شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة:

بعد التمهيد الذي قدمناه في الفصل الأول بأجزاءه الثمان التي كان عنوانها الإسلام دين الرحمة والفضيلة والمدنية،  والتي كان جاء في بعض الفقرات أن فهمي للدين أنه متسلسل متكامل، كله من مصدر تشريعي واحد هو رب العالمين، وإن المعني بالإسلام هو كل الدين منذ نشوء البشرية قد تكون بعض الفروع والأحكام التشريعية خففت بالرسالات اللاحقة، ولكنها لا يمكن أن تكون في حقيقتها متعاراضة وليست متناقضة كما نجد اليوم، وإن هذا التعارض والإختلاف سببه التحريف البشري، ولهذا علينا كبشر أن نرجع كل قول أونص يُدعى أنه من الكتب السابقة للقرآن، أو أنها أقوال وأحاديث الأنبياء والرسل ونعرضه لما جاء في القرآن فإن تعارض مع أحكامه العقائدية وأحكامه العامة والشمولية، فعلينا أن نرفضه ولا نعترف بصحته، وهذا ليس تعصبا مني للقرآن معاذ الله من الغلو والتعصب الأعمى بجهل، ولكنه الكتاب الوحيد الذي تعهد الله بحفظه، وهذا يجعلنا مطلقي الإيمان بوعد الله الذي لا يمكن تغييره، إن كنا مؤمنين حقا، وإن كان البعض منا يتبع رسالات الأنبياء الذين سبقوا سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى كل النبيين من قبله وسلم، ومن هذا سأدخل لفصل جديد هو سبب نشوء ونمو ظاهرة العنف والتطرف بين البشر.

 

ان الاستعمار قديمه وحديثه إستخدم ذات المنهج العدواني، وهو اعتماد مبادئ منحرفة ولا أخلاقية قائمة أصلا على: ( فرق تسد، والغاية تبرر الواسطة) والذي يمثل قمة الانحطاط الخلقي والتخلي عن القيم والخلق البشري ولا اقول الانساني، لأن الخلق الانساني هو حالة متطورة ورفيعة من الخلق البشري تكون عبر الاف السنين ونمت بالتطور الحضاري الذي كان للرسالات السماوية والكتب المقدسة التي أنزلها الله على رسله وأنبيائه الأثر الأساس في تكامله وتطوره وإرتقائه، وقد أعتمد المحرفون والمنحرفون هذا المنهج أي توظيف الدين لامور وغايات منافية للدين، هو نتيجة تزاوج بين الفكر الصهيوني العنصري المتطرف دينيا والمنهج الاستعماري الامبريالي العدواني، وهذا التزاوج ولد ابشع انواع العدوانية والارهاب ضد الانسانية تمثلت باغتصاب فلسطين واحتلال العراق مرورا بكل ماضي الامبريالية والاستعمار القديم الذي يظل واحد من الصور البشعة في التاريخ البشري.

 

 فقد سعت امريكا في العراق منذ تجنيدها لمن اسمتهم معارضة على نشر وتغذية الفتن الطائفية والعرقية والمذهبية وتصعيدها للوصول الى النزاع بين مكونات الشعب العراقي سواء من خلال تشكيل مجاميع المرتزقة على اساس اثني وطائفي، وتكثيف الاعلام لتنمية ذلك وزيادة التركيز عليه والعمل على انشائه ولو بالتضليل والافتراء وتزوير الحقائق، واعتمدته كمنهج لسياستها كدولة احتلال وزعيمة لحلف الارهاب والشر بعد احتلال العراق، وهذا يعني ان من تسبب في نشوء التطرف والعنف الى هذه المراحل هو الاضطهاد الذي اوصل القوى المقاومة في المجتمعات المضطهدة الى حالة اليأس من التغيير بالوسائل الاعتيادية نظرا للتباين في الامكانات المادية والتسليحية واعتماد دول الاحتلال على القوة الغاشمة، وتوظيفها من خلال الارهاب او التجنيد للانظمة لمشاركة في الردع المفرط لقوى المقاومة والرفض للاستعمار والهيمنة الباطلة على الشعوب ومقدراتها تحت مسميات متعددة، وايصالها الى حالة الحرب الشاملة كما يجري باتجاهها، فلجأ المناهضين لارهاب القوى الغاشمة والمتحالفة مع الانظمة الخانعة الى حالة التفكير باستخدام العنف بكل اشكاله ضد عدوها الباغي الذي لا يريد أن يعترف بحقها في الحياة الكريمة رغم ان تلك القوى تتبجح بالشرعية واحترام حقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها زورا وبهتانا.

 

ولاجل تسليط الضوء على اسباب تولد العنف والتطرف في المجتمعات الاسلامية، ودور الاستعمار وقوى الارهاب العالمي في نشوئه وتكونه سنتناول أهم الاسباب التي كانت وراء نموه وتصاعده، فلا نستطيع إرجاع ظاهرة العنف في المجتمع العربي والاسلامي الى عامل واحد، وإنما هي نتاج جملة من العوامل، تداخلت وتراكمت فولدت هذا المنهج المتطرف والجأت مجاميع في تلك المجتمعات للعنف، وهي في تصوري كالاتي:

 

1.  انتشار ظاهرة العنف عالميا: ان استخدام العنف في العلاقات الدولية، والحروب التي لم تتوقف من قبل الدول الامبريالية الاستعمارية، وعجز الجيوش النظامية نتيجة قلة امكاناتها واعتمادها على مصادر تسليح خارجية، مصدرها الرئيسي الدول الامبريالية، وعدم اتخاذ الانظمة العربية اي خطوة باتجاه تنمية قدرة عربية واسلامية للتخلص من حالة الوهن والتبعية للمعسكرين الشرقي والغربي في حينه، واللذان يعتبران الكيان الصهيوني وجودا طبيعيا ومشروعا، بل وصل موقف الانظمة التي تمتلك الامكانات الى حالة العداء والرفض لدعم المحاولات الفردية التي نشأت في مصر ابان عهد الزعيم القومي جمال عبد الناصر وبعد ثورة 17-30تموز القومية في العراق، وعرقلة بل محاربة اي توجه قومي جاد باتجاه ايجاد تضامن عربي في الجانب العسكري والتنموي، جعل الشباب المؤمن بقضيته يتوجه لمعادات شاملة لكل الغرب. وما ظاهرة الاستعمار الا الشكل البشع للعنف والارهاب ونموه.

 

2.  معادات الاسلام والمسلمين: ظل الغرب منذ انتصار العرب بعد أن أعزهم الله سبحانه بالاسلام وشرفهم بمحمد صلى الله عليه وسلم على الامبراطورية الرومانية الغربية يعتبر الاسلام عدوا، ولو عدنا للتاريخ الفكري الاوربي لوجدنا فيه العجائب والمصائب في وصفهم وتصويرهم للاسلام وظل هذا الفكر والمنظرة العدائية قائمة ليس بين المفكرين والباحثين بل صارت موقفا عاما لكل الغربين لأن الجميع لم يغيروا موقفهم ويصححوه، بل ما زال الغرب الاوربي ولغاية هذا الوقت لا يعترف بالاسلام كدين سماوي، ويعتبر الفتوحات الاسلامية حروب استعمارية. ومواقف سياسية ودينية كثيرة ضد المسلمين تجعلهم يعتبروا الغرب معادي لهم.

 

3.  تجزئه الوطن العربي: منذ بداية الاحتلال الاجنبي للوطن العربي رفض العرب تجزئه وطنهم واستعماره، وواجهوا الاحتلال الاجنبي بالمقاومة الشعبية، التي يؤمنوا بها، من خلال أحكام دينهم وفطرتهم التي جبل الله الانسان عليها، اضافة لقناعاتهم ومبادئهم التي توارثوها، بانهم خلقوا أحرارا وهذا وطنهم لا يخضعوا لاحد، وان الشجاعة والموت في سبيل الحق واجب وحق يفخرون به بل يتمنوه، وكان ذلك قد نشأ فيهم منذ تكونوا كأمة وعمقها وأصلها وشذبها الاسلام العظيم كرسالة ايمانية حضارية تحررية قيمية، فما كانت حروب العرب في العراق ضد الغزو العيلامي ومن ثم الساساني، في عهود ما قبل الاسلام، الا نموذجا لذلك وهكذا كانوا يعتبروا معركة ذي قار، ومعارك العرب في اليمن ضد غزو الاحباش الى دليلا اخر،وانهم موقنون بأن الخالق العظيم حتى وان انحرف كثير منهم بعبادتهم لا يقبل الظلم والاستغلال والاضطهاد، وان نصر الله لهم في معركة الفيل ومحاولة الامبراطورية الرومانية هدم الكعبة، الا نماذجا من ذلك، هذا العدوان المجرم على الشعب العربي ولد عقد من الغرب، وأعتبر العرب جريمة تقسيم الوطن العربي، عملا عدوانيا خطيرا هو محاولة لاضعاف للأمة وجريمة كبرى لتدمير مستقبلها.

 

4.   اغتصاب فلسطين الجريمة الكبرى: ان اغتصاب فلسطين ليس امرا كما يتصوروه بانه مسألة تخص شعبا صغيرا هو الشعب العربي بفلسطين فقط، بل هو عدوان على كل الامة العربية بمسيحييها ومسلميها ويسند نضالهم كل مسيحيوا العالم الحقيقيين ومسلميه اللذين يعرفوا القيمة المقدسة لارض فلسطين والقدس الشريف اللذي يقدسه كل مؤمنوا الكون بكل دياناتهم السماوية، فتلك الجريمة المركبة تمثل عدوانا ضد الدين والانسانية وحقوق الشعوب ومقدسات الافراد، واستباحة للمقدسات والقانون، واما ادعائهم بانهم مسيحيون أو موحدون بديانات أخرى فهو ادعاء باطل وما هو الا توظيف واستغلال للدين واتخاذه غطاءا وسلما لتحقيق مخطط شيطاني ينافي كل رسالات السماء وقوانين الارض، وما يدعوه من مسيحية ويهودية عندهم ما هي الا صورة منحرفة مشوهة لا تمت لما جاء به انبياء الله ورسله خاصة سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام.

 

5.  التاريخ العدواني الغربي ضد العرب: يتصور الغرب الامبريالي ان جرائمه في مصر وليبيا والمغرب العربي والجزائر وتونس والعراق وسوريا ولبنان واليمن وعموم الوطن العربي، ابان فترة الاستعمار والانتداب، ومذابح العرب في فلسطين ابان الانتداب البريطاني، وتعاونهم (البريطانيون) ودعمهم وتمويلهم وتسليحهم المهاجرين اليهود الى أرضنا، واغتصاب أرض العرب والمسلمين، يتصوروا أنها ستمر بشكل إعتيادي وسهل، وان الزمن كفيل بموارات ومحوي آثار تلك الجرائم، وإخضاع العرب مسلميهم ومسيحييهم لمنطق الامر الواقع، سيجعلهم يتخلوا عن واجبهم الديني والشرعي والوطني بالدفاع عن ارضهم ومقدساتهم، والذي للاسف وافقت وتهادنت معه الدول الكبرى، بما فيها الاتحاد السوفيتي السابق وروسيا الحالية والصين، وخضعت بحكم عوامل عديدة له الانظمة العربية والاسلامية، لكن منطق الشعوب لا تخضعه هذه العوامل ولا تغيره السنين، فان اعطاء فلسطين لليهود يظل يشكل بؤرة اشعال للعداء العربي ضد المسببين، وان كانت بريطانيا مشفقة على الصهاينة الاوربيين لعدم وجود وطن لهم فلماذا لم تعطيهم جزء من ارضها وبلدها؟ وبدلا أن يحاول الغرب الامبريالي أن يكفر عن جرائمه بحق العرب يشن هجوما لا مبررا ولا شرعيا ولا قانونيا على العراق ليزيد جراح الأمة، وبهذا يزداد العرب والمسلمين كراهية للغرب والامبريالية.

 

6.   اعتراف الدول الكبرى بالكيان الصهيوني وحمايته: لماذا اعترفت الدول الكبرى بولادة الكيان الغاصب الارهابي العنصري في فلسطين، ولم يطرح في مجلس الامن او هيئة الامم المتحدة والدول الكبرى اين الدولة الفلسطينية، التي جاءت ولادة الكيان الصهيوني على اساس تقسيم فلسطين الى دولتين؟ هل نسي العرب أن أمريكا اعترفت بالكيان الصهيوني بمجرد اعلان تقسيم فلسطين عام 1948، وان روسيا اعترفت به ولم يمر على القرار 48 ساعة، ولم يفكر ايا من المعسكرين الغربي أو السوفيتي طيلة 60عاما أين دولة فلسطين التي نص عليها قرار التقسيم.

 

7.  الخلط المتعمد بين المقاومة بالارهاب: اعتماد المقاومة الشعبية لمواجهة الاحتلال الاجنبي والاضطهاد الامبريالي للامم، فكفاح كل الشعوب في العالم وليس العرب والمسلمين فقط اعتمد المقاومة الشعبية وهو أمر واجب شرعا، ومباح قانونا، فلماذا عند العرب والمسلمين يعتبر ارهاب؟ وعند غيرهم مقاومة مباحة ومشروعة.

 

8.  التعامل بمعايير مزدوجة مع العرب: عدم العدل في قضايا العرب، والانحياز الكلي السافر للكيان الصهيوني على حسابنا، بل ادانة العرب وتبرير جرائم الكيان الصهيوني وعدوانه المستمر على شعبنا العربي ووطننا بأنه دفاع عن النفس، والتغاضي بل دعم العدوان الصهيوني في كل ما يقترفه ضد العرب والمسلمين.

 

9.  التحشد عند العدوان على العرب: لماذا حشد العالم كله جيوشه على أفغانستان وعندما (إجتاح) العراق الكويت؟ بالرغم من الخلفيات التاريخية والجغرافية والسكانية، وما تعنيه الكويت للعراق؟ ولكن العالم لم يتخذ اي إجراء ولو سياسي أو قرارات إدانة لإجتاح الكيان الصهيوني لفلسطين كلها ولاراضي لبنان ودول عربية عديدة؟ أليس هذا كيل بمكيالين؟ وهو ينم عن عداء للعرب وليس كما إدعوا حماية للشرعية الدولية.

 

يتبع لطفا ...

 

 





الاثنين٠٣ ذي القعدة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١١ / تشرين الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الله سعد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة