شبكة ذي قار
عـاجـل










تنعى الجبهة الوطنية لمثقفي وجماهير العراق كما الإنسانية في أرجاء المعمورة رحيل مناضل الإنسانية ورجل السلام نلسون مانديلا ذلكم الرجل الذي جسد كل قيم الصمود والنضال والصبر والمطاولة والجلد بوجه ذيل العنصرية المدعوم بلا هوادة من قبل نفس الجهات والوجوه التي تتشدق وتتظاهر بالإهتمام بحرية الشعوب وحقوق الإنسان وهي ذاتها صاحبة التاريخ الاسود المليء بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي مارستها ضد العرب وفيتنام والكوريين وشعوب افريقيا والهنود الحمر وغيرهم ممن ذاقوا وبال العنصرية وسياسات التمييز والتفريق على اساس اللون والعرق والجنس مخالفة بذلك كل قواعد القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان وإنتهكت كل المواثيق والمعاهدات الدولية ، تلك سياسة العولمة والإستعمار الجديد ، وكان نلسون مانديلا رجلاً مثل إمة في كفاحه بوجه كل جبروت الشر ومشاريع الباطل حيث وقف بوجه طغاة العصر المجرمين من إمبرياليين وعنصريين وديكتاتوريات حليفة لقوى الإستعمار من شذاذ الآفاق وسراق وقتلة لشعوبهم.


ولعل رحيل هذا العملاق يذكرنا نحن شعب العراق أولاً وإمتنا العربية جمعاء بإمكانية التسامح وتضميد الجراح والنظر الى الأمام لبناء الوطن والامة بناءً يقوم على اساس الإنتماء المصيري الى وطننا العراق قلب الأمة النابض وتاريخها المجيد لرسم مستقبلنا بأيدنا ونبني بلدنا على أساس المواطنة هي المعيار الاساسي للتعامل بغض النظر عن الدين او المذهب او القومية حينئذ نكون قد بنيا وطناً يرقى الى مكانة إمة خصها الله بها عبر حقائق تاريخية عندما قدمت للعالم أولى الشرائع والقوانين ، والتي إحتضنت في ثراها جميع الأنبياء والرسالات لعموم البشر في أولى أمم الارض بأن تطبق مبادىء العدل والمساواة والحرية .


نيلسون مانديلا جمع بين النضال والبراجماتية السياسية، ويرى أن «النظر إلى المستقبل والتعامل معه بواقعية أهم بكثير من الوقوف عند تفاصيل الماضى المرير».


مانديلا عارض مطالب السود بالتفرغ للانتقام، وكان الخيار الأمثل، ولولاه لانجرفت جنوب أفريقيا إلى الحرب الأهلية أو إلى الديكتاتورية .. شكّل لجنة «الحقيقة والمصالحة» التى جلس فيها المعتدى والمعتدى عليه، وتصارحا، وسامح كل منهما الآخر.


مانديلا لا يطلب نسيان الماضى، فـالتسامح الحقيقى لا يستلزم نسيان الماضى بالكامل .. لا نريد أن نهمل حساب المفسدين والمجرمين، لكن فقط نريد أن نفكر فى الهدف.. بناء دولة العدالة وإنهاء دولة الظلم، ويرى أن ( البناء يحتاج إلى الجميع، ولا يمكن بناء الدولة بأيدى فصيل أو قبيلة أو لون أو عرق، بل الكل ).


وعن أهم دروسه فى القيادة، أهمها كان أن «الشجاعة لا تعنى انعدام الخوف.. إنما تعنى تشجيع الآخرين لتجاوز الخوف»، و«احرص على وجود أنصارك بقربك، ومنافسيك أقرب إليك».. لم يستبعد أو يسحق منافسيه، بل رآهم شركاء.


وكذلك من دروسه «لا يوجد فى السياسة إما ، أو، فالحياة أعقد من أن تأخذ حلاً واحدًا، فلا شىء اسمه الحل الوحيد، بل خليط من الحلول يصنع معًا حلاً صحيحًا»، أما أهم دروسه فهو أن «التراجع وقت الخطأ من صفات القائد»، ويعترف بأنه تراجع واعتذر عن قرارات أثبت الواقع خطأها.


هذا هو «مانديلا» الذى دفع ثمنًا غاليًا لحرية بلاده، وثورته.. واجه نظامًا عنصريًا، وحكم بلدًا يزدحم بالأعراق والألوان والأحقاد .. نجح إلى درجة كبيرة، وبعد رحيله ما يزال مثالًا للمناضل الذى ينظر للمستقبل دون أن ينسى الماضى، ومايزال درسًا فى الكفاح والبناء


إن الجبهة الوطنية لمثقفي وجماهير العراق تدعو كل الأطراف السياسية والقوى الوطنية في العراق للإستفادة من تجارب الشعوب وكيفية معالجة الإمور بحكمة وبصيرة للحفاظ على وحدة شعبنا وبناء مستقبل أجيالنا .


إننا اليوم في أحوج مانكون لحكمة وعقل مانديلا الذي عبر عن حرصه لنا نحن العرب والمسلمين من خلال رسالته التي اوصى بها شعوب تونس ومصر الثائرة ضد دكتاتورياتها بعد التغيير الذي حصل وفي مايلي نص الرسالة :


إخوتي في تونس ومصر
أعتذر أولا عن الخوض في شؤونكم الخاصة، وسامحوني إن كنت دسست أنفي فيما لا ينبغي التقحم فيه. لكني أحسست أن واجب النصح أولا، والوفاء ثانيا لما أوليتمونا إياه من مساندة أيام قراع الفصل العنصري يحتمان علي رد الجميل, وإن بإبداء رأي محّصته التجارب وعجمتْه الأيامُ وأنضجته السجون.


أحبتي ثوار العرب
لا زلت أذكر ذلك اليوم بوضوح. كان يوما مشمسا من أيام كيب تاون. خرجت من السجن بعد أن سلخت بين جدرانه عشرة آلاف عام. خرجت إلى الدنيا بعد وُورِيتُ عنها سبعا وعشرين حِجةً؛ لأني حلمت أن أرى بلادي خالية من الظلم والقهر والاستبداد.


ورغم أن اللحظة أمام سجن فكتور فستر كانت كثيفة على المستوى الشخصي, إذ سأرى وجوه أطفالي وأمهم بعد كل هذا الزمن، إلا أن السؤال الذي ملأ جوانحي حينها هو: كيف سنتعامل مع إرث الظلم لنقيم مكانه عدلًا؟ أكاد أحس أن هذا السؤال هو ما يقلقكم اليوم. لقد خرجتم لتوكم من سجنكم الكبير, وهو سؤال قد تحُدّد الإجابة عليه طبيعة الاتجاه الذي ستنتهي إليه ثوراتكم.


إن إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم. فالهدم فعل سلبي والبناء فعل إيجابي. أو على لغة أحد مفكريكم – حسن الترابي- فإن إحقاق الحق أصعب بكثير من إبطال الباطل. أنا لا أتحدث العربية للأسف، لكن ما أفهمه من الترجمات التي تصلني عن تفاصيل الجدل السياسي اليومي في مصر وتونس تشي بأن معظم الوقت هناك مهدر في سب وشتم كل من كانت له صلة تعاون مع النظامين البائدين وكأن الثورة لا يمكن أن تكتمل إلا بالتشفي والإقصاء.كما يبدو لي أن الاتجاه العام عندكم يميل إلى استثناء وتبكيت كل من كانت له صلة قريبة أو بعيدة بالأنظمة السابقة. ذاك أمر خاطئ في نظري.أنا أتفهم الأسى الذي يعتصر قلوبكم, وأعرف أن مرارات الظلم ماثلة، إلا أنني أرى أن استهداف هذا القطاع الواسع من مجتمعكم قد يسبب للثورة متاعب خطيرة. فمؤيدو النظام السابق كانوا يسيطرون على المال العام وعلى مفاصل الأمن والدولة وعلاقات البلد مع الخارج. فاستهدافهم قد يدفعهم إلى أن يكون إجهاض الثورة أهم هدف لهم في هذه المرحلة التي تتميز عادة بالهشاشة الأمنية وغياب التوازن. أنتم في غنى عن ذلك، أحبتي. إن أنصار النظام السابق ممسكون بمعظم المؤسسات الاقتصادية التي قد يشكل استهدافها أو غيابها أو تحييدها كارثة اقتصادية أو عدم توازن. أنتم في غنى عنه الآن. عليكم أن تتذكروا أن أتباع النظام السابق في النهاية مواطنون ينتمون لهذا البلد، فاحتواؤهم ومسامحتهم هي أكبر هدية للبلاد في هذه المرحلة، ثم إنه لا يمكن جمعهم ورميهم في البحر أو تحييدهم نهائيا ثم إن لهم الحق في التعبير عن أنفسهم, وهو حق ينبغي أن يكون احترامه من أبجديات ما بعد الثورة.


أعلم أن مما يزعجكم أن تروا ذات الوجوه التي كانت تنافق للنظام السابق تتحدث اليوم ممجدة الثورة، لكن الأسلم أن لا تواجهوهم بالتبكيت إذا مجدوا الثورة، بل شجعوهم على ذلك حتى تحيدوهم وثقوا أن المجتمع في النهاية لن ينتخب إلا من ساهم في ميلاد حريته.


إن النظر إلى المستقبل والتعامل معه بواقعية أهم بكثير من الوقوف عند تفاصيل الماضي المرير.أذكر جيدًا أني عندما خرجت من السجن كان أكبر تحد واجهني هو أن قطاعا واسعا من السود كانوا يريدون أن يحاكموا كل من كانت له صلة بالنظام السابق، لكنني وقفت دون ذلك وبرهنت الأيام أن هذا كان الخيار الأمثل ولولاه لانجرفت جنوب إفريقيا إما إلى الحرب الأهلية أو إلى الديكتاتورية من جديد. لذلك شكلت “لجنة الحقيقة والمصالحة” التي جلس فيها المعتدي والمعتدى عليه وتصارحا وسامح كل منهما الآخر.إنها سياسة مرة لكنها ناجعة.


أرى أنكم بهذه الطريقة– وأنتم أدرى في النهاية- سترسلون رسائل اطمئنان إلى المجتمع الملتف حول الديكتاتوريات الأخرى أن لا خوف على مستقبلهم في ظل الديمقراطية والثورة، مما قد يجعل الكثير من المنتفعين يميلون إلى التغيير، كما قد تحجمون خوف وهلع الدكتاتوريات من طبيعة وحجم ما ينتظرها.تخيلوا أننا في جنوب إفريقيا ركزنا –كما تمنى الكثيرون- على السخرية من البيض وتبكيتهم واستثنائهم وتقليم أظافرهم؟ لو حصل ذلك لما كانت قصة جنوب إفريقيا واحدة من أروع قصص النجاح الإنساني اليوم.


أتمنى أن تستحضروا قولة نبيكم: “اذهبوا فأنتم الطلقاء"


رحم الله فقيد الإنسانية والحرية الذي سيبقى خالداً في ذاكرة الشعوب جيلاً بعد جيل ورمزاً في التاريخ ومثالاً لكل الإمم والشعوب وحركات التحرر من العبودية والذل ولأنه الرجل الذي قابل الإساءة بالإحسان والحرب بالسلام والعنصرية بالتآخي .

 


الأمانة العامة
بغداد
الإثنين ٦ صفر ١٤٣٥
الموافق  ٠٩ / كانون الاول / ٢٠١٣
 

 

 





الاثنين ٦ صفر ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / كانون الاول / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الجبهة الوطنية لمثقفي وجماهير العراق نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة