شبكة ذي قار
عـاجـل










 

تعرضت الأمة العربية، عبر تأريخها الطويل، لسلسلة من الغزوات الأجنبية عرضتها لمحن قاسية يندر أن نجد لها مثيل في التأريخ البشري. مهما كان حجم المحنة التي تتعرض لها أمتنا، فانها كانت قادرة على أستخلاص الدروس وتجميع القوى السليمة المتبقية وحشدها في عملية المواجهة مع الغزاة فتحطمت كل الغزوات وأنهارت الأمبراطوريات على أرض العرب.

 

ان استخلاص دروس المحنة التي يتعرض لها العراق الآن، وتوضيفها في معركتنا ضد المحتلين والخونة، يتطلب أن نتحرى لكل حقيقة من الحقائق موضعا هو حق موضعها، والتمسك بنهج العقلاء في التبصر والتبين وعدم الأستنامة لخداع الباطل وتسويله الخفي، وأن لا نكون في منازل تلتبس فيها الأمور وتختلط.

الدرس الكبير الذي تعلمته أمتنا من محنة العدوان على العراق واحتلاله، هو أنها قادرة على مواجهة العدو ودحره عندما تتخلص من طوابير الخيانة في صفوفها، فما من كارثة حلت بأمتنا الا وكان للخونة والعملاء فيها نصيب.

 

ان عدونا شديد المكر والدهاء، لم يترك بابا من الكذب والتمويه والخداع والبشاعة والاجرام الا دخله، وعقيدته مبنية على الغدر والخبث وسفك الدماء وعلى بغضاء مشتعلة في غور العظام، توزها نار أحقاد معلقة منذ القدم. البعض من الوطنيين لم يدرك جيدا حوهر وأبعاد عملية أحتلال العراق بأعتبارها حملة جديدة من الحملات الصليبية المتصهينة فوقع في شراك وهم التفاوض ومن دون أن يتبصر في حيل وأحابيل المحتلين وغدرهم، وأن من ذهب الى مستنقعات البحر الميت واسطمبول وجد أن ما كان يعدهم ويمنيهم به المحتلون ليس الا سرابا، وكانت النتيجة كمثل الحمار الذي ذهب يطلب قرنين فعاد مصلوم الأذنين.

 

لقد أيقنت كافة القوى السياسية في الأمة، ومن كافة التيارات، أن العدوان الثلاثيني الأطلسي الصهيوني على العراق عام 1991، كان تعبيرا عن روح الانتقام والحقد التأريخي على العراق وشعبه، ولتصفية حسابات تأريخية معلقة منذ القدم، والتي لم تنجح حقبة الاستعمار والانتقام الذي تميزت به، في تصفيتها في وعي الغرب، بل زادتها تعقيدا، ولذلك فان الجانب الذي يتركز فيه العداء للأمة العربية، كأعنف ما يكون، هو الهجوم على التراث المضيء للاسلام، بوصفه رديف العرب التأريخي ومرتكز هويتهم جميعا. لقد لاحظ المتتبعون للوضع السياسي والثقافي في المنطقة العربية، أن أولى النتائج السياسية لهذا العدوان هو تلاشي التمايزات والتوجسات القديمة بين القوى القومية والاسلامية واليسارية، وتوحدت جماهير الأمة في الخندق المساند والداعم لصمود العراق ضد العدوان والحصار. بعد غزو العراق واحتلاله، ونهوض مقاومة مسلحة فريدة ومتميزة، فاجأت العالم بقوة وسرعة نهوضها، أعتقد الكثير من أبناء الأمة، وبالخصوص في العراق، أن القوى السليمة في الوطن المناهضة للاحتلال ومن كافة التيارات السياسية (القومية والاسلامية واليسارية الوطنية)، سرعان ما تكون قادرة على اجتراح الوسائل الكفيلة بتحقيق صيغة متقدمة تِؤكد وحدتها وتلاحمها، فدرب التحرير، طريق لا يصلح معه الا الجد والصبر والحزم ومخافة العثار.غير أن الواقع، وبعد مرور أكثر من سبع سنوات على محنة الأحتلال، لا يشير الى تقدم ملموس على طريق وحدة القوى السياسية المناهضة للاحتلال ولم نتلمس أي تجاوز لمعضلات واشكاليات خطابها السياسي، وأوضحت الاتهامات المتبادلة في الأيام الماضية بين أطراف وطنية، أن الجميع في حالة مكوث واستنقاع في كل ما هو سلبي من الماضي، ومثل هكذا وضع يعكس نفسه على فصائل المقاومة المسلحة داخل الوطن ويلحق أكبر الضرر بمعركة التحرير.

 

ان (المشايخ ورجال الدين) لهم عند عامة أبناء الشعب، هيبة العلم، ولكن هيبة العلم ليست بمانعة جماهير الأمة من عصيانهم اذا هم خالفوا صريح أوامر الله وأوامر رسوله بقتال الغزاة لدار الاسلام. ان (المراجع) في النجف وكربلاء ومشايخ الحزب الاسلامي والوقف السني وغيرهم من أمثالهم وقفوا بالضد من صريح أوامر الله وأوامر رسوله بمقاتلة الغزاة، بل وسهلوا لهم مشروعهم الصهيوني الخبيث، وأصبح واجبا وحقا لعامة المسلمين عصيانهم ومقاتلتهم، وبالمقابل فان (مشايخ الاسلام الجهادي) الذين يقاتلون الغزاة، (في كتائب ثورة العشرين، جبهة الجهاد والتغيير، جيش الطريقة النقشبندية، أنصار الاسلام، كتائب درع الاسلام، الجماعة الاسلامية، وغيرهم) ومعهم مراجع اسلامية شيعية في مقدمتهم (آية الله العظمى السيد أحمد الحسني البغدادي) وأنصاره المجاهدين في (كتائب الشريعة الخاتمة) ومعهم أيضا المخلصين الأبرار من رجال الدين المسيحي، هؤلاء لهم علينا حق الاحترام والتقدير والاكبار وأن لا نتقدم عليهم، ولهم على الجميع منا درجة، لأنهم يقاتلون على جبهتين، جبهة الغزاة المحتلين وجبهة المنافقين من المشايخ ورجال الدين المتعاونين مع المحتل.

 

ان الموقف الصائب والسليم وحدة لا تتجزأ، والدعوة لوحدة القوى المناهضة للاحتلال هي رؤية تجتمع فيها الموضوعية والانصاف ومتحررة من الحساسيات ورواسب الماضي... ان الانصاف والحقيقة يستوجبان الادراك والاقرار أن حزب البعث ليس حزبا طارئا على المجتمع ولا يمكن انكار دوره في مقاتلة الحملة الصليبية المتصهينة على العراق والتي كان في مقدمة أهدافها القضاء على البعث وتدمير سلطته في العراق. لقد بات حزب البعث أحد ركائز وحدة العراق وضمانا لعروبته ويشكل ركيزة أساسية من ركائز المقاومة ضد المحتلين وأعوانهم، وان عمليات الاغتيال والملاحقات والاعتقالات لمناضليه داخل الوطن لم توهن عزيمتهم في مقاتلة الغزاة. لقد أحزننا أن نرى بعض الاخوة المجاهدين، الذين نعتز بهم، يرمون بباطل الكلام (الشيخ المجاهد عزت ابراهيم) وهو، كما يعلم الجميع، رمزا عاليا من رموز المقاومة في بلادنا، من دون أن نغمط حقهم في الاختلاف معه.... الحق أن نشحذ خناجرنا ونستل سيوفنا وتكون مجتمعة على مقاتلة المحتلين وأعوانهم من العملاء والصفويين، وأن لا نسفح دماء بعضنا البعض ولا ندع (ذباب السياسة) يتجمع على دمنا.

 

( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم )

 

 

ثمة ملاحظات سريعة وأولية للخلاص من واقع التفكك والتشتت والعبور الى ضفة الوحدة والشراكة في المقاومة والتحرير والمستقبل.

 

1- من الأهمية الابتعاد نهائيا عن الادعاء بالمعصومية واحتكار الحقائق، ومحاصرة سفاهة الاستعلاء والادعاء من هذا الطرف أو ذاك، بأن ما عنده هو اللباب المصفى وأنه الحق المبين والسراط المستقيم ((ولم يبق لطالب بعده مطلب)) وأن ما عند الآخر هو الكدر والطين. ان هكذا ادعاء شديد البعد عن الحقيقة، وفساد غليظ وخلط.

 

2- نؤكد الحق بالاختلاف وأن يضمنه الدستور في العراق المحرر، غير أننا لا يجب أن نقبل بأن يتحول الاختلاف في الرأي الى احتراب. ان الاتهامات المتبادلة والتحريف المبتذل للرأي الآخر، لن تفضي الا الى الاحباط والى فوضى مبعثرة لا يتبين فيها حق من باطل، ولا صواب من خطأ، ومعها يتمزق نسيج المفاهيم والقيم، والحسن البصري رضي الله عنه يقول (ان من يخوفك حتى تلقى الأمن أشفق عليك ممن يؤمنك حتى تلقى الخوف). في الارث الوطني والاسلامي، الغزير والناجع من الوسائل التي تمكن المختلفين من التواصل والحوار الجاد والمثمر وبما يغنينا عن المهاترات ويجنبنا الشقاق والاحتراب.

 

3- لقد تكالبت علينا الأمم، وفي مقدمتهم النظم العربية والاسلامية حيث هانت عليهم أنهار دمائنا وعذابات شعبنا، ليس لشيء، وانما فقط لأرضاء (السيد) الأمريكي؟. ان شعبنا ومقاومته المسلحة يخوضون معركة قاسية وطويلة الأمد، وعلى عدة جبهات، ويواجهون أشرار الدنيا ومن كل الأصناف، مما يستدعي الأخذ باستراتيجية المواجهة المستمرة الواسعة والمنظمة، وهي الاستراتيجية الوحيدة الناجعة والممكنة في ادارة الصراع. ان أية قوة وطنية ومهما امتلكت من قدرات وامكانيات، لن يكون بمقدورها لوحدها أن تهزم العدو وتبلغ خط النهاية. ان تحرير الوطن من المحتلين، مهمة تتقدم المهمات الأخرى، المهمة الأساسية الملقاة على عاتق كل فصائل المقاومة والقوى السياسية المناهضة للاحتلال، وان نهج الاقصاء لأية جهة سياسية مهما صغر شأنها، هو نهج مؤذ ومدمر، والم كثير بأخيه.

 

4- يجب أن لا يغيب عن بالنا أبدا، بأن العدو يخوض ضدنا معركة سياسية مخابراتية، قد تكون أقسى وأخطر من معارك الحرب، كما لا ننسى أن في خططه أجبار ملايين العراقيين وبضمنهم الآلاف من الكوادر الوطنية على الهجرة الى الخارج، وبذلك خلق البيئة لبث جواسيسه وأعوانه بين القوى الوطنية المتواجدة في دول الجوار، وهؤلاء الخونة الجواسيس أخفوا خبيئهم ببراعة وتجولوا بيننا وعلى وجوههم سيماء البراءة والاخلاص للمقاومة، ليعملوا على تقويض أية ارادة وطنية جامعة موحدة، ولاشاعة مفاهيم تمزيقية ونافية للقواسم الوطنية المشتركة. كما أن فترة البقاء في الخارج، الطويلة نسبيا، دفعت البعض الى الغرق في هموم حياة الغربة، والبعض الآخر الى طلب الرخاء والاسترخاء في المكاتب والفنادق، فبدأت الأهواء تسري في خفاء بين صفوفنا ودب بيننا دبيبا خفيا العبث ومكر الماكرين ولم نعد نميز بين الشحم والورم.

 

5- ان دول الجوار ومخابراتها (العربية والاسلامية) لها دور كبير وخطير في أشاعة حالة الانقسام والتشرذم في صفوف القوى المناهضة للاحتلال، لأنها تخشى انتصار المقاومة في العراق وتخشى أكثر أن يفيض فعل المقاومة وثقافتها الى عواصمهم، لذلك وجدنا أوساطهم يروجون لتسفيه فكرة المقاومة وبما لا يستقيم مع الذاكرة التأريخية للعرب، ويتعاكس مع تأريخهم وثقافتهم وتطلعاتهم. عندما كانت المقاومة تعتمد فقط على اسهامات أبناء العراق، تمكنت من ألحاق أكبر الهزائم بقوات الاحتلال وسادت بين الفصائل أجواء التآخي والتلاحم، ولم تتعرض المقاومة الى الضربات والكوارث الا بعد أن توسع تدخل النظم المملوكية ومحميات الخليج في الوسط المقاوم، عبر الأموال التي حصلت عليها بعض الجهات من تلك النظم. لقد آن الأوان لمراجعة أوضاعنا في الخارج واعادة ترتيبها بأتجاه التواجد في الوطن، والابقاء على الحد الأدنى مما هو ضروري في الخارج.

 

6- لقد أوضحت المناوشات المحزنة الأخيرة بين فصائل وطنية جهادية، الحاجة الملحة والسريعة لتدارك الخلل والتفكك في صفوف القوى المناهضة للاحتلال، والعمل على تشكيل لجنة موسعة مشتركة من كافة القوى الجادة والشخصيات الوطنية المناهضة للاحتلال، لتأمين الحد الأدنى من التنسيق والتوافق، والسير نحو بناء الجبهة الوطنية الواسعة الموحدة.

 

والله من وراء القصد.

 

١٩ / أب / ٢٠١٠

Iraqipa

 

 





السبت١١ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢١ / أب / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الجبار سليمان الكبيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة