شبكة ذي قار
عـاجـل










بسم الله الرحمن الرحيم

 

برنامج

كتاب الشهر

 

للكتاب والقراءة أهمية عظمى في حياة الأمم والشعوب، وفي عالمنا المعاصر حيث تحتدم التحديات والمتغيرات في مختلف الاصعدة والمجالات ، اصبحت المعرفة احد اهم الاسلحة التي تتسلح بها الشعوب في كفاحها حتى اضحت حاجة جوهرية لا غنى عنها من اجل البقاء وتحقيق التطور والازدهار. وفي ظل عمليات التجهيل المنَظَم والمتَعَمَّد للأجيال الصاعدة من الشباب في وطننا العربي يحتل هذا الأمر اهمية استثنائية. وتساهم العديد من الاصدارات العربية الحديثة في القاء الضوء على القضايا الملحة في وطننا العربي، وتنوير الرأي العام ونخبه الفكرية والثقافية، وتعميق الوعي لديها، فتشكل منارات هادية تضئ الطريق امام ابناء الامة ولا سيما اجيالها الصاعدة ، لتتزود منها بالمعرفة اللازمة لمواصلة الطريق في دفاعها عن خيارات الامة وحقها في الحياة  ومواصلة رسالتها الخالدة بين الامم.

يسلط برنامج  " كتاب الشهر " الضوء على هذه الكتب ويتناول بعدها القومي وتأثيراتها ودورها في تعميق الوعي فيقدم خلاصات للنصوص الجديدة  في مجالات الثقافة القومية والفكر العربي المعاصر والتحديات الراهنة في مختلف المجالات ، تشترط الرصانة الموضوعية ،وتضمن  الفائدة العامة  لجميع القراء والمتصفحين . ولإثراء  النص وتعميق مضامينه ، يشرع  كتاب الشهر نوافذ للحوار العلمي ، وتبادل وجهات النظر .

كتاب هذا الشهر يحمل عنوان : دور إسرائيل في تفتيت الوطن العربي، تأليف: أحمد سعيد نوفل ، وعرض: مصطفى كامل.

 

عرض كتاب

"دور إسرائيل في تفتيت الوطن العربي"

أحمد سعيد نوفل

عرض: مصطفى كامل

الحلقة (1)

لا يبدو الحديث عن المخططات الصهيونية ضد الأمة العربية حديثاً خيالياً ولا استنتاجاً من باحثين أو كتاباً مهووسين بنظرية المؤامرة، وكيف له أن يبدو كذلك وهناك العشرات من الوقائع والشواهد المعززة بالأدلة والقرائن التي تؤكد وجود هذه المخططات الرامية لتفتيت الوطن العربي وتدميره والحيلولة دون نهضته ودون قيام مشروع عربي حقيقي للنهضة والتطوير.

وخلال ثمانية عقود، هي عمر المواجهة العربية المباشرة مع المشروع الصهيوني منذ تأسيس الكيان الصهيوني صدرت مئات الكتب والدراسات والأبحاث التي تتحدث عن هذا الموضوع، لكن كتاب الدكتور أحمد سعيد نوفل الموسوم "دور إسرائيل في تفتيت الوطن العربي" يتميز عن عديد من تلك الكتب والدراسات بمميزات عديدة، في مقدمتها لغته الواضحة وعباراته المختصرة وشمولية تغطيته ورؤيته الدقيقة لحقيقة الصراع وأبعاده القومية.

صدر الكتاب عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات الذي تأسس في بيروت في منتصف عام 2004، ويُعنى بالدراسات الاستراتيجية والأكاديمية واستشراف المستقبل، ويُغطي مجال عملِهِ الوطن العربي والدول الإسلامية، ويستقطب نخبة من الباحثين بما يخدم القضايا العربية والإسلامية بشكل عام ويعطي اهتماماً خاصاً بالقضية الفلسطينية وبدراسات الصراع مع المشروع الصهيوني.

والمؤلف، الدكتور أحمد سعيد نوفل، باحث أردني متخصص في العلوم السياسية، حاصل على شهادتي دكتوراه من جامعة القاهرة وجامعة السوربون، ويعمل في جامعة اليرموك الأردنية.

يقع الكتاب في نحو 200 صفحة موزعة على مقدمة وأربعة فصول تضم 12 مبحثاً وخاتمة مع لائحة بالمراجع.

خطورة المشروع الصهيوني

يهدف الكتاب إلى بيان حقيقة علمية من خلال دراسة أكاديمية موثّقة خطورة المشروع الصهيوني الذي يتجاوز الحدود الجغرافية المعروفة لفلسطين التاريخية، بما يمسّ الأمن القومي للأقطار العربية كلها، وأن المشروع الصهيوني غير معني فقط بإنشاء دولة يهودية في فلسطين، وإنما يُعنى أيضاً بإضعاف العالم العربي وتمزيقه وتجزئته وإبقائه في دائرة التبعية والتخلف.

يؤكد المؤلف في مطلع كتابه أن الأمة العربية والدول الإسلامية تواجهان في مطلع القرن الحادي والعشرين تحدياتٍ كثيرة تزيد عن تلك التي واجهتهم في القرن الماضي، موضحاً أن هذه التحديثات تهدّد وجودهم ووحدتهم ومستقبلهم وهويتهم الحضارية.

وتتمثل تلك التحديات في محاولات القوى الاستعمارية والصهيونية فرص مشروعاتها الهادفة إلى ترسيخ التبعية والتخلف والتجزئة والاحتلال على الوطن العربي.

 

لهذا فإن كان احتلال فلسطين، الذي هو نتيجة للمؤامرات الاستعمارية - الصهيونية، من أكبر التحديات التي واجهت العرب في القرن الماضي، فإن الاحتلال الأميركي- البريطاني للعراق في مطلع هذا القرن، والعدوان (الإسرائيلي) المتجدد على لبنان وفلسطين، يمثلان تحديين كبيرين لا يقلّان خطورة عما واجهه العرب من قبل، بل يزيد، وهي تحديات تأتي في ظل نظام عربي رسمي ضعيف وغير قادر على التصدي لتلك التحديات، وعجزٍ عن اتخاذ موقف موحد لمواجهة مشاريع التفتيت والتجزئة التي تريد (إسرائيل) والقوى الغربية- وعلى رأسها الولايات المتحدة- فرضها على الوطن العربي.

يؤكد الكاتب على أن (إسرائيل) تقف خلف ما يحدث في فلسطين والعراق ولبنان، وخلف حالة التشرذم والتجزئة في الوطن العربي، لكونها تشكّل التحدي الرئيسي للامة العربية، ومؤشراً واضحاً على استمرار سياسة التجزئة التي فرضتها الامبريالية العالمية على العرب.

من خلال مبحثي الفصل الأول يعرض الكاتب المطامع الصهيونية في تمزيق الوطن العربي، ويربطها بالمصالح الاستعمارية الغربية، ويؤكد على حقيقة أن توحيد (يهود العالم) في (دولة) واحدة والعمل على جعلها مضمونة البقاء لا يتحقق إلا بتمزيق المحيط القريب، وهو الوطن العربي، والأبعد، وهو العالم الإسلامي، في دويلات مجزأة.

ويشير إلى أن تمزيق الوطن العربي وتجزئته يعدّ هدفاً قديماً للتحالف الاستعماري البريطاني الفرنسي للحيلولة دون إقامة دولة الوحدة العربية، حيث ارتبطت مواقف الاستعمار والصهيونية والامبريالية في هدف جوهري وأساسي لتحقيق المصالح الاستعمارية الأوروبية في انتزاع فلسطين من الوطن العربي مع المصالح الصهيونية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، لتمنع قيام دولة عربية موحدة بين أقطاره وتسلبه ثرواته وتستغل موقعه وتخضعه لإرادتها ومصالحها.

 

فقد حدّد المشروع الاستعماري- الصهيوني هدفين رئيسيين له هما:

1.    توحيد اليهود في قومية واحدة ودولة وحدة

2.    تجزئة الأمة العربية بإقامة دول مجزأة.

ومن هذين الهدفين الاستراتيجيين الكبيرين تتولد مجموعة من الأهداف الاستراتيجية والسياسية والعسكرية والاقتصادية الأخرى.

ولو اختارت الحركة الصهيونية مكاناً غير فلسطين لإقامة الدولة اليهودية لما نالت التأييد الذي حصلت عليه من الدول الاستعمارية، لهذا فإن موقع فلسطين الجغرافي والاستراتيجي في قلب الوطن العربي زاد من أهميتها في المخططات الاستعمارية في الوطن العربي وجعل قادة أوروبا هم الذين يعرضون على اليهود إقامة وطن لهم في فلسطين، حتى قبل أن تطرح الحركة الصهيونية الفكرة بسنوت طويلة، حيث يؤكد الكاتب أن تلك الفكرة ظهرت في القرن السادس عشر، عندما تضافرت "حركة النهضة الأوروبية" و "حركة الكشوف الجغرافية" وغيرها في وضع أسس مستقبل القارة الأوروبية من خلال تفاعل الأفكار الاستعمارية وبعض الاتجاهات الدينية مع السمو العرقي الأوروبي والتفوق العنصري. وظهر بعض علماء اللاهوت البروتستانت تحدثوا عن "أمة يهودية" و "نهضة يهودية" وعن "فلسطين وطناً لليهود".

ويشير إلى أن تلك الدعوات تطورت بعد الثورة الفرنسية بدعوة نابليون بونابرت يهود فرنسا في سنة 1799- قبل وعد آرثر بلفور بـ 118 سنة– إلى إعادتهم إلى فلسطين إذا ساعدوه في فتوحاته في الشرق.

ولم يكن ذلك العرض عائداً إلى اقتناع نابليون بـ "أرض الميعاد" بل لأن إقامة اليهود في فلسطين ستخدم المصالح الفرنسية في حروب فرنسا ضد بريطانيا في المشرق العربي.

ويعرض الكاتب كيف تطور الاهتمام البريطاني بفلسطين من مواجهة محمد علي باشا ومشاريعه للوحدة في الفترة 1832-1840 إلى وثيقة رئيس الوزراء البريطاني هنري كامبل بانرمان التي تحدثت سنة 1907 عن إنشاء حاجز بشري قوي وغريب في المنطقة التي تربط آسيا بأفريقيا يكون معادياً لأهل المنطقة، ومعتمداً على الغرب، وكيف تآمر البريطانيون والفرنسيون في معاهدة سايكس بيكو رغم اتصالات لندن مع الشريف حسين، وصولاً إلى وعد بلفور سنة 1917 بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

كما أبدت ألمانيا هي الأخرى اهتمامها بإقامة (وطن لليهود) في فلسطين من أجل حماية المصالح الأوروبية في "الشرق الأوسط"، وليكون حاجزاً يفصل مصر عن سوريا.

وفي الفصل الأول يتحدث الكاتب أيضاً عن كيفية قيام الصهيونية في الساحة الأميركية بدور مهم في الحصول على تأييد الوسط الديني الأميركي للمشروع الصهيوني في فلسطين، وذلك مستغلة انتشار المذهب البروتستانتي الذي يعتقد بأن مجيء المسيح المنتظر يجب أن يسبقه قيام الدولة اليهودية في فلسطين، ولهذا فقد دعا القس جون مكدونالد، وهو أحد كبار رجال الدين الاميركان سنة 1814 دعا الحكومة الأميركية إلى تبني أفكاره بعودة اليهود إلى فلسطين.

ويعرض كذلك تفاصيل المشروع الخطير الذي اقترحه المؤرخ الصهيوني الأميركي الشهير برنارد لويس ونشر في حزيران/ يونيو سنة 2003، حيث اقترح حينها تقسيم " الشرق الأوسط " إلى أكثر من 30 دويلة إثنية ومذهبية لحماية المصالح الأميركية و (إسرائيل).

ويتضمن المخطط تجزئة العراق إلى ثلاث دويلات وسوريا إلى ثلاث والأردن إلى دويلتين ولبنان إلى خمس دويلات، فضلاً عن تجزئة السعودية إلى دويلات عدة. ويرى برنارد لويس أن كل الكيانات ستشلّها الخلافات الطائفية والمذهبية، والصراع على النفط والمياه والحدود والحكم، وهذا ما سيضمن تفوّق (إسرائيل) في العقود الخمسة القادمة على الأقل.

موقف الكيان الصهيوني من الأقليات في الوطن العربي

أما الفصل الثاني فيخصصه الكاتب لعرض موقف (إسرائيل) والحركة الصهيونية من الأقليات في الوطن العربي، ويؤكد أن الكيان الصهيوني سعى إلى تضخيم مشكلة الأقليات العرقية والدينية واستغلالها ضد أي مشروع وحدوي، وحضّها على التمرد والانفصال.

ويوضح أن الحركة الصهيونية ودولتها ، حاولوا منذ بداية الصراع العربي- الصهيوني استعمال شتى الطرق والوسائل لمنع قيام الوحدة العربية وإضعاف الأمة العربية. ومن بين اهم الوسائل هي تضخيم مشكلة الأقليات العرقية والدينية في الوطن العربي واستغلالها في وجه المشروع الوحدوي العربي، عن طريق الاتصال مع الأقليات في الأقطار العربية.

ومن وجهة نظر الكيان الصهيوني فإن العالم العربي تتنازعه الانقسامات الطائفية والعرقية والاثنية، ومن السهل اختراقه وإضعافه من خلال التآمر مع تلك الأقليات وتشجيعها على التمرد وإقامة دويلات منفصلة عن الوطن العربي، لأن انتشار الدويلات التي تحكمها أقليات دينية وإثنية هو الوسيلة الرئيسية لإضعاف الوطن العربي، وتعامل (إسرائيل) معها هو أقصر الطرق لتفتيته.

ومع أن معظم الأقليات في الوطن العربي أصبحت جزءاً من النسيج الاجتماعي والسياسي العربي، إلا أن الكيان الصهيوني اتبع سياسة "فَرِّق تَسُد" في تعامله مع تلك الأقليات، وهي السياسة نفسها التي ورثها عن السياسة الاستعمارية الأوروبية، وتحديداً البريطانية، حيث استغل والدول الاستعمارية قضية الأقليات في الوطن العربي تأميناً لمصالحهم في المنطقة.

وحسب المؤلف فإن العرب يشكلون 88% من سكان الوطن العربي، أما الأقليات الأخرى فتتوزع على الأكراد والبربر والزنوج والتركمان، وهناك أقليات دينية مسيحية ويهودية.

ويذكر المؤلف أن 91% من سكان الوطن العربي من المسلمين و5% من مجمل السكان من العرب المسيحيين. ويلاحظ أن الجميع يتحدث العربية ويشعر بانتمائه الحضاري والثقافي للامة العربية.

وتُظهر الكثير من الأقوال والكتابات والدراسات (الإسرائيلية) أن الموقف الصهيوني من الأقليات في الوطن العربي مبني على أساس "شدّ الأطراف ثم بترها"، أي افتعال حروب طاحنة ونزاعات في أطراف الأمة بعيداً عن المركز وهو فلسطين، اضافة الى مدّ جسور العلاقة مع الأقليات، ثم جذبها خارج النطاق الوطني والقومي، ثم تشجيعها على الانفصال.

كما أشار إلى دراسة أستراتيجية مهمة وضعها عوديد ينون وقدّمها لوزارتي الخارجية والدفاع في الكيان الصهيوني، ونشرت في شباط/ فبراير 1982.

ويرى ينون أن اتفاق كامب ديفيد مع مصر كان "خطيئة ارتكبتها إسرائيل"، وإن إصلاح ما تسبب فيه الاتفاق من ضرر لـ (إسرائيل) يأتي من خلال السعي الحثيث لتجزئة مصر إلى أربع دويلات: قبطية في الشمال وعاصمتها الإسكندرية، ونوبية عاصمتها أسوان في الجنوب، ومسلمة عاصمتها القاهرة، ورابعة في الشرق تحت نفوذ الكيان الصهيوني.

وتحدث ينون عن تقسيم لبنان إلى سبعة كانتونات، والسودان إلى ثلاثة، وسوريا إلى أربعة. ودعا إلى تفتيت العراق لأن قوته تشكل على المدى القصير خطراً أكبر من أي خطر على (إسرائيل) كما تحدث ينون عن تفتيت الخليج العربي، و "إذابة الأردن". وفي عام 1985 صدر كتاب عن رئاسة أركان جيش الكيان الصهيوني يتضمن المخططات نفسها التي جاءت في دراسة ينون. وتحدث المؤلف عن مساعي الكيان في ضرب العراق وتفتيته، ودوره في تشجيع ومساندة أميركا في التخطيط وفي الهجوم على العراق وغزوه واحتلاله وإسقاط قيادته في ربيع 2003.

ولهذا فإن (إسرائيل) تسعى دائماً إلى إثارة الخلافات بين الشيعة والسنة والأكراد في العراق، وبين السنة والعلويين في سوريا، والموارنة والدروز والسنة والشيعة في لبنان، وبين الفلسطينيين والأردنيين في الأردن، والسنة والشيعة في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط في السعودية، والمسلمين والأقباط في مصر، والشمال المسلم والجنوب المسيحي والوثني في السودان والعرب والبربر في الجزائر والمغرب.

كما أن زعماء الحركة الصهيونية لم يرفضوا وجود الأمة العربية فقط، بل دعوا إلى إقامة نظام سياسي- ثقافي جديد في (الشرق الأوسط)، لكي تختفي الثقافة العربية- الإسلامية في المنطقة. ويستعرض الكاتب بشكل أكثر تفصيلاً المشاريع (الإسرائيلية) لتفتيت كل من سوريا ولبنان والجزائر والسودان والخليج العربي.

 

يتبع لطفاً..






الاحد ٢٤ صفر ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / أيلول / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مكتب الثقافة والإعلام القومي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة