شبكة ذي قار
عـاجـل










حزب البعث العربي الاشتراكي من الأحزاب السودانية التي لها مواقفها أثناء فترات النضال في تاريخ السياسة السودانية. ولدور الحزب في الحياة السياسية؛ التقت (الأهرام اليوم) بنائب أمين سر حزب البعث العربي الاشتراكي بقطر السودان - عثمان إدريس أبو راس، وطرحت عليه عدداً من الأسئلة، منها المتصل بجدل الهوية السودانية، والأسباب المنطقية لانقسام الحزب بعد ما آل إليه الحال في المركز (بغداد)، وإمكانية وحدة البعثيين، فضلاً عن أن المفاهيم والدعوات التي يتبناها حزب البعث قد تؤدي إلى خلق إشكالات في السودان المتعدد عرقياً، إضافة إلى تراجع المواقف النضالية للحزب، واتهامه بمهادنة نظام الإنقاذ. طوَّفنا بالرجل في مدارات الراهن السياسي، بعد عملية تجوال فكري ومفاهيمي، فعرجنا على قضايا الاستفتاء والمصير، التي كانت حاضرة ضمن أسئلة الحوار، فلم يضنّ علينا بالحديث حول المخاطر المحدقة بالوطن عقابيل يناير. وعن أحوال المعارضة السودانية - وعلى وجه الخصوص (تحالف أحزاب جوبا) - وفشله في تحقيق أهدافه؛ استنطقنا ضيفنا. وقضية دارفور وجدت حظها كذلك ضمن إفاداته. الرجل استمع إلى جميع الأسئلة التي طرحتها عليه (الأهرام اليوم)، ورد عليها بكل طيبة نفس وأريحية، وكانت حصيلة ردوده هذا الحوار. معاً نتابع الحلقة الأخيرة: 

 

هنالك جانب مهم جدا وهو الاستفتاء على حق تقرير المصير.. إلى أي مدى يمكن التفاؤل بنتيجته لصالح الوحدة من وجهة نظرك؟

التفاؤل لا يفيد ولا التشاؤم، على الرغم من أني من المؤمنين بـ(تفاءلوا بالخير تجدوه).. لكن المسألة هنا على غير هذا.. أنا غير متفائل، ومن الزاوية هذه نحن انتقدناه منذ وقت مبكر، حتى قبل ابرام الاتفاقية، وانتقدنا مؤتمر (مقررات أسمرا للقضايا المصيرية) في هذه النقطة تحديدا، وان هذا انزلاق وتهديد لوحدة القطر.. لاحقا طبعا تسابقت القوى السياسية التي أصلا لم تهمها وحدة القطر أو التي تنظر تحت أرجلها فحسب ولم تنظر إلى المدى البعيد، وكأنما شعب السودان هو الذي اختار، وهو أمر أصلا صنع قيادات معينة مأمورة، حيث الحركة الشعبية اعتبرت نفسها وصية على كل الجنوب، والمؤتمر الوطني اعتبر نفسه وصياً على كل الشمال، وكأننا قصّر، ولكن مع ذلك انا اعتقد ان هنالك عشرات المشاكل التي تواجه الاستفتاء، وما بعد الاستفتاء.

 

هل ما تبقى من وقت كاف لكي تكون هنالك وحدة في السودان، خصوصا اذا اتفقت كل القوى السياسية على ذلك، والمؤتمر الوطني قدم تنازلات؟


 
بالتأكيد اذا قرر المؤتمر الوطني، واستعدنا الارادة الوطنية والقرار السياسي، وحتى لو كانت الدول التي أملت علينا الاتفاقية هذه، (الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي والاتحاد الافريقي) وغيرها من القوى الدولية، فلن تستطيع أن تفصل السودان اذا توفرت وحدة ارادة.. ولكن نحن عندما نضع افتراضات يجب أن نضع الافتراضات الواقعية، وهل الواقع يقول إن (المؤتمر الوطني أو الحركة الشعبية) هما على استعداد على أن يصححا أخطاءهما التي ارتكباها أم لا؟ قضية المفوضية هي لم تكن وحدها هي العقبة التي تقف أمام الاستفتاء بل هنالك مسائل أخرى كثيرة جدا لها علاقة بالمخاطر وبالنتائج التي يمكن أن تفضي لها نتيجة الاستفتاء اذا كان انفصالاً.. مناطق التماس ستكون بها احتكاكات قبلية في الشمال والجنوب، وبدعم من الحكومتين، سيما وان هنالك اتهامات متبادلة بين الجانبين، اضافة إلى ترسيم الحدود، خصوصاً في المنطقة التي سميناها نحن بـ(كعب أخيل الاتفاقية)، وهي منطقة (أبيي) حيث رفض المسيرية قرار لاهاي ورفضهم للترسيم، ولكن في واقع الامر الشريكان مهمومان بالنفط والقبيلتين مهمومتان بتأمين مسارات المراعي شمالا وجنوبا، وهنالك حديث يقوله بعض الحكماء بأنه اذا أصلا الانفصال هذا لابد منه فمن الافضل أن تكون أبيي دولة ثالثة لكي نحافظ على وحدة المسيرية والدينكا هؤلاء ولا تعود الحرب بسبب الانفصال لكونه يوجد صراع حول تبعيتها لأحد الطرفين.


هنالك أيضاً ديون السودان الخارجية، كيف يمكن حلها؟ حيث يقول باقان أموم إن ديون السودان الخارجية استخدمت في قتل الجنوبيين، وهؤلاء يقولون إن هذه الديون استخدمت في تنمية عائدات النفط وقسمتها، والدولة أصبحت تعتمد في موازنتها العامة بأكثر من 60% على النفط كعائدات موارد لهذه الميزانية، وعندما تذهب عائدات النفط هذه الـ50% التي كان يأخذها الشمال من عائدات نفط الجنوب، من أين لهم تغطية هذا الامر؟ أمر آخر؛ المواطنون الجنوبيون الموجودون في الشمال.. مئات الألوف والملايين الموجودون في الشمال سيتم التعامل معهم بأي كيفية؟ هل كمواطنين في الدولة القديمة التي كانوا موجودين فيها أم أنهم سيعتبرون محتاجين إلى فيزا واقامة وغيرهما؟ مسألة دول الجوار الشيء الذي يحدث للسودان هل يمكن أن تتأثر به؟ أنا أقصد ان هناك عشرات المشاكل تواجه هذا الموضوع، ثانيا ما هو الشيء الذي يريده الامريكان الآن بوصفهم وراء هذا القرار؟ وأما اذا تحدثنا عن الواقع كما نراه فهذا يعني أن النتيجة النهائية لحق تقرير المصير مرتبطة بما تريده الحركة الشعبية، والآن يمكن أن تقول الحركة الشعبية وحدة فيصبح الامر كذلك! ولذلك أنا أعتقد في هذه الجزئية أن المسؤولية الاولى تخص الحركة الشعبية، إذا كانت جادة في أمر تحرير السودان ومع السودان الجديد وغيره، بينما تقديري الآخر ان الحركة الشعبية من يوم أن أقرت حق تقرير المصير فهي (فرزت عيشتها)!

 

كيف تنظر إلى حال المعارضة السودانية وخصوصا (تحالف جوبا) بعد أن فشل في الدخول في الانتخابات السابقة برؤية موحدة؟

عندما تتحدث عن تحالف جوبا كأنما هنالك تحالف حقيقي! هو في الاصل لا يوجد تحالف بل هنالك مؤتمر انعقد في جوبا دعت له الحركة الشعبية قامت بحضوره مجموعة من الاحزاب متحالفة في دار(حزب الأمة)، نحن جزء منها ولكن غير متحالفين معها، ولسنا طرفا في حلفها، بل نحن ننسق معهم في جملة من القضايا، وزيارتنا لجوبا كان الهدف منها رسالتين؛ الاولى متعلقة بالحريات العامة، والثانية خطاب خاص بقضية الوحدة وأهميتها وضرورتها، وكي نسمع هذا الامر لأبناء شعبنا في الاقليم الجنوبي من جوبا.. عن مستقبل هذا التحالف أقول إن التجمع مطالب بأن يواجه تجربته السابقة بشفافية، بمعنى (ما لها وما عليها).. لماذا لم يستطع أن يلتزم بما حدده من اشتراطات في اجتماعات مؤتمر جوبا ازاء الانتخابات ويكتسب مصداقية أمام الشعب؟ التحالف تذبذب وتردد وتراجع عن الموقف المعلن، الامر الذي أربك حسابات الشارع، والذي أصبح لا يعرف ان الاحزاب هذه ستدخل الانتخابات أم لن تدخل؟! هذا يحتاج لنقد ويحتاج لوضوح ويحتاج لمعرفة السبب فيه؛ لماذا اتخذتم هذا القرار؟ ولماذا تراجعتم عنه بدون تقييم للتجربة السابقة وبدون أن يقيم هذا التحالف أو التجمع أو القوى التي تلتقي سمها ما شئت؟! لأنها هي اذا كانت متحالفة كما نحن نقول هذا يعني ان هنالك ميثاقا يحكم تحالفها، واذا كان هنالك ميثاق لا يمكن أن يكون هنالك انسان يقاطع، وآخر يشارك، ولا يمكن أن يكون هنالك من يقاطع في لحظة التصويت وآخر يقاطع لحظة الفرز، إنسان يدعو للتشتيت وآخر يدعو للتجميع، هذا (لحم راس) ولم يكن تحالفا بالمعنى هذا!

 

وما هو البديل الموضوعي لتحالف جوبا لمواصلة النضال؟

التمسك بقضايا النضال، وأولها محاكمة التجربة السابقة، وأنت كما تحاكم هذا النظام في اخطائه التي ارتكبها لا بد أن تكون صادقاً أمام شعبك في محاكمتك لتجربتك، وتبين له أن هذا هو الطريق، وتلتزم بما تضعه على نفسك من عهد، واذا وضعت قيدا والتزمت به وعلنا أمام الشعب ينبغي أن تتمسك به لكي يحاكمك الشعب، ويحكم على مصداقيتك لاحقاً ويستعيد ثقته فيك لان التذبذب والتردد أضعفا ثقة الشعب في هذا التجمع، والشعب مصيب في هذا الامر، الشعب كان عنده استعداد واسع جدا بعد المسيرة الاولى لأن تمضي مسيراته قدما باتجاه انتزاع الحريات العامة، ولكن قوى التجمع هي التي تراجعت، وهي التي توقفت، والحركة الشعبية أخذت الذي أخذته ووقفت! وهذا لم يكن عيباً نلوم به الحركة الشعبية، لكن أعتقد ان القوى الاخرى التي كانت ضمن تحالف دار حزب الأمة كان ينبغي عليها أن تمضي قدما في الضغط بالنزول للشارع وفي استنهاضه، لان الشارع في تلك اللحظات استعاد اعتباره وثقله، وواضحة المسألة في الاجراءات التي حاول النظام اتخاذها في مواجهته، ولذلك كان ينبغي أن يكون الرهان على المزيد من التعبئة وسط الشارع لأنك لم يكن لديك شيء آخر يمكن أن تبني عليه غير نضال الحركة الجماهيرية.

 

على صعيد ملف دارفور، كيف ينظر حزب البعث العربي الاشتراكي لحل قضية الاقليم؟ 

الحديث حول ملف دارفور يمكن أن يطول ويمكن أن يقصر، شأنه شأن القضية الوطنية ككل. وأنا لا أرى أن هنالك أفقا لحل الازمة الوطنية في دارفور في وجود هذا النظام، وكل المؤتمرات التي ناقشت القضية موقف الحكومة منها كان سلبياً منذ (أبوجا) وفشلها في الحل وحتى الآن في (الدوحة) وهنالك معادلة ثلاثية في دارفور وهي: (السلام والعدالة والتنمية)، وكما جاء في ورقة هايدلبرج: أيهما أولا السلام أم العدالة؟ وهل يمكن أن نضعهما الاثنين في مواجهة بعضهما؟ واذا توفرت فرصة للسلام نرفضها إلى أن تأتي فرصة تحقيق العدالة؟ أم كيف يستقيم الامر؟ هي ثلاث قضايا مترابطة بعضها مع بعض، والنظام طرف أساسي في أضلعها الثلاثة، إذن لا يوجد مخرج لهذه القضايا الثلاث كي تحل إلا بزوال النظام وتحقيق العدالة، وهو ما يعني مساءلة ومحاسبة الذين ارتكبوا جرما في حق أبناء شعبنا في دارفور، ولكن أنا أتحدث عن العدالة بشكل عام ومساءلة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت بحق شعبنا في دارفور، والسلام يمكن أن يشمل النظام كما يمكن أن يشمل قوى أخرى أنت تطالبها بإلقاء السلاح والتي ستقول لك أنا لم ألق السلاح لانه لا توجد عدالة تحققت، والعدالة التي نريدها في وجود هذا النظام لا تتحقق، والذي أريد أن أقوله إن موضوع العدالة وموضوع السلام مرتبطان بالنظام وكذلك موضوع التنمية. وموضوع التنمية نفسه لم يتحقق والدليل على ذلك فشل النظام في ايصال طريق الانقاذ الغربي، وتدمير كل المشاريع التنموية التي كانت موجودة بالاقليم من قبل.

 

القضية متشابكة ومترابطة وحلها هو جزء كبير من الأزمة، وأنا لم أقل أنها بدأت مع النظام هذا بل هي سابقة له، شأنها شأن كل المشاكل، ولكنها تفاقمت بشكل مريع في ظل هذا النظام، ولذلك أنا لا أرى أفقاً لحل يمكن أن يتم، ومع ذلك نحن لسنا مع العنف وحمل السلاح، لانه ثبت بأن الموجهين بحمل السلاح هم آخر المتضررين منه، بينما أول المتضررين هم أبناء شعبنا في دارفور، والمتضررون من النزوح لم يكونوا قيادات الحركات المسلحة، ولا مركز النظام القابض في الخرطوم، بل المتضررون هم سكان قرى دارفور وأبناؤهم، والقضية هذه بساطتها وهذا هو تعقيدها في نفس الوقت، تعقيدها في بساطتها وبساطتها في تعقيدها في ذات الحين!

 

 





الاحد١٣ شعبـان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٥ / تموز / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حوار : عبد الرحمن العاجب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة