شبكة ذي قار
عـاجـل










حفلت المعارف والاداب الانسانيه , بالكثير من المواضيع والقراءات التي بحثت في التراجم والسير الذاتيه لشخصيات وعظماء وزعماء خالدين , ظلت بصماتهم مطبوعه في مجمل تفاصيل الحياه وشجونها الى جانب كتابات منفرده هنا وهناك لبعض الاقلام التي سجلت ووثقت لأناس واشخاص مغمورين , كان لها دورها في حياه بعض الاسر والعوائل , عبر سجالهم الطيبه لتربيه اولادهم واعدادهم ليكونوا نموذجا صحيحا ضمن افراد المجتمع المتشعبه شرائحه واتجاهاته.


واعترف بتأخري عن الكتابه لسيره والدي الشخصيه , والتي ظلت مشروعا" مؤجلا" لسنوات مضت , الى ان اختمرت الفكره التي كانت تسكن وجداني , وتلح باخراجها الى الضوء , وبخاصه ونحن نعيش ظروف احتلال العراق العظيم وتبعات الانهيار الذي شمل مختلف جوانب الحياه الاقتصاديه والاجتماعيه والفكريـه وغياب العقل والمنطق للبعض الذي آثر ان يكون بعيدا" في كل شيء, عن الوطن وهمومه واحتلاله المقيت ابتداء .. لم يعرف والدي الذي خرج الى الدنيا بدايات القرن الماضي في بيئه ريفيه , طريقه الى المدارس والتعليم الرسمي الذي كان محصورا" بالمدن ومراكزها , الا ما ندر في بعض الاقضيه والنواحي والاطراف وسلك سبيله كاقرانه الى الملالي والكتاتيب , ليحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب , ويتعلم القراءه والكتابه وينشأ يافعا" يبحث عن المزيد من المعارف في تلك البيئه الفقيره بكل شيء والتي كانت تعني له الكثير من الاسرار المجهوله , وقد شق طريقه بصعوبه لتجربه العمل والاعتماد على الذات بعد فقدان الاب والام وتحمله مسؤوليه العائله , حيث اقتضت طبيعه عمله التنقل باكثر محافظات العراق وارسال مايجود به راتبه البسيط الى عائلته والتصرف بالباقي لتصريف امور معيشته وشراء الكتب والمجلات ولشتى انواع المعرفه , وقد كان يذيل غلاف كل كتاب بتوقيعه . واسم المدينه التي يعمل بها , والمكتبه التي ابتاع منها المطبوع وتاريخ الشراء .


وقد نشأنا فعلا" ونحن لانزال تلاميذ الصف الخامس والسادس الابتدائي على قراءه مجلات وكتب الهلال التي كانت تعرف ب ( سلسله أقرا) ومجله الاداب لسهيل ادريس والعلوم ومجله اهل النفط العراقيه وكذلك مجله المختار من ( ريدرز دايجست ) مع العديد من روائع الكتب والتراجم الشخصيه ودواوين الشعر العربي اضافه الى مجله العربي والكتابات الرائعه لرئيس تحريرها آنذاك الراحل الدكتور احمد زكي .


كان شغله الشاغل متابعه دراستنا وتحصيلنا والاهتمام بماده ( التعبير والانشاء) التي كان يهواها لتنميه وتطوير قدراتنا الادبيه والاستماع الى مانكتبه ونسطره بدفاترنا , وتنبيهنا لنا عندما نرفع او ننصب في غير المكان المخصص له.. وكنا نعجب لأبي حبه للغه القرآن لغه العروبه وقراءاته المتعدده واطلاعاته الواسعه للكتب والآداب , وهو الذي لم يدخل اي مدرسه في حياته , بل علمته الحياه وعركته ظروفها ومصاعبها ليشتد عوده ويقوى على مجاراتها .


في الخمسينات من القرن الماضي , كان له شأن مما يدور في الحياه السياسيه حيث انتصر لثوره مصرالعرب واهدافها القوميه , ولم يتردد بالدفاع ابدا" عن حبه للقائد الخالد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في كل محفل وتجمع ابان المد الشيوعي بعد ثوره 14 تموز 1958 , وكان بالمرصاد لكل من تسول له نفسه الاعتداء عليه , بامتشاقه عصاه الخشبيه البسيطه , اذا ماحاولو النيل منه .. واكمل مشواره بأنتمائه الى صفوف البعث العظيم , وراح يسهم مع رفاقه في خط اليافطات والقطع التي تحمل شعارات الحزب ومبادئه لحسن خطه وجماليته.. وكان يعرف عنه انتظامه لدفع الاشتراكات الحزبيه لمسؤولي الماليه الذين كانوا يطرقون بابنا ليلا" مطلع كل شهر..وكذلك حضوره للاجتماعات الحزبيه التي علمنا فيما بعد انها كانت تتم في عيادات الاطباء والمحامين والمكاتب والمقاهي بعيدا عن اعين رجال السلطه ووكلائها... واذكر هنا ايضا" اصطحابه لنا الى احتفالات المولد النبوي الشريف والمناسبات التي كان يدعو لها الحزب ويستثمرها ضمن قضيته الوطنيه والقوميه رغم محاصرتها من قبل سيارات الشرطه والامن .


ومن اللحظات الجميله التي لاتنسى حقا" ضمن هذا المجا ل خروجنا مع ابي سويه للاشتراك بالمسيره الكبيره للاحتفال بمرور شهر على تفجير ثوره 8 شباط 1963 عروس الثورات في شارع الرشيد ,الذي كان شاهدا" على تأريخ بغداد ومقارعتها للاستعمار والاجنبي , واذا بمكبرات الصوت تصدح من كل جانب ليعلن مذيع اذاعه بغداد بشاره الثوره في سوريا العروبه صباح يوم 8 آذار 1963 وكان يوما خالدا فعلا" وفرحه لاتوصف لهذا التزامن في القطرين الشقيقين , اللذين وقعا بعد ذلك ميثاق 17 نيسان الوحدوي مع مصر عبد الناصر .


كانت تربيه الوالد تعتمد المبادىء العربيه والتراث مع قراءاته الفكريه المتنوعه , ولاننسى نحن ابناءه ماحيينا ابدا" كلامه الجميل وافقه الواسع بعد كل شجار او زعل بيننا , حيث يجمعنا ويتكلم معنا لاصلاح ذات البين ويؤكد على اهميه التعاضد والقوه فيما بيننا لكسر شوكه من يعتدي علينا مشيرا بذلك الى بيت الشعر الذي كان يردده دائما على مسامعنا ( اخاك ..اخاك , ان من لااخا" له , كساع الى الهيجا بدون سلاح) .


تألم والدي ( رحمه الله) لما حدث لمصر وسوريه والاردن بعد نكسه 5 حزيران 1967, وكان يشجعنا ويشد من أزرنا ويقوي من معنوياتنا عند سماع اخبار تصدي الجيوش العربيه على مختلف الجبهات للعدو الفاشي المتغطرس وخاصه بعد تدمير المدمره (ايلات) ومعركه الكرامه في غور الاردن ومعارك الفدائيين المصريين في سيناء وحرب الاستنزاف... وقد حث والدتي ان تجمع مايمكن جمعه من الملابس وقطع القماش المتوفره لتخيطها , ويشجع بعض من ابناء المحله لذات العمل ويتبرع بها كاسهام متواضع لاخواننا اللاجئين شعب فلسطين الابي.


وفي سنوات الثوره والقادسيه المجيده , تشرف بلقاء الرئيس القائد الشهيد صدام حسين , الذي استقبله كسائر العراقيين , وسأله عن احتياجاته وشؤون حياته وهو في هذا العمر , حيث اجابه والدي بمبدئيته الاصيله وعروبته التي عشق , عن سعادته وحبه لشخصه وشكره لله تعالى الذي امد به العمر ليرى العراق بأيدي قادته الغر الميامين.. واجابه الرئيس صراحه ( عن تطلعاته لبناء الوطن وازدهاره مشيرا" في الوقت نفسه الى عظم المؤامره الامبرياليه الفارسيه وجسامتها لاشغال العراق وتعطيل دوره الوطني والقومي ومهماته الكبرى على صعيد تحقيق الاهداف وبناء المجتمع الديمقراطي الاشتراكي الحر وافشال التجربه النموذج ) .


وخلال فعاليات دعم المجهود الحربي وحملات التبرع بالذهب بالقادسيه المجيده , طلب والدي وعلى استيحاء قبول سلسله صغيره من الذهب كانت كل ماموجود في حينه في البيت ... وكان يتابع اخبار انتصارات قطعاتنا المسلحه على العدو الفارسي ويشجعنا ويشد من عزيمتنا ضمن قواطع الجيش الشعبي وحين التحاقنا بخدمه الاحتياط ويفخر بنا , وبالمقابل كان اشد مايؤلمه تصرفات البعض من اصحاب النفوس الضعيفه التي كانت تحمل النفس الطائفي الشعوبي , حيث كان يستنكرها ويأنف منها مؤكدا" بذلك وطنيته وعروبته التي لايسمو عليها اي شيء آخر.


هذا هو والدي( ح ج الحيالي) الذي علمنا قيم الوطنيه والعروبه وامتشاق السيف للدفاع عن العراق وكل شبر عربي مغتصب , وكان صادقا" امينا" مع الذات والجميع في تعريفاته ووصفه لمعنى الوطنيه الحقه والايثار في سبيل التحرر ووحده العرب , ولبى نداء ربه زاهدا" عن الدنيا ومافيها بعدما ادى رسالته لتربيه اولاده واعدادهم وبما يليق بهم لخدمه الوطن ومبادىء العروبه .


ومااحوجنا اليوم الى سيره هؤلاء الاشخاص واعاده قراءتها من جديد في زمن التشرذم والانحلال والطائفيه والشعوبيه , بدلا من اللهاث وراء اشباه الرجا ل ومواكب قطعان اللطم والعار والخذلان!!!.


مااحوجنا الى النخوه اليعربيه والثوره على واقعنا الفاسد لنكون مع مقاومتنا العراقيه الباسله لتحرير ارضنا المعطاء من رجس الا حتلالين الامريكي والفارسي وبناء العراق المشرق الجديد الذي كان وسيبقى بعون الله جمجمه العرب ورمح الله في الارض .

 

 





الاربعاء١٦ شـوال ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٤ / أيلول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سيف الحيالي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة