شبكة ذي قار
عـاجـل










بعد سنوات الظلم والحيف والإضطهاد الطائفي التي أتبعها رئيس حكومة الإحتلال نوري المالكي في دورته الرابعة والخامسة منذ العام 2006، ونتيجةً للضغط التعسفي الهائل الذي وصل حدّ إستهتاره وأستخفافه بإرادة الملايين في المحافظات الست المضطهدة، جاء هجومه العسكري الجائر على محافظة الأنبار أوآخر 2013، بحجة مكافحة الإرهاب، ليكون ذلك الهجوم الباطل، القشة التي كسرت ظهر البعير. حيث أنتشرت شرارة ثورة العشائر بسرعة وهاجة تسابق المكان والزمان من مناطق الأنبار صوب بقية المناطق في المحافظات المظلومة من جهة. ولتتظافر معها خبرة وممارسة فصائل المقاومة من جهة أخرى.


في باديء الأمر، ظن المالكي أنه سيخمد المجابهات المسلحة مع ثوار عشائر محافظة الأنبار. ولذلك طلب من قادته العسكريين أن يوفروا له الحماية الكافية لبضع ساعات لكي يصلي الجمعة في مسجد المدينة بالرمادي بتاريخ 10-1-2014. وفي ذات الوقت لكي يعرض سيطرته على الوضع أمام الإعلام داخلياً وخارجياً. وعندما أعترف قادة المالكي بعجزهم عن توفير هكذا حماية له، ونصحوه بعدم الذهاب إلى محافظة الأنبار أصلاً. يبدو أن المالكي الذي لم يؤدي حتى الخدمة العسكرية الإلزامية في حياته، ولا يفقه شيئاً عن العلوم العسكرية، وهو القائد العام للقوات المسلحة، أراد أن يحقق نصر ما على ما يسميها "المحافظات العربية السّنية". فأرسل قوات إضافية تجاه المناطق الثائرة في محافظة الأنبار، وعلى رأسها مدينة المساجد الفلوجة.


ولكن قبل أن ينقضي الأسبوع الثاني حتى أنكشفت حقيقة قوات المالكي التي منيت وتكبدت بخسائر كبيرة وضخمة في المعدات والآليات من عجلات ومدرعات ودبابات وكاسحات ألغام، بسبب فرار وهروب أفرادها. لقد هربوا ليس خوفاً ولا جبناً، بل لأنهم ما بين عدم إيمانهم بقتال أبناء بلدهم وأولاد عمومتهم، أو حرصهم على حياتهم التي هي أثمن من قرارات المالكي الطائفية التي تضحي بهم قرباناً لبقائه في منصبه. أما الذين تم قتلهم، فهم من "قوات سوات" المجرمة، وعناصر الميليشيات المدمجة بقوات الجيش. وبالنسبة للذين سلموا أنفسهم وأسلحتهم فقد تم أستضافتهم في دواوين شيوخ العشائر، ثم أمّنوا لهم العودة إلى مناطقهم في وسط وجنوب العراق.


أن ثورة العشائر وكفاحها المسلح ضد قوات المالكي لا يمكن أخمادها عسكرياً، ولا تثبطها القرارات المجحفة وغير المتزنة على المستويين الإقليمي والدولي، من مجلس الأمن إلى الجامعة العربية؛ والتي تقف ورائها الإدارة الأمريكية ثأراً لهزيمتها المريرة في الفلوجة عام 2004. إن ما حققه ثوار العشائر من تصدي شجاع، وبسالة ضارية، وضربات قاتلة، وكمائن مميتة هي التي أرعبت المالكي وأسياده في طهران وواشنطن. حيث أن خوفهم على مستقبل العملية السياسية صار واضحاً مع إقتراب الثوار إلى مسافة 34 كليومتراً من "المنطقة الخضراء" التي يتوارى فيها المالكي والسفارة الأمريكي، وبقية الجلاوزة المتنطعين بقرقعة قواتهم الطائفية.


كما وأن سرعة تكاثر تشكيلات المجالس العسكرية للثوار في الأسبوعين الماضيين بمناطق المحافظات الثائرة، ثم الإعلان مؤخراً عن تشكيل "المجلس العسكري الموحد لثوار العراق" في 15-1-2014. يعني أن فيه تخطيط مسبق لعقول عسكرية وأمنية ضليعة بشؤون الميدان وما يطرأ عليه من متغيرات ومستجدات. ولذلك تجد أن اللواء مزهر القيسي المتحدث بأسم المجلس العسكري لثوار بغداد، الذي أعلن عن تأسيسه في 9-1-2014، يقول في حديثه إلى "الجزيرة نت" ما يلي:


"إن تأسيس مجلس العاصمة بغداد يعد خطوة متقدمة في تشكيل المجالس العسكرية في العراق، وفي الوقت نفسه يكمل الجهد العسكري والحشد الميداني لمحافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى وكركوك وديالى" وكشف القيسي أنه بعد ساعات من إعلان تأسيس المجلس، إنهالت عليه المئات من طلبات التطوع في المجلس من أجل "الخلاص من ظلم الحاكم وطغيانه". وأشار أيضاً، أن "هذه الثورة شعبية لا علاقة لها بالطائفة، بل ترمي إلى تحرير كل العراق. فالشعب العراقي كله مظلوم ومسلوب الحقوق ومنهوب الثروات، وأهلنا في الجنوب يعانون كما يعاني أهلنا في الوسط وفي المناطق الغربية والشمالية. فالفقر عام والخدمات معدومة وفوق كل هذا وذاك الحقوق مستلبة والكرامة منتهكة. ونعلن بكل وضوح أننا نحارب الطائفية كما نحارب الحاكم الظالم فكلاهمها أعداء للعراقيين".


إذا كان "المجلس العسكري الموحد لثوار العراق" يعني عقلية الجانب الميداني، فأنه يعني أيضاً أن ثوار العشائر ومعهم فصائل المقاومة وإنضمام الكثير من صنوف الضباط الوطنيين إليهم، ستكون بمجملها هي المنعطف الجديد في مسيرة طريق التحرير لمستقبل العراق.


بعبارة أخرى، وفقاً لمفاهيم عِلم الإجتماع وما يتعلق بفلسفة التاريخ تجاه الثورات والحركات المسلحة التي تصنع الحدث وتكتب بداية جديدة لشعوبها وجماهيرها. فإن العنصر الزمني بين تكوين سريع لردة فعل الإحتلال الأمريكي الذي واجهته فصائل المقاومة العراقية البطلة، وبين زمنية ثورة العشائر التي جاءت متراكمة كرد فعل إجتماعي واسع. فإن التلاقي بين الجانب المكوني للمقاومة المسلحة، وبين الجانب الجمعي لطبيعة العشائر المتسلحة، يؤدي إلى منعطف شعبي وجماهيري يتمتع بقيادة تحررية تهدف الوطن والمواطن. وبالتالي يكون المستقبل سائراً لصالح هكذا نهج نابع من صميم الشعب، حيث يمتلك خواص الإرادة الحرة والقدرة الذاتية قولاً وفعلاً.


وعليه مثلما تثبت وتشير حقائق التاريخ إلى أن المحتل مصيره الزوال، وأن أعوانه سيلحقونه عاجلاً أو آجلاً. فإن حقيقة الشطر الأول قد جرت على أرض الرافدين، منذ دخول القوات الأمريكية الغازية إلى بغداد في 9-4-2003، وإلى هزيمتهم العسكرية المتمثلة بالخروج الرسمي قبل 31-12-2011. وأن حقيقة الشطر الثاني قد بدأت مع ثورة العشائر التي هي أمتداد طبيعي ومنطقي لمبدأية الكفاح المسلح الذي سار على نهجه فصائل المقاومة العراقية منذ أحدى عشرةَ سنةٍ خلت.


أقول قد بدأت إزالة أعوان الإحتلال وأذنابه مع بداية ثورة العشائر، كونها إنتقال شعبي مسلح يدفع أكثر نحو حركة التحرر الوطني من العملية السياسية البائسة التي أوجدها المحتل الأمريكي، وحافظت عليها الطغمة الصفوية الحاكمة في إيران، وذلك عبر فرض الكتلة التي صنعتها مسبقاً من "حزب الدعوة" و"المجلس الأعلى" و"منظمة بدر". وكذلك ما صنعته بعد الإحتلال من المجاميع المسلحة سواء في "عصائب أهل الحق" أو "حزب الله العراقي" أو غيرها.


ستدخل المواجهات المسلحة قريباً في أسبوعها الرابع دونما أن يحقق المالكي شيئاً ما على أرض الواقع. بل تتكبد قواته المزيد من الخسائر بالإرواح والمعدات، كونها ميليشية تجيد مداهمات البيوتات، والإعتقالات عبر نقاط السيطرات، لكنها هزيلة واهنة بخوض المعارك التي تتطلب خبرة قتالية، وشكيمة عالية، وثقة إيمانية بتحقيق أحدى الحسنيين: إما النصر أو الشهادة. لذلك أكد المالكي في كلمته الأسبوعية يوم الأربعاء الموافق 15-1-2014، بأن الحرب قد تطول.


وبما أن المالكي يسير على مسلكه الخاطيء بمحاربة ثوار العشائر ورجال المقاومة في المحافظات الست، بذريعة مكافحة الإرهاب في تنظيم "داعش" و"القاعدة". لذا فإن إطالة المجابهات المسلحة ستكون لصالح الثوار والمقاومين. لأن أستمرار الإخفاق العسكري لدى قوات المالكي، وتزايد الخسائر بين صفوفه يومياً، تكشف أكثر للعراقيين خصوصاً، وللعالم عموماً، حقيقة هذا الجيش الركيك المسمى زوراً وبهتاناً بالجيش العراقي. هذا من جانب، ومن جانب آخر، تثبت بوضح تام على قوة ومقدرة المقاتلين الثائرين. وإن قادم الأيام ستتتجلى فيها عبارة: مضى الكثير وبقى القليل. لقد أقتربنا، بعونه الله تعالى، في الولوج بالمرحلة الأخيرة من عملية التحرير التي ضحى في سبيلها الأرتال تلو الأرتال من شهداء المقاومة، واليوم يتم لهم ثوار العشائر نبراساً ساطعاً في مسيرة الكفاح المسلح من أجل تحرير العراق أرضاً وشعباً.
 

 

 





الجمعة ١٦ ربيع الاول ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٧ / كانون الثاني / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عماد الدين الجبوري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة