شبكة ذي قار
عـاجـل










في ظل تعتيم أعلامي واضح على حقبة مشرفة بكل ظروفها وأرهاصاتها، وبالرغم من ثبوت وطنية ونزاهة حكومتنا الوطنية قبل الاحتلال على المستويين القطري والقومي، إلا إن الآلة الأعلامية المعادية المصاحبة لأحتلال العراق قد أثرت على نفوس الكثيرين ممن كانوا مواكبين لتلك المرحلة والذين كانوا أرقاما مهمة في تطبيق تلك السياسة الوطنية التي جعلت من العراق مشروعا وطنيا وقوميا كبيرا وعائقا كبيرا أمام مخططات الأعداء لتكون النتيجة تكالب كل الأعداء عليه لينالوا من قوته ومقاومته لكل الأهداف الاستعمارية في العراق والمنطقة العربية.


ومن هذا المنطلق ولشعوري بالمسؤولية الاخلاقية تجاه أحداث الواحد والثلاثين من شهر آب 1996 (أحداث أربيل) حيث كنت شاهدا على تلك المرحلة التي أثبتت فيها القيادة الوطنية وبجدارة بأنها الحامي الحقيقي لوحدة العراق من التدخلات الخبيثة لحكومة السوء والخبث في طهران وعن طريق عملائها في المنطقة الشمالية الذين تحركوا بأوامر فارسية لبث الفتنة والتفرقة بين أبناء الشعب الكردي المغلوب على أمره بتسلط الحزبين الحاكمين على رقابه، حين بدأت قوات حزب الأتحاد الوطني الكردستاني العميل بقيادة جلال الطالباني بالهجوم وبدعم عسكري ولوجستي ايراني على المناطق التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني العميل بقيادة مسعود البرزاني نتيجة لخلافات عميقة حول محاولة السيطرة على جميع مناطق شمالنا الحبيب بسبب خلافات كان عمودها الفقري عائدات المنفذ الحدودي مع تركيا والتي تحولت فيما بعد الى علاقة مصالح لتنفيذ مخططات أمريكا في حربها على العراق.


تبدأ شهادتي على تلك الحقبة عندما تم تكليفي وبعض زملائي في دائرة الأذاعة والتلفزيون لمهمة نقل وقائع تدخل الجيش العراقي الباسل في أعادة النظام والوقوف أمام المخططات الرامية الى زعزعة أمن المنطقة الشمالية بالرغم من القرارات المجحفة لمجلس الأمن وفرضها تحديد تحليق الطائرات بعد خط 36 والمقصود بها المنطقة الشمالية ومنع تحركات الجيش العراقي خارج الخطوط المسموح بها، ولكن ونتيجة لرسالة الأستنجاد المعروفة لمسعود البرزاني الموجهة الى الرئيس الشهيد صدام حسين رحمه الله، اتخذ القائد الشهيد القرار التأريخي بتحرك القوات العراقية خارج تلك المناطق وبتحدي واضح لقرارات مجلس الأمن الدولي لردع محاولات الحزب الوطني الكردستاني العميل للتغلغل الى منطقة محافظة أربيل بعد أن وصلت ميليشيات البيشمركة الخاصة بالحزب الوطني الكردستاني العميل الى مشارف محافظة أربيل بعد معارك طاحنة تكبد فيها الطرفان الخسائر الجسيمة وكان يمكن أن تطال أبناء شعبنا الكردي في أربيل لولا الموقف الشهم والأحساس العالي بالمسؤولية للقيادة الوطنية العراقية.


صدرت التعليمات لتشكيل فريق أعلامي حسب المكالمة الهاتفية مع مدير عام الأذاعة والتلفزيون الدكتور صباح ياسين العلي صباح يوم السبت الواحد والثلاثين من آب، حيث كلفنا بمهمة نقل تلك الوقائع بالصوت والصورة وأعتبار المهمة عاجلة وغاية في السرية، فتحركت مجموعتنا المكونة من خمسة أشخاص بسيارة حكومية تحمل رقم (أعلام) وتوجهنا الى محافظة أربيل، وفي أول سيطرة عسكرية تم سؤالنا عن وجهتنا فقلنا بأننا وفد أعلامي نقوم بتغطية أحداث التدخل العسكري في أربيل، عندها مُنعنا من الأستمرار برحلتنا لوجود حظر على مرور المركبات وأعتبار المنطقة مغلقة عسكريا، وهنا أستفسرنا من مسؤول السيطرة عن الجهة التي يمكن من خلالها أخذ الموافقة لأتمام مسيرتنا نحو أربيل فأخبرنا بأنها مديرية الأستخبارات العسكرية للفيلق الأول، فرجعنا الى مدينة كركوك متوجهين الى أستخبارات الفيلق الأول وطلبنا مقابلة مديرها الذي أستقبلنا بكل ترحاب وشرحنا له المهمة المكلفين بها فأبدى أعتراضه معللا ذلك بعدم تحمله مسؤولية الحفاظ على سلامتنا فقلنا له بأننا في مهمة رسمية من وزارة الأعلام ولا يمكننا الرجوع دون تنفيذها، ونتيجة لأصرارنا وافق في النهاية ولكن دون أن يتحمل مسؤولية ما يمكن أن يحدث لنا لكون المنطقة منطقة حرب، لكنه زودنا بكتاب سماح بالمرور لغرض تجاوز السيطرات العسكرية على طريق أربيل، وبالفعل تمكنا من بدء الرحلة وكان الوقت قد أصبح عصرا، وبعد مسيرة نصف ساعة وصلنا الى آخر سيطرة للجيش العراقي وفي وصف سريع لمشاهدتنا لتحركات قطعات الجيش العراقي فأنها كانت قطعات عائدة من أنتصار لم يكلفها الكثير من الجهد والوقت، كانت قطعات متجحفلة بترتيب رائع يستطيع الرائي أن يعد صفوفها بسهولة، ومصنفة حسب أولويات الصنوف المشاركة في المهمة القتالية، مدفعية ثم دبابات ثم دروع ثم قطعات المشاة محمولة على العربات ، لم تكن لتجد جنديا إلا وكأنه يعمل في خلية نحل، ينتظر الأوامر بالأنسحاب بعد مهمة قتالية مشرفة لم يراق فيها الدم، فقد كسب الجيش العراقي المعركة بجدارة ليس بالسلاح بل بهيبته وسطوته على أرض المعركة، بهدير دباباته وتنظيمه العالي وتأريخه البطولي الذي أرعب الجميع فولوا فرارا الى الجبال ، كان منظرا رائعا ونحن نخترقه بسرعة بسيارتنا لمدة نصف ساعة وكأنه أحد العروض العسكرية الرائعة، وهنا لن ننسى مشاركة الجهات الأمنية الأخرى في هذه المهمة المتواجدين مع الجيش العراقي في تناغم رائع كي تتكامل صورة تلك الملحمة الرائعة.


بعد أن وصلنا الى آخر سيطرة عسكرية قالوا لنا بأن الموضوع خطير وأننا لن نجد بعد تلك السيطرة أي تواجد للقوات العراقية وإن ذلك سيشكل خطرا علينا، وأيضا نتيجة لأصرارنا تم السماح لنا بمواصلة الرحلة حتى وصلنا أربيل وكانت ميليشيات البشمركة للحزب الديمقراطي الكردستاني منتشرة بكثافة في المنطقة، وهنا بدأت ملاحظتنا للمراقبة الشديدة من تلك الميليشيات لتحركاتنا فقررنا الذهاب الى مبنى المحافظة لأخذ الموافقة على التصوير لتجنب الأحتكاك مع تلك الميليشيات، وبالفعل تم اللقاء بمحافظ اربيل وطلب منا الأنتهاء من مهمتنا قبل غروب الشمس مع تخصيص سيارة من البشمركة لمرافقتنا من بعيد تجنبا لأي حدث طاريء، وبالفعل تمكنا من تصوير أربيل وهي تنعم بالأمن بعد أن كانت على شفا حفرة من حرب لا تحمد عقباها بفضل تدخل الجيش العراقي وأعادة الأمور الى نصابها، وقد لاحظنا الفرحة على وجوه أبناء شعبنا الكردي وأمتنانهم من تلك الخطوة التأريخية حتى إن البعض من أبناء شعبنا الكردي دعونا الى تناول العشاء معهم وهم فرحين بوجودنا معهم.


بعد الغروب قفلنا راجعين الى مدينة كركوك ونحن نحمل شريطا مصورا لمدة نصف ساعة كنا نحفظه بين أحضاننا وكأنه كأس بطولة نسلمه لبلدنا بعد أن أكملنا مهمتنا بكل أمانة ومهنية دفعنا اليها حب الواجب والتفاني في أدائه غير آبهين لمخاطر المهنة وثقل المسؤولية ليقيننا التام بقرارات قيادتنا الوطنية. فكانت مكافئتنا عرض الشريط في أخبار الساعة التاسعة دون أي مونتاج أو تقطيع ليكون دليلا على نجاح المهمة برغم المخاطر التي واجهتنا ورفضنا لكل النصائح الأمنية من قبل الجهات المسؤولة عن تلك العملية، فكان هذا الشريط المصور الوحيد الذي عرض نتائج تلك العملية العسكرية المشرفة بعد ساعات من أنتهائها ومشاركتنا لأخواننا في القوات المسلحة في مهمتهم الوطنية المشرفة.


بعد نجاح مهمتنا تلك صدرت الأوامر لنا بالتوجه الى محافظة السليمانية لنقل الوضع العام هناك بعد تقهقر ميليشيات الاتحاد الوطني الكردستاني العميل الى الجبال المتاخمة لأيران، وبالفعل وفي صباح اليوم التالي ذهبنا الى محافظة السليمانية بسيارة مدنية بعد أن بُلغنا بأخذ الحيطة والحذر في تلك المهمة، دخلنا السليمانية وكان وضعها قلقا للغاية، فأستعنت ببعض معارفنا في السليمانية فأبلغونا بوجوب الحذر الشديد لوجود جيوب لميليشيات جلال الطالباني تجوب الشوارع وإن الوضع غير مطمئن تماما، حتى إن أحد المقربين لي من اهل السليمانية قال لي سأعطيك ساعتين فقط لتنفيذ المهمة فإذا لم ترجع خلالها سأجري بعض الأتصالات للتحرك السريع لضمان سلامتك والفريق المرافق لك الذي قلصناه لثلاثة فقط أنا والمصور والسائق المرافق لنا، وبالفعل تم تصوير المدينة وبطريقة سرية لا تجلب الأنتباه من خلال وضع منشفة على الكاميرا لا يظهر فيها سوى العدسة، وبعد ساعتين غادرنا مدينة السليمانية ليُبث الشريط بعد أربع ساعات وفي أخبار الساعة السابعة في تلفزيون بغداد لننهي المهمة الثانية بكل جدارة ومهنية.


ذلك كان واجبا بسيطا أديناه دون منة أو فضل وهو لا يقارن بما فعله الجندي العراقي البطل دفاعا عن جزء لا يتجزأ من العراق العظيم، وتلك ذكرى لايمكن أن يطويها النسيان لما تحمله من معاني النخوة والمروءة حتى وإن قابلها قادة الميليشيات العميلة بالخيانة ونكران الفضل لمن يستحق منا اليوم أن نعترف بفضله ولو بذكر الحقائق التي يخاف البعض من ذكرها وخاصة أولائك الذين شاركوا بأحداثها، فواجبنا اليوم الأفصاح عن تلك المواقف المشرفة التي كنا شهود عيان عليها.


والله على ما أقول شهيد.

 

 





الثلاثاء٢١ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٣١ / أب / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب وليد المسافر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة