شبكة ذي قار
عـاجـل










أيها الأخوة والأخوات

أيها الرفاق والرفيقات

نلتقي بكم اليوم، إحياء لمناسبات، هي بالنسبة إلينا ولأمتنا، على قدر كبير من الأهمية، بالنظر إلى الدلالات النضالية التي تنطوي عليها. وأن تحتشد هذه المناسبات في مفصل زماني واحد، فهذه ليست مصادفة، بل سياق طبيعي لتقاطع مسارات نضالية، تماهت في منطلقاتها، وتفاعلت في عطاءاتها، وتكاملت في أدوارها، وهذا ما جعلها تشكل محطات تاريخية، قبلها ليس كما بعدها.

 

فما بعد استشهاد قائد العراق الرئيس صدام حسين لست سنين خلت ليس كما قبله.

وما بعد تحرير العراق من الاحتلال الأميركي لسنة خلت ليس كما قبله.

وما بعد انطلاقة الثورة الفلسطينية لثمانٍ وأربعين سنة خلت ليس كما قبله.

 

إن استشهاد رفيقنا وأمين عام حزبنا، شكل ولا شك خسارة كبيرة لنا، لكن مواساتنا، ان استشهاده جاء في سياق المواجهة الشاملة مع المحتل الأميركي وأدواته وأزلامه وأتباعه وكل المتقاطعين معه موقفاً وسلوكاً.

 

وان الدلالة النضالية التي برزت من خلال المشهدية التي واجه  بها  الجلادين ، باتت رمزية نضالية لن تمحى من ذاكرة شعب العراق والأمة العربية. وهي شكلت عاملاً محفزاً لتصعيد المقاومة ضد العدو الأميركي، الذي اعترف بأن مرحلة ما بعد استشهاد صدام حسين، كانت أشد وطأة عليه، وان هذه المقاومة التي تصدت لأعتى قوة عسكرية في العالم، التزمت بوصيته، بأن أميركا ستندحر على أسوار بغداد وها هي قد اندحرت. فكان يوم الثلاثين من كانون الأول 2011، الإعلان الرسمي لهذا الاندحار. وفيه نقول أنه يوم نصر العراق على الاحتلال الأميركي، أنه يوم نصر الأمة على كل أعدائها الذين يُختصرون بالتحالف الصهيو-أميركي، وكل من تقاطع معه في قريب الجغرافيا وبعيدها. وعلى هذا الأساس، فإن ما قبل اندحار أميركا عن العراق ليس كما قبله، لأن بعد هذا الاندحار، بدأ شعب العراق، تنفيذ المرحلة الثانية من مسيرة تحريروطنه وإعادة توحيده على الأسس الوطنية وحماية عروبته من كل من يضمر بها شراً ،من قوى التخريب الداخلي، وقوى التدخل الأجنبي والإقليمي، والذي تتصدره حالياً إيران.

 

إن النظام الإيراني الذي مارس سياسة التقية طيلة فترة الاحتلال الأميركي، وأقام خلايا نائمة في العديد من مناطق العراق، ونفذ جملة أهداف عبر أدوات مرتبطة به ومؤتمرة بتوجهاته، سارع فور الانسحاب الأميركي، ليقبض على الوضع السياسي العراقي بكليته، عبر إدارة ما يسمى بالعملية السياسية، والشعب العراقي إذ ينتفض اليوم على مساحة الوطن، فإنه لم يُضع البوصلة، بل أشر إلى مصدر الخطر الجديد الذي يهدد وحدة العراق وعروبته.

 

وإذا كانت مقاومة الاحتلال الأميركي اتخذت بعداً عسكرياً، لأنها كانت موجهة ضد تشكيلات عسكرية محتلة، متموضعة، ومكشوفة، فأن مقاومة الدور الإيراني تأخذ بعداً وطنياً وشعبياً، لأن النظام  الإيراني يريد النفاذ إلى عمق النسيج المجتمعي العراقي، لتفتيت مكوناته وتطييف حياته السياسية، وتشويه هويته القومية. ولهذا جاءت الانتفاضة بهذا البعد الشعبي الشمولي لتثبت، بأن شعب العراق الذي استطاعت مقاومته طرد المحتل الأميركي، لن يقبل بأن تفرض عليه وصاية أو هيمنة بجلباب الدين أو السياسية. ولذا وجه رسالة سريعة للقريب والبعيد، بأن هذا الشعب الذي قاتل لثماني سنوات في القادسية الثانية، ومثلها ضد المحتل الأميركي، قد دخل مرحلة جديدة من عملية الاستنهاض الوطني لإعادة العراق واحداً موحداً حراً عربياً ديموقراطياً، وان تشترك كل أطياف الشعب في العراق في هذا الحراك الشعبي ضد الإدارة السياسية التي تلعب دور الإدارة التنفيذية لتمرير مآرب النظام الإيراني، فهذا دليل على ان شعب العراق المشدود إلى وطنيته المفتوحة علىآفاقها  القومية هو من يحدد خياراته حاضراً ومستقبلاً. ولهذا نقول ان مرحلة ما قبل دحر لاحتلال ليست كما بعدها وها هي شخوصها تثبت هذه الحقيقة الساطعة.

 

أما الذين يقولون اننا نبالغ في تصوير سلبية الدور الإيراني، وان الحملة على هذا الدور هي لاستجلاب عدائية تقفز إلى الواجهة وتدفع العدائية مع العدو الصهيوني إلى مواقع خلفية.

لهؤلاء نقول ، أننا لسنا من دعاة توسيع دائرة العدوات مع الأمة العربية، ونحن نقول بصدق حبذاً لو كان النظام الإيراني يسعى لإقامة علاقات حسن جوار وتعاون مع  الدول العربية. لو كان ذلك قائماً لكنا  رحبنا بهذا الدور وحضناه، لأن عداءنا الأساسي والوجودي سيبقى مع الكيان الصهيوني ومشروعه الاستيطاني التوسعي.

 

لكن نسأل من الذي يستحضر الروح العدائية في العلاقات العربية الإيرانية؟؟ هل العرب هم الذين يتدخلون في الشؤون الإيرانية الداخلية؟ وهل العرب هم الذين يحتلون أراضٍ ايرانية؟؟ وهل العرب هم الذين يعملون ويجهدون لجعل مكونات مجتمعية في ايران، جاليات سياسية لنظمهم؟ أم أن النظام الإيراني هو الذي لا يترك نافذة يمكن التدخل من خلالها إلا ويستغلها ويقتنص فرصها لتحقيق أهدافه؟ وإذا كان الذين يقولون، بأن التدخل الإيراني في الشؤون العربية هو انتصار لقضية فلسطين، فلهؤلاء نقول أن تحرير فلسطين لا يمر عبر تقسيم العراق ولا عبرتطييف حياته السياسية ولا عبر التدخل في اليمن والبحرين وأقطار الخليج العربي ودول المشرق العربي.

 وحتى لا تندفع الأمور إلى ما هو أسوأ في العلاقات العربية – الإيرانية، نقول لهم كفوا عن التدخل في شؤون العرب وأزماتهم وستكون الأيدي العربية ممدودة لنسج أفضل العلاقات الجوارية، وهذا الذي ندعو إليه لإقامة علاقات حسن جوار مع إيران، هو نفسه الذي ندعو إليه مع كل دول الجوار العربي، من إيران إلى تركيا ودول التخوم الأفريقي، لا لسبب، إلا لأننا نريد أن يوحد الجهد العربي النضالي في مواجهة العدو الصهيوني الذي استولى على الأرض بالقوة، والتي لن تستعاد الحقوق المغتصبة إلا بالقوة مرددين قول القائد عبد الناصر ما أخذ بالقوة لن يسترد  بغير القوة.

 

اما فلسطين، التي انطلقت ثورتها لثمانٍ وأربعين سنة خلت، هي بالنسبة الينا قضية العرب المركزية، وفيها تختصر كل أهدافهم في التحرر والتقدم والوحدة.

إن فلسطين التي مرت ثورتها بظروف صعبة، وواجهت تعقيدات كثيرة، هي اليوم أمام تحديات قوية، انها تحديات، مواجهة الاحتلال والقضم الصهيوني للأرض. والتصدي للعدوانية المتواصلة، كما هي تحديات الانتصار على الانقسام السياسي، والخروج من نفق الانشطارات الداخلية إلى رحاب التوحد على قاعدة الموقف الوطني.

 

ففلسطين، ليست غزة، ولا الضفة، انها كل الأرض المحتلة وفي القلب منها القدس الشريف. والمقاومة الفلسطينية، ليست حماس وليست فتح، انها حركة النضال الوطني الفلسطيني بكل فصائلها ،هي كل شعب فلسطين وان أي إنجاز نضالي يتحقق بفعل الكفاح المسلح والحراك السياسي، يجب أن يكون توظيفه في الإطار الوطني الشامل وهنا تكتسب أهمية استثنائية مسألة استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية.

 

إننا في هذه المناسبة بكل دلالاتها النضالية، نوجه نداء قلبياً خالصاً، لكل فصائل وقوى المقاومة الفلسطينية، لأن تبادر لإعادة تموضعها السياسي في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا بقدر ما يشكل استجابة موضوعية لمعطى النضال الوطني الفلسطيني فإنه يشكل استجابة لصرخة جماهير فلسطين في داخل الأرض المحتلة وخارجها، بأن الشعب يريد الوحدة وإسقاط الانقسام.

 

إن استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية على قاعدة البرنامج الوطني الحاضن للحقوق الوطنية، يوجه رسالة  ملاقاة إلى جماهير الأمة العربية التي تعيش حالة مخاض ثوري بفعل الانتفاضات العربية ذات الطابع الثوري، وعليه نؤكد بأن هذا الحراك  يجب ان يبقى مشدوداً إلى قاعدة وطنية في بناها وبرنامجها، وحتى يقطع الطريق على كل أشكال التدخل الأجنبي، إقليمياً كان أو دولياً، وللحؤول دون الإطباق على هذا الحراك وحرفه عن اتجاهاته الوطنية التحررية.

إن هذا الحراك الشعبي، الذي أسقط أنظمة حكم في عدد من الأقطار العربية ويتواصل في أقطار أخرى، نحن معه على قاعدة وطنيته  وسلميته وديموقراطيته، وصولاً لاحداث تغيير يلبي حاجات الجماهير في العيش الحر الكريم، ويضع حداً للاستبداد والتأبيد في السلطة والتوريث في الحياة السياسية، ولاجل اقامة النظم الديموقراطية القائمة على مبدأ فصل السلطات وتداول السلطة والتعددية السياسية.

وإذا كان هذا الحراك لم يرسُ في سياقاته على قواعد ثابتة حتى الآن، فلأنه يمر بمرحلة انتقالية لن تستقر ثوابتها إلا بعد إعادة هيكلة الحياة السياسية، وهنا نتوقف عند ثلاثة مشهديات.

 

الاولى،المشهدية المصرية والتي رغم تمكن حركة الأخوان المسلمين من إيصال ممثلهم إلى سدة الرئاسة، فإن المعركة التي دارت حول مشروع الدستور، تبشر خيراً، لبروز ظاهرتين هامتين، الأولى، عراقة المؤسسات الدولاتية، والثانية حضور القوى الوطنية بكافة تلاوينها كقوة شعبية وسياسية وازنة في الشارع وفي الحياة السياسية، وهذا ما يجب أن يبنى عليه لإعادة شد الحراك إلى قاعدة برنامجه الوطني.

 

واما المشهدية الثانية ، فهي الحراك الشعبي في العراق، والذي انطلق بزخم جماهيري بهدف إسقاط العملية للسياسة التي أفرزها الاحتلال، لأن السياق الطبيعي للأمور يملي القول بأن زوال الأصيل، ينهي دور الوكيل، وأن ما بني على باطل فهو باطل، وان هذا الحراك الشعبي الذي انخرطت فيه كل أطياف الشعب العراقي يعيد التأكيد بأن وحدة العراق عصية على التقسيم، وان عروبة العراق عصية على التشويه، وما لم تستطع ان تحققه أميركا لا تستطيعه إفرازاتها وتلك المتقاطعة معه في ظل الرفض الشعبي المشبع بالوطنية والمستند إلى تراث وتراكم نضالي، وطني المضمون قومي الأبعاد.

 

وأما المشهدية الثالثة ، فهي الذي يجري في سوريا، وقد قلنا في البداية، ونعيد التأكيد عليه حالياً، بأننا نرفض كل أشكال التدخل الأجنبي في سوريا، لمصلحة المعارضة كان هذا التدخل أم لمصلحة النظام، كما نرفض عسكرة الاعتراض الشعبي، والذي يتحمل النظام مسؤولية دفع الأمور إلى هذا المدار من التصارع.

 

إن ما يجنب سوريا المنزلق الخطير الذي تندفع إليه وتجرع الكأس المر، هو إحداث التغيير السياسي، عبر حل لا يقوم على أساس إعادة إنتاج النظام لنفسه عبر إصلاحات فولكلورية وتجميلية، بل بحل سياسي يضمن وحدة سوريا أرضاً وشعباً ومؤسسات، ويقيم النظام الديموقراطي الذي يطلق الحريات العامة، ويجعل الديموقراطية الناظم الوحيد للحياة السياسية.

 

إن ما يطرح حالياً من مبادرات من هنا، ومشاريع حلول من هناك، لا يلامس صلب المشكلة الحقيقية، لأنه ما يزال يدور حول أطرافها ويتجول على ضفافها. فيما المطلوب، إنقاذ سوريا موقعاً وطنياً، ودوراً قومياً. ولأن سوريا المكون الوطني هي أهم من أي منظومة سياسية، معارضة كانت أم سلطوية، ولذا يجب بعد هذا الذي حصل أن يخرج الجميع من أوهامهم بالحسم العسكري، وان الحل الانتقالي وفق النموذج اليمني يشكل مخرجاً مقبولاً لتفادي الأسوأ.

 

أما بالنسبة للبنان، فلن نتوقف كثيراً عند معطياته السياسية، فليس لأننا نتجاهل الواقع الذي تعيشه الساحة اللبنانية، بل لأن كل الكلام السياسي قد استهلك في توصيف هذا الواقع الذي ينوء تحت تثقيل سياسي وأمني واقتصادي واجتماعي، وإنساني، تراكمت عناصره على مدى عقود، وتتحمل مسؤوليته الحكومات المتعاقبة، وأنه إذ يزداد سوءاً، فلأن قوى 8 و14 آذار تتبادل الأدوار موالاة ومعارضة في التعطيل والمقاطعة وهموم الناس والقضايا الحيوية والحياتية في آخر اهتماماتهم.

 

وإذا كانت المثالب السياسية لكلا الطرفين اللذين يتناوبان على إدارة الأزمة كثيرة، ولا تتسع المناسبة للإطلالة عليها تفصيلاً، إلا ما نود التوقف عنده هو موضوع النزوح الإنساني من سوريا إلى لبنان.

 

إننا في الوقت الذي ندعو فيه لتجنيب الساحة اللبنانية انعكاسات تداعيات الوضع المتفجر في سوريا أمنياً وسياسياً، فإننا نرفض المنطق الذي يدعو إلى إغلاق الحدود أمام النزوح الإنساني أو اعتبار وجود النازحين انتهاكاً للسيادة الوطنية.

 

إن هذه القضية، هي قضية إنسانية بامتياز، وإذا كانت إمكانات لبنان لا تمكنه من توفير المساعدة لتأمين إقامة إنسانية كريمة لأهلنا النازحين مواطنين سوريين وفلسطينيين، فالرد لا يكون بموقف يقارب العنصرية، بل باستنفار كل الجهد الرسمي وجهود مؤسسات المجتمع المدني ووضع الجامعة العربية والأمم المتحدة أمام مسؤولياتهم، التي تفرضها أحكام القانون الدولي الإنساني.

 

إن هذه القضية يجب أن تبقى خارج السجال السياسي وخارج التوظيف السياسي الانتخابي، ليس لأننا كشعب مطلوب منا رد الجميل لمن شرع أبوابه أمام النزوح اللبناني إبان عدوان تموز، ولأننا ملزمين بحكم الروابط والانتماء القومي، بأن يساعد بعضنا البعض في تلقي النتائج الإنسانية للصراعات المتولدة عن حروب مع العدو أو عن أزمات داخلية تأخذ طابع الصراع الشامل.

 

إننا في هذه المناسبة، مناسبة الذكرى السادسة لاستشهاد الرئيس القائد صدام حسين، والذكرى الأولى لتحرير العراق من الاحتلال الأميركي، والذكرى السابعة والأربعين لانطلاقة الثورة الفلسطينية، نقف بإجلال أمام المعاني والدلالات النضالية لهذه المناسبات الثلاث، والتي باتت منصات نضالية مشرقة، وستبقى دائمة الحضور في الذاكرة الشعبية العربية.

 

تحية لشهيد العراق والأمة والحزب الرئيس القائد صدام حسين

تحية لشعب العراق ومقاومته الوطنية ولقائد جبهة الخلاص للجهاد والتحرير الأمين العام للحزب الرفيق عزت إبراهيم .

تحية للأسرى والمعتقلين في سجون ومعتقلات السلطة الحاكمة في العراق وعلى رأسهم الرفيقين المناضلين طارق عزيز وعبد الغني الغفور والحرية لهم ولكل الأسرى والمعتقلين.

تحية لثورة فلسطين وشهدائها وأسراها ومعتقليها،

تحية لقائد هذه الثورة التي أطلق رصاصتها الأولى الشهيد أبو عمار.

تحية لشهداء المقاومة الوطنية اللبنانية.

تحية لشهداء الأمة العربية وشهداء الحراك الشعبي العربي

تحية لكم جميعاً والسلام عليكم.

 

 

 





الجمعة ٢٨ صفر ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / كانون الثاني / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة