شبكة ذي قار
عـاجـل










 

ترجل بطل آخر من ابطال العراق العظيم صهوة جواده الذي ما كل ولا مل ولا انتابه الخوف على مستقبل العراق والامة. ترجل محسن خليل العبيدي في وقت فيه الامة، والعراق قدوتها وطليعتها، في امس الحاجة اليه. ترجل الثائر على ظلم الاحتلال والمستعمر، المنتفض على عوامل انهزام الامة. ترجل الفارس ولسان حاله يقول ان من يبتغي صعود الجبال لا بد ان يستجيب القدر.. وكان محسن خليل في اعلى قمة الجبل، ولكنه كان يريد كل رفاقه واخوانه معه. ترجل الفارس جوادا لا يقبل الا الرجال الرجال فرسانا له. ترجل ابو بسام في وقت احوج ما نكون اليه. ترجل وترك معنا صورا من الذكريات ستكون عزاءا لنا ولرفاقه واخوانه نستذكرها كلما اردنا ان نعطي البطولة معناها او الرجولة تفسيرها والقيم مفاهيمها.

 

واليكم جزءا يسيرا مما نعرف عنه

كان التاسع من نيسان من عام 2003 يوما عصيبا علينا في ممثلية العراق لدى الجامعة العربية في القاهرة، ورأينا كيف تتساقط بعض اوراق الشجر بعد ان تصفر لأنقطاع الماء عنها. فما ان اعلن المحتل احتلاله للعراق حتى انقطع الماء عن بعض زملائنا وممن نعرفهم فتساقطوا كما يتساقط الورق الاصفر من الشجر. كان الجميع يحتاج الى الجميع. كان الامر كموجة بحر هائج لا تعرف اولها كما لا ترى آخرها.. في يوم العاشر جاءت رسالة بالفاكس موجهه الى الدكتور محسن خليل ممثل العراق الدائم لدى الجامعة العربية تطلب توقيعه عليها ومحتواها ان الموقعين في ادناه هم سفراء لدولة العراق وليسوا سفراء نظام صدام حسين، اخذها السكرتير الى محسن خليل، ولم اتدخل واسأله على الرغم من قربي اليه. حتى اتصل بي احد السفراء العراقيين في دولة خليجية يطلب مني ان اقنعه بان يوقع عليها لأنه على حد قول المتصل يريد ان يوقع عليها اكبر عدد من سفراء العراق، قلت له ان محسن خليل لا يمكن ان يوقعها، فقال لي المتصل قل له رجاءا "بلا مبادئ" الامر حرج ولا نعرف ماذا سيحصل لنا.. دخلت على محسن خليل وجدته جالسا في مكتبه يجري بعض الاتصالات.. رويت له ما حصل، قال لا يهمك هذا آخر يريد ان يبدل جلده، قلت له وما انت فاعل، قال وما افعل انا ممثل العراق الدائم لدى الجامعة العربية ولن يكون غير ان تخرج المقاومة الاحتلال فهذا امر محتم. وخلال احد هذه الايام العصيبة دخل على محسن خليل احد الموظفين يطلب فيها ان يستبدل الموظفون جوازات سفرهم الدبلوماسية باخرى عادية تحسبا للطوارئ، وكنت جالسا، بعد ان رفض الطلب وخرج الموظف قال لي ممسكا بجواز سفره الدبلوماسي ان هذا الجواز اصدره لي صدام حسين ولن ابدله باي شيء آخر. كان الجميع يراه اما مغاليا او في افضل الاحوال مثاليا كما كنت اراه انا. لم يكن احد ليصدق ان هذا الاعصار الذي ضرب العراق لم يؤثر فيه. كنا بحاجة الى جدار نتكيء عليه في ذلك اليوم العاصف، فكان محسن خليل ذلك الجدار الصلب. كان يشع عنفوانا وقوة وكان جسده يأكل نفسه ويتمرد على قوته وعنفوانه. استسلم الجسد للمرض ولم يستطع ان يجاري رجولة وقوة محسن خليل، فخذل الجسد سيده. ولكن محسن خليل ما خذل مبادئه واخلاقياته، جسده يصيح قد اعييتني ولم اعد احتمل، ومحسن خليل غير مبالي فهو يتسابق مع الزمن ليكتب الشهامة والرجولة في سطور وافعال لتكون معايير لزمن البطولة والفداء ندرت في عصرنا حتى بانت كانها سراب.

 

لم يكن يعرف هذا الرجل معنى التعب ولا الهزيمة  كان يقول ان هذه مصطلحات لم تخلق للعرب، كان رجلا الى حد التطرف والشبع، كان ممتلئا بشكل يجعل الناس اما ان تغار منه او تعاديه او تحبه بلا حدود. اذكر في يوم من ايام الخميس وكنا ننتظر هذا اليوم في القاهرة بشغف من اجل ان نذهب الى أسرنا نقضي معهم عطلة نهاية الاسبوع في حي الحسين او عابدين او المنيل وغيرها، واذا به يتصل لأحضر الى الممثلية لأمر معين مطلوب من مركز الوزارة، بدأنا العمل في مكتبه حتى منتصف الليل وتوصلت الى قناعة انني لن استطيع ان انجز العمل في وقته لذلك ساطلب الأذن لأنصرف وآتي يوم الجمعة لتكملة العمل، فقلت له دكتور انا ساذهب وآتي يوم غد لأكمل المطلوب وكان الوقت قد تجاوز منتصف الليل، فقال لي اين ذاهب بعد وكت على الطريقة العراقية.. هكذا هو لا يتعب.

 

انا اكتب الان هذه السطور بعد ان اتصلت بابنه بسام وقال لي انهم يكملون الأجراءات المطلوبة وانهم سيقيمون مجلس العزاء في امارة العين في دولة الامارات المتحدة، لا ادري هل انا حزين جدا لفقده ام فرح لأنني عشت عصرا فيه ابطال ورجال كمحسن خليل.

 

كان آخر ما كتبه لي رسالة بتاريخ السادس من تموز الماضي ختمها بما يلي

ارجو الله أن يثبت أقدامك وينصرك

 

 

من ابدع ذكرياتي معه انني زرت القاهرة بعد الاحتلال وكنت لا ازال موظفا دبلوماسيا في ماليزيا، فعرف بوجودي الفنان الرائع نصير شمه، فدعاني الى احدى حفلاته في احدى المسارح وقال لي سيكون صاحبك موجود ايضا معنا الليلة، فقلت من صاحبي، قال من غيره، ابو بسام، وكنت في شوق لرؤيته، حضرنا الى الحفلة وكان محسن خليل هناك في منتصف الخط الاول لكبار الضيوف. بعد ان انتهت الحفلة طلبت ان اقله الى بيته وكان معي سيارة وقد علمت انه ليس معه واسطة نقل خاصة، فرفض فقلت له يا دكتور ارجوك اريد ان اتحدث معك ونحن في الطريق، قال لي يا محمود تعال لي للدار وسنتحدث قدر ما تريد، لكنني اليوم عدت مناضلا حرا اصعد سيارات الاجرة وانتقل من منطقة الى اخرى ومن نقابة لأخرى ومن حي لآخر من اجل العراق فقط فلماذا تريد ان تحرمني من هذه المتعة.. الله الله يا ابا بسام كيف كنت ترى الامور على غير ما كان يراها الكثيرون.. لكن امثال ابي بسام في زيادة والساقطون في انحدار.. كانت آخر زيارتي للقاهرة في تموز 2009 كان ابو بسام قد عاد لتوه من رحلة علاج وقد عرف ان المرض يأكل جسده الستيني ولكنه كان قويا شاهقا يحدثنا عن جدلية المثلث الحضاري  العربي العراق ، الشام ومصر، قال بعضهم له هل ترى ان هذه الامة يمكن ان تعود فكان جوابه سريعا، هذا قدرها.    

 

نعم يا رفيقي واخي ومعلمي، امة العرب لن تموت وفيها امثال محسن خليل يسطرون يوميا اعلى الدرجات على مقياس صدام للبطولة.

 ساتذكرك يا رفيقي عند كل قذيفة مدفع تأكل رؤوس المحتلين العفنة.

سأتذكرك مع كل عملية بطولية لرجال جيش الطريقة النقشبندية واخوانهم في سوح الرجولة والشرف.

ساتذكرك حين اقص لولديّ اللذين كنت تسأل عنهما باستمرار رواية البطولة في ارض ابائهم واجدادهم. ساتذكرك حين نحتفل في ساحة الاحتفالات الكبرى بالانتصار الكبير الناجز ان شاء الله.

 

الى عليين رجل المهمات الصعبة ابا بسام وعلي

ندعو الله عز وجل ان يتقبلك مع الشهداء والصديقين وان يغفر لك ويرحمك ويورث ابناءك واحفادك بركة من عنده، وان يكتب لعراقنا وامتنا ولادة الف الف محسن خليل

 

 

رفيقك المصدوم برحيلك

محمود خالد المسافر

 

 





الاثنين٠٣ ذي القعدة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١١ / تشرين الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمود خالد المسافر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة