شبكة ذي قار
عـاجـل










الكثير من مؤلفات الشعوبية أو التي تناولت الرد عليهم اندثر أكثرها ولم يصل منها إلا القليل ومن الردود التي وصلتنا على الشعوبية بعض كتابات الجاحظ وأبو حيان التوحيدي ، وقد تضمنت الدفاع عن العرب من دون الإساءة إلى الشعوب الأخرى والكاتبان كانا أقرب إلى الثقافة الفكرية منها إلى المزاج الأدبي ، وقد كتب الجاحظ رسالة في تفضيل السودان على البيضان وألف ابن الجوزي والسيوطي رسائل مماثلة منها رفع شأن الحبشان وبرغم أن التورات يفسر انحطاط السود عندما يتحدث عن حام بن نوح لكن ابن خلدون يفند هذه الفكرة ويرفضها ولاننسى أنه في مواجهة الشعوبية وجدت أيضاً العصبية العربية ليعبر عنها بعض الشعراء كالمتنبي ، ونقول أخيراً إن الشعوبية مقيدة بزمانها فقد انتهت مع العصور الإسلامية ولم يبق الآن سوى من هم متأثرين بافكار ألشعوبيون ويعملون بها بكل ما أتو من قوة حقدا" على العروبة ومن يحمل امانتها ، كما لم يبق معتزلة أو بابكية ، والعصبيات الآن لها بواعث حديثة مختلفة عن بواعث الشعوبية الاولى لأنها من نتاج مرحلة تاريخية مختلفة ، ومجمل القول أن عروبية بني أمية كانت مادية ومعنوية ، أي بالاهانة والزجروالحرمان من الحقوق الطبيعية التي منحها الله للبشر ، أما شــــــعوبية الموالى فكانت في غالبها ترتكز على الفكر الناقد للأوضاع ، بأســلوب تهكمي ولاذع يضرب بقوة شهامة وعصبية العروبيين ، يقــول المرحوم الشـــــــيخ د أحمد الوائلي (( المجالات التي ظهرت فيها الشعوبية أهمها الأدب بقسميه الشعر والنثر ، ابتداءا من أيام الأمويين حتى العصر العباسي ، وظهرت في التاريخ مرويات تحط من شأن العرب وترفع من غيرهم ، ومظاهر أخرى تجسدت في إحياء طقوس وعادات وعقائد كانت عند بعض تلك الأمم التي دخلت الإسلام ، وحتى السلوك الاجتماعي عند الحكام والمواطنين في الأكل واللباس وأنماط السلوك الاجتماعي الأخرى ظهرت عليها سمات غير عربية وكان طبيعيا أن يكون هناك اقتباس لو اقتصر على ذلك ولكنه اقتباس يرافقه تحدي وفخر بهذا المظهر وحط من مظاهر العرب وانتقاص من أنماط معيشتها وحياتها ولعل خير مثل على ذلك احتفالات النوروز والمهرجان في العصر العباسي )) ،

 

ثم انتقلوا الى الفعل مشاركتهم في القضاء على الدولة الاموية الطاغية في نظرهم وتأسيس الدولة العباسية التي كانت سيطرتهم فيها فعلا وسلوكا ومن خلال تتبع هذا العرض يتضح أن الفكر العروبي كان ارثا للأعراب قبل الاسلام ، توارثوه وعززوه حفاظا على عصبيتهم القبلية ، التي طوعوها لاٍخضاع المسلمين غير العرب ، ووظفوا لذلك مفتريات عقدية وأخرى فعلية تجلت في الاٍقصاء المبكر للأعاجم في الجوانب السياسية والعسكرية أوضحنا أمثلة عنها ، مستغلين ما حققوه من توسع وفتح ، وكثرة عددهم ، الا أن ذلك لم يستمر بسبب ازدياد المسلمين غير العرب الذين تحولوا الا ناقمين ومعارضين وما الشعوبية الا نتاج حتمي لظاهرة العروبية التي سبقتها ونزوع لايجاد القدرة التأثيرية لتحقيق اهدافهم ونواياهم وبالدرجة الاولى الاستأثار بالسلطة وبالتالي يمكن القول أن الأمويين هم أول من أسس النعرة العنصرية في عالمنا الاسلامي ، رغم ردع الاسلام لها ومقتها ومحاربتها ، وهناك رأي من بعض الباحثين وبالرغم من ايمانهم بهويتهم العربية الا انهم يوجهون النقد الى ابناء جلدتهم العرب حيث يقولون حرفيا" (( العرب مازالوا مصرين على الحنث العظيم وأرى من العدل والانصاف أن يكون العرب كعنصر بشري ، داخل خيمة الأمة الاسلامية ، لا أمة اسلامية داخل خيمة العروبة ، لأن خيمة الاسلام أرحب ، ولأن العالم الاسلامي يتكون من عناصر بشرية مختلفة في ألوانها واصولها ، ففيهم ألأبيض ، والأسمر والأحمر ، وفيهم الصيني والهندي والكردي ، والبنغالي ، والتركي ، والسنغالي ، والأمازيغي ، والألماني والقائمة طويلة ، ولكل شعب من هذه الأمة أصولها العرقية ، ولغاتها الأصلية ، فلا يعقل أن نصبغ الجميع بصبغة واحدة هي العروبة ؟ ففي عهد رسولنا الأعظم حافظ بلال على حبشيته ، وسلمان على فارسيته ، وصهيب على روميته ، فنجعل لكل الأطياف حقوقا في ظل الاخاء الاسلامي الرحب ، فالتركي مسلم ، واسلامه لم يمنعه من لغته التركية ولا من أصوله العرقية التي يعتزبها مثل العرب ، ونفس الشيء يقال عن بلاد المغرب الاسلامي فأهله امازيغ بامتياز ، حرموا من لغتهم الأم الأمازيغية ، وأجبروا على تعلم لغة أقوام أخرى ، واذا تعلموا العربية ، وتعربوا لسانا فان ذلك لا ينسيهم جذورهم ، والرسول صلى لله عليه وأله وسلم هو القائل ليست العربية لأحدكم من أب ولا أم )) ،

 

والفكر العروبي طارد للتنوع الثقافي والاثني ، لأن الشعوب لها مرجعيتها الفكرية والسياسية ، وكثير من المسلمين حافظوا على هويتهم الأصلية من ارث تاريخي ، وحضارة ، ولغة وكانوا مسلمين بامتياز ، لم تمنعهم لغتهم ولا أصولهم من مشاركة المسلمين العقيدة السمحة التي وصل نورها الى مختلف اصقاع العالم بأسلوب الاقناع والمثل الأعلى العصبية القبلية أصابها الأفول لحين من الدهر ، ثم استفاقت من غيبوبتها تحت وقع الاستعمار الحديث الذي غذاها من باب فرق تسد ، لهذا اجد نفسي ملزما بالحديث عن العنصرية العربية في القر ن العشرين. ويتجلى من خلال هذا العرض مدى التطور الذي حدث في عقلية المسلمين عموما والعرب خصوصا ، بحيث تطور السجال الذي كان مبنيا على التعصب العربي ، وارتقى الى صراع مزدوج ببين العروبيين والشعوبيين عرف اصصلاحا بالشعوبية ظهرت بوادر الحركة الشعوبية في العصر الاموي الا انها برزت للعيان في بدايات العصر العباسي وهي حركة ينادي بها من يرون لا فضل للعرب على غيرهم من العجم وقد يصل الحد بهم الى تفضيل العجم على العرب والانتقاص من قدر العرب ، وقد جاء في القاموس المحيط - الشعوبي بضم الشين هو محتقر أمر العرب - ،

 

وقال القرطبي هي حركة تبغض العرب وتفضل العجم وقال الزمخشري في اساس البلاغة - هم الذين يصغرون شأن العرب ، ولا يرون لهم فضلاً على غيرهم - وتعرف الموسوعة البريطانية الشعوبية بانها كل توجه مناوئ للعروبة ومن اقدم الكتب التي حملت الينا الفكر الشعوبي هو كتاب البيان والتبين للجاحظ ، اسمى الشعوبيون حركتهم التسوية اي التسوية بين حقوقهم وحقوق العرب ، ثم تحولت تدريجيا الى تفضيل العجم على العرب وترويج المشاعر القومية واشاعة اليأس من الاسلام والدعوة الى ضرب سلطة الخلافة ، اما الحركة الصفوية الفارسية الزرادشتية فقد استندت الى مبدأ الشعوبية لترسيخ افكارها واهدافها في ضمائر الناس ومعتقداتهم ، فعمدت الى اضفاء طابع ديني على عناصر حركتها وجرها الى آل البيت النبوي الطاهرعليهم السلام الذي اذهب الله عنهم الرجس ، وقد امعن الصفويون الفرس في التضليل فتمخض عن ذلك المسعى حركة شعوبية ، اتخذت من التشيع لتضفي على الشعوبية طابعا روحيا ومسحة من القداسة الدينية حاولت الصفوية الشعوبية من خلالهما تحويل الدين الاسلامي الى مذهب عنصري يؤمن بافضلية التراب والدم الفارسيين على العرب انتشرت الشعوبية بين المسلمين الفرس لانهم اول من دخل الاسلام من غير العرب ، ثم ظهر شعوبيون هنود واتراك ومن مولدي الاندلس الاسبان المستعربين ، وكانت النزعة الشعوبية واسعة وقوية بين الفرس لعدة اسباب منها ان الفرس شعروا في عصور الفتوحات الاسلامية انهم اكثر تحضرا ومدنية من العرب ، فنما لديهم شعور بالاستعلاء عمق نزعة التعصب لديهم بعد ان حطم المسلمون العرب الامبراطورية الفارسية في معركتي القادسية الاولى ونهاوند فتح الفتوح وبقي عدد كبير من الموالي الفرس في ديار المسلمين واتخذت الحركة الشعوبية من الادب وسيلة لزرع بذور العنصرية والكراهية في نفوس المنادين بها تجاه العرب خاصة والاسلام عامة وكان الشعر احد اهم فروع الاداب المستخدمة في هذا المجال لكونه اكثر التصاقا في عقول القراء والمستمعين والاسهل حفظا في الذاكرة ،

 

ومن اساطين الادب الشعوبي واعمدته الفردوسي ، الخيام ، أبو مسلم الخراساني ، الخرمي ، الرودكي ومحمود الغزنوي الذي كلف في القرن الثالث الهجري الشاعر الشعوبي ابا القاسم الفردوسي بكتابة قصائد شعرية يمجد فيها تاريخ الفرس وحضارتهم وتعهد بان يعطيه وزن ما يكتب ذهباً ، فوضع الفردوسي ملحمته المسماة الشاهنامة - وتعني - سير الملوك - ، وجاءت معظم فصولها في شتم العرب وتحقيرهم وتمجيد الفرس وملوكهم ، ويعتبر كثير من المؤرخين ان اول جرائم الشعوبية بدأت قبل العصر الاموي عندما قتل ابو لؤلؤة فيروز المجوسي الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه انتقاما للدولة الساسانية التي قهرها وحطمها ، كما تدخل البرامكة في الصراع بين الاخوين الامين والمأمون في عهد هارون الرشيد حين استعان بهم المأمون ضد اخيه وجعل منهم قادة الجيوش ، وكان للشعوبية دور في انشاء وتشكيل الفرق كالقرامطة والنصيرية وغيرهم ، ثم الى العنصرية الاقليمية الضيقة التي تعرف في عصرنا بالدول القطرية بأبعد معانيها . والقوميات الاسلامية الأخرى المناهضة لها من فارسية وتركية و باكستانية ، غير ان الفارسية هي اكثرالشعوبية قسوة في مقارعة ومناهضة الفكر العروبي ، بالاضافة الى ما يجنيه العالم الاسلامي في مختلف الجبهات والأصعدة بتدخل مباشر بالشأن الداخلي من قبل المراجع الدينية الفارسية الصفوية الجديدة وتحت مسمى نشر التشيع  ...

 

 

يتبع بالحلقة السادسة

 

 





الخميس ٢٤ ربيع الثاني ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٧ / أذار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامـــل عــبـــد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة