شبكة ذي قار
عـاجـل










وأخيراً استفاق العالم على حقيقة ما يجري في العراق، الذي توهم خدم الاحتلال إمكانية الاستمرار في كتم صرخته وإخراس وسائل نقلها للعالم .. حين وثقت الكاميرات بعض ممارسات القمع والتقييد وحجب المعلوماتية التي مورست على تظاهرات الجمعة .. ناقلةً لمن كان لا يفهم سبب الهيجان والاحتجاج جزءً من قساوة وشراسة الاحتلال وحكومته العرجاء ..


بذات الطريقة التي بينت فيها لمن لا زال يؤمن بالسحر الأميريكي الذي سيضع العراق في مصاف الدول المتقدمة، مدى استهتار أميركا بالشأن العراقي .. وعدم اكتراثها لما يجرى على شعبه من اعتداءات غير مبررة وإن كانت تظاهراتهم سلمية تقرها دساتير العالم ..


ولا داعي للاستغراب .. فاللامبالاة وعدم الاهتمام كانا الصفة المميزة لكل مواقف أميركا من العراق وقضاياه المصيرية .. ابتداءً من محاولات تحويله من بلد عربي يرفض التغلغل الإيراني في أراضيه، إلى بلدٍ يفتخر بتبعيته الإيرانية .. وانتهاءً بمحاولات تحويله من بلد يمتلك جيشاً ضخماً سجل أكبر الأدوار في معارك الأمة بالأمس، الى بلدٍ جيشه ضعيف ومحطم، ليس بإمكانه السيطرة أو التحكم بأمنه الداخلي اليوم ..


أما هداياها من اليورانيوم والفسفور الأبيض التي ستستمر بتوزيع خيراتها علينا وعلى أطفالنا حتى قيام الساعة .. الى الساسة الذين يتنافسون في كره العراق والذين بذلوا والحق يقال قصارى جهدهم للقضاء عليه بنيةً وإسماً وتأريخاً وأرض .. ففيها اشارة واضحة الى ما يعنيه العراق له .. العراق الذي لم يقدر أهله فضل الاحتلال وحكومته عليهم فدعوا الى تظاهراتٍ واعتصاماتٍ ستقتل الديمقراطية الفتية التي أينعت فيه!!


ديمقراطية جديدة صيرت الاغلبية الساحقة من شعبنا تحت خط الفقر، وحولت عراقنا الى بلد البطالة والفقر والجوع ..


بلد المهجرين والمهاجرين والمشردين ..
بلد الخمسة ملايين يتيم وملايين الأرامل ..
بلد الجثث المجهولة والغير مجهولة الهوية ..
بلد الاحزاب التي فرقت وفككت العراقيين وشتتهم وجعلت ريحهم هباء ..
بلد المحاصصة والطائفية التي تتحكم في التعيينات ولا تعرف السواء ..
بلد المخدرات والعصابات والميليشيات والجماعات المسلحة التي ليس لها انتهاء ..
بلد المعتقلات والسجون التي ملأت صرخاتها السماء ..
بلد مدارس الطين والأمية التي عادت مع الغزو بقوة لم نعهدها فيه من قبل ..
بلد اللا مستشفيات واللا طب واللا مدارس واللا خطط تعليمية .. لضمان نشر الجهل وإقصاء القدرة على اخراج جيل يقود البلاد مستقبل ..
بلد خالي تماما من الخبرات والطاقات والكفاءات الطبية والعلمية والهندسية و .. و .. و ..
بلد التناقضات التي تجبرك على التساؤل عن كيفية كونه الأغنى عالميا بالبترول، وتستورد حكومته النفط ومشتقاته من دول الجوار ..
بلد علم الناس القراءة والكتابة وكان منارة للعلم والثقافة بالأمس، وتحول اليوم الى بلد الأميين والجهلة والمتخلفين الذين يشغلون مناصبه ..


بلد رواتب دولته بالملايين، بينما يموت شعبه من الجوع والفقر والمرض ..
بلدٍ تباع فيه الوزارات والمناصب الحكومية وتشترى بالدولارات بدل الكفاءات ..
بلد المعممين الذين ادعوا الديانة وهي منهم براء .. يدعون للخنوع ويفتون بحرمة الاحتجاج حتى على من حول العراقيين الى سلعةٍ تباع وتشترى في أسواق الأعداء ..


بلد حكامه لا يسكنون فيه، ويديرونه بالـ ريموت كونترول من دول الجوار التي يحملون جنسيته .. وإذا ما زاروه سكنوا خضراءه المحصنة، التي تعزلهم عن معاناة الشعب والنار المتأججة خارجه ..


بلد اللاديمقراطية وكبت الحريات وقتل الصحفيين والاعلاميين وتكميم الافواه .. الذي وثقته الكاميرات في التظاهرة محققةً جزءً من أحلامنا في إفهام العالم على الأقل، حقيقة ما يجري في العراق .. متمثلاً بوابل رصاص الحكومة الحي الذي انهال على التظاهرة السلمية التي لم تشبها شائبة .. فكان لدويه صدىً أجبر العالم على الإفاقة من غفوته ليكتشف ان الديمقراطية التي توهم وجودها في العراق .. لم تكن أكثر من حلم لاح لعين الساهر ـ وتهادى في خيال عابر ..

 

 





الثلاثاء٢٦ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠١ / أذار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. بلسم عبد الكريم هانئ نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة