شبكة ذي قار
عـاجـل










قلنا في الحلقة السابقة..قبل ان نتحدث عن المهمات الجديدة للحزب ومناضليه ..لنا عودة على اولائك الذين تسلقوا سلم السلطة باتباعهم مختلف الوسائل في زمان الدولة والبعث ..

وتحولوا فجاة بعد الاحتلال الى مظلومين ومهمشين في زمن النظام السابق ..وخبراء ومحللين ومنفذي منهج المحتل والحكومة العميلة هذه الأيام!...

 

يذكر الرفاق في تنظيمات الحزب من الرعيل الذي واكب مسيرة الأيام الأولى لثورة تموز1968 كيف كانت طبيعة المعاناة التي كانوا يواجهونها في التعامل مع السلطة وكيفية إقناع مدراء الدوائر والمسئولين غير البعثيين الذين كانوا في سلم المسئولية في ذلك الوقت ..

 

لقد بذل المناضلون جهدا كبيرا في توضيح حقيقة أن وجود الحزب وتسلسل واجباته وعلاقته بالسلطة هو لغرض نقل روحية البعث وتقاليده النضالية للسلطة ولم يكن واجب البعثي أكثر من جهده بذلك وليس من واجب البعثي العامل في مؤسسات السلطة أن يكون قائدا وموجها..

 

بل يجب أن يكون مثالا وقدوة ورمزا للتضحية والمثابرة ..

وهكذا ومنذ اليوم الأول للثورة أصبح البعثي الحقيقي : ( أول من يضحي وآخر من يستفيد ) ..

وتطور الأمر عند كثير من المناضلين ليصبح : ( البعثي أول من يضحي وعلى أن لايستفيد ) !..

 

وتم توجيه مناضلي الحزب كافة بأن المسئول الإداري في مؤسسات السلطة هو من يقود ويصدر الاوامر والقرارات وهو الذي يتحمل ذلك ..

وقد كان العديد من هؤلاء المدراء والمسئولين على مستوى عالي من الفهم والإدراك لهذا الموضوع حيث قاموا بتحمل مسؤولياتهم يعاونهم تنظيم الحزب حيث جرى إستثمار التنظيم الحزبي بشكل مثالي لتطبيق منهج الدائرة والمؤسسة وفقا لأهدافها فكان أدائهم لواجباتهم في غاية الاتقان وحصلوا على أعلى المراتب في التفتيشات الدورية والتقييم في الوزارة المعنية..

ولكن من جانب آخر كان البعض من هؤلاء المدراء والمسئولين والبعض من قيادات الحزب في تلك الدوائر والمناطق ليسوا بمستوى تفهم الحالة الجديدة فساهموا بنشوء حالة من عدم الانسجام بين التنظيم الحزبي والمسؤول الإداري الذي إنعكس سلبا على اداء الدائرة ..

 

وبحكم الحاجة للدائرة الرسمية ولغرض تكريس رغبة القيادة بتقوية الأداء الإداري مهنيا فقد كان الميل يكون غالبا في الوقوف الى جانب المسؤول الإداري وإن يكن هذا المسؤول غير بعثي..

 

وفي ظرف مارس البعض من رفاقنا أساليب وصيغ توحي بوجود مراكز قوى في تلك الدائرة خصوصا  بقيام بعض هؤلاء المدراء المستقلين باستغلال هذه ( الخاصية! ) مما جعل الجميع مؤهل عمليا لينتقل تدريجيا الى تبني سياسة ( السير وفق تقاليد السلطة ) لان تقاليد الحزب التي أريد لها ان تطبق بشكل يختلف عن الاسلوب والغاية المفروضة  تم تفسيرها بشكل خاطيء كونه ( ستؤدي الى عرقلة عمل الدائرة! ويؤخرها في اداء مهامها! ) ..

 

وهكذا مع مرور الزمن ضاعت او لنقل ضعفت فرصة غاية بالاهمية في تربية مؤسسات الدولة على الضبط الصارم الواعي الناتج من استثمار الوجود والتسلسل الحزبي لتطوير هذه المؤسسة وتمكينها من اداء مهامها بشكل تام ونتج عن ذلك نزوع كثير من الحزبيين سواءا في الكادر الحزبي أو من ذوي الكفاءات بزيادة رغبتهم لتبوء مناصب القيادة الرسمية في الدولة  بدل من تسخير قدراتهم في التربية الحزبية التي اقتصرت على عدد قليل من الكفوئين للتفرغ للعمل الحزبي الذي أصبح ثانويا بالقياس الى المنصب بدلا من ان يكون أحدهما مكمل للآخر..

 

وبمرور السنوات وبحكم طبيعة التحديات التي واجهت الحزب والثورة واندلاع الحرب العراقية الايرانية  وتأكيد القيادة على قيام دوائر الدولة بتقديم خدماتها وأداء واجباتها بشكل مثالي في ظروف الحرب مما يحتاج إلى جهود استثنائية جعلت من تقدم الكادر الإداري واضحا بالقياس على ما يقوم به القائد الحزبي وبدا مثل هذا التفسير والتوصيف يطغى بشكل تدريجي ليؤدي في النهاية إلى تراجع دور الحزب وتقدم دور الوظيفة ..

 

وهكذا بدأ تأثير تقاليد السلطة على تقاليد الحزب يزداد ..وهذا ما أكد عليه مرات عديدة الرفيق الشهيد الخالد صدام حسين عندما حذر من خطورة نقل تقاليد السلطة إلى الحزب وما يمثله ذلك من خطر على منظومة القيم والمبادئ والاستعداد للتضحية والإقدام التي تربى عليها الحزب وطلب من الجميع بالعمل الجاد على نقل تقاليد الحزب إلى السلطة لتزداد تألقا وإبداعا وقدرة على العطاء للتأكيد على أن السلطة تتبع وليس العكس..

 

وبرغم ذلك وبسبب مظاهر ومغريات السلطة اتسعت دائرة السعي للمنصب الوظيفي وتزاحم حول هذه الهدف الكثيرين من مناضلي الحزب والمنتمين حديثا والأصدقاء والأقارب والمتلونين..

 

وانتشر هذا الشعور بكل تفاصيله في الدوائر والوزارات والجامعات والمؤسسات والمصانع بحيث أصبح الموقع الوظيفي أهم من الموقع الحزبي أي بمعنى آخر ترسخت قيم وتقاليد الدولة والسلطة على حساب قيم وتقاليد الحزب وأخذت كوادرنا وكفاءاتنا الحزبية ذات الدرجات الحزبية العالية تغوص في تقاليد السلطة والمنصب والمسؤولية الوظيفية المتشعبة والمعقدة والمتداخلة في زمن وظرف من التحديات غير التقليدية وبظروف استثنائية ناجمة اما عن ظروف الحرب او الحصار أو طبيعة التحديات التي تواجه السلطة والخدمات والأمن والتعليم والصناعة والتجارة والاقتصاد ..

 

في السبعينات كان على المسؤول الوظيفي ان ينجز عمله بدرجة عالية من الدقة والاتقان في ظل متابعة ذات صيغ واجراءات صارمة وبزمن كان الشهيد الخالد صدام حسين يتابع عمل هذه المؤسسات بشكل مباشر وكان طريق وصول التقصير أسرع من طريق وصول الابداع والإتقان..

 

كان الظرف استثنائيا.. وكنا نؤمن إن الإبداع والإتقان والتكامل والدقة واختزال الزمن في أداء العمل واجبا وطنيا ..والتقصير والإهمال وعدم احترام الزمن جريمة بحق الواجب والعراق..

 

وكان العراق يعيش في هذه الحالة الاستثنائية التي ما ان تصل الى نهايتها حتى يظهر وضع استثنائي جديد أكثر خطورة واكثر تحدي لمدة طويلة أصبح خلالها الولاء للوظيفة قويا أكثر من اللازم لان المرحلة تحتاج في كل مواجهة لذلك مما سهل وهيأ الاجواء لدخول وتسلق وقفز الكثير من العناصر التي تنتهج فكرا وسلوكا وقيم ومباديء بعيدة عن تلك التي كان يؤكد عليها الحزب  تحت ذريعة ( الحاجة لاختصاصه النادر، تفوقه وخبرته، صفات محددة حسب المنصب ) اضافة الى علاقات القربى والصداقة وحتى التملق والتذلل ..

وبحكم تقلد هؤلاء للمناصب الادارية ووجودهم في الحزب فقد تقدموا في درجاتهم الحزبية أيضا ..

 

وكان أمام كوادر الحزب ومناضليه الذين ناضلوا سنين طويلة بهدف أن يصل الحزب إلى مرحلة يطبق فيها نظرياته لخدمة الشعب والأمة طريقين :

 

الأول: مواجهة هذا الزخم الهائل من موجات متتالية وعظيمة من هذا التيار أو ..

الثاني : وهو التراجع امام هذه الموجة ..

 

وقد اختار البعض السير مع التيار فأصبح من مروجيه وأنصاره..وبذلك تسلقت للدرجات الحزبية العليا والملاكات القيادية للدولة عناصر دخيلة على فكر الحزب رغم أنها عراقية ولها الحق الوطني في تبوء المناصب العليا في مؤسسات الدولة وقد يكون لهذه العناصر ماضي سياسي مخالف ومعارض للبعث فكرا وسلوكا وممارسات و ( قد تكون هذه العناصر كفوءة وظيفيا واختصاصي ) ولكنها تفتقر للخبرة النضالية والالتصاق بالحزب وروحيته وفكره وأهدافه وطريقة تفكيره ولا تمتلك الحد المقبول من درجة الولاء للعراق والاستعداد للتضحية من اجله والدفاع عنه..

 

وقد كانت هذه العناصر مؤهلة نفسيا وفكريا وسلوكيا ليس فقط لمحاربة مناضلي الحزب وإيجاد العراقيل التي تعيق تقدمهم الوظيفي وتطورهم العلمي والفني والإداري وحتى في مجال الحصول على درجات علمية وشهادات عالية ولكنها كانت أيضا مستعدة في لحظة للتنكر للحزب والتنصل منه ..

 

وبمرور الزمن تشكلت حول كل عنصر من هذه العناصر شرنقة تحيط به وتتحرك وتفكر وفق منظوره..وقد ساعد وساهم في ترسيخ هذه الظاهرة القصور الذي يعاني منه البعض من رفاقنا المناضلين في بعض القطاعات في مجاراة تغلغل هؤلاء او حتى التميز عليهم علميا وفنيا وإداريا تحت حجج واهية كالانشغال بالواجبات الحزبية التي يكلفون بها إضافة لواجباتهم الوظيفية بالمقارنة مع هؤلاء او رغبة العديد من رفاقنا بالبحث عن مكامن المنفعة والراحة في المنصب والوظيفة وبذلك أعطيت الساحة لمثل هذه العناصر في بعض القطاعات لتكون حكرا لهم وتحت تصرفهم ..والبعض من هؤلاء وصل إلى مرحلة صياغة القرارات المهمة التي تتناسب مع رؤيته الشخصية لا مع رؤية الدولة والحزب. 

 

وفي مسيرة بناء الدولة بمختلف قطاعاتها وخاصة عندما كان الحزب والثورة يتعرضان لإعصار شديد واستهداف معين..كانت هذه العناصر تتصرف مع كل حالة تصرف ( مهنيا خالصا! )  بدون روحية الشعب وضمير الحزب في حين كان تعامل مناضلي الحزب بشكل عام والرفاق العاملين في تلك المؤسسات مع هذه المجاميع من جانب آخر تتصرف وفق آليات نضالية معروفة وقد تتعارض مع أسلوب إدارة هؤلاء الذين كانوا يتحكمون بالقرار إداريا وعلميا وهم مشمولين برعاية خاصة من القيادة بل وإن أغلب مقترحاتهم للقيادة كانت تستجاب علما كان أغلبها يكون تحت عنوان: ( حصلت الموافقة! ) ..

 

وهكذا ودائما ما كان الاحتكام للقيادة العليا لحل هذا الإشكال ينتهي بتأييد الجانب الإداري في قراراته وإجراءاته  انطلاقا من حرص القيادة على التأكيد على ثوابتها في تحمل المسئول الإداري لكامل المسؤولية وانسجاما مع ( الضوابط والقياسات التي وضعوها وفقا لمتطلباتهم ! ) والذي أخذ يفسر تدريجيا بأنه دعم مطلق لهم مما جعل كل منظومة العمل تسير بالشكل الذي يراد به تحت شعار ( المهنية والضوابط الأصولية! ) ..

 

وهنا دخلنا مع كل الدولة ومؤسساتها في امتحانات عديدة ..نعم ( هم ) دخلوا معنا ..ويعرف الجميع كيف كانت أصواتهم لا يكاد يسمعها احد عندما يشتد وطيسها وكيف تعلوا عندما يتضح الموقف!..

 

وعلى الرغم من إننا انتصرنا في كثير من هذه المنازلات الوطنية المصيرية  بفضل حكمة القيادة ومسكها الفعلي لمقاليد الأمور وتلاحم الشعب ولكن بقي هذا الهاجس موجودا ويتنامى خاصة عندما بدأت القيادة تنشغل بالتهيوء لاستهداف عدائي جديد موجه ضد كل كيان العراق وتأريخه ومن قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبشكل مباشر هذه المرة!....   

 

وبمرور الزمن تناقص ( مخزون وإحتياطي ) المناضل ألبعثي من التقدم على حساب زيادة مخزون وإحتياطي الآخرين من الذين ينتهجون الطريق المهني المطلق الخالي من نبض البعث ومعهم الدخلاء والنفعيين وحتى المندسين والمتلونيين وأصحاب الغرض السيء!..

 

وهكذا تحول ذلك النهج بشكل تدريجي إلى إيمان بان ألبعثي مثلما كان في السابق أول من يضحي وآخر من يستفيد.. سيأتي اليوم الذي سيكون فيه أول من سيضحي بكل شيء وعن كل شيء سابق ساعم في بنائه أو نفذه أو صممه بغض النظر عن رأيه فيه وسوف لن يبقى وقت لدى هذا البعثي ليجني فائدة لان ( هؤلاء ) سيكونوا أول وآخر من سيجني ( الثمار ) أو سيحرقون كل المحصول!!..

 

وبعد غزو العراق واحتلاله في نيسان 2003 كان ( هؤلاء ) من أوائل المتنكرين للحزب والقيادة وهم الذين كانوا أول من ذهب الى المحتل ومن جاء معه عارضا خدماته وخبراته ومعلوماته منطلقا من اعتبارات مذهبية أو طائفية أو مناطقية وبعضها قومية أو عشائرية أو لصلة القربى لمن جاء مع المحتل أو ظهر معهم أو ساعدهم منطلقين من كونهم كانو ( مضطهدين! ) رغم مسؤولياتهم !..

 

لقد ركب هؤلاء موجة الطائفية والعنصرية تحت كذبة إنهم كانوا مقيدين بسبب ( وصاية وتسلط الحزبيين عليهم! ) ..وهم رغما عن درجاتهم الحزبية التي كانوا فيها فهم عرضوا انفسهم ( متخصصين ومهنيين عسكريين كانوا أم مدنيين! ) والبعض منهم يجاهر بعدائه وحقده ومظلوميته ..

وكثير منهم كانوا أقل رحمة من المحتلين ومن جاء معهم  بحق رفاقهم ومدرائهم وزملائهم وإخوانهم ومن كان بمعيتهم ..

 

وأخذ البعض منهم يجهد نفسه بملاحقة المناضلين والدعوة لاعتقالهم وتهيئة الأضابير الملفقة عن ممارساتهم والبعض الآخر يتفنن في تقديم النصح والمشورة لكيفية ابعاد البعث ورجاله عن الساحة العراقية..وانساقت مع كل عنصر من هؤلاء شرنقته ومن كان قريبا منه إضافة إلى ( النسيج الجديد الذي أوجده الطمع ! ) ..

 

وقامت شرنقة هذا العنصر ومن لف شباكه معهم بدور المخبر والشاهد والبوق ولأنها مختصة في رمي الشباك والحيلة والتزلف فقد لاقت حضوة كبيرة عند ( الحكام الجدد! ) وأحزاب السلطة ولم يكن في حسابهم أن نظرهم القاصر إلى الحقل والى البيدر سيذهب بكل آمالهم التي راهنوا عليها وسارعوا بأسرع من المطلوب للإعلان عنها ..

 

لم يكن في حسابهم أن البعث حي ولن يموت..

 

وسيدركون إن لم يكونوا قد أدركوا بعد من إن  النظام السابق الذي بداوا يهاجمون رموزه لم يكن بناءه مؤسسا على خطأ مثلما يصوروه..بل هو قدر كل من سار على طريق النور والهداية وخدمة الشعب ولديه مثل هذه الطموحات والقدرة..

 

والذي حصل هو ثمن طريق الحق والرجولة والإيمان..ثمن الطريق الصحيح الذي سلكناه في الفيض الهائل الذي لا يوصف من الحب والتسامح والنظرة الشمولية والمساواة والتضحية من أجل الآخرين .. فلم يكن في حينها من المسموح أن يشكك البعض بوطنية هذا أوذاك ولا بما يهدف إليه!.. وهذه هي صفات العظماء وأصحاب الرسالة وهو سبب الاستهداف لقياداتنا وتجربتنا ..

 

وفي المقابل وقبل ان ننتقل الى المطلوب منا في المرحلة الحالية والقادمة لابد أن لاننسى في حديثنا هنا أن نتذكر نماذج البعث النضالية الذين يمثلون الطرف الآخر من السلطة التي بنت العراق وأعلت صروحه ..

 

 





الثلاثاء٠٧ ربيع الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٣١ / كانون الثاني / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. محمود عزام نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة