شبكة ذي قار
عـاجـل










مؤشرات على خسارة اسرائيل المعركة في غزة

أ. د. مؤيد المحمودي

 

تعتبر معركة غزة التي مر عليها 78 يوم هي أطول حرب تخوضها اسرائيل منذ نشأتها. وهي أيضا أكثر الحروب تكلفة من الناحية الاقتصادية بسبب تأثيرها القوي على الاقتصاد والسياحة والتعليم التي انكمشت كثيرا بسبب حالة عدم الاستقرار الناتجة من تعرض الأراضي المحتلة الى صواريخ المقاومة باستمرار.  يضاف الى ذلك استدعاء أعداد كبيرة من قوات الاحتياط الى الجيش والتي تغطي قطاع كبير من القوى العاملة. وكما يبدو فان العد التنازلي لنهاية هذه الحرب بدأ يأخذ منحى حقيقيا بعد أن طفح الكيل بالجرائم التي ترتكبها اسرائيل بحق المدنيين من سكان غزة والتدمير الهمجي للمباني في القطاع الذي لم يسبق له مثيل في التأريخ، باعتراف الأمم المتحدة نفسها.

ولكون هذه الحرب غير تقليدية وتتميز بوجود موازين قوى في الصراع غير متكافئة، فان الطرف القوي يعتبر خاسرا إذا لم ينجح في تحقيق أهدافه من هذه المعركة. وكانت اسرائيل التي تمتلك جيشا يصنف من العشرة الأوائل في العالم قد وضعت سقفا عاليا من الأهداف التي تهدف الى تحقيقها من خلال هذه الحرب. وتشمل هذه الأهداف بالدرجة الأولى الى تحرير الرهائن الاسرائيليين بالقوة العسكرية والقضاء على المقاومة بعد تصفية قادتها ومن ثم اعادة الادارة في غزة الى السيطرة الاسرائيلية لتصبح منطقة محتلة كما كان عليه الحال قبل عام 2005.

وأحد التوقعات اللافتة للانتباه عن نتائج هذه الحرب جاءت من ضابط كبير سابق في البحرية الأمريكية كان قد خدم لفترة طويلة في الشرق الأوسط. وحسب وجهة نظره فان اسرائيل ستواجه فشلا استراتيجيا في حربها الحالية على غزة وقد ينتهي بها الأمر الى أن تصبح دولة منبوذة في العالم ولا يستبعد أن يقدم قادتها الى العدالة الدولية بتهمة جرائم الابادة الجماعية.  وفي الداخل الاسرائيلي ألمح العديد من الخبراء العسكريون القدماء أيضا الى نفس مصير الفشل الذي سيواجه الحكومة الاسرائيلية بسبب عدم قدرتها على تحقيق أهدافها العالية الطموح في هذه الحرب. وكذلك توقعوا أن الوقت المتبقي لأسدال الستارة على نهاية هذه الحرب لم يعد طويلا، وهذا الوقت المتبقي سوف يستغل لتحقيق المرحلة الثالثة من الخطة الاسرائيلية للحرب على غزة. وهذه المرحلة تشمل على مهاجمة أهداف منتخبة ومحددة ويتم فيها تقليص الاعتماد على الحرب البرية الواسعة مع البدا بالانسحاب من المدن الرئيسية وتسريح أعداد كبيرة من قوات الاحتياط. ويمكن توقع المصير المعتم لهذه المرحلة من الحرب التي سوف يصاحبها حصول تقليص كبير في قواتها القتالية، إذا كانت اسرائيل لم تنجح في تحقيق أهدافها بغزة خلال فترة المرحلة الأولى والثانية من الهجوم بعد مرور شهرين تقريبا من الحرب البرية وفي ظل 6 فرق عسكرية تشارك في الحرب. وعلى افتراض قدرة حكومة نتنياهو على تحقيق مكسب ما في هذه الحرب، فان هؤلاء الخبراء يعتقدون بأن الوقت المتبقي للحرب بالكاد يسمح للقوات الاسرائيلية بكبح جماح المقاومة وليس القضاء عليها. ومن ناحية ثانية فان صحيفة اسرائيلية تدعى يديعوت احرونوت المعروفة بانتقادها الدائم لسياسة الحكومة الحالية، قد أقرت هي الأخرى بإخفاق هذه الحكومة في تحقيق أي من أهدافها المعلنة ضد حركة المقاومة الفلسطينية. وهذه الآراء تتفق أيضا مع تقرير مشابه صدر مؤخرا في صحيفة نيويورك تايمز ويشير الى أن كفة الحرب تسير الى صالح المقاومة الفلسطينية وليس الى صالح الجيش الاسرائيلي.

وعلى أرض الواقع ظهرت عدة مؤشرات تدعم تلك الآراء التي تقر بفشل الحملة العسكرية الاسرائيلية على غزة وعجزها عن تحقيق أهدافها، والتي يمكن تلخيصها بما يلي:

أولا. الحاح حكومة نتنياهو على طلب هدنة مؤقتة لإجراء جولة جديدة في عملية تبادل الأسرى بسبب ضغط الرأي العام الداخلي. الا أن المقاومة من موقع القوة تصر على أن يسبق عملية التبادل وقف شامل لإطلاق النار وسحب القوات الاسرائيلية خارج حدود غزة. وهذه الشروط للمقاومة تترك الحكومة الإسرائيلية في ورطة كبيرة، لأن قبولها لها يمكن أن يؤدي الى سقوط حكومة نتنياهو اليمينية المرتبط وجودها حاليا باستمرار هذه الحرب.

ثانيا فشل استخباراتي كبير للقوات الصهيونية في معرفة أماكن الأسرى الاسرائيليين لدى المقاومة أو الوصول الى قادة المقاومة، رغم الدعم اللوجستي المتواصل الذي تتلقاه اسرائيل من مخابرات عدة دول غربية مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا.

ثالثا. عدم القدرة على مسك الأرض عسكريا بالرغم من الاجتياح الشامل لمعظم الاراضي الفلسطينية في غزة. فقد بقيت القوات الاسرائيلية مرابطة في ألياتها العسكرية خلال هذا الاجتياح دون تمكن جنودها في الترجل من تلك الاليات والقيام بتمشيط الأرض. لأن مثل هذه الخطوة يمكن أن تعرضهم لخطر المواجهة مع رجال المقاومة.، علما أن هذه التحفظات لم تحصن القوات الاسرائيلية من فقدان حوالي 20 جندي مقتول وعدد كبير من الاليات العسكرية يوميا.

رابعا. رغم مرور فترة طويلة على المعركة لا زالت المقاومة مستمرة في قصف اسرائيل بزخم كبير غير مسبوق من الصواريخ يصل مداها الى تل أبيب وكأنها في اليوم الأول للحرب.  مما ترك أثرها الكبير على شل الحركة الاقتصادية والاجتماعية في الداخل الاسرائيلي.

خامسا.  سحب لواء جولاني من أرض المعركة، وهو يعتبر نخبة النخبة في الجيش الاسرائيلي. وعلى العكس ما تدعيه القيادة الاسرائيلية فان عملية سحب هذا اللواء لم تكن لغرض اعادة الترتيب والتموضع لأنها تمت تحت غطاء دخاني كثيف وليس من خلال عملية استلام وتسليم سلسه. علما أن هذا اللواء قد كلف بالسيطرة على منطقة الشجاعية انتقاما للثأر من الهزيمة التي لحقت بنفس اللواء في هذه المنطقة خلال حرب اسرائيل على غزة عام 2014.وفي المعركة الحالية خسر هذا اللواء ربع قواته بتقدير قائده السابق بينما بعض الخبراء يقدر خسائره الكلية بحوالي 35 %.  

سادسا. تزايد التأييد في الشارع الاسرائيلي لتقبل عملية وقف إطلاق النار التي يمكن أن تقود الى عملية تبادل شامل للأسرى.






الاربعاء ١٤ جمادي الثانية ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / كانون الاول / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ. د. مؤيد المحمودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة