تعلن وما أن أصدر الوسيط الدولي  غونار يارنغ مذكرة aide memoire  في 8 / 2 / 1971 والتي احتوت على خطوات تنفيذية لتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 242 حيث طالب الكيان الصهيوني بالانسحاب إلى  الحدود الدولية مع مصر ، وطالب مصر بتوقيع (( معاهدة سلام )) مع الكيان الصهيوني  حتى سارع السادات بإعلان قبوله توقيع (( اتفاق سلام )) مع الكيان  بعد أسبوع من صدور المذكرة ، غير أنه اصطدم بصخرة الرفض الصهيوني في التعاطي مع تلك المبادرة ، في 26 من الشهر نفسه وعلَّق السادات على ذلك  قائلًا  ((  أنا شايف إن ما فيش فايدة ، إلا إذا دخلنا في حرب مع إسرائيل  ))  واتجهت مصر نحو إتمام الاستعدادات العسكرية  ضدّ الكيان وقد استعانت في ذلك بالعلماء ، والدعاة الإسلاميين  لشحن الضباط  ،  والجنود ضدّ العدو الصهيوني مغتصِب الأرض  وترغيبهم في الجهاد والاستشهاد في سبيل تحرير الأرض  ،  ودحر العدو حتى إن بعضاً من العلماء كان على خط الجبهة  ،  في أثناء بدء الحرب  في    6 / 10 / 1973 لكن خيار الحرب لدى السادات  لم يكن لتحرير الأرض واستردادها بل كان تحريكاً للركود في مسار التسوية ، ومحاولة لإجبار الكيان الصهيوني على التحرك بإيجابية ما نحوها  حسب نصيحة وزير الخارجية الأمريكية آنذاك هنري كيسنجر ، ولم ينسَ السادات أن يُصلي في المسجد الأقصى ثاني أيام زيارته والذي صادف أن يكون يوم عيد الأضحى في مواجهة ذلك الغضب ، أصدر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق  مفتي الديار المصرية  في  26 / 11 / 1979  فتوى غاب عنها الحق بل اختفى فيها الدين وانبرى خطاب دعاية مبتذلة وإشادة ((  بـحكمة الرئيس  وصحة رأيه وسداد خطاه ))  واستُخدمت نصوص الدين في غير موضعها ! والعجيب أن جاد الحق قد تحدى السلطات المصرية وهو في منصبه في مسألة فرعية متواضعة وهي إلزام المجندين بحلق اللحية! أما في قضية مصيرية للأمة  فقد خرجت الفتوى  بشكل لا يتفق مع تعاليم الإسلام  وتنظر إلى  الواقع بعين  (( السادات )) هذه هو سلوك وعاظ السلاطين و يُذكِّرنا بالمثل الشائع  الذي يردده أبناء مصر ((  يستبيحون قتل الحسين - رض -  ويستفتون في قتل الذبابة !  ))  ، ومما تضمنته فتوى تجميل الوجه القبيح للتطبيع الآتي {{ نظرت الفتوى للإسلام بعين واحدة حين ضخَّمت بلغة دعوية من جانب السّلم والإخاء في الإسلام وأنه دين سلام ومهادنة وصفاء وسكينة وتحدثت في حشو ليس بمكانه عن وجوب الدعوة إلى  الله بالمنطق والعقل مسرفةً في عرض القواعد العامة في التعايش السلمي مع أهل الكتاب والتأكيد على أن الإسلام (( أمر المؤمنين بالامتناع عن القتال إذا لم تكن هناك ضرورة )) وكأن تحرير أرض العرب والمسلمين من يد العدو الصهيوني يتحدد  بـ  (( أسلوب الدعوة إلى  الله )) والسؤال هل يتجلى موضوع العداء مع الصهاينة في كونهم أهل كتاب ؟!  واختارت الفتوى تفسيرات النصوص القرآنية، بانتقائية لافتة، لتأكيد وجهة النظر التي يراها الشيخ جاد الحق، أو التي أرادها السيد الرئيس، واستخدم الشيخ جاد الحق في فتواه صيغة لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ حيث استخدم آية *  وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِج إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ  * إطلاقاً دون عرض إجماع الفقهاء على تقييدها برؤية مصلحة المسلمين في ذلك أخذاً بقوله تعالى  * فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إلى  السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ  *  كما ورد في فتوى الشيخ حسن مأمون مفتي الديار المصرية الأسبق، التي أصدرها في  8 / 1 / 1956 ، وأسرف في عرض وجوب الالتزام بنصوص الاتفاق، وتحريم مخالفته كذا ، استعرضت الفتوى في لغة اعتزاز ، وفخر ، نصر أكتوبر ، وما حققه من خسائر في صفوف العدو ثم عرضت بعد ذلك ، ((  إلى  جواز قبول بعض الضيْم  )) ، إن كان فيه مصلحة للأمة ! فكيف انتصرنا في حرب أكتوبر 1973، ثم يكون علينا أن نتحمل الضيْم؟ وعن أي ضيْمٍ يتحدث الشيخ جاد الحق؟ وتحدثت فتوى جاد الحق بلغة كهنوتية ، لا تتوافق مع ما هو مستقر في أصول الإفتاء  من أن الفتوى تمثل اجتهاداً لعالم ، أو مؤسسة شرعية ( مَجمَع فقهي ) ، فاستخدمت كلمات  مثل هذا حُكم الله  أنزله إلينا  و ذلك حكم الإسلام في التعاهد ، والمصالحة  وحملت نقداً لاذعاً  واتهامات مجحفة  لمن انتقد معاهدات الإذعان من العلماء  ورأتهم قد تحدثوا  بما ليس حكماً لله تعالى  ، ولا لرسوله ، وبما ليس نصحاً لله  ولا لرسوله ، ولا لأئمة المسلمين ، وعامتهم  إرضاءً للساسة  الذين لا يحتكمون إلى  الله ورسوله  ووصف جاد الحق العلماء المعارضين للتطبيع بقول الله تعالى   *  بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * ،  وأسرفت الفتوى في إطراء السادات وامتداحه وتغنَّت بحكمته ورجاحة عقله واستعرضت ما عدَّته نظراته الثاقبة الواعية للأمور السياسية بأبعادها الدولية والإقليمية ما خرج بالفتوى عن دورها الشرعي  في استبيان الأحكام الشرعية  ، وساقت الفتوى قراءة مقتضبة مخلَّة لمعالم الصراع العربي الصهيوني حين قال جاد الحق ((  وها نحن العرب قد اختلفنا مع اليهود وقامت الحرب بيننا سنوات ، ثم قامت لهم دولة ، اعترف بها المجتمع الدولي  ))  وقد شملت تلك القراءة اعترافاً بدولة الكيان  ومن ثمَّ تسليماً باحتلالها للأراضي العربية  فماذا تبقى في الصراع بعد اعتراف المفتي بقيام دولة الكيان الصهيوني ، على الأرض العربية المغتصَبة ؟! ،  الشيخ محمد متولي الشعراوي في فتواه المؤيدة للتطبيع وتوقيع (( معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني )) ، عما سبق أن طرحه جاد الحق في فتواه  فقد استند الشعراوي إلى  أن قبول الكيان الصهيوني لمبادرة السادات ، هو بمثابة جنوحٌ للسّلم ، مما يوجب على المسلمين التعاطي مع ذلك ، بالإيجاب ! ومضى الشعراوي في الدفاع عن فتواه ، بعد مرور عقد من الزمان  ليؤكد أن سبب تأييده هو (( أننا أي المصريين منذ عام 1948 غرقى وهناك من يتفرج علينا  فقط  فلم نتقدم خطوة واحدة إلى  الأمام ، بل على العكس ، كل عام في النازل أكثر )) وهل كان الشيخ الشعراوي يجهل بأن الدول العربية إنما خاضت حروبها ضد الكيان الصهيوني ، وعياً منها بأنها تقاتل من أجل قضيتها هي وليست بديلاً عن الشعب الفلسطيني لأننا أمام قضية واحدة وأمة واحدة  ، في مواجهة عدوٍ واحد  حيث كان مكشوفاً للقاصي والداني بأن الأطماع الصهيونية هي -  من النيل إلى  الفرات - ، وإن اتسعت بمساعدة المطبعين من حكام العرب  حتى صارت -  من المحيط إلى  الخليج  -   وقال الشعراوي عن رأيه في قرار السادات بتوقيع المعاهدة مع دولة الكيان الصهيوني  ((  يكفي أننا الآن نحاول أن نصل إلى  ما كان يفعله ، فلا نستطيع فكل أمنيتهم  الفلسطينيين  الآن أن يجلسوا مع اليهود ))

 

يتبع بالحلقة الثالثة






الثلاثاء ٢٣ رجــب ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / شبــاط / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامل عبد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة