خفايا صفقات بيع الدرجات الوظيفية في العراق .. مزاد وصل ٢٠,٠٠٠ دولار




شبكة ذي قار

في الوقت الذي تعاني فيه محافظات جنوب العراق، من تردي الخدمات بشكل عام وارتفاع منسوب الفساد، وازدياد حجم الفقر وأعداد العاطلين عن العمل، نشطت فيها بورصة خفية للوظائف، يقف خلفها سماسرة ومعقبين، يتبعون لمسؤولين متنفذين، مهمتهم استغلال الخريجين لبيع الوظائف بأسعار باهظة وأخرى خيالية، وبحسب الطلب.

وفي ذات السياق، قال مصدر حكومي رفيع في محافظة ذي قار، أن ظاهرة بيع الدرجات الوظيفية، بدأت تتسع بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، فيما أوضح، بأن ذي قار ليست وحدها من تعاني من هذه الظاهرة، بل تعم كل محافظات الجنوب، وهو استثمار مربح للكثير من المتنفذين.

وأكد المصدر الذي فضل عدم ذكر أسمه في تصريح صحفي أن “هناك سماسرة تابعين لبعض المسؤولين والنواب في المحافظة، هؤلاء هم المسؤولون عن إبرام الصفقات ببيع الدرجات الوظيفية، والطريقة تتم حينما يحصل النائب مثلا على 10 درجات عن طريق مسؤول رفيع في الوزارة المعنية، ثم يقوم النائب بالإيعاز الى سماسرته بالتحرك لبيعها”.

وأوضح المصدر، بأن “بيع الدرجات ليس غريبا او جديدا على المواطن فمنذ 2003 الأمر يجري هكذا، لكن في السنوات الاخيرة استفحلت بشكل كبير ولا يمكن السيطرة عليه، فبعد أن كان التعيين عبر الانتماء لحزب ما، الان تحولت لصفقة بيع”.

وأضاف، بأنه “لا يوجد دليل على بيع أحدهم لدرجة وظيفية، فهناك ترتيب في العلاقة والواسطة وتكتم شديد، واحد شروط البيع ان يتكتم الذي يحصل على الدرجة ولا يدلي او يتحدث عن أي شيء عن شرائه هذه الدرجة، كما ان السماسرة يتوارون عن الأنظار ولا يمكن تحديدهم او معرفتهم، هناك سلسلة في التنظيم حتى لا يصل أحد اليه”.

ورغم ان القانون لا يسمح باستغلال المال العام، الذي يعتبر بيع الدرجة واحدة من مظاهر استغلال المنصب والسلطة والمال العام، قال رئيس لجنة التربية في مجلس ذي قار شهيد الغالبي، أن “بيع الدرجات الوظيفية من الجرائم التي يحاسب عليها القانون”.

وبشأن أمكانية ايجاد حلول لتلك المشكلة، ذكر الغالبي في تصريح صحفي، أنه “لا توجد أي حلول لهذه الظاهرة حتى الآن”.

واستفحلت ظاهرة بيع الدرجات الوظيفية في محافظات جنوب العراق بشكل واسع في السنوات القليلة الماضية، وتشكلت مافيات خاصة ومنظمة تدير عمليات البيع عبر وسطاء موثوقين، ولا تترك خلفها أي أدلة يمكن كشفها، لكنها أظهرت بالمقابل عصابات أخرى تسرق أموال المواطنين بدرجات وظيفية وهمية وقع الكثير في فخها.

وتتفاوت أسعار تلك الدرجات حسب نوع الوزارة والمنطقة والمحافظة والمسؤول او النائب، او التابعين للمسؤول او التابعين للنواب، الذين يحصلون على الدرجات من أي وزارة، فهناك من يطلب أموالا كبيرة، وهناك من يطلب هدايا قيمتها ذهب.

ويتولى بيع تلك الدرجات بشكل مباشر، اما زوج او زوجة النائب او المسؤول، أو أحد أفراد حمايته، ويتوارى عن الأنظار ويكون بعيدا عن الاتصال بالنائب، وهذا مهمته تنظيم وترتيب الصفقة التي غالبا ما تكون باهظة.

وقال وسام الزيدي وهو خريج من محافظة ذي قار، أن ” الأسعار تختلف، لدي أثنين من الاصدقاء حصلوا على درجات وظيفية في دائرة البطاقة الوطنية في الشطرة، بأكثر من 7 الاف دولار، ما يقارب (75 ورقة)، لكنهم رفضوا الحديث عن الوسيط الذي أوصلهم”.

وأضاف، ” في الداخلية غالبا ما تكون التعيينات بالنسبة للمنتسبين لمن لا يقرأ ويكتب ويكون شرطي، تكون عبر شيوخ العشائر، لكن سعر الدرجة من 5 آلاف دولار (50 ورقة)، فما فوق، خارج إطار التعيين بالواسطة التي غالبا ما يكون بلا مقابل، إرضاء لشيخ القبيلة او مسؤول اخر”.

الى ذلك أكد الزيدي على أن “التعيين في وزارة الزراعة، يتراوح بين 7 آلاف دولار و8 آلاف دولار، وهذه تكون عبر نائب معروف، وأيضا ليس لأي شخص يتم البيع”.

وقال خريج آخر أن “التعيين على ملاك التربية هو الأعلى تقريبا، كان قد بدأ بـ 8 الاف دولار، لكن بسبب التقشف، وصل سعر الدرجة الى أكثر من 12 الف دولار ليرتفع بعد ذلك ويصل الى 15 آلاف دولار وفي بعض الأحيان 20 الف دولار، ويعزو سبب الارتفاع الى صعوبة الحصول عليها”.

وتابع، “إحدى النائبات تأخذ ألف دولار، او 3 آلاف دولار، لكن الباقي تشترطه هدايا، يكون بالعادة القيمة ذهب، ويدير الصفقة زوجها أو أقرباؤها الموجودون معها في حمايتها”.

وأضاف، “في وزارة الكهرباء، يتم تثبيت العقد الوزاري بـ 6 الاف دولار او 8 الاف دولار، عن طريق سماسرة في مبنى الوزارة”.

ومن جانبه قال النائب عن محافظة ذي قار صادق السليطي، في تصريح صحفي، أن “القضاء على مقولة بيع الدرجات الوظيفية في البلد عامة والجنوب خاصة هو إقرار قانون الخدمة الاتحادي الذي تم تعطيل اقراره خلال السنوات الماضية من قبل الأحزاب المتنفذة بالبلد لأنها كانت تستحوذ على الدرجات الوظيفية بطريق المحاصصة”.

وأوضح أن “قانون الخدمة الاتحادي سيجعل المتحكم بالتعيين إدارة المركز حيث تعطي كل وزارة الشواغر الموجودة لديها ويعمل على جميع معلومات الخريجين من الجامعات والكليات عامة بقاعدة بيانات موحدة ويقاطعها بمركز معلوماتي موحد لاختيار الأحق بالدرجة الوظيفية بعيدا عن سلطة المحسوبية والأحزاب”.

وأكد على أن “الدورة البرلمانية الحالية ستشهد إقرار قانون الخدمة الاتحادي، وان هذا القانون كان معمولا به في سبعينيات وبداية ثمانينات القرن الماضي، حيث كان التعيين مركزي”.

وفي ميسان لا تختلف بورصة الأسعار كثيرا عن ذي قار، بحسب حوارات مع خريجين يتداولون أرقام وأسعار الوظائف في المحافظة التي تعاني من البطالة وارتفاع الخريجين فيها.

ويقول احمد البهادلي، وهو خريج كلية العلوم السياسية، أن “اسعار وظائف التربية تتراوح ما بين 5 الى 6 ملايين دينار، يقدمها الخريج الى الوسيط، كي يحصل على وظيفة، وفي دوائر الزراعة يمكن الحصول على وظيفة بما يقارب ال 8 الاف دولار، (78 ورقة)، اما في الداخلية، ما يقارب الـ 10 الاف دولار”.

وأضاف البهادلي، اما “العمل في الشركات النفطية، فأنه لا يأخذ كثير من الأموال، بل صعوبة الحصول على وسيط، رغم ان الاموال قليلة لأنها شركات غير حكومية فبإمكانك ان تدفع 10 اوراق لتنظيم مقابلة، والحصول على عمل وبعد الحصول عليه تدفع 10 أوراق اخرى”.

وتابع، “وفي باقي مؤسسات الدولة الأخرى تتراوح الاسعار بشكل عام بين 4 الاف دولار و10 الاف دولار، هذه الاسعار كانت حينما تكون هناك حركة ملاك، وليس الان التي يصعب الحصول حتى على أجر يومي”.

وفي البصرة، قال المصدر، أن “الدرجات الوظيفية في المحافظة تباع بشكل علني من قبل مافيات خاصة، تابعة لمتنفذين، وعصابات خاصة، برزت خلال الفترة الماضية، والتي تزامنت معها ظهور عصابات نشطة ايضا تعلن عن بيع درجات وهمية بآلاف الدولارات”.

وأضاف المصدر، ان “مجلس المحافظة والحكومة المحلية بشكل عام في البصرة، مشغولة بعقد الصفقات حينما كان ماجد النصراوي محافظا، وتحولت المدينة الى بورصة لبيع وشراء كل شيء تقريبا، وليس ما يتعلق بالوظائف فقط”.

وقال علي منصور وهو خريج من مدينة البصرة، أنه “مستعد لأن يدفع أي شيء من أجل الحصول على عمل، سواء كانت في الشركات النفطية التي يصعب الحصول عليها حتى لو كان العرض مبلغ مالي او اي مؤسسة حكومية اخرى”.

وأضاف، أن “سعر الوظيفة في التربية تبدأ بالعادة بـ 9 الاف دولار، وعند الشركات النفطية، يكون ضعف هذا السعر، خاصة الشركات العملاقة، كالشركات الروسية او الامريكية، والتي تحتاج الى جهود جبارة للوصول اليها”.

وتابع، “يتحدثون عن أسعار وظائف وزارة الداخلية، يتولى المسؤولية عنها ضباط كبار، فهي رخيصة لا بأس بها، تصل الى 6 الاف دولار او 7 الاف دولار، لكن ايجاد وسيط هو الاصعب من دفع المال، والطريق الثاني للوصول للوظيفة هو اما علاقتك قوية بفصائل في الحشد الشعبي للعمل في الميناء او بشيخ عشيرة للعمل في حقل نفطي، اي حقل وهذا من طريق طويل”.

وفي السياق، قال عضو مجلس ذي قار رشيد السراي، أن “الحل هو تفعيل مجلس الخدمة الاتحادي أما على مستوى المحافظة فمن الممكن إصدار تشريع محلي لحين تفعيل المجلس الاتحادي كما من الضروري توفير فرص عمل أكثر لتقليل مستوى التنافس الذي يجبر البعض للبحث عن طرق غير قانونية ويسهل على الفاسدين ذلك”.

وذكر السراي في تصريح صحفي انه “كما من الضروري تفعيل الضمان الاجتماعي لتكون فرص العمل في القطاع الخاص مساوية في امتيازاتها للقطاع الحكومي وكذلك السعي لإنجاز المشاريع الكبيرة التي توفر فرص عمل كبيرة كالمصفى والمدينة الصناعية ومشاريع الاستثمار بصورة عامة”.

وفي الوقت الذي تشهد فيه مدن جنوب العراق استقرارا امنيا وسياسيا بنسبة كبيرة، تعاني من ارتفاع كبير بالبطالة والخريجين، والذي أدى الى نشوء بورصة لبيع الدرجات الوظيفية، استثمرها سياسيون ونواب، سعيا منهم للمال والنفوذ.



السبت ١٢ محرم ١٤٤٠هـ - الموافق ٢٢ / أيلول / ٢٠١٨ م


اكثر المواضع مشاهدة

عمود قصير - الى / الفضائيات والصحف ( العراقية والعربية والأجنبية ) الغراء : امامكم تقريراً موثقاً عن المنجزات الكبيرة والخطيرة التي حققها ( العبادي ) لإيران .. ( الرسالة الرابعة )
علي الأمين - في ذكرى الميلاد الميمون
فاطمة حسين - الأخلاق سمة العظماء ( صدام حسين نموذجا )
علي العتيبي - ميلاد القائد صدام حسين استذكار للرجولة والمبادئ
قــائــد عظيــم يـــرثيـــه شــاعـــر عظيــــم - قصيدة الشاعر الكبير المرحوم عبد الرزاق عبد الواحد في رثاء القائد العظيم الرئيس الشهيد صدام حسين
صدى نبض العروبة - في ذكرى الميلاد: صدام حسين كان حاجة أمة وسيبقى
أم صدام العراقي - كلمة حب ووفاء .. للقائد في ذكرى ميلاده الميمون
الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق - بيان صادر من الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق لمناسبة الأول من أيار عيد العمال
علي العبيدي - استهداف صدام حسين كان استهدافاً للأمة
صدى نبض العروبة - صدور العد ٤٠٥ من مجلة صدى نبض العروبة- خاص بذكرى ميلاد الرئيس الشهيد القائد صدام حسين
انتفاضة احرار العراق - مقطع جديد لمجزرة الحويجة يظهر فيه الحقيقة التي اقدمت عليها المليشيات الحكومية الصفوية المجرمة
عشيرة المسعود في محافظة كربلاء - تعلن تطوعها لنصرة الشعب الليبي الشقيق
الدكتورة فضيلة عباس حميدي - نساء العراق ... نبارك ونساند وندعم انبثاق المجلس العسكري العام لثوار العراق
الشيخ الدكتور عبد اللطيف الهميم - رسالة الى الشيخ القرضاوي
قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي - بيان قيادة قطر العراق في الذكرى السادسة والثلاثين لمعركة تحرير الفاو الخالدة
أحدث الاخبار المنشورة
٢٧ / كانون الثاني / ٢٠٢٤