شبكة ذي قار
عـاجـل










بين الأول من أيار والسادس منه، وشيجة حياة، صنعتها السواعد المؤمنة وارتوت بدماء الشهداء، ليحيا فينا من رحلوا لأجلنا، ولتبقى قضيتهم في ضمائرنا، نبراساً يضيئ لنا الطريق على الدوام، مستذكرين الشهداء الذين هم الأكرم منا جميعاً، وأولئك الجنود المجهولون الذين يصنعون للأمة تاريخاً جديداً، كما هو حاصل اليوم في العراق الأشم، وفلسطين البطلة، ولبنان المقاوم.


في ذكرى السادس من أيار، نستذكر المناضلين العرب الذين أعدمهم السفاح جمال باشا على دفعتين: الأولى في 11 تموز 1915، والثانية في 6 أيار 1916، في ساحة المرجة في دمشق وساحة البرج في بيروت، لتتحول ذكرى استشهادهم، ذكرى لشهداء الأمة العربية جمعاء واللبنانيون والسوريون منهم خاصة، حيث تكرس السادس من أيار يوم حركة نهوض الأمة في سبيل التحرر من النير العثماني والتوحُّد على طريق الاستقلال التام للبنان وأقطار الوطن العربي.


وَمَنْ أجدر من الحركة الوطنية للتغيير الديمقراطي، للاحتفال بهذا اليوم التاريخي ويوم العيد العالمي للعمال، وفي هذه المرحلة التي تتكالب علينا الأمم قاصيها ودانيها، لتنزع استقلالنا، وتجعلنا طوائف ومذاهب وشِيَعَاً، مقدمة لتقسيمنا وتقسيم الوطن العربي إلى دويلات طائفية ومذهبية، ليكون الكيان الصهيوني، الرابض على معظم أرض فلسطين العربية، هو الأقوى والمقرر لمصير هذا الوطن الجريح.


وان ننسى، لن ننسى ما قدمته الحركة الوطنية اللبنانية، وما قدمه الوطن والصحافة اللبنانية والإعلام من قوافل مناضلين، شهداء على طول ساحات البلاد وعرضها، في سبيل وحدة لبنان واستقلاله وعروبته وفلسطين والقضايا الوطنية والتحررية، ولو أحصيناهم لملأت أسماءهم المجلدات وتوزعت على مختلف المناطق والطوائف والشرائح الاجتماعية والقوى والتيارات السياسية من ناصريين وشيوعيين وقوميين اجتماعيين وتقدميين ووطنيين وإسلاميين وعروبيين ومستقلين وبعثيين، يتقدمهم رجال دولة (رياض الصلح، رشيد كرامي ورينيه معوض، بشير الجميل ورفيق الحريري)، ضمن جرائم سياسية كبرى، وآخرون بسبب مواقفهم الوطنية والقومية المتميزة من رجال دين (المفتي الشيخ حسن خالد والعلامة الدكتور صبحي الصالح) وقيادات وطنية (كمال جنبلاط ومعروف سعد وجورج حاوي)، وقيادات أمنية (اللواء وسام الحسن والرائد وسام عيد) إلى غيرهم من الأسرى والمفقودين وشهداء الصحافة (نسيب المتني، رياض طه وسليم اللوزي)، وكل شهيد قضى على أرض هذا الوطن في مواجهة العدو الصهيوني، ودحره وإفشال مخططاته في لبنان حتى يومنا هذا.


وللتاريخ أقول، أن المرة الأولى التي ظهر فيها حزب البعث العربي الاشتراكي للعلن في لبنان، كانت يوم السادس من أيار عام 1952، في صيدا خلال مهرجان حاشد تأييداً للحزب بالدفاع عن الوطن حتى الاستشهاد، وخاصة في فلسطين منذ العام 1948، حيث اُتُخِذَ آنذاك قرارٌ بتجنيد جميع المنتسبين للحزب للاشتراك في المجهود الحربي في فلسطين، وكان القائد المؤسس الأستاذ ميشيل عفلق أول المتطوعين الذي وصل إلى جنين، كما كان المرحوم بهجت أبو غربية، أول بعثي فلسطيني، يقود جيش الجهاد المقدس في مدينة القدس، انطلاقاً من مقولة القائد المؤسس "لا ينتظرنَّ العرب المعجزة، فلسطين لن تحررها الحكومات، وإنما الكفاح الشعبي"، وبناءً على توجهات قيادة الحزب، التي أنشأت فيما بعد، في السابع من نيسان من العام 1969، جبهة التحرير العربية، تنفيذاً لمقررات المؤتمر القومي التاسع للحزب وانضم إليها مقاتلون من مختلف الأقطار العربية وكلنا يذكر العمليات الاستشهادية التي نفذتها الجبهة في كفار يوفال وكفار جلعادي ومسكاف عام، وعملية طبرية، على أيدي مقاتلين عرب من أكثر من قطر عربي، ومن فلسطين والمغرب والعراق، وكيف أن ثلاثة فدائيين منهم اقتحموا في شهر نيسان من العام 1974 مستعمرة كريات شمونة فاحتلوا مبنيين، واشتبكوا مع القوات الصهيونية بالأسلحة الرشاشة والقنابل اليدوية وقذائف البازوكا ثم نسفوا أنفسهم حينما حاول الجنود الصهاينة اقتحام البناية التي تحصنوا فيها، وأعلن العدو حينها أن عدد القتلى في هذه العملية بلغ ثمانية عشر شخصاً وأصيب عدد مماثل منهم بجروح، أما الشهداء فهم أحمد الشيخ محمود (أبو شاكر) من حلب، ومنير المغربي (أبو خالد) من فلسطين، وياسين موسى الموزاني من العراق.


هذا، دون أن نغفل انطلاقة العمليات الاستشهادية البطولية في لبنان، مع تنامي الفعل المقاوم ضد العدو الصهيوني، مستذكرين شهداء كفركلا والطيبة في جنوب لبنان الأبطال من آل شرف الدين (الأب وابنيه)، وعبد الأمير حلاوي في سبعينيات القرن الماضي، وسناء محيدلي ولولا عبود ودلال المغربي والشيخ راغب حرب وهادي نصر الله، ومن سبقهم إلى الشهادة أبطال مقاومون من طرابلس هم محمد ديب الترك (أبو الطيور) وأحمد هوشر (أبو النسور) وسمير حمود (أبو ميكل)، وما قدمته جبهة المقاومة اللبنانية – قوات التحرير بعد العام 1982 من عمليات بطولية ضد العدو الصهيوني، مستذكرين أيضاً الشهداء الأبطال من الكوادر والقادة الذين قضوا اغتيالاً لمواقفهم من فلسطين ولدورهم القيادي في الحركة الوطنية اللبنانية والثورة الفلسطينية وعلى رأسهم الرفاق تحسين الأطرش وموسى شعيب ود. عبد الوهاب الكيالي ود. عدنان سنو ود. كامل فقيه وحاتم المقلد وسليمان البوظ وطلال العتري وغيرهم، ليتوَّج شرف الشهادة المعمَّدة بحب فلسطين والعراق والأمة العربية على أيدي سيد شهداء هذا العصر الرفيق القائد صدام حسين، رئيس العراق، والأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي ورفاقه وولديه وحفيده، وهو الذي صاح من علي منصة الاستشهاد عاش العراق عاشت فلسطين عاشت الأمة العربية اشهد ان لا إله إلا الله وان محمداً رسول الله، دون أن ننسى أيضاً الرئيس الشهيد ياسر عرفات والشيخ الشهيد أحمد ياسين والقائد الشهيد عبد العزيز الرنتيسي وغيرهم.


الأخوات والأخوة الأعزاء ....
أما في الأول من أيار، عيد العمال العالمي، الذي نحتفل به اليوم، وقلوبنا تُعتَصر ألماً على الحال التي آلت إليها أوضاع الطبقة العاملة اللبنانية، ما جعلها الحلقة الأضعف في معادلة الصراع الطبقي الاجتماعي.


فإن الأنظار ما زالت ترنو إلى الزمن الجميل من تاريخ نضالات الحركة العمالية في لبنان وكيف كانت الرقم الصعب في مختلف المعارك النقابية التي خاضتها موحدة المواقف والصفوف، مستذكرين المظاهرات الضخمة والمعارك في سبيل الخبز والعلم والحرية والحقوق المشروعة لمزارعي التبغ وعمال غندور وعمال الـ IPC وصيادي الأسماك، وكيف كانت الحركة الوطنية اللبنانية وعلى راسها الشهيد كمال جنبلاط في مقدمة المشاركين في هذه النشاطات التي كان استشهاد المناضل معروف سعد تتويجاً لها في شباط من العام 1975 مؤكدين من خلال كل ذلك كما جاء في بيان أصدره حزب البعث في أول أيار 1959 على الدور الطليعي للعمال في النضال الشعبي لتحقيق المجتمع العربي الديمقراطي الاشتراكي الموحد وان ذكرى الأول من أيار ستبقى بداية طريق النضال ضد الظلم والفساد والعمل لحياة أفضل، وستظل هذه الذكرى باعثاً لتحرير مجتمعنا العربي من الاستعمار والاستغلال والتبعية وانعتاقاً من الجمود الفكري والانتهازية والخلافات المصطنعة من طائفية وإقليمية، لأن الهدف من إثارة هذه المشاكل هو إبعاد العمال عن جوهر قضيتهم الواحدة.


وبمقارنة الواقع الحالي للحركة العمالية مع ما سبق من إشراقات وإنجازات، أقول كم كنا نتمنى لو أن طاقات عمال لبنان وكادحيه كلها مجتمعة اليوم في هذه المناسبة العزيزة وموحدة في الرؤى والأهداف والميادين، ليس لأن الوحدة تعني القوة وحسب، وإنما أيضاً هي حاجة ماسة للجميع في هذه المرحلة الصعبة، لمواجهة الجشع والفقر والتشرد وكل ما يفتك بالغالبية العظمى من اللبنانيين، وفي مقدمتهم الطبقة العاملة، فإن لم يتعظ الجميع اليوم، ويدركوا مخاطر المرحلة، اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً، متى يا ترى هم فاعلون ذلك، ومتى يستفيقون على حقوقهم المهدورة وهي تضيع الواحدة تلو الأخرى في لجة الخلافات والانقسامات.


متى العمل الجدي من أجل إعادة الاعتبار، وزناً ودوراً، للحركة النضالية المطلبية كما كانت عليه في ستينات وسبعينيات القرن الماضي، ومتى يدرك عمال لبنان، قواعد وكوادر وقيادات، انهم بوحدتهم هم التنظيم الأقوى الذي يحتاج إليه الوطن اليوم في مواجهة التحديات التي يتعرض لها، وَمَنْ غير الحركة العمالية والنقابية العابرة للطوائف والمذاهب والمناطق بأقدر على توجيه دفة الصراع بالشكل السليم الذي يضمن وحدة البلد وحمايته من كل ما يُعَدُّ له من مشاريع احتراب داخلي واقتتال عبثي، وفتن طائفية ومذهبية ومناطقية متنقلة لن يستفيد منها سوى العدو الصهيوني.


أيها الحضور الكريم ...
في الأول من أيار، نستغل هذه المناسبة لنتوجه إلى الحكومة العتيدة المزمع تشكيلها قريباً، بشخص الرئيس المكلف الأستاذ تمام سلام، مطالبين بجعل أوضاع اللبنانيين المعيشية والاجتماعية والاقتصادية، في مقدمة ما سوف يتضمنه بيانها الوزاري وخطة عملها المقبلة كما نطلب من الحكومة العتيدة أيضاً، المباشرة بعد تشكيلها ونيل الثقة، ان تبادر إلى تنفيذ المخططات والمشاريع الإنمائية التي وضعتها الحكومة المستقيلة لإنماء طرابلس والتي خصصت لها مئة مليون دولار.


دون أن نغفل الجانبين الأمني والإنمائي لمناطق لبنان المحرومة من أقصاه إلى أقصاه، وخاصة تلك التي بلغت البطالة والفقر فيها النسب القياسية، ولا سيما في طرابلس، في ظل استفحال الفلتان الأمني والتفجيرات العسكرية المتنقلة وتفاقم البطالة، التي يعلم الجميع انها أم الموبقات ودافع أساسي للجريمة والرذيلة، وما نشهده اليوم من جولات قتال مجاني عبثي وانفلات أخلاقي يدفعنا إلى القلق والخوف على ما هو قادم من أيام، بقدر ما يدعونا إلى دق ناقوس الخطر محذرين الجميع، دولة وحكومة ومجلساً نيابياً وأجهزة أمنية ومؤسسات رسمية وغير رسمية ومجتمع مدني وأحزاب وعمال لنقول لهم، جميعاً أن انتبهوا، انتبهوا، وكفى، كفى، كفى.


وما صرخة المجتمع المدني في طرابلس والشمال بالأمس، إلا تعبيراً صارخاً عن هذا الواقع المؤلم مرددين معهم الشعار الذي أطلقوه لحملتهم: أردتموها حرباً... لن تكون، وبدورنا نضم صوتنا إليهم جميعاً ونحن نواكب تحركاتهم وندعو إلى توسيعها جنوباً بقاعاً جبلاً شمالاً وعاصمة في أوسع مشاركة وطنية تكسر الصمت وتواجه التحديات بكل روح وطنية وثابة تعزز عيشنا الواحد، ومصيرنا الواحد ونسيجنا الوطني الواحد.


المجد والخلود لشهداء 6 أيار وشهداء الأمة العربية وكل شهيد في سبيل الحرية والاستقلال والكرامة.
الحرية لأسرانا في المعتقلات وعلى رأسهم الرفيقين طارق عزيز وعبد الغني عبد الغفور في العراق، وأحمد سعدات ومروان البرغوتي في فلسطين.


تحية إلى عمال لبنان في عيدهم ولكل التحركات النقابية التي بذلت في سبيل إقرار سلسلة الرتب والرواتب ورفع الحد الأدنى للأجور، وبالرغم من كل ما سُجِّلَ حول ذلك من ملاحظات، تتمنى أن تكون بداية لرص الصفوف والاستمرار في النضال لانتزاع الحقوق، مجددين الدعوة للجميع، قواعد وقيادات، اتحاد عمالي عام وهيئة تنسيق نقابية، أن اتحدوا، ففي اتحادكم قوة وفي انقسامكم الضعف والمهانة، ولا تخالوا يوماً ان الحقوق تُعطى مِنَّة وإحساناً وإنما تُنتزع انتزاعاً بالعرق والدم والتضحيات، تحياتنا لكم جميعاً والسلام عليكم.



الدكتور عبد المجيد الرافعي

كلمة ألقيت باسم الحركة الوطنية للتغيير الديمقراطي، في المركز الثقافي بطرابلس، بدعوة من المركز وملتقى الحوار الوطني الديمقراطي في ذكرى الأول والسادس من أيار.
في  ٤ / ٥ / ٢٠١٣

 

 





الثلاثاء ٢٦ جمادي الثانية ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٧ / أيــار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور عبد المجيد الرافعي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة