شبكة ذي قار
عـاجـل










ها قد قرعت طبول الكهرباء

 

سحبان فيصل محجوب مهندس استشاري

 

 يحدثنا التاريخ عن الأحداث التي يسبقها قرع الطبول، ومنها ما يراد منه تدعيم مواجهة التحديات وشحذ الهمم لمواجهة صراعات متوقعة أو التصدي لتهديدات قائمة.

إن التهديد المعروف والمتكرر في مواسم الصيف العراقية هو فقدان عوامل الأمان الضرورية لمواجهة ما يصيب سلامة عمل المنظومة الكهربائية من مخاطر مختلفة له تداعيات فنية وخدمية لا يحمد عقباها.

 

لماذا تعالت أصوات هذه الطبول الآن؟

بعد أن خفتت أصوات الطبول المحذرة على مدى عدة شهور مضت (شهور فصل الربيع) عندما كان حجم الطلب على الطاقة الكهربائية يقع ضمن إمكانات الإنتاج المتاح للشبكة الوطنية ليغطي متطلباته بنحو كامل حيث توجهت الأزمة الكهربائية إلى أحضان سباتها الموسمي وهنا استبشر الكثير بنهايتها دون رجعة! فلا غرابة أن ترتفع إيقاعات طبول التحذير لتتناغم طرديًا مع ارتفاع درجات الحرارة لأيام الصيف اللاهبة القادمة وغياب التيار الكهربائي في المدن العراقية.

إن عصي هذه الطبول قد أخذت ضرباتها تتوالى بسرعات كبيرة بعد أن تم الإعلان عن حجم النقص في تلبية الطلب المحلي على الكهرباء وتحديداً في هذا الصيف والذي يعادل ثلث إجمالي الإنتاج والمستورد تقريباً، وهذا سوف يسبب الزيادة في عديد ساعات القطع المبرمج وغيره من الطارئ المحتمل الحدوث على وفق مؤشرات القصور وما هو متوقع من تحديدات وتوقفات غير محسوبة.

 

لا ساخن ولا دوار!

من المتعارف عليه في أصول وثوابت التشغيل المستقر للمنظومات الكهربائية العاملة هو توافر قدرات توليدية يجري احتسابها بعناية بالاستناد على حجم الأحمال المطلوبة وسعات المولدات العاملة، فالمكائن الدوارة غالباً ما يكون تشغيلها بحد أدنى من طاقتها القصوى لتكون جاهزة على تغطية متغيرات الطلب الكهربائي المتصاعد.. أما الساخنة فهي جاهزة للربط السريع مع الشبكة الوطنية في حالة الضرورة إلى إضافة سعات طارئة.

إن غياب الاحتياطي الساخن والدوار في المنظومة الكهربائية العراقية وعلى وجه التحديد في موسمي الشتاء والصيف حيث تكون الأحمال المطلوبة في ذروتها السنوية سوف يعرضها إلى اخفاقات متكررة في امكانية توفير طاقة كهربائية دائمة ومستقرة للمستهلكين وضمن المواصفات القياسية المعتمدة.

 

رؤى مستقبلية عقيمة!

يجري النظر والتعامل مع بناء وعمل المنظومات الوطنية للبلدان بنظرة شمولية وعلى أساس أنها كيان واحد لا يتجزأ فالترابط الشبكي بين محطات التوليد ومحطات التحويل لا يمكن تفكيكه على وفق مواقع مراكز المحافظات والمدن على الخارطة الجغرافية فإنتاج المحطات الكهربائية العاملة والمنتشرة على أرض البلاد يحدد مواقعها توافر العديد من العوامل المطلوبة لتشييدها بالإضافة إلى المصادر الطبيعية التي يعتمد الإنتاج عليها، فالإعلان الرسمي مؤخراً عن تشخيص أسباب تلكؤ عمل المنظومة الكهربائية في مجال نقل الكهرباء هو القصور في امكانية تبادل الطاقة بين المحافظات يعد تقييماً نشازاً ومنحرفاً عن المفاهيم الفنية الأساسية في إدارة شؤون قطاع الكهرباء فكان من الأجدر التعامل مع هذه المعضلة على وفق المناطق التي يمثل الإنتاج فيها محصلة ما تساهم به المحطات الكهربائية الواقعة في هذه المنطقة أو تلك إلى غير ذلك من الرؤى التي تحتاج إلى إعادة المراجعة بمهنية عالية بعيداً ًعن الأجواء الصاخبة.

 

مشاريع للترويج الاعلامي فقط!

تتوالى الإعلانات عن البدء بتنفيذ الكثير من المشاريع التي تخص تطوير قطاع الكهرباء في العراق باتجاه غلق ملف أزماته ومنذ زمن تجاوز العقدين من السنين، فكان الإعلان مؤخراً عن بداية تدشين مشروع الربط الكهربائي مع الشبكة الكهربائية في المملكة الأردنية الهاشمية خلال شهر آب القادم من هذه السنة ٢٠٢٣ م بعد انتظار طويل له لتكون المرحلة الأولى المخطط لها هي تزويد العراق ب ١٥٠ ميجاواط من الطاقة الكهربائية وهذا لا يعني شيئاً أمام النقص الحاصل والبالغ ١٠٠٠٠ عشرة آلاف ميجاواط على وفق ما تم الإعلان عنه من المصدر الرسمي في الكهرباء العراقية، وقد سبق هذا الاحتفال الكبير في المملكة العربية السعودية والخاص بانطلاق مشروع الربط الكهربائي الخليجي مع المنظومة العراقية حيث جرى لهذه المشاريع وغيرها من المماثلة لها تغطية إعلامية كبيرة لا توازي  ما هو مطلوب في حسم أزمة الكهرباء المستفحلة في العراق لإنهاء المعاناة القائمة الناتجة عنها وتداعياتها القاسية.

 

أين مشاريع الطاقات المتجددة؟

قبل أعوام مضت وفي العديد من المناسبات غالباً ما يجري الحديث عن الخطط والبرامج الخاصة بتنفيذ محطات لإنتاج الكهرباء تعمل باستغلال الطاقات النظيفة بأنواعها وكذلك عن التعاقدات الموقعة مع شركات عالمية متخصصة إلا أن أي من هذه المشاريع لم يرى النور لحد الآن، فبالرغم من التطورات التكنولوجية الحاصلة في هذا المجال على مستوى جميع دول المنطقة والعالم إلا أن المنظومة الكهربائية في العراق تفتقر إلى وجود محطات كهرباء تعمل باستخدام مصادر هذه الطاقات المتوافرة بنحو غزير على امتداد المساحات الشاسعة في البلاد.

 

الاستيراد الإجباري للغاز الإيراني!

بعد سنة الاحتلال الأميركي للعراق سنة ٢٠٠٣ م وتلكؤ القطاع النفطي العراقي في تلبية احتياجات محطات إنتاج الطاقة الكهربائية من أنواع الوقود المستخدمة في تشغيل مولدات هذه المحطات وبالتزامن مع انشاء محطات غازية جديدة لجأ العراق إلى إبرام العديد من العقود مع إيران لتأمين امدادات الغاز الضرورية لتأمين استمرارية عمل المنظومة الكهربائية حتى وصل الحال تباعاً إلى اعتماد ما يقارب الثلث من الإنتاج الوطني للكهرباء على كميات الغاز المستوردة من المصدر الوحيد ( إيران) ما جعل الأمر مفروضًا على الرغم من كونه مرفوضًا من الناحية الفنية والاقتصادية والسياسية أيضا ً ، فما جرى ولمرات عديدة من توقف متعمد لتدفق هذا الغاز يؤشر على إحدى جوانب التحكم المنبوذ من خارج الحدود في الأداء الاقتصادي والخدمي الذي يخص العمل المؤسسي للدولة.

من هنا وعلى وفق المعطيات والملامح التي تم سردها آنفاً ومع غياب العوامل الأساسية المعروفة لمتطلبات خدمة تجهيز مستقرة للطاقة الكهربائية فإن قرع الطبول سوف يستمر صعوداً عسى أن يصل شيئاً منها إلى مسامع من يعنيهم الأمر.

 






الجمعة ١٢ ذو الحجــة ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣٠ / حـزيران / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سحبان فيصل محجوب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة