شبكة ذي قار
عـاجـل










هل تحقق القطبية الثنائية إرث الاتحاد السوفياتي.. الحرب العبثية؟

د. أبا الحكم

 

 

من المفيد دراسة وتقييم السلوك السياسي الخارجي للدولة، وخاصة الدول العظمى التي تربعت طويلا على قمة الهرم الدولي سياسيا وعسكريا واستراتيجيا، من منظار الثنائية القطبية .. لأن هذه الثنائية:

1- قسمت العالم بين اشتراكية- شيوعية و رأسمالية- امبريالية .

2- ووضعت العالم امام استقطاب عالمي واسع ومتشعب وعميق.

3- واستلبدت معظم ارادات دول العالم في ثنائية الصراع والمنافسة وحروب ساخنة واخرى باردة.

4- ووضعت بعض مناطق العالم الخاصة تحت نفوذ القطبين المتنافسين او المتصارعين، والباقي منها مناطق سميت بالرمادية التي لا يجوز الاقتراب منها وتخضع للمساومات، وذلك لإحتوائها على المعادن النادرة الخاصة بالصناعات ذات الطابع الاستراتيجي.

هذا الواقع قد انتهى ولن يتكرر.. بمعنى، أن الثنائية القطبية التي تسعى روسيا- بوتين الى إحيائها محاولة ميتة .. لا من خلال شن الحرب على اوكرانيا ولا من خلال احتلال جزيرة القرم ولا من خلال ضم المدن والاراضي او فرض سياسة الأمر الواقع .. وكما حصل للإتحاد السوفياتي حين ارسل جيشه الى افغانستان ومني بهزيمة الانسحاب خلف اسوار منظومته الاتحادية، التي سرعان ما تداعت وتفككت الى دول استطاعت ان تستعيد كياناتها واستقلالها الوطني . سيحصل هذا المشهد لروسيا الاتحادية في مستنقع اوكرانيا الذي يستنزف عناصر قوة الدولة الروسية، حيث خمنت أو قدرت  قيادتها السياسية بأن دخولها الى اوكرانيا في شباط 2022 لن يستغرق اكثر من بضعة اسابيع للسيطرة على العاصمة كييف ، إلا أنها قد اخفقت حتى الآن وشباط 2023 على وشك الانتهاء .. ولم تصل موسكو الى نتائج ملموسة سوى – جثث هائلة يتم اخلاؤها بواسطة الشاحنات والقطارات ، واقتصاد ينخره الضعف والتضخم ، وثقة تكاد ان تكون معدومة ، وسمعة متدنية بلغت ادنى المستويات .. فلماذا يستمر بوتين يحرث في بحر اوكرانيا المتلاطم إذن ؟

أولاً- انتصار روسيا الاتحادية في اوكرانيا صعب جداً .

ثانياً- وهزيمة روسيا الاتحادية في اوكرانيا صعبة جداً .

ثالثاً- من الصعب ان تكرس تحالفات روسيا انتصاراً قي اوكرانيا :

1-لأن بكين ليست حليفاً إستراتيجياً لموسكو، وإنها تدرك بعمق معنى توازنات القوى الدولية كقوة عظمى، ومن الصعب على الصين ان تفرط بعناصر قوتها السياسية والاستراتيجية وتتحول الى عمق جيو- سياسي لروسيا الاتحادية .. فهي الآن تدعو الى طاولة للحوار تنهي عليها الحرب لا ان تكون طرفاً فيها .

2- أما طهران القوة الاقليمية المتهاوية والضعيفة فهي تتشبث بروسيا عن طريق القوة الفارغة في اطار الدفاع المستهلك، فلن يؤثر تدخلها في الحرب على اوكرانيا في تصحيح الميزان السياسي والعسكري الروسي على الاطلاق، إنما على العكس فقد أزدادت طهران عزلة وحملتها إدانة لنهجها العدواني تجاه المنطقة والعالم .. والسكوت النسبي الأمريكي والاوربي على سلوكها العدواني مرهون بهدف تخويف دول المنطقة من اجل استكمال التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتلك لعبة كبرى اطرافها امريكا واسرائيل وايران متفق عليها ومدفوعة الثمن.. والثمن لا احد يسقط النظام الايراني عن طريق القوة العسكرية بالحرب .. إنما ترويضه، إذا ما خرج عن مساره المتفق عليه، ولكنه بات الآن في وضع يضر بالمصالح الامريكية والغربية والعربية والدولية بصورة عامة من خلال تكريسه استراتيجية تعني بإحياء ما يسمى بالامبراطورية الفارسية الاستعمارية البائدة.

رابعا- مؤشرات انهيار الزخم الروسي في اوكرانيا : اقتصاد ضعيف ومتضخم ، وقلة في كفاءة اصحاب القرارات الميدانية ، وفساد مستشري ، ومعارضة الحرب ,, هذه المؤشرات تنتهي الى الهزيمة العسكرية حتماً .

خامساً- هنالك دوافع(Motivations) ، لدى الكرملين بدأت بضم جزيرة القرم عام 2014 وتشكيل جماعات في الداخل الاوكراني على اساس الموالات والعرقية ، وضم المدن الحدودية ومحاولات الانزلاق نحو ابتلاع الدولة الاوكرانية، وأول هذه الدوافع :

1- المشكلات السياسية الداخلية التي تعاني منها روسيا .

2- المشكلات الاقتصادية المتراكمة التي تعانيها روسيا ، إذ بلغت نسبة انخفاض الناتج القومي الاجمالي الروسي اكثر من 2% .

3- اعتقاد الرئيس بوتين الخاطئ بأن إعادة إرث الاتحاد السوفياتي سيحل هذه المشكلات من جهة، ويكرس شخصية القائد التاريخي كستالين ولينين على سبيل المثال .. والمؤشر القوي المتعلق باحتفاظ بوتين بالسلطة بالتناوب عليها بينه وبين نائبه مدفيديف .

سادساً- إطالة أمد الحرب على أوكرانيا يكرس المزيد من تعقيد الموقف العام للقضية الاوكرانية وتزايد جرائم الحرب وتراكم التعويضات الناجمة عن الحرب وتزايد كلف الإعمار وبناء الاقتصاد.

نعود ثانية الى طبيعة اطراف الصراع في اوكرانيا، وليس المقصود هنا القيادة الاوكرانية، إنما اطراف الحرب بالإنابة التي ترافقت وتراكمت وبلغت في تطورها مرحلة المعاملة بالمثل(Reciprocity)، عسكريا بين روسيا من جهة، وامريكا والغرب الاوربي من جهة اخرى . فروسيا - بوتين تريد إستعادة إرث لن يتحقق عن طريق القوة العسكرية (التقليدية) حتى و(النووية) .. لأن تكريس واقع التهديد باستخدام القوة يخلق واقعا مضادا يصعب البناء عليه مادياً واعتبارياً .. واذا كانت امريكا امبريالية اعلى درجة من الاستعمار - وهي كذلك- فأن روسيا ليست كذلك ولكنها تريد ان تكون نداً ثنائياً لأمريكا بدون مقومات وبدون احتساب لواقع المتغيرات التي تعمل في بلورة نظام دولي جديد لم يولد بعد .. وهذا الند لن يحقق بناء الدولة إلا من خلال الاقتصاد الانتاجي والتكامل الاقتصادي الضروري ولبناء علاقات التعاون المشترك مع الغير وتغيير نزعة التفرد في صنع القرار على اساس ان القوة وحدها هي المحرك الذي يكرس حقائق التاريخ.!!

 

 






الخميس ٣ شعبــان ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / شبــاط / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة