شبكة ذي قار
عـاجـل










بداية التسعينات من القرن الماضي، شهدت مدن كثيرة جدا على مستوى العالم مظاهرات حاشدة طالبت بمنع العدوان الذي عزمت على تنفيذه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها على العراق  كرد فعل على دخول القوات العراقية الى الكويت في آب من عام 1990،ولم يلتفت أحد في حينها الى تلك المطالب الجماهيرية الأممية ، ومضت قوات التحالف الثلاثيني في عدوانها الذي طال الأخضر واليابس وعمدت الى ممارسة رد فعل يفوق بأشواط بعيدة جدا الفعل الذي  تعكزوا عليه في تنفيذ عدوانهم .وقد تكرر الأمر في تعاطي ذات التجاهل أزاء المظاهرات الكبيرة والأستثنائية التي خرجت بدايات عام  2003 لمناهضة عزم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا على غزو العراق وأحتلاله ،ومع ذلك نفذت هذه القوى أبشع جريمة في العصر الحديث لم ينتج عنها أسقاط  نظام وطني وحسب وأنما تسببت في أسقاط صفة دول عن بلد برمته وأحالته الى أشلاء بهدف أضعاف وحدته ومسخ هويته وألغاء ثوابته ، خصوصا وأن العدوان والغزو والأحتلال تم بدون غطاء من الشرعية الدولية وأنطلق من أكاذيب لم تلبث أن سقطت وأنكشفت النوايا والمنطلقات الحقيقية التي تقف وراءه ،ومع ذلك لم يتغير شيء ومضى كل في مساره ومبتغاه .


أن مما يثير الريبة والشك والأنزعاج الحقيقي هو في أطلاق صفة الديمقراطية على بلدان وأنظمة تتعامل بمعايير مزدوجة وأنتقائية أتجاه أحداث في عالمنا العربي من دون أن تعطي وزن وأعتبار الى كل تفاصيل المشهد السياسي والشعبي وما يترشح عنه من مواقف وأراء، وينتهي الأمر الى تنفيذ ما يتم طبخه في أروقة المباني الحكومية والأستخبارية وتصديره الى مجتمعاتنا ليتلقفه الليبراليين والعولميين والواقعيين المتحللين من قيم المجتمع والمترفعين عن التمسك بثوابته وتقاليده الأخلاقية والدينية ،ويتم أهمال أطراف أخرى بدعوى أنها منتفعة وموالية للحكومات من دون أن يتم تمحيص نوايا هؤلاء أو الألتفات الى أراءهم و يبقى التركيز في تصدير الدعم الى فئات بعينها من دون غيرها وعلى نحو أنتقائي يظهر أختلاف في طريقة النظر الى مايرشح عن هذه المجتمعات من أراء لأختيار ما يتوافق أو يتفق منها مع النوايا والأهداف لسياسات الدول الكبرى .


أن ما يحصل في مصر العربية العزيزة جدا على قلوب كل الشرفاء العقلاء من ابناء أمتنا ،يظهر على نحو جلي وواضح الطريقة التي تتعامل بها الدول الكبرى مع المشهد السياسي ،حيث حرصت هذه الدول على الأنتصار لمجاميع المتظاهرين في ميدان التحرير على قلة أعدادهم قياسا بالعدد السكاني الهائل لمصر من ناحية ،وأهمال النظر الى العدد الأكبر للمتظاهرين الذين خرجوا في وقت سابق تحت عنوان التأييد للأستقرار والأمن والأنتقال السلمي للسلطات وفقا للقواعد الدستورية بصرف النظر عن الرأي برموز النظام من جهة أخرى.وهذا الأنتصار لمجاميع ميدان التحرير و المشفوع بدعوات التعجيل بتخلي رئيس النظام المصري عن منصبه الان يفسر بوضوح لايحتمل اللبس تلك الأشارات الصريحة التي شرعت القوى الكبرى بأعطاءها لتضع بصمة قوية في رسم معالم المشهد السياسي الجديد في مصر على وجه التحديد نظرا لما تتمتع به من ثقل حاسم في الشرق الأوسط يمكن أن يلقي بتداعياته على بقاع غير قليلة من الوطن العربي .


أن حرص الأدارة الأمريكية في الأصرار  على تغيير فوري ولحظي من دون الألتفات الى الضرورات التي تقتضيها المرحلة اللاحقة من صياغات منظمة لبدائل صحيحة وطنيا ودستوريا وجوهريا أنما يدفع بالظن الى رغبتها في تصدير شخصيات بعينها لتولي زمام الأمور في مصر ،وربما يقف في مقدمتها محمد البرادعي والذي يمثل المنتج الصهيوأمريكي الجديد الذي يمكن أن يتولى تنفيذ صفحات جديدة من المخططات الصهيوأمريكية في الشرق الأوسط بذات منطلقاتها المصلحية ولكن بأسلوب ووجوه تنسجم مع المتغيرات التي تعصف بالمنطقة .


أن تجاهل مجاميع شباب ميدان التحرير لحقيقة وأهداف التدخل الأمريكي في الشأن الداخلي المصري وعدم التفاتهم لما يشكله من خرق أخلاقي وقيمي وعدم صدور أي رد فعل من قبلهم تجاهه أنما يشكل شرخا واضحا في الصفة الوطنية لأنتفاضتهم ويثير الكثير من الشكوك حول تفاصيل تركيبتهم ويضع أكثر من علامة أستفهام على العلاقة بين المطالب المشروعة المعلنة و حقيقة المنطلقات والأهداف التي تقف وراء خروج بعضهم أو جلهم في هذه المظاهرات ،خصوصا وأن حجم التنازلات التي تقدم بها النظام المصري كان يقابله على الدوام رفع مستمر لسقف المطالب على الرغم مما يقال بأن هذه المظاهرات الشبابية قوامها من الشباب المثقفين والمستقلين وبأن ليس لهم قيادة أو هيئة تمثيل محددة وهي فرضية ربما تكون صحيحة في جلها وليس كلها ،لأن بعض الأشارات المحسوبة في تحديد مسارات حركة الشباب والتحكم في صيغ المطالب لايمكن أن تصدر من من مجاميع غير منتظمة في تشكيلات سياسية أو تخضع لأجندات موصوفة بصرف النظر عن مصادرها أو مرجعياتها التنظيمية أو الفكرية .


أن تكون هناك مطالب للتغيير أمر لا نجادله ،ولكن تبقى هناك دائما حاجة لتأطير ثلاثة عناصر لضمان عدم أنحراف هذه المطالب عن وجهتها الصحيحة ،وهي سلامة المنطلقات وعدم تقاطعها مع الثوابت الوطنية والقومية والأسلامية ،وسلامة المنهج والأسلوب بما لايقود الى فوضى أو تخريب ويضمن المحافظة على كل التفاصيل البشرية والمادية للبلد،وسلامة الأهداف ضمن سقفها الممكن ذاتيا وموضوعيا وتنزهها عن ما يمكن أن يعلق بها من تداخلات خارجية خصوصا في نسختها الشعوبية والصهيوأمريكية.وعلى الجميع أن يتذكر أن من يدعم الأنتفاضة الشعبية في مصر ويزايد عليها هم ذاتهم من دمروا بلدان برمتها ،ونماذج العراق وأفغانستان شاخصة وناطقة ولاتحتاج الى كثير جهد لفهم و أستيعاب دروسها ودلالاتها وحجم ماأرتكب ويرتكب بحقها من جرائم من قبل التحالفات الصهيوأمريكية والفارسية الصفوية ،فمن ينادون بالحرية والديمقراطية لشعب مصر هم ذاتهم من نزعوا الحرية والأستقرار والسيادة عن أشقاء شعب مصر في العراق ،ولذلك على شباب الأنتفاضة الشعبية في مصر التثبت من تنزه تركيبتهم من كل مايمكن أن يشوبها من عناصر بوجودهم تنزع الصفة الوطنية عن أنتفاضتهم ،وعليهم ضبط بوصلتهم بدقة صوب أهدافهم وأن يتبروأ من قبل وبعد من أي علاقة تجمعهم طوعا أو كرها بأجندات خارجية ،وأن يحرصوا على خلع الصفة الوطنية المطلقة على أنتفاضتهم وأن ينددوا ويشجبوا بصراحة عالية الصوت بأي تدخل أجنبي من أي طرف كان وأن يعلنوا على الملأ بأن مايحصل في مصر شأن داخلي لايحق لأجنبي التدخل فيه.

 

 

 





الجمعة٠٨ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١١ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب صلاح أحمد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة