شبكة ذي قار
عـاجـل










تكثفت في السنوات الأخيرة الأعمال الدرامية و الأشرطة السينمائية و الوثائقية الإيرانية التي عرضت في بعض القنوات اللبنانية و توسعت هذه السنة لتعرض في عدد آخر من القنوات العربية . فما هي رسائل هذه الأعمال الإيرانية؟ و من هو الجمهور المستهدف لتبليغ هذه الرسائل ؟


إذا أردنا البدء بالإجابة عن السؤال الأخير فهو بكل بساطة جمهور أمتنا العربية الإسلامية العزيز الذي مازال يتعرض منذ عقود من الزمن إلى حملات شرسة تقوم بها الدوائر الامبريالية و الصهيونية ليس عسكريا فحسب بل و من خلال صناعة السينما و المسلسلات و الأشرطة الوثائقية التي كرست إمكانيات ضخمة لتشويه تاريخنا العربي و النيل من رموزه و احتقار دور العرب الحضاري و تدليس الوقائع و التبشير بمركزية أوروبا الحضاري و آخرها المحاولات البائسة لتشويه صورة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم.


فإذا كان هذا جزءا من الصراع العربي الصهيوني الذي تخوضه الأمة ضد أعدائها فماذا تمثل هذه الإطلالات الفنية المكثفة من الجانب الإيراني و التركي أيضا في خضم هذه المعركة الإعلامية و الثقافية التي تعمل بدون كلل لضرب هويتنا العربية و تستهدفنا في جميع مجال حياتنا؟


فإذا اختارت بعض دوائر الإنتاج العربية المسلسلات التركية لتمييع شبابنا و إلهائه بقضايا وهمية بعيدة عن واقعنا العربي ، فإن بعض الدوائر الأخرى اختارت المسلسلات الإيرانية التي دخلت بيوتنا من بوابة الدين و التاريخ و هو توجه أخطر بكثير من الأول نظرا لما فيه من سعي لطرح وجهة نظر إيرانية حول جزء من تاريخ العرب و هو بذلك يمرر هذا الطرح من خلال هذه الأعمال الدرامية ما لا يمكن تمريره كأطروحات سياسية مباشرة . و في هذا الإطار يمكن إدراج مسلسليْ "المسيح" و "النبي يوسف" في خانة المشاريع التي تزيّف تاريخنا العربي و تحاكي بل و تغازل الكيان الصهيوني اللقيط بإعطائه دور في التاريخ !


ففي مسلسل "المسيح" و تحت غطاء الموضوعية في قراءة التاريخ يؤكد المخرج على وجود "هيكل سليمان" قبل أكثر من ألفي سنة كمركز ديني و سياسي لليهود آنذاك . و إمعانا في هذا المعطى المزيّف و الكاذب أراد أن يعطي مصداقية لوجود الهيكل على لسان المسيح عليه السلام الذي أقر من خلال المسلسل بوجود الهيكل مع التحفظ فقط على اليهود المراؤون الذين حرّفوا التوراة فسخط عليهم المسيح و حرّض الناس عليهم ، و هي حركة خبيثة من صاحب العمل تجعلنا نكره هؤلاء اليهود لكن دون أن ننكر حقهم في الهيكل !


و إذا علمنا أن إيران تطلق في الأسبوع الأخير من كل رمضان حملة للدفاع عن الأقصى فإن السؤال الذي يطرح نفسه ، ما هو الخطاب الذي ستعتمده ، هل هو الدعوة لزوال "اسرائيل" حسب الخطاب السياسي الرسمي أم إعطاء موطئ قدم لليهود في أرض العرب حسب وجهة نظر المسلسل؟ إن الموقف المعلن هو غير الموقف المبطَن و هو أحقية اليهود في كل الحفريات التي يقومون بها الآن لهدم المسجد الأقصى الشريف، أولى القبلتين و ثالث الحرمين بحثا عن الهيكل و هو موقف يرتقي إلى مستوى الاعتراف بالكيان الصهيوني.


أما مسلسل "النبي يوسف" فهو لا يقل أهمية في طرحه عن مسلسل "المسيح" ، فوفرة المعطيات الهامة حول حياة النبي يوسف عليه السلام و عظمة الدور الذي أعطاه الله لتثبيت إيمان المصريين القدامى حول فكرة التوحيد و إبراز صفات تستلهم منها معاني الوفاء و الحشمة و العفاف و الحكمة و التبصر و الصبر على الأذى و لكن رغم هذا الكم الهائل من التفاصيل المهمة في حياة سيدنا يوسف عليه السلام فإنه لا يمكن له أن يحجب عنا بعض المواقف المتصلة بالصراع العربي الصهيوني.


أولى هذه الملاحظات هو عدم التنصيص على هوية المكان الذي ولد فيه يوسف عليه السلام و هاجر منه إلى مصر. حيث تمت الإشارة العابرة بأنه من العبرانيين من أرض كنعان و هم حسب المسلسل بدو رحّل و رعاة أغنام . و الواقع أن الكنعانيين هم من العرب الأوائل الذين هاجروا من الجزيرة العربية و استقروا بالشام و أقاموا حضارة ارتقت بجميع مجالات الحياة من علوم و زراعة و عمران إلخ ... و عدم التنصيص على عروبة المنطقة في ذلك العصر يفتح الباب للتأويل نظرا لأن الأسماء و إن كانت لأخوة يوسف عليه السلام مثل " شارون – بن يامين – بيريز – يهودا – بن إليعازر و غيرهم ... فقد قرّبها المسلسل إلى قلب و ذهن المشاهد لتصبح مألوفة لديه رغم أنها لا تذكرنا إلا باغتصاب فلسطين وارتكاب المجازر في حق أمتنا العربية . غير أن أصحاب العمل و باسم الموضوعية مرة أخرى يعطون هذه الأسماء وجودا في التاريخ و من أين ؟ من تاريخ كنعان العربي . أليس هذا ما يدّعيه الصهاينة و يعملون ليلا نهارا لإثبات وجودهم منذ آلاف السنين في فلسطين و لم ينجحوا في ذلك و لن ينجحوا بإذن الله بجهود الخيارى من هذه الأمة؟


هذا غيض من فيض من أدوار الحقد على العروبة و الإسلام و إذا كان الحذر و المواجهة ضرورة حتمية ضد أعداء أمتنا الأمريكان و الصهاينة فإن هذه المواجهة يجب أن لا تقل شأنا ضد الطامعين في أرض العرب و النيل من عروبتها حتى و إن كانت من دول إسلامية اسمها إيران أو غيرها .

 

 





الاربعاء٢٧ شوال ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٦ / تشرين الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب صالح الوكيل نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة