شبكة ذي قار
عـاجـل










من يتصور أن أمريكا تريد للوطن العربي إصلاحاً أو ديمقراطية لايفهم عقليتها الاستعمارية ولا طبيعتها العنصرية، وبعض العرب صدقوا الشعارات الأمريكية وانتظروا العون الأمريكي الذي يخرجهم من ظلام الاستبداد، ومنهم البعض من ابناء شعبنا العراقي الابي الذي انطلت عليه الكذبة الامريكية وديمقراطيتها .


الديمقراطية .. ليست آلية للحكم فقط .. إنما أيضاً نمط حياة للفرد والمجتمع ، ما يعني أن لها ارتباطاً بالوعي الفردي قبل أن تصبح مرتبطة بالصندوق الانتخابي وعلى عكس ذلك الاحزاب ( الاسلاموية ) التي لاتعترف بالديمقراطية الى في وقت الانتخابات من اجل احتلال المواقع والمناصب.


فأمريكا تعلن جهارا نهارا بأنها تريد للعالم العربي أن يتحول إلى مجتمع ديمقراطي يكفل حرية الرأي والاختيار من جهة وحرية حكم ممثلي الشعب الذين ينتخبهم عبر صناديق الاقتراع ...


إن الديمقراطية في مفهوم الأمة شيء لا يستورد، وإذا كانت الديمقراطية لا تستورد فإنها تالياً، لا يمكن تصديرها لا من الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق بوش أو في عهد أوباما ولامن غيرها من البلدان الديمقراطية المعروفة فهي تنشأ وتنمو من الداخل، وهي صناعة محلية تؤخذ ولا تمنح، والديمقراطية الأمريكية قد لا تصلح لنا نحن العرب لاختلاف البيئة والعادات والتقاليد والأديان ولذلك فقد كان هنري كيسنجر على حق عندما قال: إن عيب السياسة الأمريكية أنها أمريكية، فما الديمقراطية التي تريدها أمريكا ؟


سيدة الديموقراطية أمريكا التي طالما تغنت بديموقراطيتها وعدالتها وكونها الحامي الأول للديموقراطية في كل ارجاء الارض. وكانت الديموقراطية دوما سيفا مسلطا على رأس اي دولة في العالم تعادي امريكا ورخصة لها كي تدس الدسائس وتعلن الحروب من اجل الديموقراطية مثلما فعلت في فيتنام في حرب اكلت الاخضر واليابس ونفس الشيء في كوريا وغرينادا وكوبا وباناما وصولاً الى العراق وافغانستان وليبيا وللعجب فإن أياً من هذه الدول لم تر خيرا من ديموقراطية أمريكا سوى الويلات والثبور وعظائم الامور بالامس تصرح المتحدثة باسم الخارجية الامريكية فيكتوريا نولاند عن الوضع في العراق وتقول :


“الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان وتطوير مجتمع مدني قوي في العراق وهذا ما يتطلب وقتا و أن أمريكا تهدف بمساعداتها إلى دعم الإصلاحات الديمقراطية" وهنا اسال:هل تريد اميركا عشرة سنوات اخر كي تحقق هذه الديمقراطية المسلفنة؟ وهل تريد ان يقدم شعب العراق ملايين اخرى من الشهداء والايتام والارامل والمعوقين والمهجرين والمهاجرين ومئات الالوف من المعتقلين كي تتحقق الديمقراطية!!؟


كما اعترف المجرم بريمر الحاكم الامريكي للعراق بعد الاحتلاله من قبل القوات الامريكية والبريطانية عام 2003 ان اخطاء بلاده السياسية منحت ايران فرصة لتوسيع نفوذها في العراق واستئناف برنامجها النووي دون خشية من التداعيات الخطيرة جراء شعورها بان الولايات المتحدثة كانت في حالة فوضى في العراق ..!! وجاء اعتراف بريمر بعد عشر سنوات من احتلال العراق في تاكيد على ولاء مجموعة من الاحزاب الدينية والطائفية الحاكمة في العراق اليوم الى ايران ..!!


من المفيد التذكير بأن التبشير بالديمقراطية التي أخذته على عاتقها الولايات المتحدة، تجاه العرب تحديدا، أراد للعراق أن يكون أنموذجا تهتدي به الدول العربية، ولاحاجة لنا الان التذكير بكل تلك الفوضى المنتجة في العراق، فالاهم أن النموذج العراقي بات اليوم شوكة في خاصرة الحملات التبشيرية تلك ... فإنتاج "ديمقراطية" قائمة على الطائفية والمذهبية أظهرت للامريكي بأن التحكم بصندوق الانتخاب ، إن أبعدنا التزوير، لن يكون لامريكا إمكانية التحكم به إلا عبر فوهة المسدس وفرض مشاريع حرب داخلية طاحنة تزيد من مأزق المشروع في إختلاط الحابل بالنابل


بمعنى أن الفرد العربي هنا أضحى بين أمرين لا ثالث لهما ، إما أن يؤكد إيمانه بالله ويمنح صوته للمتحدث ( باسم الله ) أو أن يؤكد على شيطانيته وكفره بمجرد أن يمنح صوته لغيره ، والمشكلة ليست في هذا وحسب ، إنما في أن الصندوق الانتخابي يعطي المبرر للرقم الكبير (الأكثرية) للتحكم في مسار الحياة بكافة مناحيها دونما اعتبار لحاجات الرقم الصغير ( الأقلية ) على طول المدى، لأنها ( أي الديمقراطية العربية ) تحولت من وسيلة لضمان وصول الأجدر والأكثر كفاءة لدفة الحكم إلى عملية جهادية تفضي إلى الاختيار بين الإيمان والكفر دونما اكتراث لأي اعتبارات أخرى ، بمعنى أكثر دقة .. المسلم لا يمنح صوته للمسيحي والعكس ، والسني لن يمنح صوته للشيعي والعكس ، والكردي لن يمنح صوته للعربي والعكس ، حتى وإن سلم المجتمع من هذه التباينات العقدية في بنيته فلا أقل من تطفو مكانها التباينات الاجتماعية كطابع القبلية والعشائرية والأصل والفصل وغيرها مما لا تتيح للكفاءة والقدرة وحسن التدبير من فرصة لتنظيم المسألة .


لذلك أن الديمقراطية تبدأ من الوعي أولاً وقبل كل شيء وليس كما يظن البعض في أنها صناديق وأرقام انتخابية فقط ، فإن كان الوعي -سواء الفردي أو الجمعي- لا يؤمن بأن المواطنين سواء على منصة المواطنة ، لكل منهم ذات الحقوق وذات المعاملة وذات الفرص فلن يتم لهذا الوعي والنهج الديمقراطي أي صورة من صور التوافق أبداً ، حتى وإن تم فرض الديمقراطية على المجتمع فستظل ديمقراطية مشوهة تكرس هيمنة الظلم على العدل ، والباطل على الحق ، والمفسد على المصلح .


وهذا ما يحصل اليوم في العراق فما اكثر المتشبثين والمتمنطقين باسم ( الديمقراطية ) واحزابهم لاتؤمن بالديمقراطية بل تعتبرها كفر والحاد الى في ايام الانتخابات.؟ وما عمليات الاغتيال لمرشحي القوائم غير( الاسلاموية ) الا دليل على صحة ما نقول ..

 

 





الاثنين ١٣ جمادي الاولى ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٥ / أذار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. شاكر كريم القيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة