شبكة ذي قار
عـاجـل










 

في وسائل المواجهة مع العدو الصهيوني

تبقى المقاومة الشعبية السلاح الأقوى

حسن خليل غريب

- الحلقة الثانية-

 

مقدمة

لقد طرحت عملية (طوفان الأقصى)، في السابع من تشرين الأول 2023، انطلاقاً من قطاع غزة الكثير من الأسئلة، عن أسباب تنفيذها، ومدى أثرها في معرض الصراع العربي – الصهيوني. ولقد اكدت التجربة التاريخية الاستراتيجية التي أطلقها حزب البعث العربي الاشتراكي منذ تأسيسه في العام 1947، والتي تلخصها مقولة القائد المؤسس (فلسطين لن تحررها الحكومات، بل الكفاح الشعبي المسلح)، ومن اجل استكمال البحث في تقديم قراءة للنهج الشعبي المقاوم في هذه المرحلة، ولما أحدثته الحراكات الشعبية في مقاومة التطبيع من أثر بالغ، سنتناول تأثير (المقاومة الشعبية) ليس في مقاومة التطبيع فحسب، بل في مقاومة الاحتلال الصهيوني أيضاً.

 

أولاً: في التلاقي بين مصالح الفئات الحاكمة في الوطن العربي ومصالح الرأسمالية العالمية

لم نتوهَّم يوماً أن النظام العربي الرسمي يضع من بين أهدافه وحدة العرب السياسية، وذلك على الرغم من أن (قوة العرب في وحدتهم). كما لم نتوهَّم يوماً أن مواجهة العدو الصهيوني يمكن أن تكون عبر التوازن في القوى العسكرية النظامية لأن الدول التي تملك السلاح لن تسمح للعرب بأن يصلوا إلى مرحلة التوازن تلك.

 

ذكرنا أن مهندس اتفاقية سايكس بيكو قد خطط لإقامة دول عربية تحكمها أنظمة رسمية تندمج تماماً مع مصالحه في الاستيلاء على الوطن العربي وثرواته. وسعى بكل قوته وامكانياته لتنفيذ هذا الهدف وتحطيم اي نظام يشذ عنه وبأية طريقة. لذا بقي منهج اغلب الأنظمة الرسمية العربية الامني والاقتصادي والاجتماعي، منهجاً رأسمالياً، او اقتصادياً مرتبطاً بالغرب،  ويكاد يخلو من اي محتوى متعلق بالحريات العامة وحقوق الانسان. لذا اصبح أكثر ضرراً من المناهج الرأسمالية العالمية السائدة، لأن الأنظمة الرأسمالية التقليدية العالمية تضمن حرية الأفراد الاقتصادية ولكنها في الوقت ذاته تعمل على ضمان، والى حد ما، مطالب شعوبها، وقضايا الحريات العامة وحقوق الانسان وما شابه.

وطالما هدف الرأسمالية العالمية هو السطو على ثروات الشعوب الأخرى، وطالما تدير الصهيونية حكومات خفية في العالم بقوة رأسمالها، فإنها سوف تحافظ على التفوق العسكري للعدو الصهيوني من جهة، ومن جهة أخرى تضمن بقاء الدول العربية ضعيفة تحتاج إلى حمايتها.

هذا الواقع هو ما خططت له الرأسمالية في مؤتمر كامبل بانرمان في العام 1905، والذي كان من أهم أهدافه الاستراتيجة أن تمنع العرب من إقامة وحدة سياسية بعد تقويض الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى. ومن أجل ذلك وافقت، بناء على طلب الصهيونية العالمية،  على إعطائها ما أطلقوا عليه (وطناً قومياً لليهود) في فلسطين، والذي اشتُرِط فيه ان يتميّز بشكل خاص بعاملين اثنين هما : صداقته للغرب، وعداؤه للعرب.

 

ثانياً: التصدي للمخاطر الصهيونية على القضايا العربية والدولية

فيما يلي بعض الجوانب التي تخص خطورة المشروع الصهيوني عربياً وعالمياً واهمية ادراكها ووعيها والتثقيف بها كجزء اساسي من المقاومة الشعبية العربية للمشروع الصهيوني،  والتي يمكن ان نلخصها فيما يلي :

 

1-   ادراك الخطورة العالمية لبناء دولة دينية يهودية

وفق العقيدة الصهيونية ، فإن بناء دولة دينية يهودية، وهو ما اقرّه (الكنيست الإسرائلي) منذ سنوات قليلة في اعتبار (الدولة الإسرائيلية) تقوم على أيديولوجية قومية يهودية، يعني الاعتراف ببناء دولة دينية تعمل على تطبيق المبدأ التوراتي الذي ينص على أن اليهود هم (شعب الله المختار).  وبالتالي فان هذا المبدأ يمتلك، كما يزعمون، حقاً إلهياً بقيادة شعوب الأرض الأخرى.

ان مصدر الخطورة في هذا المبدأ يكمن في كونه يمتلك الحق بنسخ كل ديانة سماوية أخرى، وبالأخص منها الديانة المسيحية، التي تعتبر تعاليمها متناقضة مع العقيدة والمصالح اليهودية.  وباستثناء جماعة اليمين المسيحي المتطرف المنتشرة في أميركا بشكل رئيسي، أي الجماعة التي تؤمن بالتمهيد لمعركة هرمجدون على أرض فلسطين، أي المعركة الأخيرة بين الخير والشر، فإنه  من وجهة نظر العقيدة الصهيونية، إعادة صلب المسيحيين كلهم، هو أمر وارد مرة أخرى في التاريخ، وسوف يحصل ذلك عندما تكتمل فصول إعادة بناء هيكل داوود تمهيداً لاستعادة النواة الأولى للأرض المقدسة، كما يزعمون، والتي رُمز لها بشعار توَّج بوابة (الكنيست الإسرائلي): (أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل).

وحسب تلك العقيدة فانه منذ اللحظة التي يحقق فيها العدو الصهيوني تلك المرحلة ستبدأ مرحلة اجتثاث الاديان الاخرى، المسيحية اولاً، تليها مرحلة اجتثاث الإسلام. وهذا كله يعني بداية حروب "مقدَّسة" ملوثَّة بالدماء لن تنتهي إلاَّ بتحقيق الحلم التوراتي والذي ينص على سيادة (شعب الله المختار) على العالم كله. ولأنه من المستحيل بناء دول دينية تحكم العالم كله، لذا فإن الصهيونية، وكذلك أصحاب المشاريع الدينية السياسية الأخرى، يؤسسون لحروب دائمة ومستمرة ملوَّثة بالدماء البشرية تحت شعارات (الحروب الدينية المقدَّسة).

لذا فإن تطبيق التطبيع الرسمي للعدو الصهيوني مع بعض الأنظمة الرسمية العربية، تحت حجة نشر السلام، هو ليس بأقل من أكذوبة يستخدمها الصهاينة من أجل تذليل العقبات الراهنة أمام تنفيذ مشروعهم الخطير بعيد المدى. وهو وإن استطاع أن يخدع بعض تلك الأنظمة ، فلأن تلك الأنظمة لا ترى القضايا من وجهة نظر استراتيجية بعيدة المدى وانما بعين آنيّة،  وهي المحافظة على الامن المرحلي ضد التهديدات الاقليمية المباشرة وخاصة الايرانية.  كما انها تبني حساباتها على اساس وهمي في حقيقته، وهو حتمية التزام العدو الصهيوني بما يبرمه من اتفاقيات ومعاهدات،  في حين اثبت الواقع والتاريخ معاً انه سرعان ما يتنصل منها تحت شتى الحجج والذرائع، كما حصل في اتفاقتي كامب ديفيد ، واوسلو.

 

2-   تعزيز الوعي العالمي بحقيقة أن الأيديولوجيا الصهيونية عنصرية متزمِّتة

تطرح الحركة الصهيونية نفسها على انها نسخة حديثة لليهودية، وهي تدعي استنادها الى تعاليم توراتية فتأمر بقتل حتى الأب أو الأخ أو غيرهما إذا دعا إلى دين آخر. وفي ذلك فانها لن تكون على حياد بين الاعتقاد اليهودي وغيره من الاعتقادات بأديان أخرى. وهي حتماً لن تؤمن، كما آمن السيد المسيح، (أن من ضربك على خدك الأيمن فدر له الأيسر). وكما دعا القرآن الكريم المسلمين إلى مبدأ (لا إكراه في الدين)، بل ستقابل الدولة التوراتية حسب ادعاء العقيدة الصهيونية ، كل تلك الدعوات بـ(أن تقتلهم قتلاً)، وإذا دخلت أرضهم، فعليها أن تقتل الأطفال وتبقر بطون الحبالى وتحرق الزرع وتهدم الحجر حسب دعواها.

وهكذا لن ينجو أحد من شرور هذه العنصرية الصهيونية، التي تحصِّن نفسها بنصوص توراتية تعتبرها نصوصاَ مقدسة. وإن من يعمل على التطبيع مع الكيان الصهيوني العنصري، هو كمن يساعد على تقريب أهداف ذلك الكيان ويجعلها سهلة المنال. وهو في الوقت الذي يتخيَّل فيه بأن التطبيع سيحميه، فإنه في الحقيقة يوقِّع على قرار إعدامه بمحض اختياره.

إن مواجهة هذه الحقيقة لن تكون بتأسيس دول دينية مسيحية أو إسلامية لمقاومة الدعوة الصهيونية، كما تحث على ذلك الحركات الدينية السياسية، إسلامية كانت أو مسيحية؛ بل إن الحلول لا بُدَّ من أن تكون بتأسيس دول مدنية تحترم حرية الاعتقاد وتحميها. وإنها بغير ذلك فإنها تعمل على بناء دول تحمل آفات القتال "المقدس"، الذي ستصب نتائجه، ليس لمصلحة من يؤمن بالعقيدة الدينية ، وانما لمصلحة من يملك المال والسلاح، ومن يملكهما في هذه المرحلة التاريخية هي الصهيونية العالمية من دون منافس. وهيهات أن تحصل الحركات الدينية الأخرى على مثل تلك النتائج.

 

3-   التصدي لحقيقة ان الأيديولوجيا الصهيونية رأسمالية متوحِّشة:

لقد اعتمدت الثقافة اليهودية مبدأ (الاقتصاد محرك للتاريخ) منذ البداية. وكدَّس اليهود، قبل ظهور الحركة الصهيونية العالمية، الأموال بشتى الوسائل. وتكرس ذلك باستخدام الربى الفاحش عبر العصور. وكان لتأثير استخدامهم كافة الوسائل في تجميع الأموال في المجتمع الأوروبي ردتان من الفعل:

الأولى: كراهية اليهود عموماً في اوربا كرهاً وصل إلى حدود العنصرية. وقد تجسدت تلك الكراهية في الثقافة الاوروبية وادبياتها. وكان من أهم تأثيراتها العمل على الخلاص منهم بمساعدتهم على تأسيس نظام سياسي في الوطن العربي، وعلى أرض فلسطين.

الثانية: الرضوخ إلى الإرادة الصهيونية تحت تأثير قوة رساميلهم الطائلة. ولهذا مثَّل الصهيونية في مؤتمر كامبل بانرمان أحد أعضائها، فكان له مقعد جنباً إلى جنب ممثلي الدول الأوروبية.

وقد خضع العالم الأوروبي، قبل الحرب العالمية الأولى، لطلب مندوب الصهيونية الذي حضر مؤتمر كامبل بانرمان (1905 – 1907)، بإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين لتكون حاجزاً يمنع التقاء الجزئين الآسيوي والأفريقي من الوطن العربي، حيث جاء في المقررات أن إعطاء هذا الوعد يضمن لتلك الدول وجود شعب يهودي في فلسطين يكون صديقاً للغرب، وعدواً للعرب.

فعلى من طبَّع من الأنظمة الرسمية، ومن هو آت على التطبيع في المستقبل، أن يدركوا بأن التطبيع لن يمكنهم من الوقوف امام تلك الرأسمالية الصهيونية العالمية الجارفة بما تمتلكه من امكانيات كبرى، لانه لا حدود لشراهتها المتوحشة من جهة ، ولا قيمة حقيقية لاية وعود ومواثيق تقطعها. هذا اضافة الى ان التطبيع مع (عدو للعرب) تصرف غير مسؤول امام الشعب العربي في اقطارهم او في عموم الامة، ذلك إنه، ورغم كل ما تطرحه الصهيونية من شعارات،  ليس تطبيعاً من (أجل السلام)، بل هو توقيع على المزيد من الحروب التي لن ينجو منها أحد .

4-   تفعيل مواجهة الإيديولوجيا الصهيونية كنقيض للأيديولوجيات الدينية الأخرى، ونقيض للأيديولوجيات الوضعية التي تنشد العدالة الاجتماعية:

كما تبرهن الحقائق أعلاه، وإذا قُيِّض للأيديولوجيا الصهيونية أن تحقق حلمها، ستضع نفسها أمام تناقضات لامتناهية مع الأيديولوجيات البشرية كلها. سواءٌ أكانت دينية أم وضعية.

فعلى صعيد الأيديولوجيات الدينية:

إن مبدأ (شعب الله المختار) ، كما تنص عليه التوراة، لا يمكنه العيش في ظل تعددية دينية. وما على الدول الدينية الأخرى سوى حل واحد من اثنين لا ثالث لهما، اما الرضوخ لدولة العقيدة الصهيونية بقوة (الأمر بالقتل) الذي تؤمن به، أو الغرق بحروب مقدِّسة لن تنتهي. وغالباً ما ستكون النتائج لمصلحة الاخيرة لأنها تمتلك سلاحيْ المال والآلة العسكرية  بموجب هيمنتها العالمية في الوقت الراهن .

ولذلك يُعتبر النداء موجهاً للحركات الدينية السياسية المسيحية والإسلامية بالإقلاع عن مشاريعها التي تزعم أنها (إلهية) أيضاً، لسحب الذرائع التي تتلطى بها الصهيونية لإعادة بناء هيكل سليمان لإعادة ما تزعم أنها حقوق تاريخية لليهود في فرض السيادة على العالم. ولأنها بغير ذلك، ستوفِّر الذرائع لتدعيم أهداف الأيديولوجيا الصهيوينة. ولن ينتزع تلك الشرعية المزعومة سوى الدعوة لقيام أنظمة مدنية تضمن حرية الاعتقاد الديني وتحميها.

على صعيد الأيديولوجيات الوضعية:

إن المخطط اليهودي التاريخي المستند إلى تراكم الرأسمال اليهودي بشتى الوسائل والطرق، مبني على فكرة أن من يمتلك المال يملك العالم ويسيطر عليه. وبسبب طبيعة هذا المنهج فانه سيكون خصماً شرساً في مواجهة المناهج الاقتصادية والاجتماعية الوضعية الأخرى، وخاصة المناهج الاشتراكية او تلك التي تدعو الى العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات او تقديم الخدمات وفي المقدمة منها الصحية والتربوية، وما يتبعها من استراتيجيات وايديولوجيات وتيارات تنادي بالمساواة السياسية وحقوق الانسان وسيادة القانون والاستقلال والسيادة. ذلك ان الاستقلال الناجز والسيادة الحقيقية تعني عدم الانصياع الى النفوذ المالي العالمي والذي تهيمن عليه الصهيونية ومؤسساتها في هذه الحقبة من التاريخ الإنساني.

 من كل ذلك نعتبر أن من اهم وسائل المواجهة مع العدو الصهيوني هو تفعيل دور المقاومة الشعبية العربية في مقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني. وإن هذه المقاومة هي ليست فقط مهمة عربية اولى، ولكنها مهمة إنسانية شمولية، لأن المشروع الصهيوني يستهدف العالم بأسره، بأديانه وأعراقه، بمناهجه الدينية والوضعية على حد سواء.






السبت ١٠ جمادي الثانية ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / كانون الاول / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مكتب الثقافة والإعلام القومي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة