شبكة ذي قار
عـاجـل










 (( قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )) سورة البقرة / 111

 

 

الغيب

يعرف علم الغيب إصطلاحا بأنه ماغاب عن الحواس، أي ما سُتر أو حُجب. ويقسم إلى غيب مطلق وهو ما أختص به جلً جلاله فقط، وغيب نسبي وهو ما أوحى به الله إلى الملائكة والرسل والأنبياء فقط. وهناك تصانيف أخرى كعلم الغيب الذاتي والمطلق، أوعلم الغيب اللدني والنسبي. ومهما تعددت التصانيف فإنها لا تخرج عن المعنى المذكور أولا. وهناك من يخلط بين علم الغيب بالفراسة أوالتنبؤ وتوارد الخواطر التي قد تصيب أحيانا أو تخطأ. من المؤكد إن معظمنا قد صادف هذه الحالات في حياته كأن يتوقع رؤية صديق أو زائر وفعلا يتحقق الأمر. أو يتوقع حدثا ما ويحدث فعلا. كما إن توارد الخواطر أمست أحدى مباحث علم الباراسيكولوجي. مهما كان مستوى التنبؤات فإن النسبة الأعظم تكون فاشلة، واحيانا تكون التنبؤات بملامح عامة وقبلة للتأويل بعدة واجهات كأن يذكر تهب رياح صفراء من الشرق أو الغرب وتفسير الرياح كرياح أو حرب أو فتنة او كارثة وهلم جرا. وهذا ما نلاحظه قديما في كتاب الملاحم والفتن لإبن طاووس وكذلك تنبؤات نوستراداموس والمنجمين الحاليين والعاملين في مجالي الفلك والروحانيات.

 

 وقد ورد في القرآن الكريم بأن الغيب هو إختصاص رباني بحت، فالله جلٌ جلاله (عالم الغيب) وهذا الأمر مبين بوضوح في سورة التغابن/ 18 (( عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم )) وكذلك في سورة الحشر/22 (( هو الله الذي لا اله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم )) . وجاء في سورة الأنعام/59 (( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ". وفي سورة النمل/ 65 (( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ )) كذلك في سور النجم /35. (( أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (). وفي سورة الجن/26 (( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدا ً)(. وفي سورة مريم/78 (( أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً )(. وهناك العديد من الآيات الكريمة حول الغيب تؤكد جميعها بأنه أختصاص رباني.

 

ومن يجادل بأن الرسول(ص) كان له علم الغيب! نقول هذا صحيح نسبيا ولكنه ليس من علم النبي نفسه، وإنما هو علم أوحى به الله لرسوله في مواقف وأمور محددة. وما عداه كذب وإفتراء. فقد فصل القرآن الكريم هذه المسألة بأنها كانت بوحي من الله عزً وجلً، كما ورد في سورة هود/49 (( تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِين)(. كذلك في سورة الجن الآيات 26-28 (( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا* إلا من أرتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا* ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربِهم و أحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عدد )) . المسألة المهمة الأخرى إن علم الغيب إنما يوحي به الله تعالى لبعض الرسل والأنبياء حصرا وليس جميعهم. كما ورد في سورة الجن الآيات 26-28 (( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا* إلا من أرتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا* ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم و أحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عدد )) . ولايوجد نص قرآني بأن علم الغيب منحه الله لبقية الملائكة والبشر. كما وضحت الصورة في سورة سبأ/14 (( فلما خرً تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين )) .

 

وهناك الكثير من الروايات التي تنفي علم الرسول بالغيب. منها حادثة تأبير النخيل فقد حدث أن أمر الرسول (ص) الناس في المدينة بعدم تأبير النخيل فلم تثمر. ولما راجعوه في الأمر، عاد وأمرهم بالتأبير قائلا " أنتم أعلم مني بشؤون دنياكم". وقبل موقعة بدر إتخذ النبي (ص) مكانا للقتال فسأله الحباب بن المنذر: أهو منزل انزلكه الله، أم هو الرأي والحرب والمكيدة" فنفى الرسول بأنه أوحي إليه وأجاب: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. عندها أشار الحباب إلى مكان أفضل من الذي أختاره الرسول، وفعلا كان إختيارا صائبا مما ساعد المسلمين على تحقيق النصر. وقد ورد في السيرة النبوية بأن الرسول (ص) استأجر دليلا خلال الهجرة ليرشده الطريق من مكة لمكرمة إلى المدينة المنورة. وهذه الوقائع وغيرها تنفي علم الرسول (ص) بالغيب وخزائن العلم جميعها. ونفس الشيء بالنسبة لبقية الرسل والأنبياء.

 

أنظر لهذه الآيات تجد إن الله تبارك إسمه نزع فيها شكوكا عن أنبيائه ورسله! ولو كان عندهم علم الغيب لم إنتابتهم الشكوك ولأطمئنوا لله ففي سورة طه الآية/ 115 (( لم نجد له عزم )) . وفي سورة الإسراء/ 47  يخاطب الله النبي (( ولولا أن ثبتناك كدت أن تركن إليهم شيئا قليل )) . كذلك النبي ذو النون في سورة الأنبياء/ 87 (( إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه )) . وفي سورة يونس/ 94 (( فإن كنت في شك مما أنزلانا إليك )) . وفي سورة هود/ 12 (( فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك )) . وفي سورة يوسف/ 110 (( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبو )) .

 

احاديث مختلقة

الأحاديث المنسوبة لآل البيت- رضوان الله عليهم- صنيعة شعوبية بإمتياز تكشف لنا بأنهم يعلمون علم الغيب! إي إنهم يشاركون الله سبحانه تعالى في واحدة من أهم صفاته! وعهدنا بهم رجال لا أنبياء ولافضل لهم على الاسلام سوى قرابتهم من النبي وهناك من خدم الإسلام أكثر منهم. بل حتى الأنبياء لم ينالوا هذه السمة الربوية إلا بعضهم وبما أوحى الله لهم به فقط كما قرأنا. وسنستعرض عدد من الأحاديث المنسوبة من قبل الشعوبيين للأئمة رضوان الله عليهم وهم منها براء. فقد جاء في الكافي حديثا منسوبا للإمام الرضا" نحن أمناء الله في أرضه، عندنا علم البلايا، والمنايا، وأنساب العرب، ومولد الإسلام". وذكر رجب البريسي في كتابه( مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين) قولا نسبه  للإمام علي "أنا عندي مفاتيح الغيب لا يعلمها بعد رسول الله إلا أنا". كما عنون الكليني في الكافي بابا بعنوان" إن الائمه يعلمون علم ما كان وما يكون وإنه لايخفى عليهم شيئ" أقسم فيه الإمام علي" وربً الكعبة ورب البنية (3) مرات، لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما، ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما". وتمادى الشعوبيون في كفرهم بأن الوحي يُعلم الأئمة بالغيب كما ذكر لنا الكليني" أن الوحي بإرادة الإمام فإذا أراد أن يعلم شيئاً من أمور الغيب علمه". وأحيانا لا يحتاجون لواسطه كما ذكر المازداني في شرحه" أن العلم أحياناً يحدث للأئمة من الله مباشرة بلا واسطة ".  وهناك الكثير من الأحاديث المنسوبة للأئمة زورا وبهتانا، لكننا سنكتفي بهذا القدر.

 

الموقف الصريح للأئمة من هذا الإفتراء

لابد من معرفة الموقف الصريح للأئمة من هذا الزيف والإفتراء. فهؤلاء الأطهار أبعد ما يكونوا من معرفة الغيب، سيما إنهم أعرف من غيرهم بحدود الله فلا يمكن أن يتجاوزوها. فهذا فيلسوف الإسلام الإمام علي(ع) كما نقل لنا الطبرسي في كتابه الإحتجاج يتبرأ ممن يدعي هذه الدعوى الباطلة بقوله" أنا بريءٌ إلى الله وإلى رسولِه، ممّن يقول إنّا نعلم الغيب، ونشاركُه في مُلكِه، أو يُحِّلُنا محلاً سوى المحلَ الذي رضيه الله لنا". وهذا الشيخ المفيد في كتابه( أوائل المقالات) ينكر هذا الأمر جملة وتفصيلا بقوله إن" إطلاق القول عليهـم (الأئمة) بأنهم يعلمون الغيب فهو منكر بيّن الفساد لأن الوصف بذلك إنما يستحقه من علم الأشياء بنفسه لا بعلم مستفاد وهذا لا يكون إلا لله عز وجل". ويناقض المجلسي في البحار الأحاديث التي أوردها نفسه بشأن علم الأئمة بالغيب قائلا"اعلم أن الغلو في النبي والأئمة إنما يكون بالقول بألوهيتهم أو بكونهم شركاء لله تعالى في العبودية أو في الخلق والرزق، أو أن الله تعالى حلً فيهم أو إتحد بهم أو أنهم يعلمون الغيب بغير وحي أو إلهام من الله تعالى". كما جاء في الكافي "عن سدير قال : كنت أنا وأبو بصير ويحيى البزاز وداود بن كثير في مجلس أبي عبد الله عليه السلام إذ خرج إلينا وهو مغضب ، فلما أخذ مجلسه قال : يا عجبا لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب، ما يعلم الغيب إلا الله عز وجل، لقد هممت بضرب جاريتي فلانة، فهربت مني فما علمت في أي بيوت الدار هي؟".

 

الأئمة يعلمون موعد موتهم وبموتون حسب إختيارهم!

وهذه الأمر يثير الكثير من الشكوك والحيرة بل إنه ينسف كل تضحيات الائمة ومعاني إستشاهدهم الخالدة. فقد أفرد الكليني في الكافي بابا بعنوان(إن الائمه يعلمون متي يموتون وإنهم لا يموتون الا بإختيارهم). بمعنى أن نوم الإمام علي في فراش النبي محمد فداءا له، سيكون بموجب ذلك لا معنى له فلا هي بطولة ولا تضحية بالنفس لإنه كان يعلم مسبقا بإنه لايموت! فأين الشجاعة والفداء إذن في موقفه؟ وإستشهاد الإمام الحسين لا يعد إسشهادا لأنه عرف بأنه سيموت لذلك سيكون موته إنتحارا وليس شهادة! وهذا الأمر يتعارض مع القرآن الكريم (( ما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت )) . وكذلك ما جاء في سورة البقرة/ 210 (( قضي الأمر والى الله ترجع الامور )) . ومن المثير إن الإمام علي يقول في نهج البلاغة /147" ان لا علم لأحد بوقوع الموت".

 

الأئمة يعلمون علوم الله وملائكته

ورد في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ما يؤكد بأن العلم المطلق عند الله وحدة بما في ذلك علم ما سيكون. ففي سورة الحجرات/18 (( إن الله يعلم غيب السموات والأرض والله بصير بما تعملون )) وفي سورة طه/110 (( وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (). ومن المعروف إن الرسول(ص) كان أميا لايعرف القراءة والكتابة وقد ورد في سورة الأنعام/50 (( قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ )) . ولكن للأئمة- كما نسب لهم الشعوبيون- أحاديث مختلقة يعرفون فيها ما في خزائن الله من معارف! فقد ورد في بحار المجلسي" أن الإمام جعفر الصادق يعلم ما في السموات وما في الأرضين وما في الجنة وما في النار وما كان وما يكون". ويضيف المجلسي"وأنهم لا يحجب عنهم علم السماء والأرض", بل يصل إلى درجة من الغلو بقوله" الإمام من الأئمة يعلم ما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخى عليه ستره بل ينظر في ملكوت السموات والأرض فلا يخفى عليه شيء ولا همهمة". وجاء في خطبة للإمام علي نقلها الكليني تنهي الجدل في هذا الموضوع "فإني لست في نفسي بفوق ما أن أخطئ ولا آمن ذلك من فعلي، إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني"

 

الأئمة أيضا يحيون الموتى وليس الله فقط

إحياء الموتى واحدة من الصفات الربوية المطلقة إختص بها الخالق فقط وما منحت لرسول أو نبي أبدا فقد ورد في سورة البقرة/28 (( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )) . وفي سورة يونس/56 (( هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )) . وفي سورة الحج/6 (( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) . لكن الشعوبيين نسبوا أحاديثا للأئمة بأنهم يُحيون الموتى. فقد أورد المجلسي في البحار بأن" الإمام علي لو أقسم على الله بإحياء الأولين والآخرين لأحياهم الله". أي إنها مسألة خواطر! وجاء في كتب اعلام الورى وروضة الواعظين وإرشاد المفيد عن أبي عبد الله قوله" إذا قام القائم من آل محمد أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم، ثم أقام خمسمائة فضرب أعناقهم، ثمّ خمسمائة أخرى، حتى يفعل ذلك ست مرات". وجاء للموالي المجلسي في كتاب (حق اليقين) وكذلك بقية المصادر كالغيبة والكافي بأنه "اذا ظهرالمهدى فانه سيحيى عائشه أم المؤمنين ويقيم عليها الحد".  وهناك روايات عديدة بهذا الشأن تثير الضحك احيانا لما فيها من سخافات وسفاهات إبتكرها الشعوبيون بلا حياء ولا خشية من الله ولا إحتراما لآل البيت.

 

من الطريف أن نذكر هذه الحادثة التي رواها الكليني والمجلسي بأن " شاباً من بني مخزوم أتى الإمام علي يريد منه أن يريه أخاه الميت فخرج معه إلى قبره فلما وصلوا، خرج ذلك المخزومي من قبره وهو يتكلم بلسان الفرس، فلما سأله الإمام علي عن سبب تغير لسانه من العربي إلى الفارسي ذكر أن هذه عقوبة من الله لأنه مات على سنة أبي بكر وعمر". لكن للإمام علي موقف مغاير تماما عما يروي السفهاء، فقد جاء في نهج البلاغة قوله عن الموتى " هم جيرة لا يجيبون داعياً، ولا يمنعون ضيماً، ولا يبالون مندبة". كذلك" لا في حسنة يزيدون ولا من سيئة يستعتبون". للحديث بقية بعون الله.

 

 





الاربعاء٠٢ رجــب ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٣ / أيــار / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب علي الكاش نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة