شبكة ذي قار
عـاجـل










عندما نزور المتاحف التي تضم كنوزنا الحضارية المنهوبة في المتاحف الاوربية نحس بضآلة أنفسنا لعدم حفظنا أمانة أجدادنا العظام الذين وضعوا أسس الحضارة الإنسانية سواء كانت في بلاد الرافدين أو بلاد النيل. وقد تسربت هذه الكنوزعبر مراحل الإستعمار القديم والحديث بطرق ذكية وملتوية وشراء ذمم. مع اعترافنا بأن هذه الكنوز يحافظ عليها الغربيون بشكل مميز وبإمكانات وخبرة من الصعب أن تتوفر في بلادنا. لكن تبقى هذه الكنوز جزء منا لإنها تمثل حضارتنا، وتبقى بنفس الوقت دخيلة عليهم لأنها لاتمثل حضارتهم بشيء بل على العكس من ذلك، فهي مؤشر سلبي لأنها تمثل دليل حاسم لسرقتهم ونهبهم للدول التي كانوا يدعون بأنهم جاءوها كمحررين وليس محتلين. صحيح ان الكثير من هذه الكنوز سرقت ولكن الصحيح أيضا ان عناصر من الحكومات السابقة و البعض من أبناء جلدتنا قد ساهم في تهريبها أو ساعد في هذا الامر سواء بالرشوة او البيع أو غض النظر.


عندما ننظر إلى هيبة بوابة عشتار وهي تتصدر متحف برلين نعجب من كيفية حملها من العراق الى هذا البلد الذي لم يحتل العراق. وكذلك بالنسبة الى مسلة حامورابي المقيمة قسرا في متحف اللوفر في باريس، وفرنسا أيضا دولة لم تحتل العراق أيضا، ولكن تحتفظ بالكثير من آثاره! علاوة على آلاف من القطع الأثرية المبعثرة هنا وهناك. ورغم المساعي الحثيثة التي بذلتها منظمة اليونسكو مع الدول الناهبة لإقناعها بإعادة ما نهبته للدول المنهوبة لكنها فشلت في مسعاها. أنه منطق القوة الذي يسيطر على دول الغرب منذ سقوط دولة الخلافة الإسلامية. ومنطق الضعف الذي يسيطر على عقولنا البدائية منذ الحربين الكونيتيين.


ومن المؤسف أن تستمر حرب الآثار لحد الوقت الحاضر، لكن لا غرابة طالما إن الاستعمار نفسه بإستثناء إنه غير هندامة القديم ولبس حلة الديمقراطية البراقة ليخدعنا بمنظره الجديد كما خدعنا في السابق وما أسهل خداعنا وأبرز دليل على ذلك انه ما يزال الكثيرمن العراقيين على قناعة بأن القوات الأمريكية جاءت محررة ولبعث روح الديمقراطية في أوصال الجسد العراقي اليابسة. رغم كل ما اقترفته من كبائر بحق العراقيين. فالتأريخ يعيد نفسه ولكن بصورة أشد قساوة ووجع. نحن أمة لا تقرأ تأريخها بإمعان ولا تستفيد من دروسه. وهذه الخصلة النادرة في شعوب العالم هي التي تشجع الآخرين على الإستمرار بممارسة نفس اللعبة لخداعنا مع تغيير اللاعبين. مع أن أجدادنا أوضحوا لنا في العديد من درًر كلامهم بأن المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين. والأحمق من يعثر بحجرة واحدة مرتين. ولا تدخل يديك في الجب الذي لسعت منه وغيرها من الحكم الذي لا نعيرها أهمية.


في الغزو الأمريكي الغاشم على العراق احتلت القوات المتعددة الجنسية المواقع الأثرية في مغزى واضح لكل صاحب لبً وبصيرة! فما شأن قادة الفتح الديمقراطي العولمي ونحن على أبواب الألفية الثالثة الإنشغال بمواقع تأريخية ترجع الى عصور ما قبل الألفيات؟ والأغرب في الأمر انه لم يسمح للمواطنين العراقيين بما فيهم عملاء امريكيا وبريطانيا من الدخول لهذه المواقع الأثرية التي كان يجري فيها العمل صباحا ومساءا دون رقيب أو حسيب من قبل خبراء في الآثار جلهم من اليهود. بإسثناء مواقف مشرفة ومحدودة من بعض الوطنيين الذين غادروا العراق مع الغزو الديمقراطي خشية من إستهدافهم من قبل الديمقراطيين الجدد. فقد صرحوا بحقيقة ما يجري في المواقع الآثرية ومن المسئول عن نهب وتهريب آثار العراق، ونزعوا الكفوف عن الأصابع السرية التي كانت تحفر في المواقع الأثرية بعيدا عن الأعين.


لقد كان البحث والعبث بآثارنا يجري على قدم وساق بسرية تامة وبأمان تام لعلماء الآثار الأجانب الذين استقدمهم الغزاة. وكان للعميل المزدوج احمد الجلبي الدور القيادي الأول في تهريب هذه الآثار، فكإنما لم يكفه لقب( لص البراء) ليضيف لمجده ومجد أجداده (لص الآثار)! فقد نقل الأرشيف التأريخي اليهودي والذي جمع حصرا في مكتبة المخابرات العراقية – كانت البناية بعهدة الجلبي- إلى الكيان الصهيوني بطائرة خاصة. ومن ضمن المسروقات أقدم توراة عرفتها البشرية, كتبت بورق البردى واعترف الكيان الصهيوني بتسلمه هذا الأرشيف الخطير بمساعدة الحلفاء الأمريكان. وعندما انسحبت قوات الغزو من بعض المواقع الأثرية كالقوات البولندية التي انسحبت من المواقع الآثارية في بابل تبين حجم الدمار الذي لحق بهذه المواقع. مما جعل اليونسكو تنتحب على هذه المأساة ونحن بحمد الله وشكره نتفرج عليها كأن الأمر لا يعنينا! وهو كذلك. وقد ذكر احد الأصدقاء المقيميمن في بولندا، بأن جندي بولندي حدثه بأنهم أمنوا للخبراء الصهاينة البحث والتنقيب عن الآثار في بابل وبتلك الخدمة الجليلة لإسرائيل فإنما اعتذروا لهم عن المحارق التي ارتكبها اجدادهم تجاه اليهود البولندين وعوضوهم بطريقة يحلموا بها. انهم يصفون حساباتهم القديمة من رصيدنا الحالي! لكن القانون لايحمي المغفلين. وأذكر انه خلال صفحة الغدر والخيانة حاول بعض اليهود المندسين بأغطية مختلفة سرقة رفاة النبي(العزير) في ميسان لكن العملية فشلت بعد ان سرب احد المواطنين الخيرين الخبر إلى القيادة. ولربما نجح الصهاينة هذه المرة بسرقة رفات انبيائهم العزير وذي الكفل! هذا ما ستسفر عنه الأخبار لاحقا! ولربما بعد خراب البصرة كما يقال.


ومن الدلائل الجديدة على إهمال كنوزنا الحضارية هي القطع الآثارية النفيسة التي اعادها لصوص الغزو الأمريكي للسفارة العراقية في واشنطن واعتبرها البعض مكرمة امريكية متجاهلا إن إعادة المسروقات إلى اهلها من قبل اللصوص لا يمثل مكرمة تستحق الإشادة بها والتطبيل لها. فهي جريمة ولا تعفى من ملاحقة القضاء بالتقادم. إنها جريمة مخلة بشرف الفاتحين وهي تعكس اخلاقية هذه الإدارة الديمقراطية وجنودها المرتزقة الذين ازكمت فضائحهم أنف الإنسانية إبتداءا من جرائم سجن أبي غريب وإنتهاءا بفضائح سرقة كنوزنا الحضارية. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فالمسروقات إعيدت بطائرة اللصوص الأمريكان أنفسهم(طائرة خاصة بالجنرال بترايوس) وربما بنفس الطائرة التي هربت بها! وسلمت رسميا بمحاضر إلى رئيس حكومة الإحتلال نوري المالكي الذي أودعها الى عمال مطبخه لتتمازج رائحة الحضارة برائحة شواط العملاء.


سنتان وكنوز العراق في مطبخ المالكي لا أحد يعرف عنها شيئا, ويبدو ان هناك نية دنيئة مبيتة لهذا التجاهل لا تخفي عن أي لبيب. لكن شطحة من قبل السفير العراقي في واشنطن مقصودة كانت أو عفوية قد كشفت المستور والنوايا الخبيثة. وجاءت التبريرات الرسمية سخيفة كسخافة من يظن انه من السهولة ان يضحك على عقولنا بتمرير حماقاته. كان التخبط كالعادة سيد الموقف الرسمي فباديء الأمر انكر مكتب المالكي تسلمه هذه القطع! لكن السفارة العراقية اكدت إرسالها بطائرة امريكية خاصة ليس تعففا من السفارة بل لإبراء ذمتها من جريمة بشعة شغلت الرأي العام العالمي واليونسكو. ولكن مكتب المالكي أصر بثقة على عدم تسلمها ولم يغير موقفه هذا إلا بعد أن تدخلت الإدارة الأمريكية مؤكدة تسليمها القطع إلى مكتب المالكي بمحاضر رسمية وأشرطة مصورة. فقرر المالكي عندها تشكيل لجنة للبحث في مكتبه عن عشرات الصناديق وليس أبرة ضاعت في كومة من القش.


الحقيقة ان الغرض من اللجنة كان الإستفادة من الوقت لإخراج مسرحية تبررعدم الإعلان عن هذه القطع المخطوفة وتسليمها إلى مديرية الآثار العامة أو المتحف العراقي منذ أكثر من سنتين. فموقف المالكي ضعيف وغير مقنع البته. ولا يقبل أي منطق يبرر هذا التأخير إللهم إلا إذا كان الغرض هو سرقتها ثانية وتهريبها إلى الخارج. ولا يستبعد ذلك من قبل حكومة من اللصوص والعملاء فطمت على النهب والسلب وسرقت مئات المليارات من البلد.


لا اعرف إن كان البحث عن هذه القطع في مكان محدود المساحة امر يستحق تشكيل لجنة وتسمية اعضائها (جميعهم مستشارين في مكتب المالكي!) بقدر ما كان يتطلب من المالكي تفحص مكتبه ومطبخه فقط مثلما يتفحص طعامه! ولكن كما يقول المثل أمشي مع الكذاب لحد باب بيته.


بعد اللتي واللتيا خرجت (لجنة المناورة والمغالطة) بتبرير مثير للضحك! فشر البلية ما يضحك كما يقال. وهو إن المالكي يعلم بوجود هذه الصناديق لكنه لا يعرف ما في داخلها! ولكن المحاضر الرسمية للتسليم بين الطرف الأمريكي ومكتب المالكي تتحدث خلاف ذلك فأي تبرير تافه هذا!


التبرير الأسخف منه هو ان المالكي ظن إن هذه الصناديق تخص سادته الامريكان وإنهم يحتفظون بها في مكتبه! بربكم تصوروا الامريكان لا يوجد في قواعدهم التي تزيد عن (200) قاعدة من شمال العراق إلى جنوبه إضافة إلى سفارتهم التي تتربع على عدة كيلومترات مربعة عجزوا عن إيجاد مكان لحفظ هذه الصناديق فأمونها في مكتب المالكي! وبالطبع فأن المالكي لا يجرؤ على السؤال عن طبيعة وعائدية هذه الصناديق وان مهمته هي الحارس الأمين على متاع المحتلين.


لو افترضنا جدلا ان الأمر فيه تقصير وتقاعس أو إهمال واستبعدنا النوايا الخبيثة لمكتب المالكي ألا يكون المالكي هو المسئول الأول عن هذا التقصير! حتى وإن كان مستشاروه هم وراء ذلك الإهمال؟ وهل سيحيل المالكي المقصرين الى القضاء؟ سيما ان الأمر يتعلق بكنوز حضارية قيمتها المعنوية أكثر من قيمتها المادية.

 

لماذا انكر المالكي باديء الأمر تسلم مكتبه الصناديق من ثم ادعى بعدها تسليمها للمتحف العراقي الذي انكر بدوره تسلمها من مكتب المالكي.
ثم لماذا إعترف المالكي بوجود الصناديق في مكتبه فقط بعد إصرار وتأكيد إدارة الغزو تسليمها لمكتبه؟
أخيرا! الم تكف هذه الحكومة العميلة المليارات التي سرقتها من قوت هذا الشعب المخدر بالطائفية لتمتد اياديهم الآثمة لسرقة كنوز أجدادهم؟ الا حدود لشرهم وعبثهم بأموال وممتلكات الشعب؟


لكن العتب ليس على الحكومة ومجلس النوام(النواب) فقط! بل العتب كل العتب على كل من لوث أصبعه بإنتخاب زمرة الشر ثانية فاسحا لهم المجال للمزيد من النهب والسلب.

 

 





الثلاثاء٢٦ شوال ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٥ / تشرين الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ضحى عبد الرحمن نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة