شبكة ذي قار
عـاجـل










وصف رئيس وزراء العراق الحالي نوري المالكي التظاهرات الشعبية العاصفة في محافظات الأنبار وصلاح الدين والموصل وبشكل مستعجل وإنفعالي بأوصاف منها أنها ( طائفية وترفع شعارات النظام السابق ).

 

ولسنا هنا في مجال تفسير دوافع ردة الفعل المنفعلة وهذا الهجوم غير المُبرَر والذي يفتقر لرؤية مسؤولة حقيقية وواقعية من موقع مسؤول للأمور ولن ندخل في سجال تحليل لماذا إستعجل رئيس وزراء الدولة والأمين العام لحزب الدعوة ورئيس إئتلاف دولة القانون والقائد العام للقوات المسلحة والذي يدير وزارات الدفاع والداخلية والأمن الوطني والمخابرات في إطلاق هذه الأوصاف ومَن الذي أشار عليه للقيام بذلك إن كان للمستشارين دور حقيقي أم هي المنهجية التي تتغافل عن عمد ما يجب أن يقال وما يتوجب القيام به ...

 

الذي نريد أن نسلط الضوء عليه هو ما ورد من مسلسل التوصيفات والتبريرات لدى أركان العملية السياسية الحالية ومفكريها وعلى رأسهم كما يشاع في الإعلام بما يعرف بمنصب كبير مفاوضي إئتلاف دولة القانون الذي برر وصف المالكي المشار اليه أعلاه بسبب :

 

( قيام بعض المتظاهرين برفع هذه الشعارات ) ، ثم عاد وكرر بعد أن تعرض الجيش الجديد للمتظاهرين وإطلاق النار عليهم في الفلوجة وإستشهاد سبعة من الشباب المنتفض للحق وجرح أكثر من ٦٠ متظاهر وبعد أكثر من أربعة أسابيع على تزايد المتظاهرين وإلتفاف الشعب حولهم وإزدياد سقف المطالب الى أن الرواية الحكومية تقول أن :

( المتظاهرين هم من بدأوا بضرب الجيش بالحجارة )، وأن : ( القاعدة ورموز النظام السابق ستلتهم الأنبار إذا ترك الجيش المحافظة )!.

 

وأجاب كبير المفاوضين في دولة القانون على تعليق من قبل أحد مقدمي البرامج في إحدى القنوات الفضائية بأن عليه أن ينظر ويتابع جيدا لقطات تبين قيام بعض منتسبي الجيش بفتح النار بشكل مباشر ومتعمد على المتظاهرين بقصد إصابتهم فقال:

 

( من غير المنطق والعقل السليم أن نحكم على الحالة من خلال لقطات مجتزئة بدون أن نرى الصورة كاملة ).

هي الإزدواجية في المعايير والكيل بعدة مكاييل ..

 

تماما بنفس منطق إلصاق التهم الجاهزة والدفاع عن موقف ما بعبارات حاضرة تخلو من المنطق وبإصرار على تفسير أي موضوع وفقا لما يفكرون به فقط وليس وفقا للحق والإنصاف وإلا كيف نفسر: ( وصف المظاهرات بالطائفية والتسييس إستنادا الى لقطات مجتزئة لعدد من المتظاهرين بدون رؤية الصورة كاملة ) وعدم القبول بحقيقة قيام الجيش الجديد بالتصدي عمدا للمتظاهرين بالرصاص بحجة إن ذلك : ( لايعتمد على رؤية الصورة كاملة بل على لقطات مجتزئة )؟.

 

هي الإنتقائية في التحليل وتبني المواقف والرد والتصرف بالسلطة والقوة كما هي الحالة في كل فعالية وموقف وتفسير وقانون وإجراءات.

 

ولدينا من الأمثلة ما تضيق به الكتب والمقالات ومنها على سبيل المثال الرد العقابي الجماعي والإصرار على المغالاة في الإنتقام في تطبيق القانون الذي يضعوه.

 

وعن تهمة الشعارات الطائفية للتظاهرات سيكون لها مناسبة أخرى للحديث..وسيكون جانب من موضوع ( النظام السابق ) مجال حديثنا اليوم بالرغم من حساسية هذا الموضوع لأنه (موجود في الدستور الذي أصبح سيفا مسلطا على الجميع بدلا من أن يكون طريقا للهداية! )

 

في أول سلم أولويات مبررات قانون إجتثاث البعث الذي تحول لاحقا الى قانون المسائلة والعدالة والذي وضعوه بأنفسهم (بوصفهم قضاة ومحامين دفاع ومدعين عامين بدون أن يناقشهم أحد هو : ( عدم السماح بعودة البعث للسلطة ).

 

لو يجهد كبير مفاوضي دولة القانون نفسه مع مفكري حزب الدعوة لتحليل الوسائل والآليات التي تفضي الى ( كيفية بناء إستراتيجية تفضي الى عدم السماح بعودة حزب البعث للسلطة) فإنهم سيصلون في النهاية الى مفترق طريق وهو:

 

هل المقصود بذلك عدم عودة فكر حزب البعث؟

أم المقصود عدم عودة المنتمين لحزب البعث؟

 

إذا كان المقصود لدى المشرع هو عدم عودة فكر البعث فتطبيق ذلك مستحيل ميدانيا لا لأن هناك نشاط وتجنيد وكسب وتثقيف وتنظيم للبعثيين ولكن بكل بساطة لأن الفكر وأي فكر لايموت بالقوانين أبدا ولن يموت بالسجون والمعتقلات والإعدامات والملاحقة والإقصاء وقطع الأرزاق بل يموت بالفكر المضاد الذي يطرح نفسه بديلا مقنعا خاصة إذا كان يمتلك السلطة والمال والنفوذ والإعلام والتربية.

 

ثم هل المقصود في هذه الحالة (عدم عودة فكر حزب البعث "العراقي" فقط ودعم بقاء فكر حزب البعث "السوري"؟..وهل يعرف كبير مفاوضي دولة القانون ومفكري حزب الدعوة وغيرهم الفرق بين فكر " البعث العراقي" وفكر" البعث السوري"؟؟.

 

أما إذا كان المقصود هو عدم عودة البعثيين المنتمين للحزب في العراق فقط الى السلطة فتطبيق ذلك بسيط جدا ولايحتاج لا الى تشكيل هيئات ولا الى قوانين إستثنائية يصعب تطبيقها بعدالة ويكفي أن يوقع الشخص الراغب بالعودة على تعهد بأنه غير منتمي لهذا الحزب الآن وفي المستقبل..لكي لانخسر الأطباء والمهندسين وقادة الجيش والخبراء في الإقتصاد والزراعة والطاقة والتعليم وغيرها لكي نحافظ على هيكل الدولة ومؤسساتها ونحمي جزء كبير من شعبنا من الضياع والحرمان بحكم المسؤولية القانونية والأخلاقية، ونجعل القانون هو الفيصل في معاقبة كل من قتل وسرق وأوشى وأثرى الخ من المخالفات التي ستسري على السابق والحاضر واللاحق.

 

وإذا ذهب كبير المفاوضين مع مفكري حزب الدعوة وغيرهم الى أكثر من ذلك بتفسير القانون أنه  :( يمنع كل من كان منتميا لحزب البعث في العراق بالعودة للسلطة من درجة كذا فما فوق لأنه يحمل فكر ومنهجية البعث ) فهذا يتعارض مع ما يؤمنون به أنفسهم وفقا لفكرهم الإسلامي وما يثقفون به في عقيدة تياراتهم السياسية الدينية .. وإلا كيف نفسر أن يصف الرسول العظيم محمد صلي الله عليه وسلم خالد بن الوليد بأنه سيف الله المسلول وهو الذي كان السبب الرئيسي بل الوحيد في هزيمة المسلمين في معركة أُحد ومقتل خيرة الصحابة رضي الله عليهم؟ عدا الأمثلة الزاخرة الكثيرة في السيرة والتأريخ الإسلامي؟

 

ومع أن هذا الموضوع كان وأصبح أحد أهم أسس الإختلاف والتباين في فهم الحالة العراقية بدءا من تبني الأمريكان بكافة عناوينهم العسكرية والسياسية والأمنية لهذه الإزدواجية في المعايير مرورا بالأحزاب التي تريد الإنتقام من حزب البعث ومن كل من عمل في سنوات حكمه للعراق وإنتهاءا بالدعوات التوفيقية التي ترتكز اليوم بشكل خجول على تغليب التوصيفات المهنية على الجانب السياسي والتي جميعها تغفل حقيقة مهمة وهي :

 

( أن ولاء الإنسان ومعتقداته تتغير بسهولة وفقا لما يلمسه ويراه في الواقع وما يحكمه عقله عند المقارنة المنطقية المحايدة مع من يطرح له بديلا حقيقيا فعليا ومقنعا وبذلك يكون تحول الشخص عقائديا من حالة الى أخرى وفقا لهذا السياق حالة طبيعية وصحية للمجتمع ).

 

ولو أن الدستور الحالي تضمن فقرة تقول : ( يُحرم الشرك بالله وشرب الخمر وعلى كافة المسلمين إقامة الصلاة ودفع الزكاة وصوم رمضان والحج وعلى الدولة ان تعمل كذا وكذا للإقتصاص من المخالفين ) فستتحول كل وزارات ومؤسسات الدولة بما فيها أمانة العاصمة وبلديات المحافظات الى مراقبين لتطبيق هذه الفقرة وستهمل كل الدولة واجباتها الأساسية بحثا عمن لايطبق هذه الفقرة لإقامة الحد عليه وفقا للفقرة كذا من القانون كذا..في حين يكفي أن نضع في الدستورالنص الذي يقول بأن دين الدولة الرسمي هو الإسلام .. تماما كما كان من المفروض أن نضع في الدستور فقرة تشير الى : ( منع وعدم السماح للأحزاب الطائفية والعنصرية والإقصائية ..... والخ من التوصيفات التي تعجبهم أن يوصفون حزب البعث أو غيره بها ).. بدون هذا التقييد الذي يدلل على النظرة المجتزئة والقاصرة والإنتقائية للصورة العامة ولما يطمح لها محبي العراق.

 

أما إذا كان الموضوع هو للإنتقام ليس إلا فلا حديث لنا يُسمع ولا وجود لآذان تَسمع..وربما هذا هو التشخيص الصحيح للمرض، ولدينا من الأمثلة ما تضيق به الكتب والمقالات ومنها على سبيل المثال الرد العقابي الجماعي والإصرار على المغالاة في الإنتقام.

 

مع ذلك فقانون الإجتثاث إن هو إلا مثال على : ( القرارات التي تستند على الإنتقائية في الإعتماد على رؤية الصور المجتزئة من الحالة بدون التمعن بصور الحالة كاملة والتي تضفي الى الظلم الذي يتقبل المواطن أن يصدر من ( علماني لايفهم القرآن ولا السنة ولا تعاليم الإسلام أو يفهمها ولا يعمل بها! ) ولكن كيف يتقبله من قادة الحركة الإسلامية التي تتحدث ليل نهار عن العدالة وتطبيق تعاليم الإسلام؟

 

ولن نستطيع أن نجيب ولن نحاول أيضا الدخول في سجال الإجابة عن اليوم الذي ستتوقف قيادات الدولة العراقية الحالية عن الإستمرار  بالعزف على نغمة النظام السابق وبعد عشر سنوات من القوانين والإجراءات القاصمة لظهورهم وظهور عوائلهم .. ووصل الأمر بأحد المسؤولين في أمانة بغداد الغارقة بالفساد والسرقات أن يظهر على الفضائيات بعد غرق بغداد بمياه المجاري في مطرة واحدة مستخفا بعقول الناس ليقول بأن: ( أزلام النظام السابق يقفون خلف هذه المشكلة )!.

 

أيها الحكام..مَن يكون مسؤولا عن قطعان الإبل عليه أن يعرف كيف يوردها الماء.. وإلا فإن طريق العراق طويل ومحفوف بالكثير من المخاطر والأحداث غير المتوقعة وعلى الذي ستأكل حنطته شعيره أن لايسأل لماذا حدث الذي حدث.

 

ولن يبقى أي حمل مطروحا، ولن يبقى الناس بعد اليوم وبعد ما حدث من مواقف شعبية طوعية متفرجين وهم يتحملون هذا التجاهل لهم وهم ينتظرون كل يوم قرارا يحصدهم جميعا بلا دراسة وتمحيص ويفتقر أو يتجاوزحقيقة الواقع العراقي وتأريخ شعبه.

 

وأخيرا لو فرضنا أن حزب الدعوة سيبقى يحكم العراق لمدة مائة عام قادمة فهل علينا أن نتوقع أنه لو إنتقد البعض من الناس في عام ٢١١٣ عدد من توجهات وتصرفات قيادة السلطة في حينها أو طالبوا بحقوقهم في تغيير القوانين وتطبيقها بعدالة .. هل سيتم وصفهم في ذلك الوقت بأنهم أبناء أبناء أبناء أزلام النظام السابق!

 

 





الاربعاء ١٨ ربيع الاول ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣٠ / كانون الثاني / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب كامل المحمود نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة