شبكة ذي قار
عـاجـل










هل قدمت أمريكا العراق على طبق من ذهب الى أيران ؟ وهل كانت تعي جيدا ماتفعله وهي ترفع حلفاء أيران الى سدة الحكم فيه ؟ أم أن الذي جرى كان تخبط ثور جامح أنغرزت في جسده رماح الحادي عشر من سبتمبر , ولم يزل اللون الاحمر يبرق في عينيه فلم يعد يعي أين يولي وجهه ؟ هذه الاسئلة وغيرها لازالت تدور في أذهان كل المتابعين للشأن العراقي وهم يشهدون كل هذه الصور اللامعقولة التي تجري على أرض الواقع . فالعراق دولة محتلة تتحكم في كل شؤونه دولة الاحتلال , التي تحتفظ على أرضه بعشرات الاف من الجنود ومثلهم من المرتزقة وعناصر الاستخبارات والاليات والطائرات , ومع ذلك نسمع هذا الكم الهائل من التصريحات الامريكية التي تدين أيران لدورها في كل الازمات السياسية والامنية والاقتصادية في البلد , ولايتم أتخاذ أي رد رادع وهم الذين لاينطقون عن الهوى في ظل مئات الاقمار التي تصور وترصد وتسترق كل مايجري من تحركات وأتصالات سلكية ولاسلكية ولقاءات مشبوهة وعفوية , فالمنطق يقول بأن الجهد العسكري والبشري والمالي الذي صرفته الولايات المتحدة وما سببه لها من أزمات سياسية ومادية وأخلاقية , لايمكن لدولة قطبية كأمريكا أن تدعه يذهب سدا , أو أن تقدمه هدية مجانية الى دولة أخرى لاتزال تعتبرها مارقة ومصدر تهديد في المنطقة ومع ذلك تتركها تفسد عليها الطبخة , فهل حقا هنالك خلل في الصورة أم أن هنالك تفاهما قد يكون عفويا نتيجة التقاء المصالح أو قد يكون متفقا عليه ؟


لقد توائم الاحتلال الامريكي في العراق مع الاحتلال الايراني حد التطابق , فحالة اللاود والعداء بين الدول في السياسة الخارجية خاصة عندما تكون بين دولتين أحداهما عظمى والاخرى صغرى , قد تنتفي عندما تتداخل الخنادق ويصبح فعل الدولة الثانوية مفيدا للدولة الكبرى في أتمام الصفقة , لكن هذه السياسة أيضا قد تكون سلاحا ذو حدين , خاصة عندما تكون كفة الظروف الجغرافية والتاريخية والاجتماعية تميل كثيرا لصالح الدولة الصغرى , مما يسمح لها بالتغول والوصول الى شعاب أخرى قد لايعرفها غيرها بفعل تلك الظروف , فينقلب دورها من كاسحة الغام الى لغم أكبر تضطر فيه الدولة الغازية الى تجنب الاصدام بها وبالتالي السماح لها بالحصول على جزء من الفريسة , والتغاضي عن كل الافعال التي قد لاتتناسب مع التكتيك المرحلي الذي تم وضعه لاتمام المهمة , بل قد يضغط الموقف العملي وحسابات تجنب الخسائر الكبرى , فتجلس تلك الدولتين على منضدة واحدة وعلى أشلاء الفريسة , ليتم التباحث في الصيغ الفضلى التي يجب التوصل اليها , كي يستفيد الطرفان من حالة تشابك المصالح وتداخل الخنادق بينهما في اللحظة الراهنة , وتجنب الاصدام الذي أصبحى مقتنعان جدا أنه ليس في صالحهما , وهذا ماحصل بالضبط بين الولايات المتحدة الامريكية وأيران عندما أحتضنت بغداد المحتلة حواراتهما الثنائية بشأن الملف العراقي , بينما لم يحصل شيء من هذا مع تركيا التي لديها أيضا مصالح في العراق لكن دورها لم يكن كالدور الايراني , وكذلك سوريا التي تمثل الدور العربي والتي كان لابد أن تكون مبرارتها مقنعة تماما بأعتبار العراق بلد عربي , لو تدخلت في الشأن العراقي بنفس الدور الذي تدخلت فيه أيران , لكننا نجد بأن القوات الامريكية وجهت ضربة جوية الى الاراضي السورية بحجة وجود ( أرهابيين ) بينما تغاضت عن كل ما فعله الجهد الارهابي والاستخباري الايراني في العراق , وأن السبب الرئيسي لهذه الازدواجية الامريكية , هو أن الفعل الايراني كان طبق الاصل لما خططت لفعله في العراق من تمزيق أجتماعي وتشظي جغرافي ونعرات طائفية وعرقية ونهب ثروات وقتل خبرات وتهجير سكاني , وأخراج تام لبلد ستراتيجي من حلبة الصراع مع العدو الصهيوني , وبالتالي رهن حاضره ومستقبله الى مئات السنين , فكان أن قدمت أيران بهذا الدور الذي لعبته في العراق خدمة كبرى الى الولايات المتحدة الامريكية , وكفت عنها الجهد المالي والبشري الذي كان عليها أن تصرفه لترتيب كل هذه الحالة الجديدة , بينما أقتصر الدور العربي على تقديم الدعم في لحظة الغزو في السماح للقوات الامريكية بأستخدام الاراضي والمياه والاجواء , تنفيسا لحالة عداء شخصي مع القيادة السياسية الشرعية في العراق , ولم يكن لديهم أي برنامج لاحق أخر قد يلبي المشروع الامريكي لما بعد الغزو .


أن سبع سنوات من العمل المشترك الامريكي الايراني في العراق , أنتج قناعة راسخة لدى الطرفين بضرورة التوافق على ( خط التالوك ) الذي يمثل أقصى نقطة يسمح للايرانيين التدخل فيها في الشأن العراقي , وهي قطعا ستكون خارج أهتمامات المصالح الامريكية في العراق , فكان أن أستغل الايرانيون الفرصة التاريخية بكل أبعادها السياسية والامنية والاقتصادية وحتى الدينية , فقاموا بأنشاء نظام سياسي داخل المنظومة السياسية التي أنشأها الامريكان , يرتكز تماما على أعمدتهم الرئيسية التي هي ( المجلس الاعلى , منظمة بدر , الدعوة ) وغيرها من الفصائل التي التحقت بهم قبل الغزو وبعده .

 

وبغية السيطرة التامة على مجريات الامور وعدم السماح بأجراء أي تغيير في التركيبة السياسية وشكل النظام السياسي مستقبلا , فكان لابد من وجود هيئة على غرار المؤسسة الايرانية(مجلس تشخيص مصلحة النظام ) في العراق وأناطة قيادتها بمجموعة من الطائفيين , كي تمنع أي شخصية أو حزب أو حركة سياسية من الداعين الى وحدة العراق أرضا وشعبا , والرافضين العملية السياسية والمؤمنين بعروبة الوطن وعمقه العربي , فكانت هيئة أجتثاث البعث سوطا مسلطا على كل الاصوات الوطنية والاقلام الشريفة ,


والتي تناغم الامريكان مع قراراتها لعدم تهديدها لمصالحهم , فكان أن أرسلوا (بايدن) في عملية أستعراضية الى بغداد للضغط الكاذب على المسؤولين لايقاف قراراتها قبل الانتخابات الاخيرة , وكان رد مديرهيئة الاجتثاث أستعراضيا أيضا وهو يقول ( لو كان بترايوس عراقيا لاجتثثناه ) وكان يتحدث بلسان أيراني أي بمعنى أنه مثلما لديكم مصالح في العراق لن نتعرض لها , فان لدينا أيضا مصالحنا التي يجب عليكم أن تحترمونها .


أما أداة الحكم الايراني الاخرى التي جرى التركيز على قيامها في العراق وأبراز دورها في مسائل السلطة , على نحو لم يألفه المجتمع العراقي في مختلف عهوده السياسية , فكانت المرجعية الدينية التي بات كل السياسيين البارزين منهم والمغمورين يزورنهم ويطلعونهم على أمور الحكم ويطلبون مشورتهم , بل حتى القادة العسكريين أصبحوا حريصين أيضا على القيام بهذا الفعل , بعد أن راج شعور عام لدى الجميع بأنها أصبحت أحدى أهم أعمدة المنظومة السياسية , ومؤسسة مهمة تمنح الشرعية الشعبية للمرشحين أكثر من صناديق الاقتراع التي يقولون أنهم يحتكمون اليها , لذلك وجدنا حتى العلماني السيد أياد علاوي يتجه صوب المرجعية لمعرفة رأيها فيه , بعد أن فشلت الاصوات التي دخلت صندوق قائمته من جعلها المتقدمة على الاخرين , بل أتجه السيد صالح المطلك الذي لايقلد أيا من مراجع النجف , وليس من أتباع مذهبهم الديني بندائه اليهم في أمر سياسي قائلا ( نتوسم أن تقول مرجعية النجف كلمتها بشكل واضح بشأن هوية رئيس الوزراء الطائفية أو القومية , وأن تحدد ما أذا كان شيعيا حيدريا فقط أو سنيا أو مسيحيا أو علمانيا ) , وبذلك أطمأن أصحاب القرار الايراني الذين يمسكون بالملف العراقي بأن خيمة النظام السياسي في العراق ترتفع بأعمدة أيرانية , وتوثق بأوتدة أيرانية أيضا , وأن كل مايقال عن أنحسار النفوذ الايراني في العراق أنما هو أبغاث أحلام فلازال لهم القول الفصل فيه سواء ذهب قاسم سليماني وحسن قمي , أو جاء حسن دانائي , فالموافقة الامريكية على لعب أيران بالملف العراقي حاصلة , ماداموا يلعبون خارج أهدافهم ويعرفون بالضبط خطوطهم الحمراء فلا يقربوها , وليذهب العراق نهبا للذئاب مادامت المصالح الامريكية محفوظة بقواعد ثابتة في طول البلاد وعرضها .

 

 





الاثنين٠٦ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٦ / أب / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. مثنى عبد الله نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة