شبكة ذي قار
عـاجـل










يغلب منطق السياسة معظم تعاملات الدول والأنظمة ،وهذا المنطق يقتضي في جملته تغليب المصلحة المحكومة بالظروف والعلاقات الإقليمية والدولية ،حتى لو تخطى ذلك بعض الثوابت التي تتشكل منها منظومة قيم هذه الدول ،ويبقى الأمر مقبولا في حدود الضرورات الحاكمة وضمن مساحتها الزمنية المعقولة ،ويصبح دون ذلك بكثير أذا تحول إلى منهج مستديم ،حيث تتحلل الثوابت وتتناثر في مهب رياح التقاعس والتخاذل والتغيير السلبي من خلال الإذعان  لإرادات الغير .وكثيرا ما توصف بعض الأنظمة بالذكاء والحنكة والحكمة ،وهي في حقيقة الأمر ليست سوى أنظمة ضعيفة تتحرى كل أسباب بقاءها في السلطة من خلال الاجتهاد والمثابرة في طاعة القوى الدولية المتنفذة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية ،والقليل من هذه الأنظمة من يطاول في التحرر من هذه الهيمنة مع المحافظة على التوازن في العلاقة مع الغير وضمان المحافظة على الثوابت والمصالح وأن كانت في معظمها عملية صعبة ولكنها بالتأكيد ممكنة.وفي كل الأحوال فأن الرجوع إلى الحق فضيلة ،وما يقال في صحة الأجتهاد لبعض الزمن قد لا يكون صحيحا في جله ،قبل أيام سمعت جزء من خطاب وزير خارجية دولة الأمارات العربية في الأمم المتحدة والذي تضمن مطالبته الضغط على إيران لإنهاء أحتلالها للجزر العربية الثلاثة طمب الكبرى وطمب الصغرى وأبو موسى ومطالبته بأحترام وحدة العراق والتمسك بهويته العربية ،وطبعا مثل هذا الخطاب وعلى نحو ما تم عرضه يعتبر صحوة إستراتيجية وليست آنية وأن كانت متأخرة بعض الشيء،ولكنها تبقى خطوة مهمة جدا في الطريق الصحيح الذي طالما جرى التأكيد على خطورة عدم سلكه لمواجهة تحديات النظام الفارسي بشقيه البهلوي والصفوي،لأن قراءتنا كانت على ما  يبدو تسبق زمنها أو كانت بمثابة أستشرافات منطقية للمستقبل تجاهلها الكثير من المعنيين بها أو حتى سفهوها انطلاقا من حساباتهم في المراهنة على القوى العظمى وخضوعهم لتأثيرات قصر النظر والانشغال ببرامج ليست خاطئة ،ولكنها أختزلت اهتماماتهم وطاقاتهم وضيقت عندهم مدى الرؤية في ذات الوقت الذي كان فيه آخرين يتحينوا الفرص أو حتى أجزاءها لقضم مساحاتهم والزحف باتجاه التوسع وبسط الهيمنة من خلال محاولات مسك المفاتيح المركزية لمجتمعاتنا العربية وخصوصا الخليجية منها.

 

أن استعراضا بسيطا وسريعا للسياسة الإيرانية الرسمية على مدى عقود خلت سيقود إلى اكتشاف لمفارقات تبدو ظاهرية ،ولكنها في حقيقتها تؤكد وجود مرجعيات فكرية ووحدة في المنطلقات والأهداف تعكس طبيعة التركيبة العنصرية للفرس الذين يمسكون بزمام الأمور في إيران مع اختلاف الشكل والمنهج في التعبير عنها، فهل كان ثمة من يتوقع أن تأتي ما يسمى (بالثورة الإسلامية ) لتطيح بنظام الشاه ،متذرعة بكل ما أعلنت عنه من مبررات بما فيها ما وصفت به نظامه من طغيان وتعسف وتمثيل للإرادة الأمريكية ،ومن ثم تأتي هذه الثورة لتثبت ما أقترفه نظام الشاه ليس في مجال مصادرته للحريات وما أرتكبه بحق شعبه وحسب وإنما تعدى ذلك التمسك المبدع بما أرتكبه من جرائم بحق دول الجوار ،حيث عمدت الحكومات التي تمخضت عن رحم هذه الثورة إلى الاستمرار في احتلال أمارة الأهواز والجزر العربية الثلاثة العائدة إلى دولة الأمارات العربية فضلا عن عدوانهم السافر على العراق والذي تواصل لثمانية سنوات على نحو أجرامي فضح شدة ما في جعبتهم من كراهية وحقد على العرب والإسلام الصحيح .

 

ونحن هنا نريد أن نذكر بعض ملاحظاتنا بشأن هذا الموضوع ووفقا لما يلي :

1-    أن صفة الإسلام لا ينبغي أن تطلق على ثورة عنصرية تظاهر بعناوين فكرية ودعائية لا تطابق جوهرها العنصري الذي يتفجر عن بعض جنباتها عنوة لشدة ما ينطوي عليه من حماس وتطلع قوي للتعبير عن نفسه بصيغة تمسك واضح ليس باللغة الفارسية فهذا حق لا ينازعون عليه، ولكن في التطرف الذي يقف وراء أطلاقهم لتسميات فارسية بغير حق على الخليج العربي ، وكذلك مضيق هرمز الذين حرصوا على تمسكهم بتسميته على الرغم من دعوات لإطلاق أسم سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه على هذا المضيق وبمسوغات تاريخية معروفة ،فضلا عن مواصلة هذه الثورة اغتصابها لأراضي الأهواز والجزر العربية الثلاثة بغير حق رغم المطالبات القانونية بإعادتها إلى دولة الأمارات العربية ،ناهيك عن تدخلها السافر والمفضوح في الشؤون الداخلية لدول الجوار ودول الخليج العربي وبعض الأقطار العربية من خلال سياساتها الطائفية التبشيرية ومحاولاتها الدائمة لصنع كيانات وأذرع تأتمر بأمرها لتنفيذ أجنداتها في هذه الدول ،والموضوع لم يعد خافيا على أحد ،وكل ذلك وغيره كثير يؤكد ويثبت عزم الحكومات الإيرانية على تنفيذ مشروعها ألصفوي الفارسي وبغطاء أسلامي طائفي ،ومن يعلم حتى النزر اليسير عن التاريخ سيعلم يقينا بتجدد دوافع العدوان والتوسع والتمدد لدى الفرس ،خصوصا وأن هذا التاريخ لم يسجل أن اعتدى العرب عليهم أو نازعهم في شيء أو طمع في أرضهم والعكس بالنسبة لهم دائما صحيح.

 

2-    أن الحق المشروع لا يسقط بالتقادم ولا ينتزع  بالمهادنة والتهاون والتمسك بمنهج النفس الطويل والذي في أحيان كثيرة يؤدى إلى التفريط في الحقوق ولا يؤدي إلى استعادتها ،ولنا في تاريخنا المعاصر أمثلة كثيرة ،فهاهي قضية فلسطين التي أعيتها المفاوضات وباعدت بينها وبين حتى أنصاف الحلول ،والأسكندرونة والجولان والجزر الثلاثة والأهواز ،وربما يأتي غيرها كثير عن طريق الابتلاع المباشر أو الصيد عن بعد،فالاستغراق في سياسات الحكمة والتروي والإفراط  فيهما شجع الطامعين في الإمعان في غيهم ولم يثنهم ليس عن التراجع عن ما ارتكبوه في الماضي وحسب بل وحتى عن مواصلة فعله وأن أختلف الزمن واختلفت الأساليب ،لأن ثمة حقيقة قد تغيب عنا في زحمة الانشغال داخل دائرة لا تتعدى أخمص أقدامنا ،دائرة المصالح الضيقة أن لم نقل الأنانية والذاتية جدا ،دائرة أنا أولا وكذا أولا والخ،هذه الحقيقة تتصل بطبيعة المنطلقات والأهداف التي تقف وراء أطماع الغير بنا ،فهذه الأطماع لا تنطلق غالبا من مصالح آنية ،وإنما هي تعبر في معظمها عن استراتيجيات فكرية عقائدية وسياسية في آن معا تضرب في جذروها أعماق التاريخ  .فالتوسع الفارسي ألصفوي مؤسس على مرتكزات مذهبية طائفية تتغذى بأستمرار من صفحات تاريخية مختارة على خلفيات فهم عنصري خاطئ ومنحرف ،والحركة الصهيونية لا تبتعد كثيرا في منطلقاتها عن معنى مشابه لما أسلفنا ،فالقضية ليست تعايش وتجاور وما إلى ذلك ،بل هي قضية تصارع في المشاريع من جهة من يستحضر على الدوام وبطريقة مريضة كل عوامل الحقد والكراهية التي تجذرت عبر التاريخ إزاء العروبة والإسلام .أن ما يجعل الموضوع أكثر تعقيدا ،هي طبيعة السياسة التي تنتهجها حكومات بعض الأقطار العربية وخصوصا الخليجية منها ،حيث عمدت هذه الحكومات إلى تجاهل هذه الحقائق التي أسلفنا ذكرها وشرعت منذ عقود بعيدة إلى تسهيل مهمة الهجرة المنظمة بشقيها المشروعة وغير المشروعة للقادمين من إيران والسماح لهم تحت عناوين وصيغ مختلفة في التغلغل في هذه الدول والتفشي داخلها من دون النظر إلى المخاطر المترتبة على ذلك والتي بدأت تهدد أمن واستقرار ومستقبل هذه الدول .فالملاحظ أن هذه الدول لا تكتفى بالسكوت على اعتداءات إيران واحتلالها لأراضي عربية وحسب،بل تقوم بالسماح لمواطني إيران بالدخول والإقامة وعقد الزواجات وتكوين العائلات وتولي الأعمال والمناصب في أدق وأخطر الحلقات من دون تمحيص أو تدقيق للنوايا والأهداف ولطبيعة ارتباطات هؤلاء بموطنهم الأم بكل ما يحمل هذا الارتباط، ليس في جانب المواطنة ،وإنما في جانب الاعتقادات المنحرفة فكريا وتاريخيا فضلا عن أحتمال قيامهم بأدوار مصممة أستخباريا من قبل الحكومة الإيرانية لتنفيذ مهام تتعلق بتحويل تواجدهم من صيغة الإقامة إلى صيغة المواطنة وليمهد الطريق لاحقا لتنفيذ مشروع مسخ الهوية العربية عن هذه الدول وإلحاقها بصيغة واقع الحال إلى ولي الأمر الفارسي .

 

3-    لقد سبق للعراق أن قام بدور كبير في أبعاد الخطر الإيراني عنه وعن الأمة بكاملها ،ولكن قصر نظر البعض وأندماجهم في الخط الأمريكي منح إيران فرصة برونزية من خلال بيع العراق بثمن بخس دراهم معدودات ،من دون أن يلتفت هذا  البعض الى احتمال أن تصيبهم نفحات النار الإيرانية الصفوية والتي لن يذود عنهم حينها  حامي الحمى الأمريكي الذي لن ينشغل دون مصلحته بشيء ولن تلزمه أية تعهدات اتجاه الآخرين باستثناء الكيان الصهيوني.أن الخطر الفارسي الإيراني ليس افتراضيا كما يحلو للبعض أن يصوره ليتم التعامل معه بالمماطلة والمداهنة والمجاملة ،بل هو خطر حقيقي يجسد مثله العملي الواضح على بعد  بضعة فراسخ من مرمى الرؤية الخليجية ،فهاهي إيران وعبر أجهزتها وأذرعها المباشرة وغير المباشرة تسرح وتمرح في العراق وتتحكم في كل تفاصيل الحياة فيه إلى الحد الذي باتت فيه تسقط مظاهر سياساتها على منهج السياسيون (العراقيون ) ،والكل يتذكر رفض غلمانها من هؤلاء لمشروع طرح قضية الجزر الثلاثة على مؤتمر البرلمانيين العرب الذي عقد قبل فترة في مدينة أربيل!!،فالأمر بالنسبة لأيران الصفوية لا يحتاج سوى فرصة مهما كانت كبيرة أو صغيرة لكي تنتعش نشاطاتها وأدواتها، فهل يرعوي العرب ويتنبهوا من غفلتهم ويتصرفوا وفقا لأستحقاقات الخطر ويدفعوا بأتجاه تقويضه ومعالجته جذريا أبتداءا من العراق ومرورا بتحرير الجزر الثلاثة وتطهير مجتمعاتنا من النشاط الصفوي المقصود.وعلينا جميعا أن نعلم أن تحرير العراق من الأحتلالين الصهيوأمريكي والصفوأيراني وتطهيره من كل تداعياتهما وآثارهما هو بمثابة الخطوة المهمة جدا على طريق الحل الشامل لمشاكل كثيرة تعاني منها أمتنا.

 

نحن نشيد بموقف حكومة الأمارات الذي نعتبره رشيدا ويبعث في الجميع الأمل والثقة في آن معا ،ويقتضي إدامة الزخم والتفعيل الدائم من خلال مواصلة المطالبة ودفع قضية أعادة الجزر الثلاثة إلى السيادة الإماراتية لتتصدر أهتمامات دول الخليج وكافة الأقطار العربية وأن يرافق ذلك جهد ديبلوماسي وأعلامي على كافة المستويات والمجالات الإقليمية والدولية ،وسيكون ذلك كله بمثابة تصحيح لمسار ومنطق التعامل مع هذه القضية الخطيرة والمهمة والتي يمكن أن تكون لها أبعادها تنعكس أيجابيا على كل قضايا الأمة ،لأنها ستكون بالتأكيد سابقة مهمة ومحفزة.

 

 





الجمعة٢٩ شوال ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٨ / تشرين الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب صلاح أحمد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة