شبكة ذي قار
عـاجـل










القومية العربية جذور النشأة واتجاهات المستقبل وموقف الإسلاميين – الحلقة الخامسة

 

زامل عبد

 

اتصل الشريف الحسين وأولاده عبد الله وفيصل باللورد كيتشنر في مصر طلباً دعم بريطانيا إلا أن الأخير لم يبد تحمسا لذلك، إلا أن قيام الحرب العالمية الأولى دفع كيتشنر الذي تقلد منصب وزير الحربية في بريطانيا إلى إعادة التفكير في الأمر  فأوعز بذلك إلى خليفته في مصر السير هنري مكماهون الذي جرت مراسلات بينه وبين الشريف الحسين عرفت بـ (( مراسلات الحسين - مكماهون ))  وبالفعل انطلقت الثورة العربية ضد الأتراك في 1916 وسرعان ما نجح فيصل بن الحسين في اجتياح شمال الجزيرة ثم سوريا وصولا إلى دمشق 1918، بينما احتل الجيش البريطاني بغداد، لاحقاً أعلن المؤتمر السوري العام، أول برلمان سوري المملكة السورية العربية في 1920 إلا أنها لم تدم طويلا إذ سرعان ما نجح الجيش الفرنسي في احتلال دمشق بعد معركة ميسلون مع جيش المتطوعين بقيادة وزير الحربية يوسف العظمة، وفقاً لاتفاقية سايكس بيكو بين إنجلترا وفرنسا والتي أطاحت بوعود بريطانيا للعرب،  وفي مؤتمر القاهرة 1920 الذي عقده وزير المستعمرات الجديد وينستون تشرشل، تقرر تنصيب عبد الله بن الحسين أميرا على الأردن، بينما نصب فيصل ملكاً على العراق في 1921 بعد أن فشل الإنجليز في إدارة العراق خاصة بعد ثورة العشرين ضد الإنجليز بينما خضعت الحجاز في الأخير إلى آل سعود بعد تخلي الإنجليز عن الشريف الحسين  ، هكذا كانت عاقبة القومية العربية في مرحلتها الأولى بعد أن تلاعبت بها القوى الكبرى وامتطتها مطامع بعض زعمائها الذين تعهدوا بتسليم فلسطين للمنظمات الصهيونية كما يظهر في (( اتفاقية فيصل -  وايزمان )) في لندن 1919 ،  وأعني  -  فيصل بن الحسين و حاييم وايزمان أول رئيس  للكيان بالصهيوني في فلسطين المغتصبة (( اسرائيل ))   ، لم تكن القومية العربية على مدى ذلك التاريخ قد بنت أيديولوجيا متماسكة ، ولم يكن مصطلح القومية رائجا أيضا" ، ومنذ عام 1920 نجحت النزعة الوطنية المصرية في إحكام سيطرتهم على الحياة السياسية والثقافية في مصر في مقابل غياب النزعة القومية العروبية  ، يمكن النظر إلى ساطع الحصري 1879 – 1968 في ذلك الوقت باعتباره المنظر الأول والأهم للقومية العربية ، والتي انتقلت معه من نزعة سياسية إلى أيديولوجيا حداثية علمانية تقوم على رابطة اللغة  والتاريخ مع نفي أية أبعاد دينية ، متأثرا في ذلك بالقوميين الرومانسيين الألمان كالشاعر هيردر والفيلسوف فيتشه وقد تصدى الحصري كذلك إلى دعاة الهويات الوطنية كمحاولات إحياء الفرعونية في مصر ، وكتاب طه حسين - مستقبل الثقافة في مصر - وكذلك أنطون سعادة مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي في سوريا  ، كما كان للحصري دوره في إضفاء طابع مجابهة الإمبريالية على القومية التي كانت في بداياتها ترى في تركيا وحدها خصمها اللدود كما يظهر في كتاب جورج أنطونيوس ((  يقظة العرب  ))  ، كما أن دوره لم يقتصر على دراسة القومية أو إثراء فكرها  بل امتد إلى نشرها عبر مواقعه في السلطة ، فقد عمل وزيرا للتعليم في المملكة السورية قصيرة العمر ثم وزيرا للمعارف في المملكة العراقية قبل أن يعود إلى سوريا 1941 ليكون مسئولا عن النظام التربوي والتعليمي فيها عبر تلك المناصب عمل الحصري على إلغاء التعليم الديني لصالح التنشئة القومية الخالصة من أية أبعاد دينية من أهم أعماله دراسات في مقدمة ابن خلدون ، وآراء وأحاديث في القومية العربية ، وكانت للطروحات والأفكار القومية  لكل من المرحوم القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق وصلاح البيطار وزكي الأرسوزي للفترة 1899 -  1947 أثر فاعل ومهم في تجلي الفكر القومي ان كان على مستوى مقاومة الاحتلال الفرنسي البريطاني وما نتج عن سايكس بيكو ووعد بالفور المشؤوم  وضم تركيا للواء الإسكندرونة السوري  وسعبها لقضم الموصل قبل معاهدة لوزان، وكان لهذا المخاض ولادة الوليد الشرعي لرحم الامة العربية  حزب البعث العربي الاشتراكي  الذي أسس قاعدة الاقتدار القومي للتصدي لكل المشاريع التي يراد منها حرمان الامة العربية من امتلاك مقومات القوة والاقتدار لأداء رسالتها الانسانية التي تجلت في نشر الإسلام المحمدي كقوة تغيير جذري لواقع الحياة للعرب ولمن اعتنقه كدين سماوي، لأن البعث أمن ويؤمن بان الامة العربية الحرة الممتلك لإرادتها محتواها الإنساني الإسلام المحمدي الذي اظهر حقيقة العرب ودورهم التاريخي في حمل الرسالات السماوية والتبشير بها وانتهاجها وصولا الى الدين الحق خاتم الرسالات والنبي العربي الهاشمي المكي المضري خاتم الأنبياء والرسل، فيقول المرحوم القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق في القومية العربية  {{  إذا كان في اهتمام الشباب ببحث القومية ما يدعو إلى الاستبشار فان في طريقة بحثهم لها ما يدعو إلى كثير من الحذر والقلق فلقد أصبحت القومية عندهم نظرية من النظريات، يمكن الأخذ بها كما يمكن رفضها، إن لم أقل موضوعا من موضوعات الإنشاء وبابا من أبواب الصحف والمجلات، إن إقبالا شديدا كالذي نراه على هذا الموضوع ليخيف أكثر مما يطمئن، لأنه كثير الشبه بالإقبال على زي جديد من أزياء اللباس واللهو والزي الجديد سرعان ما يصبح قديما ويهجر بمثل الشدة التي قبل بها  ، كل ذلك لأن قومتينا أيضا تأتينا من الخارج بدلا من ان تنبعث من أعماقنا إن الشجرة التي تفصل عن الأرض - مهما عظم حجمها - لا تلبث أن تجف وتخف حتى تبددها الرياح وتستحيل هباء، بينما البذرة التي تولد في الخفاء ما تزال تنمو وتشتد حتى تزدهر ويملأ أريجها الفضاء، أنجعل قومتينا وهي أساس حياتنا نظرية من النظريات فنتركها عرضة لتقلبات المنطق والذوق والهوى فننادي بها اليوم ونؤثر عليها الأممية والشيوعية غدا، ونعتنق الدعوة الدينية بعد غد ؟ أنفهمها فهما ضيقا فنساويها بأجزائها وعناصرها ونخير بين أن نسخر لها الفكر والفن ونضحي من أجلها بالحرية وبين أن نستعظم التضحية فنقدمها ذبيحة لكل هذه الأشياء ؟  ، أنحصرها في ساحة محدودة من الوعي ونسجنها في تعريف كما فعل علماء الكلام بالدين قديما ، فنحكم عليها بالهزال والفقر ، والنضوب والعقم ، ونقضي على جذورها المستترة في ظلام الأرض ، وبراعمها الخبيئة في وهج النور ؟  ، ان هذه القومية التي تأتينا من أوروبا مع الكتب والمجلات تهددنا بخطر مزدوج ، فهي من جهة تنسينا شخصيتنا وتشوهها ، ومن جهة أخرى تسلبنا واقعنا الحي وتعطينا بدلا منه ألفاظا فارغة ورموزا مجردة  فبحث القومية على الأسلوب الأوروبي يعللننا بآمال كاذبة ، فيوهمنا أننا نبلغ ما بلغته الأمم الأوروبية العظمى بأخذنا بعض مظاهرها - أي بضرب من السحر - ، كما أنه يورثنا أمراضا ومشاكل وهمية فنشعر بنفس الأمراض والمشاكل التي تعانيها تلك الأمم  ، ان الخطر الأكبر هو الايغال في التفكير المجرد التفكير المجرد يوهمنا ان الواقع جامد ساكن عام في مادته الأولى ، نستطيع أن نحلله ونشرّحه الى عناصر مستقلة ، نعيد تركيبها ونبدل بعضها من بعض كما يحلو لنا ، مع ان الواقع الحي كل متماسك منسجم ، حي بتماسكه ووحدته ، سابق لكل تحليل ذو فردية كاملة بذاتها. التفكير المجرد يعرّي الأشياء من لحمها ودمها ويفقدها لونها وطعمها ويبعدها عن الدقة والضبط، فالأضداد تتشابه، والمتفاوتات تتعادل، لأنها أصبحت كلها ألفاظا واللفظة تساوي لفظة مثلها  ، أية آلة دقيقة محكمة الصنع هي هذه القومية التي تحتم ، كلما عرضت مسألتها في مكان ، أن تنتج عنها نفس النتائج وتجابه ذات المعضلات ؟ إن الذين يدخلون القومية في هذا الجو المجرد المفرغ من الهواء ، لا يخطر ببالهم أنهم بنقلهم لفظة من موضع إلى آخر يزعزعون الجبال ويزلزلون الأرض ، وأنهم بإهمالهم لفظة أخرى يقطعون أوصال الحياة ويحزون في شرايينها ، ويحلون في ساعة ما نسجه الزمن في دماء أجيال  ، وإن في مقارنة القومية بالدين والتقاليد والفن مثلا ما ينم عن إخلال بدقة التفكير وفهم جزئي للقومية كأنها شيء مستقل عن الدين والتقاليد والفن ، مع أنها التربة التي تنمو فيها مواهب أمة ما في كل الميادين ، وعلى هذا لا يعود جائزا أن تختلق خصومة بينها وبين أحد أجزائها الأصلية المنبعثة منها ، ولا ان نساويها به ، أن التفكير المجرد منطقي مع نفسه اذ يقرر أن القومية لا بد ان تصطدم بالدين مثلا لأنهما يختلفان في المنبع والمظاهر ولكن لنهجر اللفظ قليلا ولنسم الأشياء بأسمائها وصفاتها المميزة فنستبدل بالقومية ( العروبة ) وبالدين ( الإسلام ) تظهر لنا المسألة تحت ضوء جديد ، فالإسلام في حقيقته الصافية نشأ في قلب العروبة وأفصح عن عبقريتها أحسن إفصاح وساير تاريخها وامتزج به في أمجد أدواره  فلا يمكن أن يكون ثمة اصطدام  وبعد فهل القومية محصورة بالأرض كما يظن ، بعيدة كل البعد عن السماء حتى يعتبر الدين شاغلا عنها مبذرا لبعض ثروتها ، بدلا من اعتباره جزءا منها مغذيا لها ومفصحا عن أهم نواحيها الروحية والمثالية ؟  }}

 

يتبع بالحلقة السادسة

 





الثلاثاء ١٢ شــوال ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / أيــار / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامل عبد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة