شبكة ذي قار
عـاجـل










كانت العشرين سنة الأجيرة هي الأقسى، ضمن حلقات التآمر التي تواجهها الأمة العربية، منذ سايكس – بيكو.


فلقد اختل فيها النظام الدولي! اختلالا رهيبا، وكان لصالح القوى الامبريالية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، التي تختزن حقدا تاريخيا على العرب، ورسالتهم الخالدة التي حملوها إلى فجاج العالم، فغيروا بها وجه الدنيا، فأصبحت عدلا، بعدما كانت جورا، وغدت تسامحا بعدما كانت عنفا وتدميرا، وظلما وطغيانا..
اذ لم تنتظر الولايات المتحدة الأمريكية، بتحريض من عصابات الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، ومن لوبيات الضغط الصاهنة في أمريكا ذاتها، فاستجمعت كل قوتها التدميرية، وآلتها الإعلامية لإطفاء قبس النور في العراق، قلعة العرب المحررة من الامبريالية، بعد ثورة البعث العظيم في 17 – 30 من تموز 1968.. لقد بدت الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت تسابق الزمن، لتدمر العرب قبل أن يفوت الوقت، الذي كان يجري في صالح تسارع وتيرة الوعي العربي، وتعميق هذا الوعي على المستويين العامودي، أي النخب، والأفقي أي الجماهير..


ان الدور الذي اضطلع به النظام الوطني – القومي في العراق بزعامة الشهيد صدام حسين في منع تفتيت القطر الموريتاني، في أحداث 1989، وفي الدور الذي قام به هذا النظام في توحيد قطري اليمن، مايو 1990، وفي التصدي لطوابير الصهيونية العالمية في السودان، وفي الإسناد الاستراتيجي لنضال الشعب الفلسطيني، قد أغاظ الغرب عموما، والامبراطورية الامريكية خصوصا، فترجمت هذا الغيظ في تدشين حملة اعلامية رهيبة لشيطنة النظام الوطني، وشخص السيد الرئيس الشهيد صدام حسين، في مسعى لتحريض الرأي العام الدولي على تجربة الحكم التحرري في العراق، وفي جهد موازي قامت آمريكا بحملة ترويع للأنظمة الرجعية الفاسدة التي نصبتها وحمتها في اقطار الخليج، وفي مصر وتونس... مستهدفة تخويفهم من نظام صدام حسين، في حالة تخلفهم عن مخططاتها الجهنمية ضد الأمة العربية..
لقد كانت 1990 سنة فارقة؛ إذ وضعت الولايات المتحدة الأمريكية الأنظمة العربية الرجعية بين خيارين، إما ان يكونوا من جملة أدواتها هي، وإما أن يكونوا مع تطلعات شعوبهم، وعليهم تحمل نتائج ذلك الخيار!


هذا الخيار دفع بالأنظمة العربية إلى الانقسام على فسطاطين، فسطاط أمريكا، وفسطاط المتمردين.. وكان نظام حسني مبارك أكبر نظام موال للولايات المتحدة الامريكية في الوطن العربي، وأكثرهم وقاحة، وأشدهم قذارة في لعب مهمة "الترويج لمخططات التسوية" في فلسطين كمقدمة لتصفية قضية العرب الأولى، ومركز الثقل في نضالهم، وقبلة وحدتهم.


نظام حسني مبارك بعد أم أم المعارك !


جاء في كراس صادر عن القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، في تموز 1994، بعنوان "التسوية وآفاق المستقبل"، ما يلي: (( أصبحت مهمة "حسني مبارك" الكبرى الترويج لمخططات التسوية يتعامل مع هذا المشروع باعتباره امتدادا لتلك المخططات، فهذا النظام الذي تنكر، كما تنكر السادات من قبل، للخط القومي التحرري الذي قاده جمال عبد الناصر... و ظن أنه سوف ينجح في فرض التطبيع في مصر، وفي الترويج له عربيا، وأنه سوف يجني الكثير تلقاء الخدمات الكبيرة التي قدمها للمعتدين على العراق، إلا أن الذين أجزلوا له الوعود تملصوا منها بعد العدوان وأبقوه رهين أزمته الطاحنة بوجهيها السياسي والاقتصادي، ةهة ما زال يتوهم ان دوره في تنشيط عملية التسوية سيعوضه عما فاته ويقدم له نصيبا من أموال الدول النفطية، لاسيما الخليجية منها... بعد أن اصبح دوره في المحيط العربي يقتصر على تقديم خدمة المخططات المبريالية والصهيونية وانتظار المكافأة..!


الجماهير العربية بين سنوات التيئيس .. وقابليات الثورة


عمل نظام حسني مبارك، فضلا عن الدور المرسوم له علنا، على بث روح الإحباط والتيئيس من المستقبل؛ فلم يبقى أي أسلوب مادي ولا رمزي يصب في تثبيط الشارع العربي، وتدمير المعنويات القومية إلا واستخدمها هذا النظام، فأطلق لهذا الهدف، عشرات الفضائيات، هو وأضرابه من العملاء، التي أغرقت المواطن العربي بسيل من مسلسلات الخلاعة، والعهر، والتهريج والتمزيج، تسفه تاريخ الأمة، وتغري بمردود العمالة للأجنبي، تفرض الشباب العربي على التخلي عن موروثه الثقافي والحضاري، ممجدة نزعات القطرية والفئوية والطائفية، على نحو لا سابق له في الكثافة وسرعة الوتيرة، إلى الحد الذي يمكننا القول إن نظام حسني مبارك هو كعبة الشر، يطوف بها كل شرير، وهو شجرة زقوم يستظل بها كل أفاك، ويعتاش منها كل أثيم!


كان نظام حسني مبارك وحشا كاسرا في حق الشعب المصري، فيما هو رؤوف رحيم بالصهاينة، يذبح أبناء الكنانة، ليحيي أحفاد كولدا مائير، ويسجن ابناء شهداء مصر العظيمة، ليلعب شارون، ونتنياهو، وأولمارت.. لعبة الكعب في منتزهات مصر أم الدنيا، وتربة البطولة والأمجاد!


ثلاثون عاما مرت على فرعون مصر، حسني مبارك، فتح فيها مصر العروبة والاسلام امام الغزاة؛ وكانت هذه فترة كافية، بالنظر للجهد المبذول دوليا واقليميا، ليطمئن هذا الفرعون على أن مصر قد انفصلت نهائيا وجذريا عن عمقها القومي، وعن دورها الحضاري والرسالي، المتميز عبر التاريخ... واطمأن هذا العميل الخسيس، ساء ظنه، إلى أن أبناء مصر اقتصرت همهم على ما يحشون به أمعاءهم، جريا على حاجة الغريزة، فإذا به، على حين غرة يفرق في طوفان شعب أصيل، كريم، صبور، أستفزت ضمائره، وأهينت كرامته! حتى إذا أدركه الغرق، قال هو واسياده في البيت الأسود، آمنا أنه لا شعب إلا شعب الكنانة، حين يستنفرون في كرامته!


أجل.. الآن أدرك الغزاة وعملاءهم أن جماهير الأمة العربية لم تستسلم، ولم ينطفئ حسها القومي، لا بل أظهرت ثورة الشعب العربي في تونس الخضراء، وفي مصر التاريخ، أن هذا الشعب هو شعب واحد، والأساس المشترك في هاتين الثورتين المتوافقتين هو الشعور بأن الشعب العربي واحد في الانتماء، والمعاناة، وأن هذا الانتماء هو حي أصيل، وملتزم بتحقيق واجبات اتجاه الأمة، وذلك ما تنبأت به القيادة القومية لحزب البعث 1994، وهو ما يتحقق اليوم: ((إن الذين يتصورون في لحظة تحفظ ويأس، أن كل شيء قد انتهى، وأن الأمة عاجزة عن مواجهة المؤامرة والتصدي لها، لم يروا بنظر ثاقب وعقل بصير هذا الالتفاف الجماهيري الواسع حول شعارات أم المعارك، ولم يحسنوا تفسير الغضب العارم الذي يمور في صفوف الجماهير العربية في كل مكان، ويتفجر في أشكال من الحركات العنيفة في بعض الأقطار، ويختمر ويتفاعل في أقطار أخرى ليجد الظروف الملائمة للإفصاح عن نفسه بفاعلية واضحة.. إن مظاهر الضعف هذه تدل دلالة قاطعة على أن الجماهير العربية مازالت بعافية وأن الروح الاستسلامية لم تتقمص إلا الحلقات الغنية من الحكام والإدارات والنخب الخائرة والفاسدة... ولقد أكدت الجماهير العربية انها ((ترفض التسويات المهينة رفضا قاطعا، وهي مازالت تحتفظ بروحها التعرضية الهجومية...)).


إن الثورة العربية في مصر، وقبلها في تونس، هي إعادة لبذرة الحياة.. هي عملية خلق قومي وإنساني وحضاري، وأن هذا الخلق العظيم سيمتد أثره على الايجابي على صعيد الانسانية، وستتلقفه الشعوب المعذبة، عبر المعمورة، وتلك هي ميزة الثورات العربية، أي أن ثمراتها الطيبة تتغذى منها الانسانية! وتتهاوى بفعلها عروش الاستبداد وصروح الاستعمار! لأنها فعل ثوري تاريخي واعي، وليست محصلة عوامل مؤقتة، إنها ثورة الجيل العربي الجديد (( الذي يؤمن بنفسه، لأنه يؤمن بأمته الخالدة، ويؤمن بأمته الخالدة وبقدرتها على أن تغلب انحطاطها، لأنه يؤمن بنفسه: ما دام هو قد خرج منها، فهي قادرة أن تخرج من نفسها، وما دام هو قد ارتفع فوقها فهي قادرة أن ترتفع فوق نفسها، وما دام هو قد انفصل عنها فهي تستطيع بفعله وتأثيره أن تنفصل عن نفسها، نفسها المنحطة الفاسدة: لتعود إلى ذاتها الأصيلة، لتعود الأمة العربية الخالدة! )).


نعم .. للأمة العربية الخالدة التي هي (( إطار مجيد ورحب للتفاعل، وصيرورة كبرى )) نحو الوحدة والتطلع إلى أعلى.. وأرقى.. وأفضل!!.
 

 

 





الخميس٣٠ صفر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٣ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد الكوري ولد العربي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة