شبكة ذي قار
عـاجـل










قد يكون المصريون معنيين بمصر مباشرة كمواطنين بحكم القانون الوضعي المصري ووفق الأعراف الدولية، ولهم دون غيرهم حق الانتخاب والتملك والتظاهر والاعتصام، ولكن نحن العرب المسلمين تحكمنا مواثيق مع الله تعلو على كل القوانين الوضعية، وتتجاوز الانتماء الجهوي والإقليمي، كوننا أبناء أمة واحدة تجمع شعوب أقطارها قيم ومصالح مازلنا نتمسك بها واحدة من ثوابتنا العقائدية والقومية، مصر ليست للمصريين وحدهم فحسب، ولا هي لحزب من الأحزاب أو جماعة من الجماعات، مصر ابنة أمة عريقة وعظيمة، وجذور انتماء مصر إلى الأمة العربية ممتدة في الأعماق لا تحتاج إلى دليل ولا إلى شواهد، وعلى مر التاريخ حينما تنتصر مصر ينتصر العرب من المحيط إلى الخليج، ومنذ أن فتح العرب مصر وأهدوا لها الإسلام، وقفت سدا منيعا للعرب وحصنا للمسلمين أمام هجمات الروم والمغول، وخاضت حروبا قديمة ومعاصرة دفاعا عن العروبة ومقدساتها، وقدمت أغلى ما لديها وعندها، أبناء وأموالا ولم تبخل بالتضحية من اجل عروبتها بشيء. 

 

ونحن العرب أبناء هذا الجيل والجيل الذي سبقنا ندين لمصر ليس بالمال فحسب، نحن ندين لها بالعقول، مصر لم تبخل علينا بعلمائها وأساتذتها ومدرسيها، ومصر احتضنتنا طلاب علم سنين ننهل من موائد الفكر والثقافة والدين والتاريخ والأدب والفن والفلسفة والعلوم، مصر فتحت لنا جامعاتها ومكتباتها فغذت مداركنا وعقولنا، مصر أم الدنيا وأمنا تحتضننا بود يوم نزورها طلبا للبهجة والترويح عن النفس، نتمتع بماء نيلها، وطيب نسيمها، وعشرية أهلها، نشاركهم مصايفهم ومقاهيهم ومتعة أهرامهم، وأبناء مصر شركاء لكل العرب في بلادهم في العراق وفي ليبيا والسعودية واليمن وسائر الخليج في البناء والعمران والازدهار، قدموا خلاصة أفكارهم، وعرق جباههم، وحصاد سواعدهم، وكل العرب الأخيار يحبون مصر ويفتدونها أرضا وسماء وشعبا، ولا نشعر حينما نكون في مصر إننا غرباء، ولا يشعر المصريون بيننا بالغربة، نحن أبناء امة واحدة تشترك كلها في العسر واليسر، وإن جد الجد مصيرنا واحد وان فرقتنا الحدود وحالت بيننا المطارات والمرافئ، وجعل الحكام من بعثاتنا الدبلوماسية أدوات فصل لا وصل، تفرق ولا تجمع، وتشق الصف ولا ترقع، فيا رب احم مصر وبلادنا جميعا من أعدائها حكاما ومحكومين، ومن الغلاء والبلاء، ويسر لنا جميعا من أمرنا رشدا.

 

لقد حزنت كثيرا وتألمت وأحسست بالأسى وما كنت أتصور بعد الثورة التي أطاحت بالحكام المستبدين الذين أرادوا عزل مصر عن محيطها العربي والإسلامي، أن يدعى أبناء مصر في الخارج وحدهم للوقوف مع بلدهم ودعم اقتصادها، مصر ليست بلد المصريين فحسب، مصر بلد كل العرب، وكنت أتوقع حينما يدعى المصريون لتحويل مائة دولار لإيداعها في بنوك مصر دعما لاقتصادها في مواجهة ما يحيق بها من ركود مؤقت بفعل الإحداث الطارئة إن شاء الله أن يدعى كل عربي ومسلم قادر أن يودع في بنك مصري ضعف المبلغ وأكثر تبرعا أو سندات بلا فائدة لأجل، وسنرى كم يحب العرب مصر، وان فقراء العرب تضحي وتدفع وتساهم في سبيل مصر أكثر مما يدفع ويساهم أغنياؤها وحكامها، وإني آمل من سفارة مصر أن تشكل لجنة إسناد عربية لهذا الغرض، وهذا ليس صوتي وإنما صوت الملايين من شعبنا في الوطن الكبير داخله وخارجه يتمنون أن يردوا لمصر بعض ما عليهم، وأن يتم فتح حساب في كل بلد عربي لإيداع مثل هذه المبالغ لحساب مصر الغالية، مصر منا ونحن منها، مصر لنا ونحن لها، ولسنا بأقل من المصريين حرصا على مصر ونخوة لعزها. 

 

لا نقول هذا مجاملة لرئيس مصر، ولا لأن الإخوان يحكمون مصر، مصر كانت كريمة قبل أن يرأسها مرسي ويحكمها الإخوان، انا فرد عربي أصابني من حكم السادات ومن خلفه مبارك ما أصاب كل العرب من إحباط لسياساتهم الجائرة، كرهنا السادات وكرهنا مبارك وتمسكنا بحب مصر، وازداد حب مصر في قلوبنا مع الثورة، ونحن مع خيار مصر والمصريين، ونرجو أن يوفقوا باختيار من يصلح لهم شأنهم، يجمع الصفوف ويلم الشمل، ويسد الثغرات، ويطمئن الناس جميعا على أنفسهم ووطنهم، وهو ما يسعدنا. نقول القول ونشعر انه حق علينا لا نحابي ولا نتزلف فبلاد العرب أوطاني، واختتم بما يقول الشاعر القرني: 

 


أنـا الحجـازُ أنـأ نجــدٌ أنـا يمــنٌ * أنا الخليــج بــه دمعـي وأشجَـانـي
"بالشّامِ أهلي وبغدادُ الهوى وأنا * بالـرقمتيـنِ وبالفسطـاطِ جِيـرانـي"
النيـلُ مَائي ومِـنْ عمّـانِ تذكرتِـي * وفـي الجــزائـرِ آمـالـي وتِطْــوانِـي
دمـي تصبـبَ فـي كـابول مُنْسَكِبـاً * ودمعتـي سـفحـتْ فـي سفْـحِ لُبْنـانِي
فأيـنمـا ذُكـر اســمُ الـلـهِ فــي بلـدٍ * عـددتُ ذاكَ الحمى من صلبُ أوطاني

 

 





الاحد ٨ ربيع الاول ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / كانون الثاني / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عمران الكبيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة