شبكة ذي قار
عـاجـل










بسم الله الرحمن الرحيم

 

فائض القوة وأثره في التحكم بالشعوب

الدكتور شاكر عبد القهار الكبيسي

 

لا جرم أنّ كل ما زاد عن الحاجة يعتبر فائض مما يدفع الى التفكير في كيفية  التصرف  بهذا الفائض  فهناك فائض في الوزن وفائض في القوة وهناك أيضاً فائض في الطاقة ... الخ مما يستوجب تصريف هذا الفائض وفق خطط معينة تحقق الفائدة من هذا الفائض فإن كان هناك فائض في الطاقة استوجب نقلها الى مناطق أخرى وإن وُجِدً فائض في المال على المستوى الشخصي والدولي فإنّ من حباه الله الخير دَفَعَ بما زاد عن حاجته لمنفعة الآخرين فتصدّق وأعطى وأعان فنال بذلك زيادة في المال والرضا من الله وكذلك على المستوى الدولي فمنها من يستخدم فائض المال للسيطرة والقوة وشراء الذمم واستعباد الآخرين ومنهم من يُقدِّم فائض المال لخدمة البشرية في مشاريع وأعمال انسانية تعود بالنفع على الشعوب الفقيرة كمعونات لمشاريع تخدم الطفولة أو مشاريع للمسنين أو للتربية والعلوم وغيرها من المشاريع الخدمية أمّأ بالنسبة لفائض القوة العسكرية وما يحمله من مضار للشعوب وفرض ونزوع للسيطرة دون تفريق بين الدول الضعيفة والساعية للتنمية والحفاظ على استقلال وحرية شعوبها وبين الأنظِمة السياسية التي تفرض أطماعها ورغبتها في التسلط على الآخرين مدفوعة بما تمتلكه من فائض القوة دون أن ولا تكترث لنظام دولي أو قانون إنساني وهي بذلك تُسرِّع في أن تضع نهاية لقوتها ووجودها لأن الظلم لا يدوم فتراها تنهار وببساطة من قبل قوة صغيرة من المقاتلين الأشداء لكنها كبيرة بإيمانها وقوية  بإرادتها وهذا ما لمسناه اليوم في غزة عندما حققت نصر لا مثيل له وأحرجت فائض القوة الإسرائيلي وانهاء هيمنته وتحطيم هيبته وفرض معادلة جديدة للصراع العربي الصهيوني وأفشلت قوى المقاومة نظرية الأمن الصهيوني الذي لا يُغلب وسيجعل الصهاينة يفكرون بمغادرة فلسطين عندما يشعرون أنّ أمنهم مخترق وجيشهم انذل كما استطاعت المقاومة الباسلة في إيقاظ الشعور الجماهيري العربي والدولي بقضية فلسطين وزاد من أهميتها في الضمير الانساني وأجبرت على الغرب أن يفكر من جديد في حل للقضية الفلسطينية فلا تطبيع ولا تسويف ولا شرق أوسط  جديد بل استعداد للاستشهاد ونزوع لوحدة الفصائل الفلسطينية في القدس ورام الله والضفة الغربية وحققت  نصراً استراتيجيا كبيرا ً سيكون له حظوظ كبيرة في أي حوار دولي للقضية الفلسطينية ومقدسات المسلمين فيها .

 إنّ وقوف الغرب اليوم مسانداً للصهاينة يُظهر أنّ مشاريع الأحلاف والتكتلات الغربية لا تخلق مجتمع عالمي آمن ومُستقِر بل يخلق توجهات دولية  تعتمد على امتلاك وسائل نظرية قوة الردع والردع بالقوة  فتضيع بذلك حقوق الدول الصغيرة ويوقف نزوع حركات التحرر في العالم أجمع ويُضعِف حقها في الدفاع عن أمنها ومواردها وشعوبها كما أنَّ الاعتماد على فائض القوة لا يكفي لتحقيق الأرجحية والسيطرة والغلبة في الميادين فالصراعات لا تنحصر على القوة العسكرية فحسب بل هناك عدة مقومات يجب أن ترافق القوة العسكرية لتحقيق الأهداف المرسومة للسياسة لأن الحرب كما تعرّف أنها آخر وسيلة من وسائل السياسة فإذن لا بد من أن يسبق ذلك دبلوماسية وعلاقات دولية ومصالح مشتركة مؤثرة ومباحثات ولقاءات ينال كل طرف فيها المجال الرحب لطرح آرائه بل وقوع الكارثة .

 لقد استفادت الدولة العبرية على مدى تأريخ الصراع من  فائض القوة واستخدمتها في كل المنازلات التي تخوضها مع العرب بشكل عام أو مع  الفلسطينيين بشكل خاص واستغلت الدعم اللامحدود الّذي تتلاقاه من الغرب مالياُ أو سياسياً واقتصاديا وإعلامياً مما دفعها إلى التعنت والاحتفاظ بأراضي الغير والمساس بالشعوب وانتهاك حرياتهم ومقدساتهم وفرض منطق القوة على منطق السلام والعدل والاستقرار الدولي  وتحقيق الأهداف حتى وإن كانت غير قانونية فهي تذبح الشعب الفلسطيني كل يوم غير آبهة بأحكام القانون الدولي والعلاقات الدولية وحق الشعب العربي الفلسطيني في قيام دولته المستقِلة وعاصمتها القدس وفق قرارات الأمم المتحدة إنّ هذه المواقف تُمثِّل  ضرباً لكل المفاهيم العدلية والإنسانية وتجاوز واضح على لغة العقل والمنطق والعدالة الإلهية كما يقود هذا المنطق في الوقت نفسه إلى مساواة الظالم بالمظلوم والسارق بالمطالب بحقوقه بالرغم من أنّ المجتمع الدولي يعطي الحق في الدفاع عن النفس والسيادة ومجابهة كل أشكال العدوان والسيطرة والاحتلال .

 لقد أثبتت وقائع التأريخ أنّ الارتكاز الى القوة وتحكم غريزة السيطرة على الاخرين سيُسقِط القوة والهمجية وأنواع الاستخفاف بحقوق الآخرين ويقضي على مقدراتهم ومشاعرهم مريضة التي تدفعهم إلى التخلي عن القيم والمعايير الأخلاقية وشيوع ظاهرة الجنون بالسيطرة مدفوعاً بالقوة والآلة العسكرية التي يمتلكها الحاقدون والمغرضون والمتربصون بأحوال الشعوب بغية استغلال مواردهم وإمكانياتهم وأراضيهم ومواقعهم لخدمة الأغراض التوسعية حتى لو قتلوا ملايين البشر وكم من إمبراطوريات ظهرت في الوجود ثم ما لبثت إن انتهت وسقطت معالمها لأن الارتكاز إلى القوة لا يدوم ولكل زمن دولة ومساحة للتصرف والتأثير على المجتمع الدولي فلا يكفي امتلاك القوة العسكرية والتوسع في أراضي الآخرين لكي تستقر أحوال الشعوب فبعد  الاحتلال عام 2003م بدأت عمليات المقاومة العراقية تتصاعد بشكل كبير فأحدثت آثار مدمرة للقوات الامريكية الغازية وهي الأعظم والأكبر والأقوى عالمياً وأجبرتها على الانسحاب من العراق بالرغم  مما تملكه من فائض القوة.

 إنّ استخدام فائض القوة في العلاقات الدولية دون مراعاة لأحكام وقواعد القانون الدولي ومصالح الآخرين يخلق  أعمال عدوانية ورغبة في السيطرة والاستحواذ على خيرات الدول الأخرى والهيمنة على القرار الوطني فيها وهذا ما سبب في اندلاع عدة حروب إقليمية ودولية في أوربا وآسيا وأفريقيا راح ضحيتها الملايين من البشر وعلى المجتمع الدولي ان  يسعى لإقرار الحقوق المشروعة لكل الشعوب يقاوم شعب فلسطين الكيان الصهيوني بكل ما يمتلكه من قوة ينسى العالم الغربي واجباته في حفظ السلام والأمن الدوليين مما أفقد ومن واجب المجتمع الدولي والأمم المتحدة تحقيق العدل والمساواة بين الشعوب ل، الظلم والتسلط يقود إلى إحداث فوضى عالمية لا حدود لها  ويُنذر بعواقب أليمة وخطيرة على المجتمع الدولي ويقود إلى ما نحن فيه من عدم الاستقرار في العالم والكوارث البيئية والإنسانية التي لا حصر لها.

 





الاربعاء ٣ ربيع الثاني ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / تشرين الاول / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور شاكر عبد القهار الكبيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة