شبكة ذي قار
عـاجـل










إبتداءاً أنا اؤمن بأن الذاكرة العراقية ليست بالذاكرة القصيرة ولله الحمد .. ولكنني أؤمن أيضا ( فذَكّر إنْ نَفَعَتِ الذكرى ) . وهذا مادفعني الى كتابة هذا المقال .

 

كنت كغيري من العراقيين أراقب تسارع الأخبار السياسية خصوصا منذ يوم الخميس 14/6/2012 .. بعد أسابيع من صراع " دون كيشوتي " تمّ تأليفه وإخراجه وتمثيله على مسرح السياسة العراقية فكان شاغل الناس وحديث الإعلام طوال هذه الفترة . وفي ذلك اليوم تحديدا وعلى حين غرّة تمت عملية إسدال الستار أمام دهشة الكثيرين .

 

لم أكن ، والكثير غيري بلا شك ، مندهشا لما حدث ويحدث .. فقد كتبت مقالات حول محاولة  تنصيب نوري المالكي رئيسا لما يسمى حكومة العراق حتى قبل أن يتم ذلك التنصيب في عام 2010 .. أي قبل حلول عام الإنتخابات وقبل أن تجرى تلك الإنتخابات بستة أشهر

 

تم نشرها جميعها ومنها :

 

ـ إستقراء الأحداث السياسية لعام 2010 . نشرت في 21/9/2009 . أشرت فيها الى أن المالكي هو المرشح للفوز بالإنتخابات القادمة بتأييد أميركي ـ إيراني وبالإتفاق بينهما .

ـ الإنتخابات أسلحة الدمار الشامل الحقيقية . نشرت في 21/10/2009

ـ بين الصراع العراقي والرغبة الأميركية . نشرت في 3/11/ 2009

ومقالات أخرى بعد تنصيب المالكي منها : إنتهت مرحلة الصدمة والترويع وبدأت مرحلة الفوضى الخلاّقة وذلك بتاريخ 29/9/2010 ، ثم كتبت : إلغاء الإنتخابات العراقية في المستقبل في 19/10/2010 ثم مقال : سواء قاطعتم الإنتخابات أو شاركتم فيها ، بقيتم أو إنسحبتم ، فالنتيجة واحدة . وهذه نشرت في 23/11/2010 .

جميع هذه المقالات وغيرها ذات الصلة يجدها من يريد أن يطلع عليها على رابط مدونة مقالاتي في آخر هذا المقال .

 

الآن يبدو أن دورنا كمتفرجين على هذه المسرحية قد إنتهى وعلينا أن نغادر الصالة وقد إنتهى العرض مادحين أو قادحين سواء رضينا بما تم تقديمه وعرضه علينا أم لم نرضى .!

ولأن المسرحية قد تعاونت على إنتاجها وإخراجها قوى دولية وإقليمية .. ولأننا كشعب قد دفعنا من شقائنا وعرقنا ودموعنا ودمائنا الكثير حتى نراقب أحداثها .. فقد آن الأوان أن نحمد ربنا على نعمة الإستقرار بعد هذه العاصفة ونعمة الإصلاحات التي وعدنا بها المالكي في المرحلة القادمة وهو بطل المسرحية وقد اتفق معه في ذلك كافة الممثلين وأيضا المؤلف والمنتج والمخرج مما سيضمن إستمرارها في العرض وبنجاح ساحق لسنوات قادمة على المسرح العراقي .

 

هنا لابد لي من وقفة لكي أستعرض أمامكم فصول المسرحية التسع والتي إبتدأت عام 2010 .. ولكي أكون واقعيا في الوصف والتسميات فقد إرتأيت أن أطلق عليها (( المهازل التسعة )) وكأني بهذه التسمية أطابق واقع الحدث وأحاكي سنوات تسع عجاف من الإحتلال والإنتكاسة العراقية .

 

المهازل التسعة

 

المهزلة الأولى : في آذار 2010 ، وبعد إعلان النتائج الأولية للإنتخابات بعد الإنتهاء من عملية فرز الأصوات .. فاجأنا المالكي أمام الصحافة بالقول : أن النتائج والعملية الإنتخابية لم تنتهِ بعد !

يومها كان الشعب العراقي أو الناخبين منهم قد تأكدوا أن القائمة العراقية قد حققت الفوز بنسبة بسيطة وأن أمر المالكي قد إنتهى .. ولم نكن لنعرف وقتها أن هناك إتفاقات جانبية قد تم حسمها وأن نوري المالكي يعني ماقاله لأنه قد أحيط به علما .. لنكتشف بعد ذلك إصطفاف التيار الصدري وفي اللحظات الأخيرة الى جانبه لترجيح كفته ، وكذلك فعلت الكتلة الكردية ..!!

 

المهزلة الثانية : الإنتخابات نفسها كان من المقرر أن تجري في كانون الثاني 2010 ، وهي فترة إنتهاء المدة الدستورية لولاية المالكي الأولى .. ولكن فجأة تم الإعلان عن موعد جديد للإنتخابات وحدد تاريخ السابع من آذار 2010 موعدا جديدا لها ( ثلاثة أشهر في صالح بقاء المالكي ) . وحين أعلنت نتائج الإنتخابات كما ذكرنا في المهزلة الأولى إستغرقت عملية الصراع السياسي في المسرحية الإنتخابية ( ثمانية أشهر ليتم الإعلان عن فوز المالكي أخيرا وتنصيبه رئيسا للحكومة ) .. ولو أضفنا ( مدة الشهر ) التي مُنح إياه المالكي لتسمية حكومته .. نكون قد إنتهينا الى مدة سنة كاملة قضاها المالكي في رئاسة الحكومة فعليا فوق المدة الدستورية لولايته الأولى !

 

المهزلة الثالثة : بعد كل هذه المدة والمماطلة والتسويف والتآمر .. لم تأخذ عملية تنصيب المالكي سوى أربع ساعات في مجلس النواب !! وأذكركم بوقوف جلال الطالباني رئيس الجمهورية على المنصة منفعلا ومنتشياً ليعلن شفاها تكليف المالكي بتشكيل الحكومة تبعتها عملية عناق وتقبيل !!

 

تم ذلك مع أن الدستور والعرف يقولان أن التكليف يكون بكتاب رسمي .. وفي خطة مكشوفة أخرى قام الطالباني بالإعلان في 21/11/2010 بأن كتاب التكليف الرسمي سيصدر يوم 25/11/2010 أي قبل يوم واحد فقط من إنتهاء المدة الدستورية الممنوحة له لإصدار أمر التكليف بتسمية مّن سيشكل الحكومة !! ( يعني عصرها الكاكا بالأيام ..!!)

 

المهزلة الرابعة : خلال عملية الصراع التي كانت دائرة بين علاوي والمالكي بعد الإنتخابات ونتائجها فقد أحجم التكتل الكردي بشقيه البارزاني والطالباني عن الوقوف ( ظاهريا ) الى جانب أي منهما وأكتفى بالتمسك بنقاطه وشروطه المطروحة !! ولكن حقيقة الأمر أن التنسيق مع إيران كان في أعلى مستوى لتثبيت المالكي وقد أنيطت تلك المهمة بالطالباني لقربه من الساسة الإيرانيين وعلاقاته معهم .

 

في تلك الفترة ، وخلال عملية الصراع السياسي على تشكيل الحكومة ، أعلن الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك السعودية عن إستعداده لإستضافة الأطراف العراقية المتصارعة وتقريب وجهات النظر . وفور إعلان ذلك رفض البارزاني هذه المبادرة وعلناً ..!! ولكن الذي حدث أن المجموعة الخليجية أعلنت تأييدها لمبادرة الملك عبد الله .. وفجأة إنقلب البارزاني ليعلن موافقته على المبادرة .. فهو ينظر الى الأمور بنظرة رجل الأعمال الناجح ويعلم حجم الإستثمارات الخليجية في الإقليم .

 

على أي حال ، لم يكتب لتلك المبادرة النجاح ، وكان ذلك بدون أدنى شك بأوامر إيرانية الى كافة الأطراف السياسية العراقية لكي تنفرد إيران بالمهمة ونجحت في ذلك فعلا بتنصيب نوري المالكي لاحقا .

 

المهزلة الخامسة : إنسحاب علاوي وجماعته باستثاء البعض منهم من جلسة البرلمان المخصصة لإعلان فوز المالكي ، سواء بقصد أو بدونه ، بذكاء أو بإنفعالية ..!! وكانت تلك الخطوة بمثابة المسمار الأخير في القائمة العراقية والعقبة الأخيرة أمام فوز المالكي ..!! ثم وخلال فترة الشهر التي منحت للمالكي لتشكيل حكومته ، اعلن علاوي أنه سوف لن يحضر جلسة يوم 21/11/2010 وذلك بسبب سفره الى لندن لحضور ( حفل زفاف ) كريمته .. وأسدل الستار !!

 

المهزلة السادسة :  بدأت بعد ذلك عمليات إنشقاق وإنشطار بين الكتل السياسية المناوئة لنوري المالكي على وجه الخصوص .. إنشق ابراهيم الجعفري بجناح جديد لحزب الدعوة وهو رئيس الحكومة السابق والمنافس الأقوى للمالكي . إنشق الوفاق او القائمة العراقية الى كتل أصغر لا أهمية تذكر لها . أعيدت تشكيلات التحالف الطائفي بدخول كتل وخروج أخرى . فرضت العزلة على التيار الصدري وغادر مقتدى الى إيران ( للدراسة وتلقي العلوم ) وتعرض التيار لضربة عسكرية في البصرة . خرجت شخصيات من الجانب الآخر ممن كانوا محسوبين على العرب السنّة لينضموا تحت جناح المالكي ، شخصيات عرفت بالإنتهازية والمصلحية . تم تمييع منصب مجلس السياسات العليا الذي وعد به علاوي واصبح خارج اللعبة يتنقل بين هذا البلد وذاك ليلقي بالتصريحات يسرة ويمنى . علّقت ثلاث مناصب وزارية مهمة بدون وزير وتولاها المالكي شخصيا حتى يومنا هذا وهي الدفاع والداخلية والأمن ليصبح القائد العام للقوات المسلحة ولا من معترض لا في التحالف ولا في الأحزاب ولا في البرلمان ..!!

 

المهزلة السابعة : دخل العراق تحت ظل الولاية الثانية لنوري المالكي في سنوات قهر واستلاب للحريات وتفرد سلطوي . تزامن مع كل ذلك إرهاب الدولة المتمثل بتصاعد أعمال العنف والتفجيرات المنظمة الكبيرة ، وأضفنا مسمى " الدامي " الى كافة أيام الأسبوع تقريبا .. من السبت الدامي الى يوم الجمعة الدامي . كذلك تصاعدت عمليات القتل والإغتيالات وازدادت الهجرة القسرية وتدنت الخدمات العامة الى أدنى مستوياتها في وقت إرتفعت فيه سرقة المال العام الى أعلى مستوياتها .. وسقطت هيبة القضاء المستقل بل أغتيلت على يد مدحت محمود النعلبند القاضي الإمعة والإنتهازي المعروف ليصبح القضاء أداة بيد نوري المالكي يقوم بتنفيذه نيابة عنه وبالقرارات القانونية الملزمة رئيس مجلس القضاء الأعلى مدحت المحمود النعلبند . لقد ظهرت على السطح معلومات السجون السرية التي تتبع مكتب المالكي مباشرة وفضيحة سجن مطار المثنى والجادرية . آلاف المعتقلين بدون توجيه التهم اليهم أو محاكمتهم ولسنوات ..!

 

إذاً ، لقد دخلنا فعلا مرحلة الفوضى الخلاّقة التي حققها المالكي بعد أن رسمها وولتفيتز ورامسفيلد وبايدن وبدأ بها بول بريمر .

بعد أربع سنوات تحوّل فكر الشارع العراقي من رفض الإحتلال والمحتل الى رفع الظلم ثم الى الرهانات على شخوص العملية السياسية وهم جميعا قد خرجوا من رحم واحد ورضعوا من ثدي واحد .. مَن سيكسب ومَن سيخسر .. مَن سيبقى ومَن سيخرج ..!!

 

المهزلة الثامنة : ومع قرب الإنتخابات المحلية مرة أخرى .. تنبه ( الإخوان ) في العملية السياسية العراقية الى ( خطورة ) المالكي فجأة ..! ليدخلوا العراق في عملية صراع جديدة ، تم توزيع الأدوار فيها بالشكل التالي :

 

البارزاني ومعه علاوي والعراقية والنجيفي والصدر في جانب واحد .. المالكي وثعالب الدعوة مثل عزت الشابندر والزهيري والسنيد وبقية الشلة الإجرامية في الجانب الآخر .. وفي الوسط وقف عمار الحكيم ومجلسه والجعفري وكتلته موقف المصلحين والمقربين لوجهات النظر .. في حين صرح الطالباني أنه يقف على مسافة واحدة من الجميع (!!!) .

 

هذه العاصفة الجديدة نطلق عليها مرحلة ( سحب الثقة ) من المالكي أو (إستجواب) المالكي أمام مجلس النواب .. وبدأت عملية جمع التواقيع النيابية ( لإسقاط ) حكومة المالكي .. وتساءلنا : وماذا بعد ذلك ؟ ومن البديل ..؟ وماالذي سوف يتغير ..؟ ونحن نعلم أن مايحدث هو عاصفة مفتعلة .. وهو فعلا مسرحية أميركية ـ إيرانية  تم توزيع الأدوار فيها بكل دقة وأدى الممثلين فيها أدوارهم بكل جدارة قبل أن ينتقلوا الى المهزلة التاسعة وحسب التوقيت المقرر لها .....

 

المهزلة التاسعة : أقف مع هذه المهزلة الأخيرة موقف من يحاول إستقراء الأحداث التي ستحملها لنا الأخبار في الأيام أو الأسابيع القادمة :

 

ـ  الطالباني في رحلة علاج ، إلا أن أحد أركان حزبه صرّح أن لديه ، أي الطالباني مستمسكات وملاحظات حول أركان المجتمعين في أربيل يحتفظ بها الى ( يوم معلوم ) !!

ـ  البارزاني يصرح يوم الأحد 17/6 ، أنه ليس لديه عداء شخصي مع المالكي ..! ولكنه يهدف الى إصلاح مسار العملية السياسية في العراق .

ـ الصدر يصرح بدوره أنه يريد فقط أن يلعب دور الوسيط بين الأطراف ( لمصلحة العراق ) وأنه ليس لدى تياره تطلعات لمنصب رئاسة الحكومة ..!!

ـ عمار الحكيم يدلي بكلمته في منتداه ليوم الأربعاء أنه يريد التوفيق بين وجهات النظر وأنه لابديل للخروج من الأزمة إلا عن طريق طاولة المفاوضات .

ـ أسامة النجيفي وهو لاشك يتكلم بإسم علاوي وبقية أطراف القائمة العراقية يتكلم من لندن محاولا إنكار أي إتصال له مع المالكي ..! في حين أشارت أكثر من جهة صحفية غربية الى وجود تفاهم بين الإثنين للخروج من الأزمة .

 

تحول الإتجاه إذاً ، من موضوع سحب الثقة الى موضوع آخر ، أعتبره شخصيا ليس أكثر من خطوة وسطية لحفظ ماء الوجه ، وهو الحديث عن إستجواب المالكي من قبل مجلس النواب .. وتشكيل لجنة (!!!) للتحضير لذلك .

 

هذا بدوره سوف لن يتم أيضا ، وإذا ما تم ذلك ، فسوف ينتهي على خير ولصالح المالكي وبحل وسط .. وهذا الحل الوسط هو مااقترحته إيران على كافة الأطراف ( ونحن نعلم أنه أمر عندما يصدر من إيران أكثر منه إقتراح ) وذلك بالطلب من الأطراف السياسية في العراق بإعطاء المالكي فترة شهرين للبدء بإصلاحاته .. وكأن العراق قد أصبح إقليميا أو محافظة فارسية ..!!

 

بإلقاء نظرة سريعة على كافة المناورات السياسية التي ذكرتها في هذا المقال ومنذ تولي المالكي رئاسة الحكومة ، ومقارنة تسلسل أحداثها بالمهزلة التاسعة تحديدا .. نرى بوضوح أنها مناورات تتطابق الى حد بعيد وتحمل نفس الرائحة النتنة التي دأبت أطراف مايسمى العملية السياسية في العراق على إنتهاجها وتكرارها وبتغيير جلدها المرة تلو الآخرى كالحرباء .

 

لم أتمنى يوما في حياتي العملية ككاتب أن أكون فيه مخطئا في تحليلاتي كما أتمنى الآن .. ولكنني أرى أن ذلك سوف لن يحدث ، ولو حدث ، فلن يكون أكثر من حلقة في سلسلة متهرئة من عملاء وخونة تسمى حلقة تبديل الوجوه وبما يخدم مخططات أميركا وممصالح إيران .

 

لك الله ياعراق .. ولك الله ياشعب العراق ..  والله المستعان

 

 

lalhamdani@rocketmail.com

مدونة مقالات الكاتب

http://www.blogger.com/profile/18395497774883363689

 

 





الثلاثاء٢٩ رجــب ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٩ / حزيران / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب علي الحمـــداني نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة