شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :عديدة هي الأحزاب والحركات السياسية الثورية التي انتهت نضاليا وسياسيا بمحطات تاريخية مضت ولأسباب مختلفة داخلية وخارجية. ذاتية وموضوعية، ومنها فقدان مبررات نشأتها وتخلي قادتها عن أفكارها واستبدالها بأفكار شخصيه لاتعبر عن التطور الطبيعي لها ،ومنها وجود الخلل الذي رافق مراحلها دون معالجة تتعلق بهندستها الفكرية والتنظيمية لمراحل مستقبلية .وللحالات تفاصيل وتفرعات أفقدتها القاعدة الشعبية التي من خلالها يجري افتراض النمو التنظيمي والممارسة وتجديد الفكر، لذلك فأن موتها كان طبيعيا، وكانت بعض الأحزاب والحركات  التي اتصفت بالجدية الاصيله شقت طريقها النضالي الشاق عندما أدركت بوعيها وثقافة أعضائها قدرتها على التكيف الايجابي ،مهما كانت توصيفات المد والجزر تستطيع ان تحقق توازنات الاستمرار والنمو  والقوة والتمكين في دورة الحياة الحزبية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في اطر التجديد والتطوير والدافعية نحو نضال مستوعب وهو ما ينطبق على البعث، حيث تميز حزب البعث العربي الاشتراكي بتفاعلية وتكاملية أبعاده النضالية الشاملة باتجاه الطموح نحو انجاز اهدافة المرحلية والإستراتيجية وتكاملها في التفاعل والجدوى لتشكل قوته التأثيرية مع وجود التوصيف والاختصاص والمسؤولية لكل بعد من الأبعاد الضامنة للسلامة الفكرية والتنظيمية وتحديد المواقف السياسية، لذلك نجد البعث يرى في المعاناة نضاليته وفي جديته يتحقق الانجاز  ، فعندما نتمعن في قراءة فكر البعث عبر أحاديث وكتابات مؤسسه، نرى هذا التوجه الحقيقي الحيوي ففي حديث للرفيق المؤسس في مكتب الحزب في دير الزور الذي حمل عنوان ( البعث العربي إرادة الحياة ) المؤرخ عام 1950- المنشور في كتاب في سبيل البعث ، الجزء الأول، نتمثل هذا العزم الصادق في فكره النير..(.. سرنا بهذه العقيدة، ولم تخيب الحوادث أملنا ولم تخيب أمتنا أملنا. إننا نبني عملنا على عقيدة لا تمت إلى الوهم أو السحر بصلة وإنما ترتكز على أقوى دعائم الواقعية العلمية والعلم وهي ان مصلحة المجموع العربي هي في اتجاه هذه الحركة ، لهذا يكفي أن تنشأ حركة مهما تكن بسيطة حتى يكون مجرد ظهورها ومجرد تقدمها خطوات في الطريق، حافزا وموقظا لهذه المصلحة التي يشعر بها المجموع بهذه الإرادة الكامنة، حتى يتم هذا التجاوب وهذا التعاون المستمر بين الحركة الرائدة وبين المجموع الغافي الذي يستيقظ يوما بعد يوم وفي آخر هذا التجاوب الذي لن يكون طويلا ، يتحقق البعث العربي(نعي مدى الشجاعة الفكرية والمهمة التاريخية التي أقدم عليها هذا التفكير العلمي بعد تشخيصه للواقع العربي  استقراءا وطرح الفكرة في إطار النضال القومي ، التي كانت المقدمة الصحيحة الواثقة بالرغم مما انتابه من علل وأمراض وانتكاسات وتجارب عليها الكثير من النقد البناء ، استمر فكرا  واضحا باتجاه شق الطريق الصعب واستمرت حيويته تمنحه القدرة على  مجابهة العدو الخارجي ، وتمنحه القدرة في تطوير ذاته وتجاوزه نكساته، لأنها ترتكز إلى حقائق فكرية ونضالية حولها إلى مسارات قابلة للتطبيق.

 

الحقائق:

معركة البعث تنطلق من الوجود الأصيل : انطلق فكر البعث من جدلية اهدافة معتمدا في الضمانة الحقيقة لنضاله المتواصل وعندما اتسم بالحركة الثورية فانه عبر عن إنسانيته في التعامل مع الإنسانية في إطار منطلق الحرية والعدالة الاجتماعية في فهم الإنسان وعيشه وأمنه، وأعطى وضوحا لمفهومه ونضاله  وتميزا جديا أصيلا في معاركة التي خاضها جماهيريا وسياسيا مرتكزا على إيمانه بدور الجماهير المظلومة التي تكمن فيها قوة الأمة المناضلة الضامنة لإنسانيتها..فعندما ينهل فكر الرفيق المؤسس  بمقالته ( المعركة بين الوجود السطحي والوجود الأصيل) المؤرخة عام 1955 والموثقة في الجزء الثاني من كتاب في سبيل البعث نقرأ المعادلات التفاعلية  بين الفكر والموقف ومعركته التي تنطلق من أصالته ...(...فالبعث العربي إما أن يكون قومياً أو لا يكون مطلقاً، لأن قوميته ضمان لإنسانيته. وإن اعتماد حركة "البعث" على نضال الجماهير العربية المظلومة يعني إيماننا بأن هذه الجماهير، تمثل، نتيجة لمعاناتها الظلم والاضطهاد، حقيقة الأمة الصافية، كما أن فيها تكمن معظم قوى الأمة وكفاءاتها. فاشتراكيتنا بهذا المعنى هي وسيلة لبعث قوميتنا وأمتنا، والباب الذي تدخل منه الأمة العربية إلى التاريخ من جديد. واتجاهنا القومي يقي اشتراكيتنا شرور السلبية والنقمة الهدامة والمادية الشرهة، ليبقيها في جو الإيجابية والعطاء وحمل الرسالة). مدركا  مستوى الوعي المطلوب، الوعي النضالي الذي صنعته  المعاناة والآلام والماسي  وتحمل الأمة لمسؤولياتها وامتلاك إرادتها نحو حريتها (وقومية "البعث" ضمانة لصدق إنسانيته. إذ ليست إنسانيتنا تلك الإنسانية المثالية التي تفتقر إلى المعاناة ودم الحياة، بل هي حصيلة نضالنا العسير وخلاصة آلامنا ومآسينا، وتحملنا لمسؤولية مصيرنا كأمة لها ماضيها بمزاياه وعيوبه، ولها حاضرها بكل قسوته وجديته، وأمامها مستقبل يتوقف عليها وحدها أن تجعله من صنع إرادتها ومن وحي حريتها).

 

القدرة على مراجعة الذات : حركة البعث اتسمت بالدور التاريخي، بعلمية وبواقعية الحركة  التي تتعامل مع المنطق ، تفهم الواقع استقراءا وتحليلا ومعالجه ، فعندنا تدرس نقاط القوة والضعف  فإنها بكل تأكيد تنطلق من مستوى التقييم والتقويم  في المجالين قيادة نفسها من جانب، ومدى قدرتها على التأثير واستشراف طريقها كحركة ثورية من جانب آخر لها مهام نضالية لها صفة التميز عن غيرها مع الإيمان بدور من سبقها في النضال ودور حاضنتها الأمة العربية وهي تعيش مرحلة ثورية ، والبعث كان جديرا بإعطاء ألصيغه النموذجية الموحدة الشاملة في نواح مختلفة وعديدة في شؤون حياة العرب  وفي إطار الأصالة وروح العصر .. نلمس جدارة هذا التعبير الفكري والتنظيمي والسياسي والاجتماعي  في النص المضاء بفكر الرفيق ميشيل عفلق الذي تضمنه حديثه بتاريخ  7 نيسان 1960  وما تضمنته مقالته الموثقة في الجزء الأول من كتاب في سبيل البعث تحت عنوان(الدور التاريخي لحركة البعث)....(عندما(1) نريد أن نلقي نظرة على تاريخ حزبنا ونفحص فيه مواطن القوة والضعف بكل موضوعية وتجرد نستطيع ان نقول ان حركة البعث تمثل شيئا جديدا في حياة العرب الحديثة في ناحيتي الفكر والعمل، رغم ما انتابها وما يمكن أن ينتابها من نواقص...ولا يمكن لحركتنا أن تدعي أنها خلقت القوى الثورية، فالأمة العربية تعيش مرحلة ثورية من قبل ظهور حركتنا... ولكن هذه الحركة حاولت أن تعطي الثورة العربية صيغتها الموحدة المنطقية الشاملة، وان تضعها في وقت واحد، في جو العصر الذي تعيش فيه، عصر المذاهب الاجتماعية والاقتصادية، وفي جو الروح العربية الأصيلة... لقد قدر لحزب البعث الاشتراكي أن ينقذ الأجيال الصاعدة من الضياع بين العصبية الإقليمية والثورة الأممية ووضعها في صميم العمل التاريخي...وبمقدار ما يكون التوضيح العلمي الواقعي للأهداف وللمنطق الذي يربط فيما بينها وللطريق الذي ينبع من هذه الأهداف ويساعد على تحقيقها، بمقدار ما يكون هذا عملية خلق، ويكون حزب البعث قد أسهم في خلق هذا المستوى من التفكير والنضال الثوريين الذي بلغته بعض الأقطار العربية في هذا الوقت).

 

 الالتزام بسلامة المسار: لقد نشأ البعث بفكر واضح ونظرية تنظيمية في إطار بنيته القومية ، بمواقفه الواضحة الصادقة مع نفسه ومع الشعب فهو لا يهادن ولا يداهن ولا ينتهز ولا يقبل المساومة والمسايرة ويعدها مخالفة لما عهد به الشعب والأمة ،معتبرا الإخلاص لمبادئه معيارا لجديته لأنه خبير بمستقبل الأمة ومستقبل الحزب كما هو خبير بواقع الأمة ودور البعث في القبول والتنظيم والنضال في أقطار الأمة العربية حيث يعتبر الرفيق المؤسس ،البعث مسؤول عن تثبيت دعائم النضال..( ونحن لا نستطيع أن نصحح السلبية بسلبية مثلها، بل بمزيد من الإخلاص لمبادئ البعث وبإعطاء البراهين الجديدة على إيماننا بالحرية وبجدارة الإنسان عامة، والإنسان العربي خاصة، بممارسة هذه الحرية.... ان إمام حركتنا مستقبلا واسعا ومسؤوليات كبرى، فثمة أقطار عربية ما زالت تنتظر ان تدخلها فكرة البعث لتتفاعل مع نضالها وتغنيه، أمامنا أقطار المغرب العربي والسودان وبلدان الخليج العربي والجنوب. وأمامنا أقطار في المشرق العربي يناضل فيها حزبنا نضالا بطوليا ضد الحكام الرجعيين والانتهازيين، وأمامنا الجمهورية العربية المتحدة التي ساهمنا في بنائها كطليعة تقدمية للوحدة العربية، ومازلنا مسؤولين عن تثبيت دعائمها وتعميق ثورتها وتصحيح بعض مفاهيمها).

 

القدرة على الاستقراء : تميز فكر البعث منذ فترات التمهيد  بقدرته على استقراء الواقع اليومي في التشخيص مقررا ان النضال ضرورة ان يرتقي أو يرتفع إليها بمستوى المهام والأهداف وفي مواجهة الأخطار  محذرا ومنبها الجماهير  ومضيئا لبرامجه  وخططه  في مواجهة العدوان والاستعمار والظلم ، داعيا إلى وحدة النضال العربي وأولويتها بخطط  ترتقي إلى مستوى جديد، فكان يرى القادم وصعوبته كما يرى حاضره بحكم علميته وقدرته على الاستشراف ، وعندما نقرأ منهجيا مقالته.. ( نضال في مستوى الأهداف والأخطار) المؤرخة في 25 كانون الثاني 1957 التي جاءت في تضمين الجزء الثاني من كتاب في سبيل البعث  يقول فيها الرفيق مؤسس البعث..(...كثير من الدلائل تشير إلى ان الاستعمار قد خرج من محنته الأخيرة متعظاً يحاول تسوية خلافاته الداخلية وتوحيد جبهته ضد الوطن العربي، وان يبرز هذه المرة بخطط أكثر إحكاما، ووجه اقل تنفيراً، أي بخطط السياسة الأميركية ووجهها. والجواب اللائق بهذا الهجوم الجديد ان ننتقل إلى مرحلة أعلى وأنضج في توحيد النضال العربي نجسد بها إيماننا بوحدة أمتنا تجسيدا عملياً واعياً فنضع قضايا النضال العربي فوق القضايا والحاجات المحلية بشكل يخدم القضية القومية الكبرى. وهذا يفترض وضع خطة شاملة بعيدة النظر والمدى تعالج الحاضر على هدي المستقبل القويم الذي نسعى إليه، وتعيين المراحل والأمور المستعجلة المعالجة والأمور التي يمكن تأجيلها. ولن تجدي هذه الخطة ما لم نقتنع ونسلم مبدئياً بهاتين المسلّمتين: أولا، ان هذا المستوى الجديد من النضال لا يقوم بغير تضحيات جدية تتحملها الفئات والأقطار ذات الحظ الوافر من الثروة والإمكانات. ثانياً، ان هذا المستوى الجديد لا يمكن ان يتحقق بعدالة توزيع المسؤوليات والواجبات فحسب، بل أيضا بزيادة إمكانات الأقطار العربية وتفجير طاقة الشعب فيها بإعادة النظر في الأسس والأنظمة الاجتماعية الراهنة التي لا يمكن ان تعطي أكثر مما أعطت حتى الآن).

 

النهج الثوري في سياسة البعث :اعتبر البعث السبيل الثوري هو طريق التضامن العربي  : لقد كانت سياسة البعث تمثل انتهاجا لأفكاره كحركة ثورية لها مبرراتها في مواجهة ومقاومة التجزئة والاستغلال عبر النضال الواعي  لتطلعات الشعب وأهدافه في الحرية والعدالة،وشكل هذا السبيل معيارا لهويته في التعامل مع الآخرين فهو لا يتجه إلا إلى الحق والمطالبة بالحق الشعبي، ولأنه طريق يقيه التعامل الفاسد مع الأنظمة والقوى الرجعية والعميلة التي تظلم الشعب وتستعبده وتستبده وكذلك هو يواجه بمستوى وسمعة ثوريته  قوى الاستعمار ، لذلك نرى فكر الرفيق مؤسس البعث في المقتبس من مقالته المؤرخة في 9 تشرين الثاني عام 1956 ، تحت عنوان( السياسية الثورية طريق التضامن العربي) ، في الجزء الثاني من كتاب في سبيل البعث.. (ان السياسة الثورية هي الدواء الشافي لأمراض كياننا القومي والسبيل الوحيد الصحيح لانطلاق القوى السليمة المبدعة في الشعب العربي ولتغلبها الحاسم على جميع قوى الشر والفساد في الخارج والداخل. فهذه السياسة بمواقفها الجدية الجريئة تهز وعي الشعب وشعور المسؤولية فيه إلى الأعماق، وتدفعه إلى التكتل والفاعلية...).

 

 مقياس حيوية الأمة العربية : ينظر البعث العربي الاشتراكي إلى حيوية الأمة من خلال نموذجية ثوراتها معتبرا الثورة في قطر من أقطار العروبة هي استعداد الأمة  للخير والرجولة  انطلاقا من مفهومه السائد المتمثل في ان الأمة العربية تعيش مرحلة ثورية  كونها تواجه الاستعمار والعدوان الخارجي وتواجه الاستغلال والفساد والاستعباد وخنق الحرية بكامل أبعادها في الداخل  ومعتبرا نضال الأمة هو تعبير عن أصالة الاتجاه الثوري الصحيح  المتمثل بالنضال الوطني والقومي  في مواجهة عنف المعركة وان مشروع البعث هو تعبير عن  هذا النضال  وهو مشروع حقيقة الفكر والنضال الذي يؤمن بدور ونضال جميع الحركات الثورية  التي سبقته والتي ما زالت تناضل بالاتجاه الصحيح الصادق  ، لذلك نلاحظ طرحه المتبصر للترابط  التفاعلي المنطقي الذي يتجلى بأكثر وضوحا  في مقالته التي أرخها في 23 ايار 1957 والتي ضمنها كتاب في سبيل البعث..(....أما في داخل امتنا ووطننا، فان ثورتنا تسلك نفس الطريق الواضح الحاسم فتغنى في كل خطوة تخطوها، يوماً بعد يوم، بعديد القوى التي يوقظها وضوح الثورة وعمقها على أعمق ما فيها من استعداد للخير والرجولة، بينما تحرج الفاسدين والمزيفين وتضطرهم إلى الانفضاح). طارحا مثالا رائعا عن مقياس الثورة ونموذجيتها في تمثيلها للعروبة وما تعانيه من الألم وحيوية الأمة وقدرتها على التجدد والإبداع في مقالته الواضحة في الجزء الثاني  من كتاب في سبيل البعث وتحت عنوان العروبة والألم المؤرخة في 26 تشرين الثاني 1956م (..قد تخرج من الجزائر الصورة المثالية لعروبة المستقبل. ذلك لان شعب الجزائر قد عرف الألم الإنساني كما لم يعرفه شعب في العالم. ونضال الجزائر هو مقياس حيوية الأمة العربية وقدرتها على التجدد والإبداع.  فلقد ظهرت في هذا العصر حركات وثورات كانت بالنسبة إلى العالم مفاجأة ومثار دهشة. أما ثورة الجزائر فكانت مفاجأة العروبة لنفسها....فبمقدار ما يتضامن الشعب العربي في أقطاره الأخرى مع نضال إخوانه في الجزائر، وبمقدار ما يؤازر هذا النضال ويضحي في سبيله، بمقدار ما يتحقق التفاعل بين أجزاء شعبنا الواحد، وتتوحد تجربته، ونعجل في تحرير قوميتنا العربية مما علق بها ودخل عليها من سطحية الطبقات المترفة ونفعيتها، لنغمس هذه القومية في معين ألم الشعب وصدقه وإنسانيته).

 

منطق العلاقة بين البعث والجماهير: تمثل فكر البعث  بالمعتقد السليم  لضمان ثوريته وصدق مبدئية  ومواقفه النضالية في إطار حركته اليومية  ب (الجماهير هي الضمانة) ، و يتضح ذلك في حقيقته  على مستوى الأدب السياسي والفعل النضالي ومعاركه ومواجهاته للاستعمار وللاستغلال والاستبداد ، وتوسم الروح الجماهيرية  باعتبارها معيارا لمناضليه  ومعبرا عن ذلك بالمقتبس  من مقالة (الجماهير هي الضمانة ) ، كانت مقال افتتاحي في جريدة الأحرار  بتاريخ 23 تشرين الثاني 1970كتبها الأستاذ ميشيل عفلق وواحدة من المقلات التي جاءت بكتاب في سبيل البعث..( بعد اليوم  لا يحق لها أن تحمل هذه الصفة إذا لم تنفتح على الجماهير وتشركها ليس في مسيرتها الظاهرية فحسب بل أيضا في مسيرتها الداخلية والتي كانت حتى الآن باطنية مكتومة.(وهو يجيز لها الاطلاع على ما يدور في هذه الحركة في مفهومية الحركة الثورية والمكاشفة مع الجماهير..(..الحركة الثورية هي ملك للجماهير ولذلك فمن حق الجماهير أن تعرف طبيعة العلاقات التي تسود أفراد هذه الحركة وقياداتها، أن تعرف ما قيمة الفكر والمبادئ والنضال والأخلاق في تقدم الأشخاص أو تأخرهم داخل الحركة، أن تعرف طبيعة الوسائل والأساليب التي تؤثر في سير الحركة الداخلي وفي تماسكها وتحركها، أن تعرف طبيعة الجو الروحي والفكري الذي تتنفس الحركة ضمنه هل هو جو المحبة والحرية والثقة أم جو الخوف والشك. ولا ضير على الحركة الثورية أن يكون فيها نواقص وأمراض إذا صممت على تصحيح سيرها والتخلص من أمراضها. فالحركة الثورية هي في آخر الأمر من إمكانيات وشروط وظروف هذا الشعب الذي هو شعبنا والشعب يدرك ذلك بحسه السليم العفوي إذا كانت الحركة منفتحة عليه تشركه في مسيرتها ومصيرها وتحمله مسؤوليته ليس في دعمها ونصرتها فحسب بل في المساهمة في تصحيحها ومعالجة أمراضه).

 

العلاقة بين الطموح والمعرفة والعمل :  للبعث إدراكا ووعيا وثقافة في إطار فكره وعقيدته: ان الطموحات لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال تجسيد النظرية والفكر  عمليا وعلميا كما ان المعرفة لا تكون صحيحة إلا من خلال امتحان العمل  انطلاقا من ان العمل له دور في الاغناء والمراجعة والاستيعاب لما هو أكثر فائدة على صعيد الفكرة والتطبيق بالاستفادة من التجربة التي مر بها ..لذلك نرى مستوى إدراك هذه الحقيقة في فكر الرفيق المؤسس التي مصدرها الجزء الأول من كتاب في سبيل البعث الموثقة تحت عنوان (طموح البعث) حيث يشير الرفيق المؤسس.. ( لا تكون صحيحة إلا إذا امتحنت بالعمل، فالعمل يعنيها ويصححها. ان نضال الأمة العربية نضال طويل لم يبتدئ مع حركة البعث ولن ينتهي معها. وكل ما في الأمر ان هذه الحركة خرجت من حاجات امتنا في مرحلة معينة لتستفيد من التجارب السابقة، ولترفع مستوى النضال إلى الحد الذي يتكافأ مع عظم قضيتنا وعظم أهدافها ومع عظم الأخطار المحدقة بها، ومع روح هذا العصر، فكانت محاولة صادقة نرى اليوم أنها أثمرت بعض الثمار.).. والبعث يؤمن إيمانا عقائديا ونضاليا  ان طموحاته كحركة  قومية ثورية هو طموح الإنسان وطموح كل شعب أصيل ، ليس في حدود الرد على الجانب السلبي والأخطار  الخارجية بل هو التجاوب الايجابي مع الحياة في البناء والتجسيد عن صدقها والإشارة هنا إلى هذا المرتكز الفكري النضالي التطبيقي يأتي في النص أيضا..(... ان طموحنا كبير، طموحنا هو طموح الإنسان وطموح كل شعب أصيل شاعر بشخصيته مقدر لمعنى وجوده الإنساني، طموحنا لا يقتصر على دفع الأخطار والتخلص من الأعداء ومن ظلمهم الذي لحق بنا زمنا طويلا. طموحنا لا يقف عند حدود السلبية والرفض والتخلص وإنما هو في أعماقه طموح ايجابي بناء في أن نعمل وان نسترجع من جديد تجاوبنا الصادق مع الحياة، وان تساهم في بناء الحضارة ونساهم في إخصاب القيم الإنسانية وفي الدفاع عنها وفي تجسيدها تجسيدا صادقا في حياتنا وسلوكنا)...وهنا تحصل عملية الاكتساب والكسب على تعزيز الثقة بين حركة البعث وجماهيرها..(الثقة الحقيقية بالشعب هي أعمق من تلك، تبدأ بالصدق، أي ان يكون المناضلون صادقين في عملهم وواثقين من أنفسهم، وبعد ذلك لا بد أن يكسبوا ثقة الشعب لان إمكانيات شعبنا غزيرة وعميقة، ولكن أكثرها دفين ومغمور).

 

التاريخية والحيوية : اتسمت نظرية البعث وفكره الخلاق بالاستيعاب والتطور مبتعدا عن الجمود العقائدي والتحجر الفكري،   فكر البعث استوعب الحياة وتطورها والمراحل وتداخلها ، فكان نضاله يساهم ويغني فكره، ويعي تماما ما يعانيه البعث من نواقص داعيا إلى ممارسة النقد بهدف استمرار حيوية البعث فقد كان الرفيق مؤسس الحزب يصدر إلى رفاقه توجيهاته في هذا الشأن ومنها ما جاء بتضمين مقالته المنشورة في الجزء الأول من كتاب في سبيل البعث تحت عنوان نظرتنا الحية للحزب..( إياكم والنظرة الجامدة التي لا تفهم سر الحياة وكنه الحياة، فليس من عمل جدي يؤثر في الواقع ويخلق منه واقعا جديدا إلا ويكون هذا العمل عملا فيه ما في البحر الواسع المتحرك من شوائب، فإذا أردتم عمل حزبكم تاريخيا فليكن كالبحر لا كالساقية الصافية، فمن السهل أن تكون حركتنا ساقية صافية ولكنها لن تروي أمة ولن تصنع تاريخا. ففي الحزب كثير من النقص، وبين ما تحقق وبين ما نرجو أن يتحقق فارق  كبير، ولكننا نستطيع أن نقترب من مثالنا إذا نحن تابعنا السير، إذا ضاعفنا الهمة، لا إذا وقفنا وحولنا حيويتنا إلى نقد جامد وتفكير نظري، فالحياة لا تعرف التوقف وتيار الحياة تيار مبارك طاهر مهما تكن الشوائب التي تعلق به.(

 

الاستيعاب والتطوير والتجديد: فكر البعث ومنذ النشأة يرتكز على سمات وحقائق منها إيمانه الصادق بالتجديد .بالتثوير. بالطاقات ألدافعه من الجيل الجديد. بالاغناء الفكري المكتسب من النضال اليومي والمعاناة الجماهيرية والسياسية ومتغيراتها وإدراك المعطيات التي تفرزها هذه المرحلة أو تلك .استيعاب النكسات، النكبات والتجارب الحزبية التي يشوبها الخطأ ، وهذه المفردات التي تعني العديد من الشرح والتفصيل : البعث يدركها في إطار فكره في المعالجة  التي تبنى في إطار إستراتيجيته الفكرية وبناءه العقائدي وحتى لا تكون الشعارات متجهة نحو الصنمية التي تقتل حرية الرفيق في معينه الثوري المتمثل بالتنظيم ، من هنا نرى فكر البعث رحب ومرن في إطلاق حرية  الالتزام لاعضاءه رغبة في تحقيق مستوى حرية الخلق والإبداع في اطر التضحية والاستبسال وفي سبيل حركته، مدركا ان التصحيح مهم في معالجة السطحية والتقليد  وبما يخلق حالة التوتر في الحركة داخليا، وهو أي الحزب يدعو يعي خطورة جدب الأفكار ونضوبها، وهكذا يرى الرفيق المؤسس في  حديثه( نيسان 1955) الذي تضمنه الجزء الأول من كتاب في سبيل البعث، تحت عنوان نظرتنا الحية للحزب،.. (...وإذا وجب أن أدعوكم إلى المزيد من النشاط والاستبسال والتضحية في سبيل حركتكم التي أصبحت كما قلت، قدر الأمة العربية، والتي لا يمكن لأي حركة أخرى أن تنافسها أو أن تحتل مكانها، إذا وجب ذلك فيجب ان أنبه إلى ناحية أخرى، بأنه بقدر ما تتوسع الحركة، وبقدر ما يتسع نطاقها ويكثر عدد أعضائها يصبح واجب الفرد فيها أكبر من ذي قبل. فكل حركة، وهذه طبيعة الحركات الاجتماعية وطبيعة المجتمعات، معرضة لأن تفقد من عفويتها، من حريتها، من أصالتها، وأن تطغى عليها الشعارات التقليدية، أن تطغى عليها الألفاظ، ان تصبح صنما، فليس الأشخاص هم الذين يصبحون أصناما فحسب، فقد تصبح الحركة صنما وقد تصبح أفكارها أصناما، وهذا شر ما يمكن أن تبتلى به حركة تريد أن تخلق وتبدع.  ... فإذا أردنا أن تتابع حركتنا مراحلها بكل صدق وأمانة دون أن تبتسر أو تختصر، دون أن تتجمد وهي في نصف طريقها، وأن تعطي كل ما فيها من إمكانيات الخير، إذا أردنا أن يحصل كل ذلك علينا ان نقدر دور الأفراد. فالأفراد هم الذين لا يستعبدهم الجو الجماعي، هم الذين يحتفظون بحريتهم، باستقلال تفكيرهم، بصفاء نفوسهم حتى ولو كانوا مشاركين في اندفاع المجموع. هم الذين ينشدون المعنى وراء اللفظ يبحثون عن الشيء الحي وراء التعبير العام. هم الذين يرجعون إلى الصمت كثيرا ويكون كلامهم وعملهم وليدا لصمت مثمر منتج، هؤلاء هم الرقباء على الحركة، هم الذين يصححون كلما كادت تتردى في السطحية وفي التقليد، هم يخلقون التوتر في الحركة كلما ضعف هذا التوتر الداخلي، لأننا لا نستطيع أن ننكر ان مجتمعنا يحمل أوزارا كثيرة ثقيلة من عصور الانحطاط والتأخر، وأننا ان لم نلح كثيرا عليه لكي تكون يقظته أصيلة وانبعاثه انبعاثا عميقا فانه يميل بطبيعته إلى أن يختتم هذه المرحلة البطولية قبل أوانها، وان يقول ان أمنا بكم وبحركتكم، وان يدين لنا بالطاعة والموافقة قبل أن نكون قد استخرجنا من داخل أمتنا كل الكنوز الروحية. .. لا بد من زيادة التوتر والصراع، لا بد من الدفع الدائم ومحاربة كل كسل وكل ميل للراحة وكل محاولة لإنهاء النضال أو اختصاره..).

 

تقدير الأشخاص بقدر ما يمثلون الفكرة: يرى البعث في أفكاره مستوى التأثير الايجابي في الإنسان العربي بتمثل الفكرة وإطاعتها ومقاسات قيمة الإنسان بمقدار ما يكون مرتقيا إليها في تحمل مسؤوليته وهو ما يعبر عنه بالإخلاص للفكرة من خلال نسق العلاقة بين الأعلى والأدنى ،ففي حديث للرفيق مؤسس البعث القي في مكتب الحزب في دير الزور عام1950  والمنشور في الجزء الأول من كتاب في سبيل البعث ، تحت عنوان (البعث إرادة الحياة) . (...فإذا أردتم ان تحيوا أحدا فحيوا حزب البعث العربي الذي استطاع في مثل هذه المرحلة الحرجة القاسية في حياة أمتنا أن يسمو بالفكرة فوق الواقع وفوق الأشخاص. وما قيمة الأشخاص إلا بمقدار ما يتمثلون هذه الفكرة وبمقدار ما يكونون صورة قريبة منها وتعبيرا صادقاً منسجما معها، أي بمقدار ما يطيعونها. فالقادة الحقيقيون هم الذين يعرفون ان يطيعوا الفكرة، كما ان الأعضاء المخلصين هم الذين يطيعون الفكرة من خلال توجيه القادة. . . )..فهو أي البعث عندما يعبر عن سموه فوق الواقع وفوق الأشخاص فانه يعني مستوى الطليعي في قيادة ألامه وعن نزاهته وتقدير مواقفه بشكل ومضمون حسن..(.. ثقة الأمة العربية بنفسها، واعتمادها على قواها، ومعنى ذلك ان البعث العربي الذي يريد أن يكون طليعة هذه الأمة عليه أن لا ينشد أية مساعدة، وأية قوة خارجية عن نفسه وعن ذاته. لقد قام حزبنا على هذا الأساس، على هذا الشعور، على هذا الواقع، على هذه العقيدة. إذا وثقنا بأنفسنا، إذا وثق فر د عربي واحد بنفسه فالأمة كلها ستثق بنفسها.(

 

أهمية التفاعل لتكاملية العمل النضالي: فإذا كانت هذه الحقائق  تشكل بعضا من موسوعية فكر البعث في حيز النضال  ،فإنها الآن وللمستقبل تشكل معايير وحقائق ومقاربات لنظرية العمل فان الضرورة  تقتضي العودة إلى ينابيع هذا الفكر الأصيل وحقائقه وبروحية المناسب أو الأخذ بالاعتبار الظروف الذاتية والموضوعية وبما اتسم به البعث في الاسترشاد والتطبيق لاسيما وإنها كانت لها ابلغ التأثير لخدمة استمرار حيوية البعث عبر سنوات من التجارب مع الاستفادة من الدرس والمرتكز. مما يتطلب عملا نضاليا على مستويات تشكل كلا متكاملا في الفعل النضالي الناجح المثمر ، والنصوص المقتبسة في هذا المقال هي في مفهومها  تعطي ايجازات معينة من التكثيف والتمركز لفكر وعقيدة الحزب وتعطي رؤية في استيعاب المراحل القادمة ، واحتمال التوقعات ،فالحزب حتى يكون ويتمكن ويسمو بفعل ارتكازه على أقوى دعائم الواقعية والعلم فان جهازه الحزبي النضالي بمختلف اختصاصاته التنظيمية والفكرية والاجتماعية والمهنية والداخلية والسياسة والعلاقات الخارجية والإعلامية في مستويات التفعيل للوصول إلى الفعل  يتطلب من رفاقه الإدراك والوعي لهذه المرحلة الخطيرة التي  يعيشها العراق والأمة والحزب ،ولان مرحلة مقاومة الاحتلال وإذنابه تتطلب العمل على تكاملية العمل النضالي  للأبعاد:

 

البعد التنظيمي : يعد التنظيم في الحزب هو الحلقة الأساسية التي تتفاعل منهجيا بين الفكر والممارسة، وعن طريق التنظيم يحول الفكر إلى ممارسة ، والممارسة هي التي تغني الفكر.لهذا فقد انصب اهتمام حزب البعث العربي الاشتراكي منذ النشأة على المجالين الفكري والتنظيمي في هندسة الكسب الحزبي وتوسيع القاعدة التنظيمية ودائرة تأثيره في البعد الجماهيري والمواقف السياسية.

 

 البعد الفكري: ركز على الوحدة الفكرية المبنية على أساس علمي، وحرص أن يتسلح الرفاق فكريا وثقافيا لا عن طريق ترديد وحفظ النصوص بل دراستها منهجيا مع الأخذ بنظر الاعتبار والاعتزاز والاستفادة من ظروفها الزمانية والمكانية وامتحان المناسب في المرحلة التي نعيشها من خلال استخدام النظرية دليلا للعمل وتفاعلا في الأوساط الاجتماعية الجماهيرية  كممارسات وتقاليد ثوريه مبدعه خلاقه مستوعبه لطبيعة النفس البشرية التواقة للحرية : التي تعني التحرر الكامل من شتى أنواع السيطرة الاستعمارية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

 

العلاقة بين الفكر والتنظيم : الحزب تعامل منطقيا علميا وعمليا: من أن العمل التنظيمي هو الطريق السليم في تجسيد مبادئ وفكر الحزب وخطه السياسي وفي كيفيه  تحقيق نتائج عالية التأثير الايجابي في الوسط الجماهيري الاجتماعي  في جانب ، ومواجهة العدو بمختلف أفكاره ونواياه وعدوانيته في جانب آخر.

 

وعندما تقتضي ظروفه النضالية يجسد تنظيمه الحزبي أسلوب  التنظيم السري والكفاح الشعبي المسلح وقد جسد رفاق البعث عبر مراحل تاريخية صفحات وطنية وقومية مشهودة في تعميق القناعة التامة بين صفوفه وعلى المستوى الجماهيري وكان القبول في المجتمع باتجاه تحقيق نجاحاته وانتصاراته.وطبيعي ان هذا التجسيد يأتي من الاهتمام والتطبيق النوعي والبناء النضالي الصلب في مسار التنظيم لضمان نقاوته وصفاء مواقفه وبياناته وشعاراته المرحلية الخادمة للبعد الاستراتيجي دون تعارض وخروج عن التزامه الفكري.

 

ولهذا فان السلامة الفكرية للحركة أو للحزب تبقى ضمانه للسلامة التنظيمية بعيدا عن الانقسام الاجتماعي السياسي ، تأصلا بجدلية الفكر والتنظيم في السلوك الثوري وبروحية الانعكاس الايجابي والتناسب الطردي بينهما. وتفاعلية هذه العلاقة هي ضمانة استمرار نضال الحزب وهي أيضا مسؤولية  ، مسؤولية القيادة من خلال التغذية الفكرية والالتزام بالبعد الاستراتيجي لدستور الحزب . الالتزام بنظام الحزب مع سلامة التعليمات الساندة  في ظروف طارئة عندما تعلق بعض مواد النظام  بما يجعلها بمستوى الساندة الفاعلة المعززة لدور الفكر في تعزيز التماسك التنظيمي  ولما في ذلك من ترابط جدلي بين الفكر والتنظيم .وهو تجسيد لمفهوم أواصر التفاعل بين السلامة الفكرية  وتطبيق النظرية التنظيمية متمثلة بممارسة الديمقراطية المركزية بروحيه رفاقيه عاليه ملتزمة بمعايير فضيلة القيم الثورية التي كفلها الفكر المنير لحزب البعث العربي الاشتراكي إيمانا ونهجا وممارسة بما يدركه لمفهوم الثورة باعتبارها (عمل من صنع الجماهير) ، هذه الثورة التي بوصلتها الفكر الذي يجسده النموذج المصغر لامته البعث من خلال نموذجية تنظيمه الحزبي الوطني القومي الثوري وبصفته الطليعية التي تتصدر قيادة الجماهير نحو تطلعاتها وحريتها وعيشها وأمنها.ومن هنا فأن مهمة الحزب ليست بالمهمة ألسهله في ظروف صعبة انحسر فيها المد الوطني والقومي بسبب تداعيات احتلال العراق عام 2003، وصعود مد الحركات والأحزاب الموظفة عمالة لخدمة الاستعمار الجديد وبمستويات تنفيذية للرجعية العربية.والرجعية الدينية ولكنها ليست مستحيلة ، تبدأ بالوقفة النضالية و تصويب الرؤى والأفكار والاستنتاجات الخاطئة التي علقت وأضرت بالحزب ومع ان المسالك فيها الكثير من الصعوبات لكن الواجب النضالي يتطلب من الرفاق المناضلين جدل ونقاش جدي مثمر معمق كي يضيء الرفاق الزوايا المظلمة وعيا  لمتطلبات ظروف النضال الصعب التي يعيشها العراق والأمة والحزب.

 

البعد السياسي : فهو دائما العامل الحاسم في الثورة من خلال تعبويته نحو الأمام وفي التعامل مع السياسة ومتغيراتها وحسابات المرونة مع قوة المبدأ وصواب الموقف، وحتى يكون في مؤداه النجاح لابد ان يكون وعي العلاقة بين المرحلي والاستراتيجي ، لذلك فان الخط السياسي الصحيح للحزب دائما يتميز بالصلابة الثورية مع هامش المرونة المحسوب  والمدروس والمبتعد عن التوفيقية، وعن الميل الذي يسبب إضعاف العلاقة الفكرية التنظيمية بسبب موقف سياسي غير مدروس ولربما مهلك.

 

البعد الاجتماعي: متى ما كان البرنامج كفيل باستقطاب الشعب يكون الحزب قد نجح  متمثلا بالظاهرة الاجتماعية  التي  لها فكر وتنظيم وممارسة جاءت لخدمة المجتمع .وان ما حصل بسبب الاحتلال وإفرازاته وإعلامه في تشويه الحقائق. يتطلب نضالا اجتماعيا دؤوبا في الاستيعاب والتطوير نحو إعادة الثقة وإبراز حقائق نضالنا  الفكري والتنظيمي والسياسي في خدمة الشعب وتمثيل تطلعاته نحو الحرية والعيش الكريم من خلال مواقفه  ونضاله الاجتماعي اليومي لما في ذلك من  إنتاج حقائق جديدة للحزب تستوعب المجتمع والسياسة والنضال، وإدراك المعطيات الجديدة ووعي الحركة اليومية للشعب ، للجماهير، مطالبها  معيشتها ومعاناتها، المؤثر والمتأثر، والمهمة ومستوى التنظيم،وتفاعلية الذاتي والموضوعي، كي نستطيع رؤية المستقبل: لذلك فان: ممارسة التكتيك عندما تقتضيها الضرورة تكون هندستها في إطار ألاستراتيجيه وبما يحول عائدها المتمثل بالرأسمال الاجتماعي إلى نقاط قوة الحزب ونضاله.والاستفادة من تناقضات الأعداء ، في التعبئة بإزالة العقبات التي تعتري المسالك والممرات النضالية نحو الهدف الآني   والمستقبلي.لاسيما وان الصراعات مستمرة وفي تبدل وستبلغ ذروتها مستقبلا ، فعندما يكون الحزب  مهيئا تنظيميا وأحزمته الجماهيرية  محتضنة له،  يكون قويا ومقتدرا ومؤثرا وهو يشق طريقه إلى الإمام  بتاطير قوى جديدة صالحه للثورة ويفرض حقائق جديدة لصالح نضاله وكفاحه وتعرضه ولديه القدرة على المبادأة،وفي المقدمة من تفوقه هو العودة الحقيقية إلى الجماهير في الوعي وتبني مطالبها والوقوف معها في تطلعاتها كي تنمو قوة الحزب في وسطها نحو التغيير والثورة ،لاسيما وان واقع الجماهير واقع مؤلم  في الحرية والعيش والأمن والأمان وتحت ضغط الاحتلال وإفرازاته وما لحق بها من ظلم .مما يتطلب من الحزب الاستشعار بما تعانيه و تبني خطط تعبوية قادرة على مستوعبات المتغيرات والمستجدات أليوميه على صعيد الساحة المحلية   ورفع مستوى الوعي السياسي بتفاعلية النضال الاجتماعي مع الهدف المركزي التحرير والاستقلال . وممكن ان يعضد هذا البعد المقال المنشور في شبكتي البصرة وذي قار وشبكات صديقه أخرى بتاريخ 28 ت2 2012 تحت عنوان (البعث وضرورة وعي العلاقة بين النضال والإعلام الاجتماعي)

 

بعد العمل الجبهوي الوطني: أن التنظيم المتسلح بالفكر يستطيع  توسيع دائرة الحوار إيمانا منه بالنضال الوطني الجبهوي في استيعاب الجماهير عن طريق جبهة وطنية عريضة لاسيما في ظروف ومرحلة التحرر الوطني كي يعبر عن برنامجه السياسي الاجتماعي الاقتصادي المستقبلي المؤمن بالتعددية السياسية الديمقراطية لمرحلة ما بعد زوال الاحتلال وحصول الاستقلال السياسي الاقتصادي  وهذا النهج ينطلق من إيمان  البعث  في العمل الجبهوي وأهمية والوسائل والتحالفات الايجابية النزيهة كحقيقة ومنذ تأسيسه.وهنا لابد من وعيه نظريا وفي الممارسة والعمل المتجدد.

 

لذلك فان المهمة النضالية الكفاحية تقتضي  الاعتبار والاهتمام والتطبيق  والتنسيق بهدف نجاح مشروع العمل الجبهوي الوطني مع الأحزاب والحركات والاتجاهات التي نشأت  وطنيا في مفهومية مواقف النضال والمقاومة للاحتلال واذنابة وهو التزام فكري يتبناه الحزب كنهج نضالي أصيل يعطي الإضاءة الكاملة للبرنامج وللخطاب السياسيين في مواجهتنا للمحتل والأحزاب العميلة حليفته. كي يتحقق هذا  النموذج الوطني المناهض والمقاوم للتماس اللامبدئي مع من شارك وساهم بفاعلية إجرامية في احتلال العراق. حتى لا نجافي حقائق شعبنا ودماء شهدائنا ،شعبنا العراقي الكريم الذي جسد الالتزام الوطني والقومي وجسد حقيقة البناء التنموي الذي شكل انجازات تجربتنا الوطنية ، وقدم التضحيات الجسام بالدفاع عن الوطن كحقيقة ناصعة خلال معارك وحروب  طاحنة وتدميرية وتقشف ونضال وحصار وواجه حرب كونية واحتلال، وهو الآن ينهض ويقاوم ويصارع الاحتلال والمحن والمعاناة ، لذلك علينا جميعا أن نعي قول الحقيقة عندما نكتب و نتحدث، ونتفق  ونعلن ونعلم ، كي لا نبتعد عن الحقائق التاريخية، و نعي إن انتصارنا واجتيازنا للمحنه يمر من خلال قوة علاقتنا بشعبنا العظيم في وعيه ووقفته عندما نحسن التعبئة الجماهيرية العقلية وبعقلية تجاوزت الأخطاء المبدئية والإستراتيجية التي أفشلت تجارب الحزب ، وهذه هي الضمانة لحزبنا وثورته القادمة وان الميل بأي اتجاه وتحت أي ذريعة ومنها التكتيك  فهو طريق غير موفق وخطير، له من الانعكاسات السلبية على الشعب والحزب معا  ، مما يتوجب على الحركة الثورية حفاظا على تطورها الايجابي، أن تهتم بالنتائج في علاقة النظرية بالممارسة على مستويات الحياة الداخلية للحزب ، وعلى مستوى العلاقة مع الشعب والجماهير ،وعلى مستوى السياسية مع القوى والحركات والأحزاب المتماثلة معها في الوطنية من خلال عرض العناصر الأساسية لمنهجنا في التعامل والمقاييس التي ينبغي الالتزام بها في تحديد الأهداف المرحلية وفي مواجهة بعض مظاهر الانحراف التي تبرز في  فترات الانحسار من جهة أخرى.لان الحركة الثورية التي تتبنى حركة التحرر الوطني يهمها النتائج الملموسة مهما كانت متواضعة ولأنها ستكون عظيمة في صنع الثورة، وليس التكلم عن الثورة لأنها معروفة مسبقا في قوانينها. والثورة لا تأتي ولا تصنع إلا من خلال العلاقة الجدلية بين الفكر والممارسة وتنظير التجارب بالعمل. لاسيما وان البعث اجاد تنظيره ذلك بدرجة راقية في تفكيره.

 

الاستنتاجات : ان قراءة كتابات الرفيق المؤسس تدلنا من جديد على الطريق الاصوب كما أنها تعطي زخما فكريا بعد التشخيص العلمي على مستوى الحركة والواقع وكيفية التفاعل باتجاه تأصيل فكر الحزب بما يميزه عن الآخر من الأحزاب والحركات السياسية  بهدف تعميق الثقافة القومية الإنسانية في التعامل والتأثير نحو الأهداف.

 

يهدف فكره إلى إشغال الحيز الطبيعي من خلال التعامل مع الظواهر الاجتماعية والسياسية في المجتمع العربي بمستويات تفاعل ايجابية  تأخذ بنظر الاعتبار الخصوصية والآخر في وعي المواطن العربي، أي توظيف الفكرة تطبيقيا .

 

امتازت خصائص رؤية المفكِّر ميشيل عفلق لخدمة الأمة العربية بدلالة التجديد والتطوير وفقا لمقاسات الوعي والظروف متجاوزا الطروحات المعيقة بنجاح ، حيث استمر فكر البعث يسمو  نحو القيم الصحيحة  بعد انتقاده لكل النظرات ألضيقه من عنصرية وطائفية وقطرية واستبداد واستغلال.

 

أنتج فكره خطابات التعامل مع الحياة والرغبة في بناء الإنسان العربي من تفعيل الفكر لإنتاج الخطاب الثقافي والسياسي وفق بناء الكفاءة العالية في فهم الأصالة والمعاصرة وفي كيفية التحصين من الوافد والموروث السلبي واستضاءة الهوية بمرجعيتها الفكرية وفق منهج فكري سليم .طارحا مشروعا عربيا نهضويا حضاريا.

 

يتمثل فكر حزب البعث العربي الاشتراكي بالقدرة على استشراف ورؤية المستقبل فأنت تجد وتدرك في كتاباته الفكرية والسياسية البعد الاستراتيجي أولا، وتوقعه لاحتمالات المستقبل على صعيد الأمة وما يواجهها وعلى صعيد البعث وعلاقته التفاعلية على صعيد الفكر والسياسية والنضال والموقف من القضايا المطروحة.

 

القدرة على تقدير المواقف ودراسة القوى و الحجوم والعمل وفق الرؤية والخطة، فهو لايستهين بقوة العدو ولا يستسلم لأمر واقع ويدعو إلى توظيف موارد وقوى الأمة العربية في المواجهة والتصدي.فهو يدخل مدخلا فكريا ويقرر حقائق يرتكز إليها ليواصل البعث السير على هديها.وان ما حدث من أخطاء لا يتحملها الفكر ويتحملها من مارسها خارج الفكر.

 

فكره يترشح من معاناته التي تمثل معاناة الشعب العربي ، واثق متوثب لايقفز من فوق الظروف الموضوعية ، يستخلص أفكار علمية وأخرى عملية تساعد في ترشيد الوعي بالعلاقات الثقافية داخل الحزب والمجتمع ، مناظرا الآخرين من أحزاب وسياسات ودول.

 

تجد في فكر البعث نوعية التفاعل وفك الإشكاليات بين الثنائيات ، موضحا السبل التي  تحكمها في مفهوم"العلاقة الوظيفية التي تتقبل المعاصر مع مفهوم الأصالة بشروط ومنهجية؛ في المضامين، وتحرير الدلالات عن القوالب والعواطف ، ومتجها علميا بما يجعل التطبيق ممكن.

 

عندما نقرأ فكر البعث نجد حقيقته في الأصالة، ولهذا نجد رفاقه الاصلاء لم يهجروه  ، فهو فكر مميز في تناوله لشؤون الحياة والسياسة والدين والمجتمع  وحياته الداخلية .وتبقى المراجعة الفكرية وعلاقتها بالمراجعة التنظيمية وتجاربه في غاية من الأهمية وهي حاجة  نضالية ضرورية بعد وقائع وأحداث وتجارب تقتضي ضرورة النقد البناء .

 

فكر البعث وكتابات الرفيق المؤسس تجسد تضافر الجهود والعمل الجبهوي لقوى الثورة والنضال الوطني والقومي والإنساني ، ويعزز صلة التفاعل بين العروبة والإسلام في إطار تحرر الدين من الرجعية الدينية وعلاقتها بالرجعية العربية، معمقا للصلات الروحية التاريخية والحضارية نحو الإيجاب المتفاعل الذي ينطلق من الدور والتكامل، وفكر البعث فكر حصيف وحصين ورصين.

 

الطريق الثوري هو الأسلوب الناجح في مواجهة الفساد والاستعباد والاستغلال الداخلي والعدو الخارجي الاستعمار، وهو طريق  تتمثل فيه هوية البعث، التي يتعامل من خلالها في الحياة وشؤونها ومتغيراتها ومستجداتها.وهو سبيل حقيقي  في تحقيق التضامن العربي و طريق طبيعي على مستوى الشعب.لأنه طالما الأمة العربية تواجه الاستعمار سابقا وحاليا فإنها تعيش مرحلة ثورية ، وان ما يلائمها نضاليا وكفاحيا هو الطريق الثوري الذي يجسده البعث العربي الاشتراكي.

 

الخلاصة: التنظيم يتوسط بين الفكر والممارسة، ويدرك البعث  تفاعلهما جدليا ضمانة للنهج الصائب،النضال له إبعاد  تكاملية في انجاز الثورة. منها البعد الاجتماعي والسياسي. وبعد العمل الجبهوي الوطني .نبذ القوالب الجامدة والمعادلات الجاهزة . إغناء الفكر من خلال الممارسة وتطويرها عن طريق تنظير تجارب الحزب بالدرس المستفاد. علينا ان نحسن التدبير في أبنية واطر وفاعلية النضال والكفاح والمقاومة والثورة للشعب في مرحلة كالتي نعيشها وبلدنا تحت سيطرة الاحتلال البغيض. المواجهة تتطلب تعرية ومقاومة جميع الأقطاب والأحزاب والاتجاهات العميلة وان الميل باتجاه أي منها تحت ذريعة التكتيك يسبب إشكالا له تداعيات خطيرة على الحزب والشعب ومقاومته. ضرورة تنشيط قوى أخرى تنمو في المجتمع وهي تطرح مبررات ممكن استيعابها وكما هو ملموس حاليا بعد مضي عشرة سنوات على الاحتلال، مع توسيع الفعل الشعبي الذي يعول عليه في إضعاف جبهة الأعداء وهو الآن يبدو واضحا في انحسار مد الأحزاب والحركات والاتجاهات التي جاء بها المحتل. أي مقاومه ثورية حتميتها الانتصار ، هكذا يقول المنطق وحقائق التاريخ  وعند تحقيق الانتصار والتحرير الناجز تتحول الثورية إلى الدستورية .والبعث يعرف تماما قابلية القوى المعادية ونقاط ضعفها  ولديه ألقدره( عندما يرتفع تنظيمه إلى مستوى المهام) على عزلها جماهيريا ،وهذا شيء مهم في مفهوم الثورة المنشودة الزاحفة بالصلابة الإستراتيجية والمرونة المحسوبة، كي يصل الحزب إلى النتائج العملية ، مع وعي التوازنات الضرورية الواعية في الخطاب السياسي خادم البرنامج المطروح علنا، ولا تكتيك  ولا استغفال لها ، نحن مع وحدة الشعب والبعث نموذج لها فكرا وتنظيما , ومواقفا مع الجماهير لأننا من الجماهير والى الجماهير وبواسطة الجماهير نعمل منذ ان  نشأ الحزب وهو يتطلع ويهدف لخدمة وقيادة الشعب باتجاه أهدافه، وهذه هي حقيقة حزب البعث العربي الاشتراكي التي يتجسد فيها النقد البناء لتجاربه واستخلاص الدروس والعبر  ورسم الخطط النافعة.وان بقاء العلل تجعله في وهن وفي غروب وأسباب ذلك كثيرة يفترض وعيها والعمل على معالجتها كي يبقى الحزب ويستمر نضاله .

 

 





الخميس ٣٠ جمادي الاولى ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / نيســان / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مزهر النوري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة