شبكة ذي قار
عـاجـل










الغرب يعادي العرب ليس لأنهم معادون له، ولا لأنهم يمتلكوا ثروات كبيرة، هذه أكتشفت لاحقا وجاءت مؤخرا، لكن لمعرفته بأنهم حملة رسالة تناهض منهجه الباغي، وقد ادرك البعث العربي الاشتراكي ذلك منذ فترة التكوين الاولى، والمرحلة التأسيسية التي سبقت المؤتمر الأول للحزب، فقد أكد القائد المؤسس على طبيعة الصراع التي يفرضها الغرب ضد العرب ورسالتهم العظيمة الاسلام، اشار الى ان الاسلام كرسالة عظيمة هي السبب الرئيسي للعداء الغربي الاستعماري وحروبه على الامة العربية، ولأن الساسة الغربيون والنخب الفكرية السياسية منها والاقتصادية ادركوا قبل غيرهم ان الحصن المانع للعرب كأمة هو الاسلام، والذي يضمن قبل كل شيء استقلالها الفكري وقدرتها الاخلاقية على عدم التبعية والذوبان بالقيم المادية المنحرفة عما خلق الله الانسان له، وركز البعث من خلال مؤسسه أحمد يوسف عفلق الفرق الحضاري بين العرب وبين الغرب بالرغم من تفوق الغرب الكمي والتقني الكبير على العرب في هذا العصر (عصر الانحدار العلمي والرسمي والثقافي عند العرب)، بسبب جهلهم بمبادئ وقيم رسالتهم العظيمة الاسلام في كل الجوانب التي يريد الغرب أن يظهر من خلالها تفوقه على العرب، كالديمقراطية، والعدالة، وحقوق الانسان. فيؤكد القائد المؤسس على ان الغرب عاد للاتصال بالعرب عبر اساليبه العدوانية، فكان واحد من بوادر ذلك حملة بونابرت الفرنسية على مصر فيقول ما نصه (منذ قرن ونصف قرن عاد اتصال الغرب بالعرب بواسطة حملة بونابرت على مصر. وقد رمز هذا الداهية الى ذلك الاتصال بأن علق لوحات كتبت فيها آيات القرآن الى جانب حقوق الانسان!.. ومنذ ذللك الحين ما برح العرب (أو الرؤساء الدخلاء على العروبة) يدفعون نهضتهم الحديثة في هذا الاتجاه الأشوه. فهم يجهدون أنفسهم ويرهقون نصوص تاريخهم وقرآنهم ليظهروا أن مبادئ حضارتهم وعقيدتهم لا تختلف عن مبادئ الحضارة الغربية، وأنهم كانوا اسبق من الغربيين الى اعلانها وتطبيقها. وهذا لا يعني الا شيئا واحدا: وهو أنهم يقفون أمام الغرب وقفة المتهم، مقرين له بصحة قيمه وأفضليتها! .. ان الواقع لا محيد عن الاعتراف به، هو أن غزو الحضارة الغربية للعقل العربي، في وقت جف فيه هذا العقل حتى امسى قوالب فارغة، يسر لتلك الحضارة أن تملأ بمفاهيمها ومعانيها هذه القوالب، ولم تمض فترة من الزمن حتى انتبه العرب الى أن ما يخاصمون الاوربيين عليه، هو نفس ما يقول به هؤلاء، وأنهم لا يفرقون عن الاوربين الا بالكم، كما يفرق القليل عن الكثير، والمقصر (المتخلف) عن السابق. ولن يتأخر الوقت الذي يعترفون فيه بالنهاية المنطقية لهذا الاتجاه، أي أن في الحضارة الغربية ما يغني عن حضارتهم!. فحيلة الاستعمار الأوربي، لم تكن في أنه قاد العقلية العربية الى الاعتراف بالمبادئ والمفاهيم الخالدة، اذ ان العقلية معترفة بها وقائمة عليها منذ نشأتها ولكن – الحيلة الاستعمارية- هي في اغتنامه فرصة جمود العقلية العربية، وعجزها عن الابداع، ليضطرها الى تبني المضمون الاوربي الخاص لهذه المفاهيم. فنحن لسنا نخالف الغرب في مبدأ الحرية بل في أن الحرية تعني الذي يفهمونه منها) في سبيل البعث/ط دار الطليعة/بيروت/ 1974(في ذكرى الرسول العربي).

 

من خلال النص المشار اليه والموضوع كاملا، والذي أتمنى على كل الشباب العربي أن يقرأوه قراءة عميقة ومتأنية، حدد القائد المؤسس خطر الصراع وطبيعته، وأكد أن الجانب الفكري والثقافي هو الميدان الرئيسي الذي يستخدمه الغرب للمكر والخديعة في محاولة فصل الامة العربية عن أهم حصونها ووسائلها الدفاعية الا وهو دينها العظيم، فهم يحاولون تزييف العلاقة بين الحضارة العربية الاسلامية وبين حضاتهم الشكلية المشوهة، ليظهروا أن طريق اللحاق بهم في الكم الذي لديهم والتخلص من التخلف الذي نعيشه أن نتبنى افكارهم ومنهجهم، فالعرب عرفوا الديمقراطية والحرية من قبل الاسلام، والتاريخ شاهد، وجاء الاسلام ليعززها ويعمقها، وان كانت الديمقراطية الغربية التي يريدوا نشرها عندناتناسبهم، فمبدأ الشورى وسماع الرأي والحوار في الاسلام هو ديمقراطيتنا، وان كانت الاشتراكية التي طرحتها الشيوعية الغربية شيء يدعوا للتؤثر به، ورؤيته بشيء من البهرج، ولو انه ثبت فشله لاحقا، فان مبدأ العدالة الاجتماعية والتكافل بين الناس، والواجبات التي فرضها الاسلام على أموال الاغنياء، واعتبرها واجبات شرعية وحقوق للفقراء في اموالهم، أثبتت وخلال الف وخمسمائة سنة على ظهور الاسلام في الامة، أنها أكثر نجاعة وقدرة على المعالجة والنجاح لكل مشكلات المجتمع، فيما لو التزم بها، وفهمت أهدافها بعمق قيمي لما اراد الله ورسوله بها، لا أن تخضع لاجتهادات المتاجرين بالدين والمتنفعين به، وان كانوا يدعون أن الحضارة الغربية قد حققت للمرأة تحررها، فالنموذج الانساني العظيم لتحرير المرأة وتحقيق انسانيتها ورفع شأنها وقدرها في العائلة والمجتمع واحترام وجودها الانساني العظيم الذي يضعها الاسلام فيه يمثل حالة متطورة بشكل كبير عما يدعون له، من انتهاك لها ولانسانيتها تحت مسمى الحرية والمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، في الحقوق والواجبات، فالاسلام قدم الام (المرأة) على الرجل في الرعاية والاهتمام على الرجل (الاب) فأكد الرسول الكرام ثلاث مرات على الأم ثم قال أباك، واعتبر التشريع الاسلامي المرأة ستر ولباس للرجل، وشطره المكمل لوجوده، كما هو لها فجاء في القرآن (هن لباس لكم وانتم لباس لهن) ونهى عن امتهان المرأة الجسدي وأعتبره من الكبائر (تجنبوا الزنا فانه فاحشة وساء سبيل)، وألزم الرجل في كثير من الاحكام برعاية واعالة المرأة، ولم يلزمها الا بواجبها الشرعي كزوجة، بل اعتبرها متفضلة على زوجها ان هي قامت بواجبات وشؤون البيت، لو شاءت لطلبت عنه أجرا، وموقف الدولة من مواطنيها بغض النظر عن انتمائهم العرقي أو معتقدهم الديني فصلته وثائق نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بشكل لا يقبل التأويل والاجتهاد والبدع، وما وثيقة المدينة المنورة (بقدوم رسول الله) مع اليهود، ووثيقته لنصارى نجران، الا صورة واضحة لصيغة وواجب الدولة تجاه مواطنيها، أما محاولات الغرب والمنحرفين عن المنهج الاسلامي العظيم وفهمه في محاولة تبني النصوص التي تخص الخونة والعملاء والمتآمرين من الناس مسلمين كانوا أو أصحاب الكتاب  غيرهم من الديانات حتى غير الموحدة الواردة في القرآن والسنة وتعميمها على اساس انها هي منهج الاسلام فهذا هو التشويه بعينة والضلالة الحقيقية، والا ما معنى (لا اكراه في الدين)، أليس ضمان حرية المعتقد والدين لكل البشر ضمن الدولة الاسلامية؟ وأن هذا الفهم الخاطئ يقود المجتمع الاسلامي الى العلمانية الغربية المشوهة والمريبة، التي قامت على أساس فصل الدين عن الدولة، كما جرى للمسيحية في الغرب، بأن شوهت المسيحية، حتى وصل الامر الى أن يختص الدين بالشؤون الروحية فقط، تحت فكر الحادي هو العلمانية، وبمنهج لا ديني هو دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله، أي أن ما يخص الحكم والدولة فمسؤولية الحاكم، والدين لا شأن له في اصلاح المجتمع والانسان، بل يتعامل مع الناس الملتزمين بالدين فقط ، وبهذا ولد الكفر وتخلى الناس عن الدين، وصار الكثير منهم لا يهتمون به للأنه لا يعني شيئا في حياتهم، وهذا موضوع كبير يحتاج الى تفاصيل كثيرة، سنبحثه بشكل مفصل انشاء الله، هذه حقيقة الخداع ومنهجه ومخططه ضدنا، واستخدام كثير منا بشكلين في ميدان عدوانهم علينا:

 

الاول : خداع كثير من مثقفينا (متعلمينا)، وحتى مفكرين سقطوا أو اسقطوا، في هذا الشرك بتبني الشكل الغربي المشوه والمضلل للحضارة، وصاروا دعاة وناشرين للفكر الغربي في المجتمع الاسلامي للحضارة والفكر الغربي، تحت مسمى العلمانية.

 

والثاني : التطرف والرد السلبي على عدوانهم، والذين تمثل بظهور تنظيمات ارهابية متطرفة تحكم بهواها ولا تدرك معاني ومفاهيم التشريع الرباني والرسولي العظيم، وقد تأكد ضلوع المخابرات الامبريالية (البريطانية خاصة ثم الامريكية) لها يد في نشوئها.

 

وكلا الفريقيين قدموا خدمة للغرب الاستعماري، وأسائوا بعلم أو جهل للاسلام وجعلوا كثير من الناس يصطفون مع الغرب والصهيونية ضدنا، وما موقف الصين التي كانت لفترة قريبة مساندة لقضايانا القومية والدينية خصوصا في فلسطين، وما كان من موقفها في المنتدى العربي الصيني الا صورة لذلك.

 

ظل البعث ومؤسسه يؤكد حقيقة موقف الغرب من العروبة والاسلام وخوفها منهم (ان اوربا اليوم، كما كانت في الماضي، تخاف على نفسها من الاسلام) في سبيل البعث/ (في ذكرى الرسول العربي)، ويعود يؤكد في حوار معه من قبل مجلة آفاق عربية عام 1976(ان الغرب يتابع حربا مزمنة ضد الأمة العربية منذ مئات السنين .. ان امتنا لها دور آخر، ووزن آخر .. لها رسالة.. العداء لها كان قبل اكتشاف ثرواتها .. أي أن الاقتصاد فيها ليس هو الشيء الأهم والباعث على هذه المنافسة وهذا العداء، ان المنافسة هي بسبب هذا الدور الحضاري الذي جاء به الاسلام .. خذ الهند مثلا، ليس هناك عداء لها، أو للصين وفيتنام .. فبانتهاء الحرب بها انتهى كل شيء، أما العداء للعرب، فباطنه الخوف من امكانات الدور الانسانيالذي يمكن أن يؤول اليهم، والذي عليه برهان من الماضي، وهو الحضارة العربية أيام العباسيين وفي الأندلس .. فان الغرب يفهم ما معنى ذلك، ويفهم أن هذه الحضارة قابلة للتجدد).

 

اذن موقف الغرب من العرب والاسلام وعدائه لهم، ليس بسبب الثروات والنفط بل هو عداء مبني على الخشية من التنافس والتعارض أو التناقض بين منهجهم وحضارتهم وبين منهجنا (دين الله)، الذي يعتبر كل وسائلهم الارهاب والبغي والعدوان ونهب اموال وثروات الآخرين والعدوان عليهم من كبائر المنكرات والاعمال الباطلة الواجب معاداتها وتوضيح غاياتها ومخاطرها للبشرية، بل ومحاربتها ان هي بدأت العدوان، وهذا هو سبب الحقيقي أي الفرق الكبير بين منهج الدين والعرب كأمة اختارها الله لحمل رسالاته للناس وبين منهجهم.

 

اذن البعث لا يرفض الغرب لتعصب قومي أو تطرف ديني، بل يدرك بعمق أن الرسالة العظيمة التي تملكها الأمة والمكلفة بنقلها للبشرية جمعاء، فيها ما يغني عن استيراد نظريات وافكار غربية غير مستوعبة لحقيقتها ولا تؤكد الوقائع نجاعتها في مجتمعاتها فكيف في مجتمعات تحتلف حضاريا وقيميا وأخلاقيا مع تلك المجتمعات. فالبعث يناهض الاستعمار الغربي الذي يسعى بوسائل وأساليب شتى من اختراق الأمة وتحقيق الانحراف فيها، بفصلها عن ارثها العظيم الدين، ويشكل تهديدا خطيرا لمسخ شخصيتها، قبل نهب ثرواتها واستغلال مواردها لخدمته، ويرفض الفكر الغربي الاممي في معالجة واقعها المزري، ويعتبر تبنيه تخلي عن العمق الحضاري والقيمي الثر، الذي تمتلكه الأمة متمثلا برسالات السماء واهمها الاسلام.

 

 





الاثنين٢٨ شعبـان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٩ / أب / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سعد ابو رغيف نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة