شبكة ذي قار
عـاجـل










كنت قد قررت مقاطعة انتخابات الرئاسة، واستمر موقفي هذا حتى الرابعة عصر يوم الخميس.. أول أمس؛ ذهبت وأدليت بصوتي لحمدين صباحي المرشح الأبرز في معسكر الثورة، وهذا التحول بعد مراجعة وحسابات خاصة وعامة، وكنت قد بنيت موقفي على ضعف الجدوى من آلية الانتخابات قبل استكمال الثورة لمهامها. فبعد أن ذهبت مثل كل الناخبين إلى الصناديق في 19/ 3/ 2011 للاستفتاء؛ جاءت النتيجة لصالح تعديلات مواد في دستور 1971، وانتهت غير النتيجة التي جاءت في الإعلان الدستوري الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وألغي دستور 1971 المعدل، وضاعت نتائج الاستفتاء هباء.


وذهبت مثل الملايين غيري للانتخابات التشريعية، واكتسحها 'الإسلام السياسي' بشقيه الإخواني والسلفي، ولم تكن المقاطعة بسبب النتيجة بل لدلالات مخرجاتها، حين خرجت الثورة خاسرة على طول الخط، ومن تابع ما كتب على هذه الصفحة تباعا كشفا لتطورات الأوضاع قد يجد تفسيرا لهذه المخرجات. وعلى العموم تراجَعْتُ رهانا على معجزة لاحت في الأفق، ووفرها الحراك الذي صاحب الدعاية الانتخابية. وهي المرة الأولى التي لم أراهن فيها على معادلات الواقع وموازين القوى على الأرض، لكن المؤشرات الأولى أكدت أن المعجزات لا تتكرر كثيرا، ويبدو أنها لن تتكرر في المدى المنظور.


في السابق ذهبت إلى صناديق الاقتراع لتأكيد سلامة آلية الانتخابات في إنضاج وترشيد العملية الديمقراطية، واعتبارها خطوة على طريق الألف ميل، ورغم هذه القناعة إلا أن الناخب كلما أقبل على الانتخابات واحتكم إلى الصناديق تزداد معاناته وتتضاعف وتيرة العنف ضده، وتتضخم عملية 'شيطنة' ثورته، إلى أن أعيد إنتاج حكم مبارك مرة أخرى، وبشكل لا يقل شراسة عن سابقه.


وقد أصبح واضحا أن الانتخابات صارت جزءا من المشكلة وليست جزءا من الحل، فلم يتغير شيء جوهري، وتركت الثورة بعيدة عن الحكم ولا تشارك فيه، ولم أكن متفائلا من انتخابات الرئاسة، وضَعُفْت أمام حماس المواطنين ورغبة كثيرين في إنجاح أحد ممثلي الثورة، وفتح الطريق للاستقرار والأمن وعودة الحياة إلى طبيعتها.


كان الطموح شيئا وما دلت عليه النتائج الأولية شيئا آخر، فقد نجح تحالف رجال الأعمال والحزب الوطني المنحل وجهاز مباحث أمن الدولة السابق وأجهزة الحكم المحلي التي ما زالت نشطة رغم القرار القضائي بحلها، وجيش البلطجة والخارجين على القانون المنظم والمعد للقيام بالأعمال القذرة في مواجهة الثورة والثوار. نجحوا في الحشد وراء أحمد شفيق، وقد تمكن جهاز أمن الدولة السابق في استعادة تأثيره على السلفيين بحكم علاقته التاريخية بهم، وعلى كثير من أنصار حازم أبو اسماعيل، وسحب بذلك رصيدا كبيرا ممن تعهدوا بالتصويت لصالح عبد المنعم أبو الفتوح، وهذا أحدث انقلابا في غير صالحه.
وبدلا من أن يتقصى أنصاره ورجال حملته الأسباب الحقيقية وراء تراجع أصواته؛ صبوا جام غضبهم على حمدين صباحي، وتعمدوا إغماض العين عما قام به جهاز أمن الدولة السابق والأمن الوطني الحالي، ونجاحهم في سحب السلفيين من رصيد مرشحهم، واللوم يجب أن يتجه إلى غفلتهم والى السلفيين الذين نقضوا العهد، وقد كانوا شركاء، وكان صباحي منافسا لمرشحهم، وفرق بين الشريك والمنافس، وعليهم ألا يبحثوا عن شماعة، تعميهم عن أخطائهم، وعدم التنبه لما هو قادم في مرحلة الإعادة، وقد يقدر لمرشحهم دخولها؛ في حالة قبول الطعون المقدمة ضد محمد مرسي وأحمد شفيق، وقد يبعدان بنفس طريقة عمر سليمان وخيرت الشاطر، واستبدالهما باحتياطيهما، فحل شفيق محل سليمان، ومرسي مكان خيرت الشاطر، وعليهم أن ينتبهوا لما يحدث من الآن وحتى الثلاثاء القادم؛ موعد الإعلان الرسمي للنتيجة!.


ويجب ألا ينسوا أن التحالف المضاد للثورة هو الذي تقدم باثنين من المرشحين؛ هوما أحمد شفيق وعمرو موسى، ووفر لهما إمكانيات دعائية ولوجستية تفوق التصور؛ اخترقت كل الحجب وعمت القرى والنجوع والعشوائيات والمدن الصغيرة واخترقت جدار الفقر المحيط بالمدن والعواصم الكبرى. وكل هذا جرى بينما كثير من شباب الثورة وقع أسيرا لغرف الشبكة الألكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي؛ حتى أن أبو الفتوح الذي وجد التفافا واسعا من الشباب، رشحته للموقع الأول في الإعادة وجدناه يتراجع.


وإذا ما انتهت المؤشرات الأولية بتفوق شفيق، فمعنى ذلك أن تحالف رجال الأعمال والحزب الوطني المنحل وجهاز مباحث أمن الدولة السابق وأجهزة الدولة والحكم المحلي الصادر حكم بحلها من القضاء الإداري؛ أنه وجه ضربة قد تكون قاضية للثورة، بكل ما يترتب على ذلك من توتر وفوضى وعدم استقرار.


ويبدو أن هناك جهدا بُذل من خلف الستار لحصر الخيار مرة أخرى بين فزاعة الإخوان وفلول مبارك، وهي معادلة بُني عليها حكم 'الجمهورية الثانية'، مع نشأتها في أيار/مايو 1971، سواء في مرحلتها الساداتية المؤمركة، أو في عصر مبارك المصهين وحتى الآن، لذا لا أستغرب أن يسعى كثيرون إلى إعادة إنتاجها واعتبار الرئاسة الجديدة استمرارا لها، كي لا تظهر 'الجمهورية الثالثة'؛ وقطع الطريق على ثورة يناير العظيمة كي لا تؤسس لجمهوريتها التي لم تولد بعد!.


ومن ناحيتي قد لا تكون النتيجة صادمة بالكامل، ولأعتبرها نصف صادمة، فمن راهن على المعجزة قد يمنى بالانتكاسة؛ فالمعجزة قدرية والانتكاسة حصيلة حسابات خطأ في موازين القوى.


وعلينا استعادة قراءة المشهد الانتخابي بقواه الثلاث هي: 'الإسلام السياسي' وله ثلاثة مرشحين؛ هم عبد المنعم أبو الفتوح؛ مستقل وهو إخواني سابق، ومحمد مرسي إخواني حالي ورئيس حزب الحرية والعدالة الإخواني، ومحمد سليم العوا فقيه قانوني وأمين عام الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مستقل، وعلى جبهة الثورة هناك حمدين صباحي، المرشح الشعبي للرئاسة منذ ما قبل خلع مبارك، وخالد علي مستقل، وهشام بسطويسي عن حزب التجمع، وأبو العز الحريري عن حزب التحالف الاشتراكي. ومن رموز الحكم السابق جاء أحمد شفيق آخر رئيس وزراء عينه مبارك قبل تخليه عن الحكم العام الماضي، وعمرو موسى وزير الخارجية الأسبق وأمين عام جامعة الدول العربية السابق. وسارت الانتخابات من ناحية الإجراءات الأمنية والسلامة والإدارية بشكل سليم وإن شابتها مخالفات هنا أو هناك.


ومن الصعب الطعن على ذلك المستوى، وإن كانت هناك طعون فهي ضد عوار القوانين المنظمة لها، وضد التحصين الذي ورد في مواد الإعلان الدستوري ضد الطعن على إجراءات وقرارات اللجنة العليا للانتخابات. وكذلك ضد تجاوزات المرشحين خلال الصمت الانتخابي وأثناء التصويت ذاته.


وإذا لعب التحالف القديم على وتر الأمن والاستقرار، مستخدما المال على أوسع نطاق، في شراء الأصوات، فإن الاخوان المسلمين لم يختلفوا كثيرا، ومكنتهم إمكانياتهم المالية الكبيرة من استغلال حاجة الفقراء والضعفاء، فتفوقوا على أبو الفتوح الحصان الذي راهن عليه 'الإسلام السياسي'.


ومن ناحية الإجراءات الإدارية والقانونية لا نجد هناك تزويرا بالمعنى التقليدي، لكن هذا لم يمنع من تزييف الوعي العام والخاص، وذلك باستغلال حاجات الناس، فمن أراد الأمن كان أحمد شفيق جاهزا ليقول لهم أنه الرجل القوي، ومثله الأعلى حسني مبارك، وأنه قادر على ضبط البلاد في أيام معدودات ليهنأ كل مواطن في بيته، وتخرج النساء ويعدن إلى بيوتهن آمنات مطمئنات، وكأن رسالته تقول بأن الأمن مرتبط برد الاعتبار لحكم مبارك عن طريق انتخابه، وقد يحصل على ما يبتغيه في الجولة الأولى على الأقل.


وإذا ما أظهرت النتائج الرسمية تقدم شفيق فمعنى ذلك أن الثورة دخلت الطور النهائي للتصفية، وإذا ما وصل إلى سدة الرئاسة فمن المتوقع أن تزداد في عصره وتيرة العنف والدم، فأفق الرجل محدود بمصالحه وبالحلول الأمنية والعنف المفرط، الذي لا يعرف سواه، ولم يخفه أثناء حملته الانتخابية، خاصة أنه لم يستوعب بعد أن هناك ثورة لن تتوقف حتى تكتمل، بجانب نظرته إلى البشر، فهم في نظره قلة من السادة وكثرة من العبيد، وعلى العبيد الانصياع والطاعة، وإلا فالموت والدم والحديد والنار في انتظارهم!.


من هنا تأتي معضلة التسليم بالنتيجة إذا ما جاءت بهذا الشكل المشوه، كأساس من أسس العملية الديمقراطية، وهذا لا يستقيم مع هدف الثورات في تغيير المجتمع والدولة، وإزاحة المنظومة القديمة الفاسدة والمهترئة، وإحلال منظومة أخرى على النقيض منها، في بلد لم يتطهر بعد من دنس الاستبداد والفساد والتبعية، وشعب لم يجد من يحصنه ضد ضغط الحاجة ومن ذل الفقر، والفقراء في مجتمع انعدم فيه العدل وضاعت المساواة يزحفون على بطونهم، ومن يزحف على بطنه لا يستطيع أن ينتصب مرفوع الهامة.


وسمعت وأنا أسطر هذه الكلمات من شاب يقول بغيظ: كيف لواحد لا يملك رصيدا بين الناس، وطرده أهل قنا في جنوب مصر من بلدهم، وقذفه أهل دائرته في التجمع الخامس بالقاهرة بالأحذية، ولم يستقبل استقبالا حسنا في أي مكان زاره طوال فترة الدعاية.. كيف له أن يحصل على هذه الأصوات؟، ويبقى سؤال الشاب معلقا حتى إشعار آخر. وأضاف إن هذا ما اعتدناه كل مرة لإرباك الرأي العام، ثم نفاجأ بالنتيجة الصحيحة! فهل يتحمل الشعب صدمة حصول شفيق على المركز الأول أو صدمة نجاحه في الجولة الثانية، لا قدر الله؟!

 

 





الاحد٠٦ رجــب ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٧ / أيــار / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد عبد الحكم دياب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة