شبكة ذي قار
عـاجـل










لماذا تعمدت اسرائيل استهداف المدنيين الفلسطينيين بإفراط في حربها على غزة؟

 

 من أهم اسباب الفشل الإسرائيلي في الحرب على غزة هو العجز الاستخباراتي في الوصول الى أماكن تواجد مركز القيادة والسيطرة للمقاومة وكذلك مواقع احتجاز الرهائن الإسرائيليين. وهذا العجز جعل قوات الاحتلال تلجأ الى اتباع سياسة تقويض مقومات الحياة للسكان المدنيين في غزة اعتقادا منها أن اتباع مثل هذه الممارسات الانتقامية يمكن أن يضعف الروح المعنوية للحاضنة الشعبية ويؤلبها على المقاومة. فضلا عن أن العدو الاسرائيلي كان يهدف من خلال تعريض المدنيين الى ضغوطات قاسية تطال وسائل السكن والمعيشة الأساسية الى التمكن من زرع حالة الضعف واليأس بحيث يسهل عليه اختراق البعض منهم وتجنيدهم كعملاء يمدونه بالمعلومات التي ينشدها عن المقاومة. وسعيا وراء تحقيق هذه الأهداف لجأ العدو الصهيوني الى الممارسات اللاإنسانية التالية:

1.القصف العشوائي جوا وبرا وبحرا

 كان الهدف الرئيسي من القصف العشوائي الذي استخدم فيه أحدث الترسانة العسكرية المدمرة التي أمدت أمريكا العدو الصهيوني بها، هو احداث أكبر عدد من القتلى بين السكان المدنيين. رغم علم هذا العدو الغاصب أن معظم أفراد المقاومة يتحصنون في أماكن منيعة من الصعب أن يطالها القصف. والدليل على تعمد استهداف المدنيين بشكل خاص أن معظم الضحايا الذين سقطوا بسبب هذا القصف هم من النساء والأطفال. بل أن الجيش الاسرائيلي مارس عمليات اعدام مباشرة لعوائل بأكملها من النازحين وهم في الشوارع أثناء محاولتهم الهروب للبحث عن مأوى لهم.

2. اتباع سياسة العقاب الجماعي

بعد عملية طوفان الأقصى عمدت اسرائيل على معاقبة سكان غزة بشكل جماعي من خلال التضييق على الخدمات العامة الأساسية التي يحتاجها هؤلاء السكان. وذلك بقطع الماء والكهرباء والوقود وخدمة الانترنت عن القطاع. كما أنها قننت من كمية المواد الغذائية الداخلة الى القطاع المحاصر بحيث صارت شحيحة جدا مما أدى الى حدوث حالة مجاعة واضحة بين السكان. يضاف الى ذلك أن الجيش الإسرائيلي تعمد الى استهداف البنى التحتية كمحطات الكهرباء وتنقية المياه ومعالجة الصرف الصحي والعمارات السكنية والمنازل كي يخلق حالة مرعبة من الدمار يجعل المعيشة في غزة صعبة جدا.

من جهة ثانية قام الجيش الاسرائيلي عن قصد باستهداف معظم المستشفيات في القطاع واخراجها عن الخدمة بالإضافة الى استخدام اجراءات تعسفية ضد كادرها الطبي، مستخدما حججا واهية منها وجود أنفاق للمقاومة فيها ولكن ثبت فيما بعد عدم صحتها. كما لم يقدم أي دليل على أن هذه المستشفيات تستخدم لإسعاف الجرحى من المقاومة.  من ناحية أخرى حاولت اسرائيل شيطنة منظمة الأونروا التابعة للأمم المتحدة وهي الجهة الدولية الوحيدة المتكفلة بتقديم بعض الخدمات المعيشية والتعليمية والاجتماعية لسكان غزة. ما حفز بعض الدول الغربية عن حجب المساعدات عن هذه المنظمة المهمة والتي باتت على أبواب الافلاس.

3. اجبار السكان المدنيين على التهجير المستمر تحت حجج واهية.

 استعملت اسرائيل سياسة التهجير للسكان المدنيين في غزة كوسيلة متعمدة لإذلالهم ومحاولة دفعهم باتجاه الهجرة الى خارج القطاع. ولتحقيق هذه الغاية بدأت مشروع التهجير القسري من شمال قطاع غزة بحجة كونها منطقة عسكرية غير آمنة. وطلبت من سكانها الذهاب الى جنوب غزة، ولما استقروا هناك طلبت منهم الرحيل ثانية باتجاه رفح قرب الحدود مع مصر. وفي كل عملية للتهجير، لم يكن يسمح للعوائل النازحة سوى اقتناء كمية بسيطة من الحاجيات الشخصية فقط.

وبالرغم من جميع تلك الممارسات التعسفية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة من قبل الاحتلال الصهيوني الغاشم الا أن هذا الشعب بقي صامدا ولم يفرط بقضيته أو يتخلى عن مقاومته بعد أن ربط قضية وجوده بمصير المقاومة. وكدليل ملموس على تماسك هذه العلاقة العضوية بين المقاومة وحاضنتها الشعبية هو عودة الادارة المدنية للمقاومة الى شمال قطاع غزة مباشرة بعد انسحاب جيش الاحتلال منها جزئيا.

اليوم الحرب في غزة توشك أن تصل الى مراحلها الأخيرة، دون تمكن العدو الصهيوني من تحقيق أي هدف عسكري يذكر أو النجاح في استغلال المدنيين المتشبثين بأرضهم كجسر يعبر من خلاله الى جسد المقاومة. على العكس من ذلك أصبح جنود الاحتلال يحلمون بالخروج من مستنقع غزة سالمين بأي ثمن، ومن يكتب له الحظ في تحقيق هذه الأمنية نراه يسارع الى اقامة الاحتفالات ابتهاجا بوجوده على قيد الحياة.  بل لم يتردد البعض منهم عن كتابة لافتة كبيرة على سيارته العسكرية عند الانسحاب " خرجنا من غزة ولم نحقق أي شيء". وهذه الخيبة للجنود تترافق مع الاجماع الذي خرج به معظم المراقبين الاسرائيليين من ان حركة المقاومة الفلسطينية باقية في القطاع وعلى تل ابيب والمجتمع الدولي التعامل مع هذه الحقيقة بكل واقعية. ما يؤشر على أن سياسة الاحتواء لدور المقاومة في اليوم التالي للحرب والابقاء على السيطرة العسكرية الدائمة في غزة التي يدعو اليها نتنياهو مع بعض أعضاء اليمين المتطرف، ما هي الا مجرد سراب لا يحلم به الا العصافير.

 

أ.د. مؤيد المحمودي

3/2/2024

 

 

 

 

 

 






الثلاثاء ٢٦ رجــب ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / شبــاط / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مؤيد المحمودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة