شبكة ذي قار
عـاجـل










تحرير الفاو مفتاح النصر الذي صدم الأصدقاء قبل الأعداء

علي العتيبي

 

نستذكر في كل عام يومَ تحرير الفاو من براثن الاحتلال الإيراني، وقد تتكرر المعلومات ولكن نكتب للأجيال عن واحدة من معجزات الجيش العراقي الباسل في وضع خطة تحرير الفاو، والتي تعد من أروع معارك التحرير التي تدرس في الكليات العسكرية، ولنبدأ من أسباب الاحتلال وحتى التحرير.

ليس للعراق علاقات دبلوماسية مع أمريكا على مستوى السفارة لحد عام 1982 حيث بدأ الانفراج في العلاقات تكلل برفع مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى  سفارة، وقيام العراق بإرسال بعثات للدراسة في أمريكا، وكذلك بناء علاقات اقتصادية وقد شعرت أمريكا إلى  أن هذا التطور قد يفضي إلى  أن العراق يمكن أن يتنازل عن بعض المبادئ الأساسية لديه، وخاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فأرسلت عام 1983 وفداً برئاسة رامسفيلد وعدداً من أعضاء الكونغرس إلى  العراق وقد قابلوا شهيد الحج الأكبر القائد صدام حسين طيب الله ثراه وفي المقابلة طرح رامسفيلد الغاية من الزيارة حيث قال: ( نحن نستطيع إيقاف الحرب بين العراق وإيران ولنا تأثير في ذلك ونستطيع أن نجعلك الزعيم القوي في المنطقة كلها، وهذا كله مقابل كلمة منك، فنحن نعرف انك رجل بدوي يلتزم بكلمته مهما كلفه الأمر، ونحن لا نريد ورقة أو توقيع منك بل نريد كلمة بأنك تسحب نفسك من موضوع الصراع بين فلسطين واسرائيل ونحقق لك ما تريد)، حينها نهض القائد وغادر قاعة الاجتماع وهذا هو رسالة واضحة بالرفض، وأمريكا اعتبرتها إهانة لها فصارت تخطط للإضرار بالعراق وحركت عملاءها، فبدأ سعر النفط بالانخفاض حتى وصل أقل من 10 دولارات للبرميل الواحد، ثم تحرك التعاون العسكري الإيراني الصهيوني وبعد دراسة مستفيضة إلى أن الأرض المشابهة لأرض فلسطين هي الفاو وفي الجغرافية تسمى ( الأرض الهشيم) حيث أن هذه الأرض لا تمتص مياه الأمطار بل تتبخر بفعل الشمس، لكن في الشتاء تبقى طينية لزجة لا يمكن أن يسير فيها إنسان إلا بصعوبة، وكذلك تعاني العجلات منها، وهكذا اختار الخبراء الصهاينة منطقة الفاو لاحتلالها من قبل إيران فصارت خطتهم شن هجوم كبير على مناطق بنجوين وجوارها وبزخم عسكري ومساعدة بعض العملاء الذين كانت مهمتهم إعاقة أي دعم للجيش العراقي من خلال انتشارهم ليلاً على الطرق في جبال ازمر في السليمانية، وهذا ما حصل ونظراً لكون الجيش العراقي يناور بقطاعته وينقلها لمواجهة أي هجوم فانطلت اللعبة وتحركت معظم القطعات إلى شمال العراق وعلى خط المواجهة مع إيران ولم تبق إلا الفرقة 26 في قاطع الفاو وهذا ما أراده المخططون لإيران، فقامت قواتهم بالهجوم على الفاو في شهر آذار 1986  وتم احتلال الفاو  بعد معارك شرسة قام بها الجيش العراقي وخاصة في جزيرة أم الرصاص والميناء القريب منها، وكذلك صد الهجوم في شمال العراق، لكن الفاو احتلت (واعتبرتها أمريكا قرصة إذن للعراق عله يخضع ويتنازل عن القضية المركزية تحرير فلسطين) وتم الزج بقطعات لغرض مواجهة إيران في الفاو، وكان الفصل هو الشتاء والأرض لا تساعد الجيش العراقي ولا توجد طرق إلا الطريق الرئيسي، واستمر قادة الجيش بزج المقاتلين على أمل أن يطردوا القوات الإيرانية، لكن كل المحاولات فشلت بعد أن قدموا أكثر من 52 ألف شهيد، وصار الإيرانيون يتفاخرون باحتلال الفاو وقد قالها رفسنجاني إلى  أمير الكويت ( لقد أصبحنا معكم جيران) وبنوا فيها أضخم مستشفى مسلح تحت الأرض.

وفي أحد المؤتمرات العسكرية التي كان السيد الرئيس يعقدها ويختار لا على التعيين من قادة وضباط وضباط صف لهذا المؤتمر لدراسة واقع الجبهات فقام ضابط برتبة مقدم وأطلع الرئيس القائد صدام حسين على ما كان مخفي عليه حول التضحيات في الفاو وكيف وصل عدد الشهداء إلى أكثر من 52 ألف شهيد، هنا صعق القائد بالخبر واتخذ قراره (عدم ارسال أي قوة للفاو أو التعرض للقوات الإيرانية بل يكون الواجب فقط المحافظة على مواقعكم ولا نريد ضحايا أكثر واتركوا أمر الفاو عندي).

اختار القائد عدداً من القادة لعقد اجتماعات لوضع الخطط لتحرير الفاو واشترط ( هذه مهمة جداً) على أن تكون الاجتماعات في غرف بدون شبابيك وأن تكون المناقشة على ورق دون كلام أي كل واحد يطرح فكرته بورقة ويتم الاطلاع عليها والرد عليها أيضاً بالكتابة بورقة، وهكذا وكان الشهيد يحرص على أن لا ترصد الأقمار الصناعية الأمريكية وأجهزة التنصت فيها على اجتماعات القيادة وطلب أن يتم التمويه على الأقمار الأمريكية وتم التركيز على التدريب في مناطق مائية، وكانت المنطقة المحصورة بين بحيرة الثرثار وبحيرة الرزازة هي منطقة التدريب إلى أن تم تحديد ساعة الصفر لتحرير الفاو ومن أجل التمويه فقد تم تحريك قطعات إلى  القاطع الشمالي وارسال رئيس أركان الجيش للاستطلاع وعقد الاجتماعات وكذلك زيارة وزير الدفاع إلى  القاطع الأوسط وتحريك مجاهدي خلق للمجابهة في منطقة مهران وهذا كله تمويه بينما الجهد العسكري نقل سراً وبشكل متفرق إلى  البصرة والتركيز على الضربات الجوية لتدمير الجسور التي بنتها إيران على شط العرب للعبور إلى  الفاو وبدأت الخطة بإشغال الإيرانيين في الشمال بهجوم عسكري ومع بدايته بدأت ساعة الصفر من البصرة تجاه الفاو فكانت الضربات الجوية الموجعة والمدمرة للجهد الإيراني وتم قطع الجسور وتم القصف المدفعي المكثف بحيث لم يبق متر مربع في الفاو إلا وسقطت فيه القنابل، وللإنسانية فقد ترك العراق جسراً صغيراً للسماح بهروب الجنود الإيرانيين وتحركت قطعات الفيلق السابع التي كانت سباقة لتحرير الفاو كونها منطقتهم العسكرية بالجناح الأول، وتحركت قطعات الحرس الجمهوري بالجناح الآخر ( ولا يهمنا من كان الأول ولكن الغاية هو التحرير) فأطبق الجيش العراقي على الفاو من كل الجهات وتحررت الفاو والتي تعتبر أول مدينة عربية في التاريخ الحديث تتحرر من الاحتلال، وتم الإعلان الرسمي عن تحرير الفاو يوم 18 نيسان 1988 خلال 35 ساعة وبتضحيات بلغت فقط 42 شهيداً، فكان لتحرير الفاو صدمة وقعت لدى الأصدقاء من هول المفاجأة وصدمة للأعداء لأنهم لم يتوقعوا أن تتحرر الفاو  التي حصنها الإيرانيون واعتبروها مدينة إيرانية بعد أن نجح التمويه العراقي على العملية.

حينها صحت أمريكا من الصدمة، وعرفت أن الجيش الذي حرر الفاو بهذه السرعة والدقة لن يقهر فتم الإيعاز إلى خميني بالقبول بقرار وقف إطلاق النار، والذي عبر عنه بكلمته المشهورة (أقبل بقرار وقف إطلاق النار وكأني أتجرع السم)، واستغل العراق ذلك وبعزيمة المنتصر تحركت الجحافل وطهرت كل المناطق التي كان لإيران وجود فيها حتى تم الإعلان الرسمي لوقف إطلاق النار وفق القرار 598 وصدر بيان البيانات الذي أعلن النصر العراقي على العدو الإيراني الغاشم، يوم 8/8/1988، وهكذا كانت الفاو هي مفتاح النصر وكما أطلق عليها شهيد الحج الأكبر الرئيس القائد صدام حسين طيب الله ثراه ( الفاو بوابة النصر العظيم).

إن تحرير الفاو مفخرة للجيش العراقي الباسل، وتبقى ذكراها عطرة في نفوس العراقيين والعرب.

تحية لكل أبطال الجيش العراقي الذين وقفوا كالأسود لصد العدوان الإيراني ودحره والذي تكلل بالنصر المبين في يوم الأيام.

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار وفي مقدمتهم قائد الركب الشهيد القائد صدام حسين، وسيأتي اليوم الذي تعاد فيه أمجاد الجيش العراقي الباسل بتحرير العراق وتطهيره من الاحتلالات وعملائهم جميعاً، وسيعود العراق بيد أهله بإذن الله وسيقود الأمة إلى بر الأمان.




الاثنين ٢٦ رمضــان ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٧ / نيســان / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب علي العتيبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة