شبكة ذي قار
عـاجـل










المتعبون ينشرون الفوضى في قلب بغداد التجاري .. كيف ولماذا؟

د. أبا الحكم

 

 

قد تسمع أصوات الباعة الجوالون في بعض شوارع دول العالم عند الصباح، ولم تسمع مثل هذه الاصوات في أيام معينة، كأيام الأحد والجمعة حيث يخصص لهم المعنيون بشؤون البلدية أماكن لهم على وفق شروط محددة وفي ازقة أو احياء سكنية معينة لتصريف منتجاتهم الزراعية واليدوية وبيع القديم من مقتنياتهم وغير ذلك من المعروضات، وتكون الاسعار مناسبة للجميع ,, هذا التنسيق يعمل به في معظم دول اوربا كما رأيناها في أثينا ولآهاي وبرشلونه ولشبونه في بروكسل عاصمة بلجيكا وفي اسطنبول .. كانت المطرزات اليدوية الرائعة تجلب الانتباه وهي تبهر برونقها وشكلها وأناقتها، فيما تكون الفخاريات المتنوعة لا مثيل لها من حيث جمال الشكل والمعنى والإرث الحضاري .. وتخصص بلدية باريس يوماً واحداً في الأسبوع وفي شارع محدد لعرض المقتنيات والآثاث القديم الذي يعود بعضه إلى عهد لويس الرابع عشر مثل الكراسي وطاولات الكتابة التي لم يعد مثلها موجوداً في الوقت الحالي إضافة إلى التحف الصغيرة والمنحوتات الرائعه وبعضها رؤوس الأيائل والغزلان وقرونها المثبتة على زخرفات خشبية جميلة محفور عليها تاريخ صيدها الذي يعود بعضها الى الأعوام  1728- 1897 .

ليس من الصعب المقارنة بين طبيعة الشعوب في تفكيرها وتنظيمها وبالتالي ثقافاتها، ولكنه من الصعب ان تستنسخ واقعاً تتمناه أن يكون حتى وإن كان ذلك الشعب له عمقه الحضاري، ولكن الظروف الموضوعية باتت اقوى من أية عناصر يتعزز فيها هذا العمق، بحيث اصبح الشعب العراقي مشدوداً إلى عجلة تسحبه إلى الوراء بفعل ثلاث عوامل معروفة 1- الاستعمار الاوربي والأمريكي 2- الأستعمار الفارسي 3- التخلف الناجم عن الإنقسام والتشتت .. هذه العوامل هي في حقيقتها مرسومة لشعب العراق طالما هو، أولاً- غني بالموارد المائية والمعدنية والبشرية وثانياً- موقعه الاستراتيجي وثالثاً- حضاراته الزاخرة التي تنتج إنموذجاً للإقتداء .

نعود الى مدخل المعطيات في قلب بغداد الرائعة الجمال التي تكسوها مسحة من الحزن، وركاماً من الإهمال يمتد منذ عام 2003 وهو عام الاحتلال الامريكي الغاشم للعراق الذي رافقه الاحتلال الفارسي بأدوات (التبعية الايرانية) و (ولصوص عراقيون) و (جواسيس من كل الاصناف).

كان محدثي قد تجول في شارع الجمهورية من مدخل ساحة شاعر العراق الوطني معروف الرصافي فوصف الشوارع بأنها مكتضة بأشكال (البسطات) المعروض عليها انواع الحاجيات، فضلا عن العربات الخشبية المحملة بأكداس من الملابس القديمة والملابس الرخيصة الثمن ... والطامة الكبرى كما يقول محدثي أن عدداً من العربات المحملة بأكداس من الملابس تزعق مايكرفوناتها بصوت عال (ثلاثة بألفين دينار) حيث يختلط الحابل بالنابل. واضاف لماذا لا يكون النداء المايكرفوني واحد ما دامت البضاعة وعددها وسعرها واحد ؟ لماذا لا احد من هؤلاء الباعة يريد ان يسلم على أذنيه من الصراخ والزعيق المستمر لساعات؟ والذين يمرون في هذه الشوارع والساكنين الساكنون في شققهم وبيوتهم ألا يحتاجون الى ساعة من الصمت والهدوء ؟ وهل الذين يتبضعون يجتاجون الى كل هذا الزعيق الصادر عن المايكرفونات التي لا تفهم منها شيئاً على الأطلاق؟

ويتابع محدثي الذي زار بغداد مؤخراً بعد غياب طويل ، لم اكن مصدقاً ان اجد شارع الرشيد تملؤه الكراتين الفارغة والأزبال . ولم اصدق عيني حين رأيت اصحاب المحلات التجارية يفرغون بضاعتهم من (الدكاكين) إلى بسطات (الرصيف)، وان عابر الطريق يقفز هنا ويتوقف قبل ان يصدمه (الحمال) الذي لا يرى غير قدميه وهو يسير على الرصيف المحشو بالبسطات والبضاعة المنفرة أو تكسر قدميه عربة النقل اليدوية ذات المقدمة الحادة كالسكين.

ويضيف ، انحدرت الى شارع النهر الذي كنت اعرفه من اجمل الشوارع التي تضم اجمل المحلات واثمن البضاعة واكثرها إناقة .. فوجدته فقيراً بائساً ووسخاً وتكثر فيه البسطات الرثة والوجوه المتعبه ، وفي منتصف الشارع الذي يمر بـ(خان مرجان) إلى شارع الرشيد بالقرب من جامع (الخلفاء)، الكائن في مقدمة سوق الشورجه .. هذا الشارع وفي منتصفه وعلى الجانبين اكداس من بالات مرزومه على ارض الشارع بالعشرات، ومن الصعب ان تمر عجلة او تاكسي وحتى المارة لا يستطيعون المشي لا في الشارع ولا حتى على ارصفته المملوءة بالبسطات والأدوات والبضائع البائسة الزهيدة الثمن .. واضاف ، لقد بدأت أهلوس مع نفسي، ماذا جرى لبغداد ويجري؟ لماذا كل هذه الفوضى؟ ولكنه استدرك يقول : أن ذلك لم يكن عفوياً ولا بالصدفة ولم يتحقق تلقائياً في ان يكون الوضع فوضى عارمة ، ومثل ما رسمته (الفوضى الخلاقة) للعراق، طبقتها على المنطقة، فأسقطت نظم وطنية وغضت النظر عن سياسات التوسع الاقليمي في المنطقة وشاركت في إفساد المجتمعات العربية وفككت جيوش العراق وسوريا واليمن وحيدت جيش مصر وجيوش الدول العربية كافة .. كل ذلك، لمصلحة مشروع الشرق الاوسط الكبير الذي يضمن (أمن) الكيان الصهيوني ويؤمن الوصول إلى (آبار النفط) .

وكرر عبارته المؤثرة .. ما الذي يجري في العراق ؟ لماذا يخلو العراق من المشاريع الاقتصادية والصناعية والزراعية والصحية والعمرانية والعلمية وغيرها؟ لماذا يراد بشعب العراق أن يكون إستهلاكياً ومدجناً ؟ لماذا يبقى معظم الشعب جائعاً ومحروماً ويعاني من الأمراض والأوبئة؟ لماذا يبقى الفساد السياسي والإداري والمالي ينخر في بنية (دولة) العراق؟ لماذا إفشال المدارس وتحويلها إلى مدارس خصوصية فاشلة؟ لماذا نتائج الامتحانات مدفوعة الثمن والوظائف لا ينالها ابناء الشعب بل توزع على ابناء قادة السلطة والمقربون منهم؟ لماذا يكون نيل الشهادة المدرسية والجامعية دون حاجة للدراسة إنما دفع مئات الألاف من الدولارات؟ لماذا يذهب المواطن إلى المستشفيات ولم يجد علاجاً لمرضه؟ لماذا تغيب أدوية الأمراض المزمنه من السوق؟ لماذا تشاع مكاتب الدعارة في مدن العراق ومواخير اللواط في الكرادة وفي كربلاء؟ لماذا قادة الاحزاب الاسلامية الحاكمة الموالية لإيران يملؤون الشوارع بصور المرشحين للإنتخابات كـ(ديكور) لمصطلح الديمقراطية كل أربع سنوات؟ ثم ، لماذا باتت رواتب الموظفين والمتقاعدين تتآكل تدريجياً أمام زيادة الاسعار الفاحشة بفعل تلاعب الاحزاب الحاكمة ومليشياتها بأسعار الدولار؟ واخيراً، إلى متى يبقى الشعب العراقي ساكتاً على الضيم ، والأكثر خطورة لماذا تباع موانئ العراق وخور عبد الله ومياهه الإقليمية؟ ولماذا تفكك مصانع العراق التي بنيت في زمن الحكم الوطني وتباع (خردة)؟ ولماذا يحول مجرى الأنهر القدمة من ايران الى داخل الاراضي الايرانية وهي انهر دولية يحكمها القانون الدولي دون ان تطالب حكومة العملاء ايران بوقف هذا التجاوز؟ واخيراً لماذ تنتهك مصالح العراق وحكومة اللصوص ترجح مصالح ايران؟  ،، إلى متى والعقود من السنين تأكل الاخضر واليابس ؟






الاثنين ٥ جمادي الثانية ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / كانون الاول / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة