شبكة ذي قار
عـاجـل










لم نقرأ مذكرات الرئيس السابق جورج دبليو بوش المعنونة ( لحظات القرار ) ، لكننا قرأنا ما لا يكفي من التعليقات عليها ، واللافت أن الأهم في هذه التعليقات ما أنكره البريطانيون والمستشار الألماني السابق غيرهارد شرويدر من أن بوش ( لم يقل الحقيقة في مذكراته حول الحرب على العراق ولا حتى الإرهاب .. ) ولو أن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك غير منهمك في دعوى محاكمة قضائية لقال كلاماً مماثلاً بل ربما أشد عصفاً ، ذلك أن الصحفي الأمريكي الشهير بوب ود وورد أورد في كتابه الذائع ( خطة هجوم ) ما يؤكد نية شيراك في اتخاذ الفيتو الفرنسي ، لو أن أمريكا عرضت مشروعها لغزو العراق على مجلس الأمن ..


يكذب بوش كعادته في مبررات قراراته وهو رئيس ، كما يكذب في مذكراته خارج الرئاسة واليكم بعض المقتطفات :
يفترض بوش في مذكرات قراراته أن التاريخ سينصفه بعد عدة عقود ، لان ما فعله كان لصالح أمريكا والإنسانية على جادة الخير ، وبؤس هذا الافتراض يأتي من نزعة شخصانية ترى الحقيقة ولا يراها غيرها ، ووفق هذا الافتراض فإن كل ما فعله الطغاة في تاريخهم الدموي ، كان لصالح الإنسانية ، وإليكم هذا المثل من التاريخ :


كُلّف أحد المتشددين اليساريين في بلد ما باغتيال رئيس ، ولم يكن في الحزب مَن هو اشد حماسة منه لهذا التكليف ، وفي ساعة الصفر لم يطلق اليساري النار ، وعاد إلى حزبه خائباً ينتظر المحاكمة ، في المحاكمة شدد عليه رفاقه مطالبين بإعدامه ، وعندما أُذن له بالكلام ، قال جملة مؤثرة كان من نتيجتها براءته ، قال :
"عندما صوبت بندقيتي إليه ، ألفيت طفله إلى جانبه فخشيت على الطفل " .


كم من عشرات ألوف الأطفال ، ذهبوا ضحايا بوش في العراق وأفغانستان ؟ كم من ملايين البشر ذهبوا ضحايا القتل والاغتيال والتشريد ، وما هي مساحات البنى التحتية التي أصابها الخراب والدمار ؟


هذا إذا كان ما يرويه بوش نابعاً عن قناعاته ، أمّا إذا لم يكن الأمر كذلك ، فانه ببساطة يكذب ، فقد عودنا الرجل على تصدير أكاذيبه بوجه جدّي يريد من خلاله تمويه المشهد ، وأن ما يقوله هو الصدق بعينه ، وقد آثرت مجلة شتيرن الألمانية في خريف العام 2003 ، أن تصحح ذرائع بوش في غزو العراق ، على أنها أكاذيب وليست ذرائع ، وآخر صيحة من هذه الأكاذيب هي ما يقوله في مذكراته من أن الرئيس المصري حسني مبارك أبلغه أن صدام يمتلك أسلحة بيولوجية ( أسلحة دمار شامل ) ، والعقدة هنا ليست فيما إذا كان الرئيس المصري قد قال له ذلك أم لم يقل ، إذ من الطبيعي أن كل الأنظمة العربية التي وقفت في مؤتمر القمة ( في القاهرة آب 1990 ) إلى جانب استدعاء القوات الأمريكية إلى الخليج كانت تتلهف بفارغ الصبر التخلص من النظام الوطني في العراق ، بل وتحديداً التخلص من صدام .


فإذا لم تكن العقدة فيما قاله مبارك أو لم يقله ، فان العقدة أن رئيساً لأعظم دولة أحادية في التاريخ ، يحاول أن يوحي أنها مسؤولية مبارك وقبلها كانت مسؤولية تقارير المخابرات المركزية ، وفي حالة من الحالات كانت المخابرات البريطانية ، هكذا قال مدير الوكالة الأمريكية جورج تينت ، ثم ليفصح السيد أحمد الجلبي ،أن الأمريكيين أخذوا المعلومات من خيال طالب عراقي متطير اسمه رافد أحمد علوان ثم من بعده عراقي مجهول اسمه عدنان الحيدري ، زعم انه كان يعمل في ملاجئ عسكرية مخصصة ضد أسلحة الدمار الشامل .


في مباهاته عن مرحلته في الولايتين ( من عام 2000 إلى عام 2008 ) ، يتخيل بوش انه حقق انجازاً مدهشاً في تحقيق انتخابات ديمقراطية في لبنان والعراق والأردن والكويت والبحرين والأراضي الفلسطينية المحتلة والمغرب ، كذلك تنامت الأصوات المطالبة بالديمقراطية في سورية وهناك انجاز يتعلق بحقوق المرأة ..
متى انقطعت الصلة بالانتخابات البرلمانية في المنطقة ؟ وهل لم يكن ثمة انتخابات قبل مجيء بوش إلى الإدارة في العام 2000 ؟!


لدينا انعطاف تاريخي صريح في تحوّل أنظمة المنطقة من الحياة الحزبية – البرلمانية إلى الحياة الشمولية – المركزية عن طريق العسكر .
ونستطيع القول أن ( قصف عُمْر ) الحياة البرلمانية كان قد تمّ بعد أفول شمس بريطانيا عن المنطقة وحلول النفوذ الأمريكي أوائل الخمسينات من القرن الماضي ،ولا يعني ذلك أن الفضل في ذلك كان يعود للاستعمار البريطاني في حينه ، بل إن بريطانيا كانت تقود عملية الانتخابات برؤية مصالحها العليا ، فما أن حلت مرحلة الاستقلال ، عادت الانتخابات إلى طبيعتها الشعبية في معظم أقطار المنطقة إلا أنها لم تُعمّر طويلاً ، ذلك أن المخطط الأمريكي الذي دخل حديثاً (أوائل الخمسينات ) بزخم الإصلاح والتغيير كان يفضل دخول العسكريين إلى الساحة ، والدليل أن معظم الانقلابات العسكرية كانت قد حلت أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات ، أي موعد استلام الأمريكيين للمنطقة من أسلافهم البريطانيين ، ولا يستطيع بوش أن ينفي أو يتنكر أن وراء المرحلة الشمولية في العالم وليس المنطقة فحسب ، كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة ، وقد حدث ذلك في قارات بأسرها ابتداءً من أمريكا الجنوبية بدءاً بالمكسيك مروراً إلى القارة الأفريقية وانتهاءً بآسيا ..


لا يعترف بوش أن دعوته الديمقراطية لغزو العراق كانت طارئة ، وأنها وردت في الذرائع الأخيرة بعد يورانيوم النيجر أو الارتباط بالقاعدة ، فالتاريخ يشير إلى أن الذريعة الأولى والأساس ، كانت في أسلحة الدمار الشامل ، فما أن اخفق بوش في العثور عليها ، بدأ باختراع قائمة جديدة ، فكان آخرها طلب الديمقراطية للعراقيين !..


فهل كان بوش على هذه الدرجة من عدم الإحاطة كي يدرك أن الشيء الوحيد الذي لا يمكن تصديره هو الديمقراطية ، وماذا كانت درجته في مادة التاريخ أو الاجتماع بتطور الشعوب ؟


في مرحلة ما وكان الاحتلال للعراق طازجاً ، أجابنا فقهاء عراقيون عن نماذج ديمقراطية مثالية في ألمانيا واليابان جلبها الاحتلال الأمريكي للبلدين بعد هزيمتهما في الحرب العالمية !.


وعلى طريقة بوش ، فان مَنْ التحق بأدبار الغزو لا يهمه فهم التاريخ ومخاطر المقارنات في نماذجه ، فألمانيا كانت من أهم البلدان الديمقراطية قبل المرحلة النازية في أوربا ، كانت تعيش الديمقراطية النسبية منذ انقلاب مارتن لوثر ضد الكاثوليك في الفاتيكان ، وفي اليابان فان إصلاحات الإمبراطور ( مايجي ) أواسط القرن التاسع عشر ، قد أخذت بيد اليابان – على نموذجها الياباني – إلى صروح شامخة من الحداثة وديمقراطية الحكم مع الحفاظ على قداسة الإمبراطور ، لم يجلب الأمريكيون الديمقراطية إلى ألمانيا واليابان بعد الحرب ، كل ما في الأمر، أن العالم بتمامه كان قد تضافر من اجل إسقاط الحكم الشمولي في ألمانيا وايطاليا ، بعد أن فهم الغرب خطأ تساهله في مجيئهما ، أو بصورة أدق خطأ غطرسته في فرض ما هو شائن بحق شعبيهما في مؤامرة فرساي ضد ألمانيا بعد هزيمتهما في الحرب العالمية الأولى .


ورغم أن اليابان وافقت على شروط الاستسلام في الحرب العالمية الثانية ، باستثناء ما يمس شخص الإمبراطور وقدسيته ، إلا أن أسلاف بوش ( هنري ترومان ) ، لم يقبل بهذا الاستثناء الرمزي والوحيد ، الأمر الذي دعاه إلى إعطاء الأمر بضرب اليابان بالقنابل الذرية وهكذا تكون الديمقراطية الأمريكية ثلاثمئة ألف قتيل ياباني ( عدا التشوه والإعاقة وقتل التربة لمئات السنين ) وكل ذلك في سبيل ألا يتنازل يوليوس قيصر في البيت الأبيض بقبول استثناء رمزي واعتباري . شخص الإمبراطور لا أكثر ...

 

 





الاثنين٠٩ ذي الحجة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٥ / تشرين الثاني / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حمدان حمدان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة