شبكة ذي قار
عـاجـل










العلماء والأطباء والمهندسون والأكاديميون والقادة العسكريون وكبار رجال الصحافة ورجال الأعمال والدبلوماسيون والخبراء في مختلف حقول المعرفة يمثلون ذروة النخب ومكانتهم قمة الهرم الاجتماعي. إنهم رواد الحضارة والتنمية والتقدم وحماية الدولة وأمنها وإستقرارها وبناء المؤسسات العلمية والبحثية التي ترفد المجتمع بإحتياجاته المادية والمعنوية والخدمية. لذا فالعلاقة بين هذه النخب وتطور الأمم هي علاقة طردية فكلما ارتفعت نسبتهم في المجتمع كلما ارتفع مستوى التطور والعكس صحيح.


ومن المعروف ان العراق قبل الغزو كانت لديه جامعات متميزة خرجت كوادر علمية اتحفوا العالم المتقدم بعلمهم وذكائهم ونشاطهم ولاسيما في المجال الطبي، لذلك نلاحظ الكثير من يافطات العيادات الطبية في العراق تشير بأنهم زملاء الكلية الملكية البريطانية وغيرها من الجامعات المشهورة في العالم. ومنذ اكثر من قرن مضى تخرج عشرات الآلاف من الأطباء وفسح المجال لهم للمشاركة في بعثات للخارج فنالوا شهادات عليا في تخصصات طبية مختلفة. ورغم الحوافز والمغريات الكثيرة التي تقدمها دول العالم المتطور لإستقطابهم وحثهم على البقاء وعدم الرجوع لبلدهم فأن معظمهم يعود للعراق محملا بزاد المعرفة والخبرة وظف لخدمة شعبهم.


الكليات الطبية في العراق لم تكن مفتوحة أبوابها لأي كان وهذه حقيقة يلمسها أي عراقي معتدل في تفكيره وضميره، فقد كانت مقتصرة على أصحاب المعدلات العالية التي تزيد غالبا عن (95) درجة. وحتى الدرجات الخمس التي أضيفت إلى أبناء الشهداء كمكرمة فأنها لم تكن مؤثرة جدا على النتائج سيما ان كليات الطب احيانا تطلب ما يزيد عن(95) درجة كأدنى معدل للقبول, لذلك فأن من يحصل على مثل هذا المعدل أو قريبا منه فإنه مؤهل ليدخل كليات الطب بجدارة. ولم نجد ابناء المسئولين بما فيهم رؤساء الجمهورية والوزراء والبرلمان السابقين قد دخلوا إلى كليات الطب لأن المعدل كان هو الفيصل في تحديد هذا الأمر ومن دخل فإنما بجهده وليس لأنه أبن مسئول في الدولة كما جرى الأمر بعد الغزو الأمريكي الأهوج للعراق. ولم يكن لأتباع آل البيت مظلومية في هذا الجانب فالمعدل غير خاضع لمقياس الطائفية ولا المناطقية ولا القومية فهو بريء من هذه النزعات. على سبيل المثال فأن عدد غير قليل من الأطباء الذين يشغلون مناصبا سياسية في العراق المحتل هم من أتباع آل البيت كإياد علاوي وموفق الربيعي وإبراهيم الجعفري وغيرهم, في حين بعد الغزو أمسى لأصحاب المظلومية الأولية في القبول في الكليات الطبية بغض النظر عن المعدل! ولم يكن آل البيت يعينون أتباعهم في رفع معدلاتهم على حساب بقية الطوائف (كما صرح الوزير الملة الخزاعي لا غفر الله له ذنوبه) في تصريح إعلامي لتبرير تفوق المدارس في كربلاء والنجف عن بقية مدارس القطر وكانت مدارس بغداد والموصل وصلاح الدين والأنبار في أدنى مستوياتها! في حالة شاذة لم يشهدها الدارس منذ تأسيس المدارس. إنها أبشع طريقة لتدمير الصرح العلمي في العراق هذا الصرح الذي بني منذ اكثر من قرن ودمر خلال سبع سنوات فقط.


حال الجامعات العراقية ليس أقل سوءا من بقية القطاعات العامة في العراق فهي دخلت أيضا طابور المحاصصة الطائفية وأمست طقوس اللطم والنحيب والعاشوريات بديلا عن طقوس العلم والمعرفة, وبدلا من الإستماع إلى محاضرات الاساتذة بات الطلاب يستمعون في كلياتهم إلى معممين متخلفين جهلة يرون لهم روايات خيالية مخترعة عن آل البيت بعضها مخزية! الغرض منها تحويل كواكب طلاب العلم إلى طلاب جهل، وتشويه معالم الجامعات العراقية وتحويلها إلى مزابل. فهذه الجامعة المستنصرية من ضحايا أصحاب العمائم تتحول في عاشوراء إلى حسينية كبرى تمارس فيها مختلف الطقوس الطائفية.


جامعة بغداد التي كانت صرحا كبيرا في العلم ونزلت بدورها إلى الحضيض في الوقت الذي يشير رئيسها المنافق موسى جواد الموسوي بإنها" استطاعت المحافظة على مستواها العلمي وهي مازالت محط أنظار وإهتمام الكثير من الجامعات العالمية حيث أبدت هذه الجامعات رغبتها في توسيع آفاق التعاون معها". ونسأل هذا الفهامة بأن يبحث عن مرتبة جامعته ما بين(10000) أفضل جامعة في العالم ويوافينا بالنتيجة ولا بأس أن يحتفظ بها لنفسه كوصمة عار جدير بها لأننا نعرفها جيدا. علما ان هناك جامعات افريقية كانت من ضمن المجموعة المشار إليها!


وينفي الفهامة الموسوي تسييس الجامعة بقوله" نبذل جهدا كبيرا لإبعاد أي تسييس يدخل الى الجامعة كون الجامعة مؤسسة ونحن لانسمح للتيارات السياسية بأن تمارس سياستها داخل الحرم الجامعي لأن ذلك يعد مفسدة لمستوى التعليم في البلاد"! ونسأله كيف تم تعيينه كرئيس للجامعة؟ لعلمه المتدفق كالشلال أم بموجب المحاصصة الطائفية؟ وان كانت جامعة بغداد على هذا المستوى الراقي الذي اشار إليه فما الذي حدا بمنظمة اليونسكو لأن تلغي إعترافها بشهادات جامعته العريقة وبقية الجامعات؟ ثم ليحدثا بجرأة إن أمتلك شيئا منها عن عدد الشهادات المزورة التي اصدرتها جامعته لأعضاء حزبه وبقية الأحزاب الحاكمة؟ فأن لم يستطع وكان موقفه كالدمى الصماء وهذا رأينا به! فليتكرم علينا بسكوته ويحترم العلم وشهادته العليا فلا حاجة به إلى الفرقعة الإعلامية المخيبة أوالإستهانة بعقول الناس. ونقولها بصراحة للموسوي: إنك تقود باص الجامعة وأنت جالس في المقعد الخلفي وفي ذلك مخاطرة على طلبة العلم الراكبين معك، فأتق الله يا رجل.


كليات الطب بدورها شملت بهذه الفوضى غير الخلاقة وربما إذا أستمرت هذه العصابة الحاكمة في سلوكها الطائفي المقيت ستتغير المناهج الطبية إلى مناهج أخرى مستمدة من تراثيات الطب. ومن الطريف ان كليات الطب على مدى قرن كامل من تأسيسها عام 1927( جريدة الوقائع العراقية العدد582 لسنة 1927 الموافقة على تاسيس الكلية الطبية) لم تتمكن من سد حاجة العراق للأطباء, سيما بعد الغزو الامريكي وتوكل الميليشيات الطائفية على الشيطان لتصفية كبار الأطباء ومطاردة الآخرين والإعتداء على العاملين في المستشفيات. لاسيما بعد إستلام التيار الصدري لوزارة الصحة وتصفية الأطباء والمرضى والجرحى من غير أتباع آل البيت. وذكرى جرائم الشمري والزاملي ليس بعيدة عن ذاكرتنا فدماء الأبرياء لم تجف بعد.
 

فوزارة الصحة اليوم كما اعلن مصدر مخول تعاني من شحة الأطباء وتحتاج إلى(100000) طبيب ولا يوجد حاليا في العراق المحتل سوى(20000) طبيب، ويعترف خلال حديثه بأن ثلث الاطباء هجروا العراق بعد الغزو. والبقية المتبقية تقف في طابور المغادرة عاجلا أم آجلا. المصيبة ان المصدر المخول (عادل محسن) يعيش كما يبدو في عالم (والت دزني) وليس العراق! فهذا العبقري يقدم لنا سببا غريبا لتفسير الشحة بقوله" أن عدد المتخرجين الجدد من الأطباء لا ينسجم مع الزيادة السكانية في البلاد". فأية زيادة هذه ومن أين جاءت؟ مع اكثر من مليون شهيد واربعة ملايين مهاجر وملايين الأيتام والأرامل!


ولو كلف الجهبذ نفسه قليلا بمتابعة اخبار زملائه في المهنة في نفس يوم تصريحه لوجد سببا اكثر معقولية من تبريره الواهن الذي يمثل أضعف الأسباب. فقد ذكر نقيب الأطباء في محافظة النجف( الدكتور حسن العاقولي) " بأن أكثر من ألف طبيب وصيدلي اعتصموا، احتجاجا على الاعتداءات المتكررة من قبل الأجهزة الأمنية والمواطنين على الأطباء، مبيناً ان الأخصائي المعروف الدكتور عقيل العكايشي أعتدي عليه من قبل الأجهزة الأمنية، وإثر ذلك قرر أطباء النجف غلق عياداتهم الخاصة والتظاهر احتجاجا على هذا الاعتداء. وقال العاقولي ان الأطباء الذين تجمعوا يطالبون الحكومة المحلية بحماية الكفاءات العلمية كما يطالبون مجلس النواب بالإسراع بإقرار قانون حماية الأطباء كونهم شريحة مهمة في المجتمع.


الأنكى منه ما أشار اليه أخصائي الجملة العصبية (الدكتور عقيل العكايشي) الذي تم الاعتداء عليه من قبل الأجهزة الأمنية ومدنيين" ان إحدى الممرضات أساءت في واجبها وتم توبيخها بسبب جلبها مواد غير معقمة لصالة العمليات, فقامت بتهديدي عشائريا, وعصر يوم الاثنين جاء اهلها لعيادتي الخاصة وضربوا السكرتير الخاص في العيادة, ومن بعدها دخلوا عيادتي الخاصة والاعتداء عليّ بضربي فاستنجدت بالشرطة الذين قاموا بضربي أيضا واعتقالي بدون أمر قضائي وبتصرف شخصي وهددوني بعدم الشكوى ضدهم والا سيسجونني". هذه عينة بسيطة مما يحدث يوميا للأطباء؟ فهل التناسب السكاني أم الأخلاقي يقف وراء شحة الأطباء أيها المصدر المخول؟ هل تريدون من الاطباء ان يعملوا في مثل هذه الأجواء النتنة؟ إذا كان شرطي أمي لا يعرف القراءة والكتابة يعتدي على طبيب أثناء عمله في مؤسسة رسمية دون أن يحترم القانون والواجب وهو يمثل واجهة قانونية فما المطلوب من الطبيب ان يعمل؟ أن يكظم غيضه أم يترك المستشفى بل الوطن الذي لا يراعي لأية اعتبارات لعلميتة ووظيفيته الانسانية وحقوقه كموظف حكومي ومواطن عراقي؟


 ليعلم المصدر الفقير في ملعوماته بأن معظم الأطباء في الخارج الذين هربوا من جحيم الديمقراطية لا يزاولون مهنة الطب بسبب ظروف اللجوء وتعقيدات الإعتراف بالشهادة ومعادلتها وبقية المتطلبات. يعني ضيعوا المساكين المشيتين! فهل هناك مأساة أشد من هذه يا مصدرنا المخول وغير المطلع؟


ضحى عبد الرحمن - كاتبة عراقية





الاثنين٠٩ رجــــب ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢١ / حزيران / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ضحى عبد الرحمن نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة