شبكة ذي قار
عـاجـل










بسم الله الرحمن الرحيم

6 كانون الثاني .... وقائع أثارت حفيظة الأعداء

الدكتور

شاكر عبد القهار الكبيسي

 

يُعد بناء  القوات المسلحة وتدريبها وتجهيزها وتطويرها من أولويات أي نظام سياسي في العالم أجمع ولقد ظهر ذلك جلياً منذ عصور ما قبل التأريخ حيث اهتمت الحضارات الأولى في وادي الرافدين بتأسيس أوّل جيش نظامي في التاريخ منذ فجر السلالات ما بين 2900-2370 قبل الميلاد وكان للملك سرجون الأكدى جيش دائم وعناصر من حرسه الملكي الخاص وتقوم مؤسسة حكومية خاصة بإدارته ينخرط فيها الشباب من جنود وضباط لهم لباسهم وعلاماتهم وهندامهم الخاص وهم على نوعين جنود دائمين واحتياط يُدْعون للخدمة عند الحاجة ولقد ظهرت لنا في آثار وادي الرافدين عشرات المسلّات والنصب التذكارية والنصوص الخطيّة التي تؤطر انتصارات جيش الرافدين على الأعداء وفي حضارة وادي النيل نجد نظام عسكري خاص لفرعون يتألف من حرسه الخاص وجيشه النظامي وأسلحته المتنوعة من أقواس وسهام وعربات حربية ودروع وسيوف ورماح وهي أسلحة بدائية قتالية لمعارك تلك الأزمنة ثم نمر بالإمبراطورية الفارسية والبيزنطية حيث اهتمت  بالجيوش وطورت أسلحتهم ورموزهم ولباسهم وقرّبت القادة الموالين لهم وأغدقت عليهم بالعطاء والهبات وعززت من مكانتهم الاجتماعية والرسمية لبسط سيطرتهم على العالم كما عمدت  جميع الإمبراطوريات القديمة لإنشاء جيوش تحقق فيها الغَلَبَة والنصر على الأعداء وفي عهد  الدولة الإسلامية كان للجيش الإسلامي مكانته ودوره في جميع الفتوحات الإسلامية وظهر فيه قادة عظام لازالت عبقرياتهم القتالية تُدَرَّ س في عدد من المعاهد والكليات العسكرية الأجنبية لما فيها وقائع حملت  دهاء باسل ووقائع شجاعة وبأس  ناصع واندفاع بطولي راسخ وعقيدة إيمانية وعسكرية مُبْهِرة .

 

لقد احتلت القوة العسكرية مكاناً بارزاً في جميع حضارات العالم وأخذت حيزاً كبيراً من عقول وطموحات وعقائد وأهداف الملوك والأمراء والحكام والقادة على اختلاف توجهاتهم فكانت الأموال الطائلة تصرف على الجيوش وقادتها وأسلحتها وأرزاقها وكانت أعداد الجنود  تتزايد باطراد لأن الجيش هو صمام الأمان والحصن المنيع الّذي تحرص دول العالم على بناءه وتسعى الحكومات لإعداده إعداداً مهنياً سليماً للمحافظة على السلطة والحدود والسيادة والموارد والتنمية ضمن مشروع وطني سياسي واضح المعالم لا تعترضه أي  عقبة كانت ولهذا ومنذ السنوات الأولى لتأسيس الدولة العراقية تم تأسيس الجيش العراقي في 6 كانون ثاني عام 1921م حيث  تشكلت أول وحدة للجيش العراقي سميت بفوج موسى الكاظم خلال عهد الانتداب البريطاني وفي عام 1931م تشكلت القوة الجوية العراقية وفي العام 1937م تشكلت القوات البحرية واستمر هذا الجيش العظيم بالتوسع حتى تجاوز عدد منتسبيه قبل سنة 2003م أكثر من مليون منتسب من مختلف الصنوف أدخلوا الخوف في نفوس أعداء الأمة وأقلقوا ضمائر ووجدان الخائبين الّذين تعاونوا مع الأعداء للنيل من قوة هذا الجيش الوطني حتى تمكنوا من ذلك في قرار بريمر سيء الصيت بحله وتسريح أفواج  من العلماء والمقاتلين والخبراء الّذين شكّلوا ثروة وطنية كبيرة ومن الغباء التفريط فيها لأي سبب كان.

 

 

 

لا يخفى على أحد دور الجيش العر اقي وأهميته في ميزان الصراع العربي الصهيوني أو مع القوى الإقليمية الأخرى التي تضمر الشر للعراق وشعبه ولهذا كان الأعداء يتربصون ويقتنصون الفرص لتحييد هذا الجيش العظيم وإخراجه من ميزان الصراع لأنهم وجدوا في هذا الجيش غرس الشجاعة وعنوان القوة والبسالة وأنه المدرسة الوطنية التي تُخلق الرجال وتُسطّرْ الوقائع وتؤمن الحدود وتُسعد الوجود وتحمي السنابل والورود وبمجرد حلّ الجيش بات العراق ساحة مكشوفة لتصفية الحسابات بين الطامعين.

 

لقد مثّل الجيش العراقي منذ تأسيسه القوة الضاربة للأمة وأداة تنفيذ مهماتها الوطنية والقومية وأثبت أنه جيش نموذجي يحمل أصول عقائدية وقيم ومعايير نابعة من طبيعة مجتمعه ونظامه السياسي العام وتحكمه قيم وعقائد وسلوكيات نبيلة تجمع بين منتسبيه لتضمن قوته وكفاءته وحُسن أداءه من خلال وحدة توجهاته وترصين خصائله وتنظيم تعاونه الشامل بين كافة صنوفه وأفراده حتى أصبحت صورة الجيش وحدة متكاملة في النوايا والتدريبات والوقائع والإنجازات تؤطرها مساعي حكيمة وعقلانية تربوية ووطنية خالصة حرصت القيادات العسكرية والسياسية في العراق ومنذ بدايات تأسيسه ليكون  جيش عراقي وطني البنية والعقيدة, شعبي الانتماء والانتساب, لا يقتصر على طائفة معينة أو قومية معينه بل كان جامعاً لجميع أطياف ومكونات الشعب العراقي ولم يستثن أحد منهم الّا أصحاب النفوس الضعيفة التي يمكن اختراقها بسهولة وبذلك نال رضى وحب وافتخار جميع العراقيين المخلصين والعرب الغيارى الّذين ما إن تذكر الجيش العراقي حتى تنحني رؤوسهم إجلالاً لذكراه لما له من مكانة سامية في قلوب العراقيين والعرب كافة لما عُرف عنه بأنه ليس جيشاً بالمعنى التقليدي بل كان أمة بتأريخها وظروفها وساعياً لسلامة أراضيها, جيشاً وطنياً بحق وقوة عسكرية هائلة ذات عقيدة وطنية خالصة وعروبية مكافحة وسلاحاً فكرياً شامخاً وميزاناً راجحاً فيه عقول راشدة تحكمها القيم العربية القائمة على الفروسية والشجاعة والأقدام وحسن السلوك وحرفية العمل والترفع عن الشائنات حتى بات كل منتسب فيه صورة مُشرقة في التربية العسكرية والمهنية وعنواناً مُدهِشاً للعلم والمعرفة ونموذجاً في اللياقة الأدبية والبدنية والضبط العسكري والميداني وآفاق واسعة للثقافة والعلوم والمعرفة ومصنع للبطولة والفداء شهد له العدو قبل الصديق وبمجرد نظرة بسيطة على أغلب الكليات العسكرية العربية وكليات الأركان فيها ستجد بصمات واضحة  لضباط عراقيين قادوا مهمة تأسيس هذه المدراس والمعاهد والكليات في مصر وسوريا واليمن والأردن والسودان وليبيا كما تشهد معارك الأمة شدة بأس هذا الجيش العظيم وأثره في تحقيق التفوق على جيوش الأعداء وحماية الأرض العربية من السقوط في براثن العدو الصهيوني الغاشم للأعوام  1948م-1967م-1973م وما بعدها حيث وصلت صواريخ هذا الجيش العظيم إلى قلب الكيان الصهيوني كما أنه وقف سداً منيعاً أمام القوى الإقليمية الطامعة في أرض العراق وخيراته لثمان سنوات ثم سعت قوى الضلالة والظلام وحشدت جيوش أكثر من 34دولة بما فيها جيوش عربية كان قد وقف بجانبها ودفع الدماء ثمناً لحمايتها والدفاع عن أراضيها فتنكرت له وتآمرت عليه في صورة نادرة من صور التآمر لا مثيل لها في التأريخ وساعدت قوات الاحتلال الأمريكي الغربي على احتلال العراق وتسريح الجيش وهيكلة وحداته  بغيلة لا تُغتفر ومثلبة وطنية غادِرة  لا تُمحى آثارها حتى يعود الناس لرب العالمين وبمجرد تحييد الجيش العراقي بات العراق ساحة مكشوفة لتسوية الحسابات الإقليمية والدولية وأمست سيادته تنتهك كل يوم دون أن يكون هناك قوة ردع قادرة على حماية حدوده وسماءه ومياهه .

 

لا شك إنّ وجود جيش عراقي مهني وقوي يثير غضب وحنق أعداء العراق وأعداء نهضته ولذلك فهي قد أسهمت في هذا قرار حلّه وارتاحت لتنفيذه فجعلت حدود العراق مفتوحة أمام نواظر الحاقدين والمتربصين به وبتأريخه وشعبه فكان من نتائج ذلك تسريح الآلاف من منسبيه واغتيال عدد كبير من ضباطه في صفحات لاحقة لازالت مستمرة الى يومنا هذا فكانت وصمة عار في جبين كل من خطط وساهم وسعى للنيل من تأريخ هذا الجيش وقياداته لأنه كان عظيماً ويضع نصب عينيه مصلحة العراق وشعبه ويضعها فوق أي اعتبار آخر وكلما مرت ذكرى 6 كانون الثاني من كل عام تحضر في وجداننا وضمائرنا تلك الصفحات المُشرقة من تأريخه الحافل بالملاحم والبطولات التي يعتز بها كل عراقي وطني وعروبي غيور لكنها  تُثير الرعب والخوف في نفوس أعداء الله وأعداء الدين من الصهاينة المجرمين أعداء التأريخ والإنسانية والباحثين عن السيطرة وسلب الحقوق واستغلال موارد الشعوب والسيطرة على مقدرات الأمم دون أي وازع ضمير .

 

تحية خالصة لضباط ومراتب ذلك الجيش العظيم مدرسة البطولة والرجولة والفعل الوطني الشامخ ورحم الله شهداء الجيش العر اقي الأبرار الّذين حققوا النصر على الأعداء وحافظوا على سيادة العراق ووحدة أرضيه وتحملوا وزر كل الحملات المبرمجة والمنظمة والمدروسة من القتل والتهديد والتهجير والاتّهام المنظم قانوناً ورغم كل الدسائس والغِل المتأصل في نفوس البعض ستبقى مسيرة هذا الجيش عنواناً شامخاً ورمزاً وطنياً باهراً مهما حاول الأعداء التقليل من شأنه ومحو ذكراه من قلوبنا ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين

سلاماً لكم أيها المقاتلون الشجعان يامن حميتكم العراق وشعبه وأنتم الأعلون بإذن الله.






السبت ٢٤ جمادي الثانية ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / كانون الثاني / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب شاكر عبد القهار الكبيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة