شبكة ذي قار
عـاجـل










أحد أهم دروس الإنتفاضة الشعبية العراقية التي تعم كل الأرض العراقية اليوم أنها ولأول مرة وفي سابقة تأريخية في المنطقة وفي العالم نرى هذه الجموع المليونية الغاضبة وهي تعطي نموذحا فريدا لكيفية ضبط النفس في التصدي للإستفزاز ومجابهة الطغيان والنار والحقد والسلاح وماكنة الإعلام القاسية بالإنضباط واليقضة والسيطرة والإتزان.


على العالم أن يقف اليوم إجلالا لهذا الصبر ولهذا التحمُل والجَلَد ولهذه المطاولة ..


وأن يدرس جيدا كيف إحتوت هذه الإنتفاضة كل مكونات الشعب وتياراته وأحزابه ورؤاه من رجال دين وزعماء قبائل وشيوخ عشائر وموظفين وطلاب وعسكريين وكسبة وفلاحين وعمال وسياسيين وكلهم إلتحقوا بهذه الإنتفاضة الشعبية كما عبروا كأفراد وكعراقيين وطنيين وليس بحكم إنتماءاتهم أو مواقعهم أو أفكارهم أو مناصبهم أومسؤولياتهم.


اليوم يقف شعب العراق الأعزل في محافظات الأنبار وصلاح الدين والموصل وديالى وكركوك وبغداد وعدد من مدن الجنوب والفرات الأوسط صامدا وصبورا ومنضبطا ومسالما أمام بطش السلطة وإستفزازات قيادات مناطق العمليات ووحدات مكافحة ( الإرهاب والشغب! ).


يقف الشعب وقواه المنتفضة اليوم لوحده بلا مساعدات خارجة مادية كانت أو معنوية وبلا دعم وتأييد رسمي من الخارج، بلا تغطية إعلامية أو وصف لحالات التحدي الجماهيري للسلطة وأسلحتها وقوانينها وفي تحدي آخر للمناخ والبرد والصقيع والمطر.


إنتفاضة نادرة تديم نفسها بنفسها وتفتخر بكرم أبنائها وشجاعة سواعدهم ورجاحة عقولهم.


هذا النموذج في التصدي لم تألفه صراعات المنطقة ولم يشاهده العالم في خضم ربيع العرب والمنطقة الذي تحول الى خريف غائم مليء بالشغب وينذر بما لايحمد عقباه.


اليوم يقف الشباب والشيوخ ورجال الدين ومُحبي العراق يتحدون طائرات ودبابات وفرق إرهاب السلطة بدون أن يطلقوا رصاصة واحدة أو يحطموا زجاج شباك أو يقتحموا محافظة أو قائمقامية دائرة بلدية واحدة أو يهاجموا مركزا للشرطة وهي كلها تحت مرماهم وسيطرتهم بالكامل وهم يلمسون ويواجهون أعلى حالات الإستفزاز والإحتكاك لجرهم للمواجهة العسكرية المباشرة.


إنتفاضة أعلن المتظاهرون فيها وخاصة في محافظة الأنبار بأنهم ضد الإرهاب وتنظيماته التي حاربوها بصدورهم وهم مَن أعطى السياسيين الفرصة ليثبتوا أنهم مع الشعب لا عليه.. يوم إختلطت الشعارات وضاعت الحقيقة في صخب الماكنة الإعلامية الأمريكية وإرادتها التي لم تقبل النصيحة أو سماع الرأي الآخر.


وفي كافة المعايير والحسابات..
لايمكن إلا أن نعتبر أن هنالك معركة حامية قد إندلعت بين الإنتفاضة العراقية يساندها الشعب من جهة وبين العملية السياسية التي أفرزها الإحتلال الأمريكي والتي تساندها الأحزاب والتيارات والشخصيات التي إستفادت من إحتلال وتدمير العراق من جهة أخرى.


هذه المعركة تمتاز بصفحات تشابه تلك الصفحات التي تسير على خطاها الجيوش المتحاربة، ونلاحظ أنه وبرغم الفوارق الكبيرة في الإمكانات المادية واللوجستية والإعلامية والقوة العسكرية لصالح ماكنة الحرب الحكومية في صفحات الصراع إلا أن الدعم الشعبي والجماهيري وإلتفاف كل أطياف الشعب العراقي بعربه وكرده، سنته وشيعته، وكافة أديانه وألوانه تقف مع هدير الإنتفاضة الشعبية التي إندلعت ردا على سنين من الظلم والطغيان والتهميش والسرقة والقتل والإعتقال والإستهانة بمقدرات وقدرات وعقول الشعب وزرع الفتنة بين صفوفه.


هذه الإنتفاضة الشعبية غير مبالية بما يخطط له المقابل وما يُهَدد به وما يُحشد من قوة وإسناد إقليمي وسكوت مطبق للعالم وهي على يقين بأن النصر حليفها.


معركة فيها طرفان ورهانان..
الحكومة وعمليتها السياسية التي تراهن على الزمن والقوة والإعلام وعلى كسر جدار وحدة الإنتفاضة بطرق عديدة..
والشعب الذي يراهن على الزمن ووحدة وشمولية المشاركين وعلى التشبث بالحق.


وإذا كانت السلطة وفي محاولاتها لتفريق جمع المتظاهرين ومنع جماهير كردستان والجنوب والفرات الأوسط من تأييد الإنتفاضة بشدة وفاعلية أكثر بالعزف على أنغام أغنية ( عودة المقابر الجماعية وحلبجة للسلطة) يقول المنصف والعاقل ردا عليهم:


مع إن هذه المقابر إن هي إلا مقابر جنود العراق المنسحبين من الكويت والذين تم التصدي لهم وقتلهم بلا رحمة من قبل القوات الأمريكية والبريطانية والإيرانية وعملائهم.. ومع إن السلاح الكيمياوي الذي ضرب حلبجة قد ثبت رسميا ومن قبل الأمريكان أنفسهم بأن العراق لايمتلك هذا السلاح وإن الدولة الوحيدة التي تمتلكه في المنطقة هي إيران!..


ومع ذلك يقول هذا المُنصف والعاقل:
لقد فاقت أرقام الذين قتلوا والذين غُيبوا والذين لازالوا يقبعون في سجون السلطة السرية والعلنية بلا أسماء وخلال سنوات عمر الإحتلال للعراق ومنذ عام 2003 مئات أضعاف ما رُصد وأعلن من مقابر وقتلى خلال 100 سنة ماضية من تأريخ العراق!.


وما سُرق من أموال العراق خلال هذه السنوات قد فاق قدرة العقل على إستيعاب لغة الأرقام!.
وما ينتجه العراق اليوم من النفط يفوق في مدخولاته الخيال عند المقارنة بما كان يدخل للعراق في السابق!.


كل هذا وأركان العملية السياسية يقولون بلسانهم: ( إن الواقع الخدمي للعراقيين مُخجل لدرجة نستحي أن نقول نحن عراقيين .. لانريد ان نساوي دبي ولكن نريد ان نعيش بأبسط مقومات الحياة )!.
ثم..هذا الذي ينتفض اليوم .. أليس هو (شعبكم الذي تدّعون أنكم جئتم من أجله) وهو الذي ( من أجله أقنعتم الأمريكان بإحتلال العراق وتدمير مؤسساته وقيمه ومبادئه وجيشه وتأريخه بالكامل ) لكي ( تنشروا العدل والحرية الرفاهية والأمن والإستقرار )؟.


اليس هذا الشعب الذي ينتفض اليوم هو نفسه الشعب الذي يراهن عليه الأمريكان من ساسة وعسكريين ومفكرين إستراتيجيين بأن يكون (وتحت قيادتكم ودعمهم المطلق مصدر إلهام لشعوب المنطقة والعالم في بناء دولة عصرية ومتقدمة وبرفاهية ونمو لتكون عامل إستقرار وتوازن للمنطقة والعالم )!


فما الذي قدمتموه لهذا الشعب ؟
ولماذا ناصبتم هذا الشعب الصابر والمحتسب كل هذا العداء الظالم والحاقد من أول يوم طلبوا فيه حقا بسيطا من حقوق الحياة؟.
ولماذا هذا الإصرار على الغلو في الطغيان؟


وأخيرا إن هذا الشعب المنتفض يعرف جيدا أنه سينتصر مهما طال الزمن لسبب بسيط جدا وهو:
أنكم فشلتم في الإمتحان فشلا ذريعا لدرجة أنه لن تقوم لكم قائمة بعد اليوم!.


وربما هذه الحقيقة التي تدركونها هي السبب الرئيسي لإصراركم على خوض كل أنواع المعارك مع الشعب وبكل الأسلحة التي حصلتم عليها بأموالهم ..
تماما كما فعل غيركم عندما واجه شعبه!..


لقد إخترتم مواجهة الشعب بدلا من التنحي جانبا والبدء بالتفكير جديا بكتابة المذكرات في ( كيف أضعنا الفرصة التي جلبها لنا الأمريكان )!.
 

 

 





الاثنين ٢٣ ربيع الاول ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / شبــاط / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب كامل المحمود نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة